نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الاثنين، 26 أغسطس 2019

" الصليب والخلاص" شعر قصير - 85




للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

(1)
"الراعي الصالح"
الرب راعينا الصالح يقودنا ونحن معه نسير
يسدد احتياجنا بغناه في المجد بغني وفير
يرعانا بمهارة  فهو راعي للصغير والكبير
يرد نفوسنا اليه ويهدينا قصر أو طال المسير
نستريح في أحضانه فهو الاله المحب القدير
 نحبه لانه أحبنا اولاً وهو لنا حارساً ونصير
رحمته تدركنا كل الأيام وبالرجاء كالنسور نطير
.......
(2)

" في أحد الشعانين"
دخل المسيح ألهنا لأورشليم في أحد الشعانين
ملك عادل ومنتصر ووديع ليخلصنا ولنا يعين
فهتف الأطفال لله أوصنا من الأعالي مسبحين
وبسعف النخل والأغصان الناس كانوا متهللين
ونحن معهم نهتف اليوم ونسبح الهنا فرحين
تعال أملك علي قلوبنا وبيوتنا وكنيستنا كل حين
.....

(3)
" العهد الجديد"
الله من محبته للبشر دخل معنا في عهود
وبكثرة رحمته منحنا عبر التاريخ منه وعود
بها صار لنا إلهاً وبقينا شعبه وعنا هو يذود
ختم العهد قديما بدم الذبائح وبختان كل مولود
وفي العهد الجديد أعطانا ذاته  كلي الجود
جسده ودمه الاقدسين، سر الحياة والخلود
يثبتنا ويهبنا حياة أبديه فالموت علينا لايسود
..............
(4)

" الصليب والخلاص"
زي ما موسي رفع الحية النحاسية بالبرية زمان
ومن لدغته حية سامة ينظر اليها يشفي بالإيمان
أرتفع المسيح علي الصليب وأدانا شفاء مجان
ومن يؤمن به لا يهلك ويخلص وينال منه أمان
المسيح بدمه فدنا علي الصليب وحبه للعالم بان
علمنا نحب الكل ونصنع حتي مع أعدائنا أحسان
الصليب قمة الحب والتواضع والبذل والغفران
.....
(5)
" كما يحق لانجيل المسيح"
ياللي عاوز تعيش في سعاده وسلام بصحيح
لازم تقوم من موت الخطية مع الهك المسيح
وتحيا الإيمان العامل بالمحبة والفضيلة فتستريح
أبعد عن الخطية والرياء والكبرياء وحب المديح
وأطلب مافوق حيث رب المجد والسماء الفسيح
كن متواضع طيب القلب وأفرح بحياة التسبيح
فقط عيشوا كما يحق لإنجيل ربنا يسوع المسيح
فحياتنا وأن طالت قصيرة كبخار ماء ونسمة ريح

الأربعاء، 21 أغسطس 2019

كرامة القديسة مريم العذراء-2


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
والدة الإلة القديسة مريم ...
+ تتشفع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومؤمنيها بامنا القديسة مريم العذراء وتعطيها الإكرام اللائق بها، دون مبالغة، ودون إقلال من شأنها. فمريم العذراء هى الإنسانة التي شرفها الآب بالتجسد الإلهى وبشرها رئيس الملائكة غبريال المبشر قائلا {الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يدعى أبن الله} (لو1: 35). ونجد الكثير من النبؤات والرموز في العهد القديم تنبأت بالتجسد الإلهي من القديسة مريم، فعن الخلاص الذى وعد به الله أبوينا آدم وحواء قال لهما {أن نسل المرأة يسحق رأس الحية } (تك15: 3). القديسة مريم هى العذراء مريم ونسلها هو المسيح الذى سحق رأس الحية على الصليب. وعن الحبل البتولي منها تنبأ أشعياء النبي قائلا { وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ}(أشعياء 7: 14).
+ كرامة العذراء والدة الإله تفوق كل كرامة نالها ملاك او رئيس ملائكة أو الشاروبيم والسارافيم، وتكريمنا للعذراء مريم يحدده قولها {هوذا انا امة الرب} فهى أيضا فى تقليدنا عبده وامة خاضعة لسلطان الله ويحتم فى الايقونة القبطية ان ترسم العذراء حاملة للمسيح على ذراعها الايسر "قامت الملكة عن يمين الملك" فنكرم العذراء لانتسابها وأمومتها لله الكلمة. فهي أم الإله المتجسّد.
+ القديسة مريم العذراء في اعتقاد الكنيسة وبحسب الإنجيل "والدة الإله" وليست والدة "يسوع" كما ادعى النساطرة بسبب إنكارهم لاهوت المسيح، وحاربهم القديس كيرلس الأسكندري، وحرمهم مجمع أفسس المسكوني المقدس. الروح القدس قدس مستودع العذراء لياتي المولود منها بحبل بلا دنس الخطية الأصلية. أما العذراء نفسها، فقد حبلت بها أمها كسائر الناس، وهكذا قالت العذراء في تسبحتها {تبتهج روحي بالله مخلصي} (لو1: 47).  ولقب والدة الإله أطلقه المجمع المسكوني المقدس المنعقد في أفسس سنة 431م وهو اللقب الذي تمسك به القديس كيرلس الكبير ردا علي نسطور وبهذا اللقب  خاطبتها القديسة أليصابات { فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ». } (لو 34:1-45). والكنيسة في تعليمها تميز بين اصطلاحي "العبادة" و"التكريم"، فهي لا تدعو، مطلقا، الى عبادة مريم وإنما تكرمها وهي بذلك تطيع ما جاء على لسانها { فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي } (لو 1: 48). ولقد استعمل لقب والدة الإله كثير من الآباء الأولين مثل هيبوليتس، وديديموس الضرير، وألكسندروس بطريرك الاسكندرية، وغريغوريوس النيصصي، وكيرلُّس الاسكندري وغيرهم، مما يؤكد انه كان لقب معروف ورائج قبل أن سطره الآباء عقيدةً في مجمع أفسس.
+ لقد حل الله الكلمة وتجسد من بطن العذراء وإتحد بجسدنا إتحاداً معجزياً ليس له مثيل، بدون إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير، وبدون إنفصال ولا إزدواجية ولا تناقض فهو إتحاد معجزى فى المسيح الواحد، بلاهوت كامل وناسوت كامل. الله الحال فى كل مكان بلاهوته حل وتجسد وتأنس من القديسة مريم العذراء وصار إنسان وإفتدانا وصلب ومات عنا، وقام من الأموات، وصعد الي السموات، وجلس على يمين الآب بجسد روحاني نوراني ممجد. كل الأعمال التى قام بها الناسوت المتحد به كل ملء اللاهوت في المسيح يسوع ربنا، ولقد شبه القديس كيرلس ذلك الإتحاد المعجزى بين اللاهوت والناسوت بإتحاد النار بالحديد، إلى كيان إتحادى واحد، هو الحديد المحمى، بدون أن تتغير طبيعة النار وبدون أن تتغير طبيعة الحديد، وبدون أن يكونا منفصلين عن بعضهما، والذى يمسك ذلك الحديد المحمى بالنار سيحترق بناره، مع أنه فى الأصل النار لا تُمسك والحديد لا يحرق. والتشبيه مع الفارق. وتسمية والدة الإله، لا يعنى أننا ننسب لها الإلوهية، وإنما ذلك يشبه تسمية الأم بالقاب إبنها، مثلما نقول " أم الدكتور"، على إنسانة قد لا تكون متعلمة نهائياً، ولكن إبنها دكتور. وبنفس هذا المعنى، نقول على السيدة العذراء، أنها أم ربنا وأم الله وأم النور وأم الخلاص وأم الرحمة... إلخ، وكلها بالمعنى المجازى والروحي. والإعلان عن أنّ مريم العذراء هي حقًّا "والدة الإله" قد تمّ في المجمع المسكوني الثالث المنعقد في أفسس سنة 431 في أيّام الامبراطور ثيودوسيوس الثاني. تلك هي العقيدة المريميّة الأساسية التي تجمع كلّ المسيحيين. لماذا تمّ إعلان تلك العقيدة؟ وماذا تعني؟. لم يلتئم مجمع أفسس لتحديد عقيدة بشأن مريم العذراء، بل لتحديد عقيدة بشأن السيّد المسيح. فأعلن، ضدّ نسطوريوس، أنّ المسيح شخص واحد في طبيعتين، وليس شخصين متّحدين أحدهما بالآخر كرامة وسلطة. وينتج من هذا التحديد أنّ مريم العذراء، التي هي أمّ هذا الشخص الواحد، شخص ابن الله، هي حقًّا "والدة الإله". لم يصدر عن المجمع قانون إيمان خاص. بل اكتفى المجمع بالموافقة على رسالة القدّيس كيرلّس إلى نسطوريوس. وقد جاء فيها:
"إنّنا نعترف بأنّ الكلمة صار واحدًا مع الجسد، إذ اتّحد به اتّحادًا أقنوميًّا. فنعبد الشخص الواحد، الابن الربّ يسوع المسيح. إنّنا لا نفرّق بين الإله والإنسان، ولا نفصل بينهما كأنّهما اتّحدا الواحد بالآخر اتّحاد كرامة وسلطة. فهذا القول ليس سوى كلام فارغ. ولا ندعو الكلمة المولود من الله مسيحًا آخر غير المسيح المولود من امرأة. إنّما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من الآب، وهو الذي اتّخذ جسدًا. إنّنا لا نقول إنّ طبيعة الله الكلمة تغيّرت فصارت جسدًا، ولا إنّها تحوّلت إلى إنسان كامل مكوّن من نفس وجسد. ولكننا نؤكّد أنّ الكلمة، باتّحاده اتّحادًا أقنوميًّا بجسد تحييه نفس عاقلة، صار إنسانًا على نحو لا يفي به وصف ولا يمكن إدراكه، ودعي ابن البشر. هذه الوحدة لم تتمّ بأنّ الكلمة اتّخذ شخصاً وحسب. وإن اختلفت الطبيعتان اللتان اتّحدتا اتحادًا حقيقيًّا، ففي كليهما مسيح واحد وابن واحد... ليس أنّ إنسانًا اعتياديًّا وُلد من مريم العذراء ثمّ حلّ عليه الكلمة... فالكتاب المقدّس لم يقل إنّ الكلمة وحّد بين نفسه وشخص إنسان، بل قال إنّه صار جسدًا. وهذا التعبير "الكلمة صار جسدًا" لا يمكن أن يعني شيئًا آخر غير أنّه اتّخذ لحمًا ودمًا مثلنا أي جعل جسدنا جسدًا له. ووُلد إنسانًا من امرأة دون أن يخلع عنه وجوده كإله أو ولادته الأزليّة من الله الآب. ولكنّه مع اتّخاذه لذاته جسدًا بقي كما كان. هذا هو إعلان الإيمان القويم الذي ينادى به في كل مكان. وهكذا اعتقد الآباء القدّيسون، ولذلك تجرّأوا على أن يدعوا العذراء القدّيسة "والدة الإله"، ليس لأنّ طبيعة الكلمة أو ألوهيّته كانت بدايتها من العذراء القدّيسة، بل لأنّه منها ولد الجسد المقدّس بنفس عاقلة، وهو الجسد الذي اتّحد به شخصيًّا الكلمة الذي قيل عنه إنّه وُلد بحسب الجسد".
+ القديسة مريم العذراء والدة الاله، هي أم روحية للكنيسة وللمؤمنين، وفخر العذاري، فعلى الصليب نظر اليها السيد المسيح له المجد في محبة وأحساس بقلب الأم الحزينة والتي يجوز في قلبها سيف الألم وهي تري ابنها وربها علي الصليب وأشار اليها بيوحنا الرسول كأبن يرعاها وعهد الي القديس يوحنا الحبيب برعايتها { فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.} (يو26:19-27). فان كانت العذراء مريم أم روحية لابينا القديس يوحنا الرسول فكم بالحرى هي أم روحية لنا نحن المؤمنين. نراها تشاركنا أفراحنا كما فى عرس قانا الجليل، وتشير علينا أن نعمل بوصايا أبنها الحبيب كما قالت فى العرس للخدام { قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»} (يو 5:2). ومن يريد أن يأخذ بركة أمنا العذراء كام روحية له عليه بطاعة الله وصنع أرادة الله كوصية القديسة مريم كأم روحية لنا.

السيدة العذراء في طقس الكنيسة

إذ نتتبع صلوات التسبحة اليومية ومزامير السواعى والقداس الإلهى نجد تراثاً غنياً من التعبيرات والجمل التى تشرح طوباويتها وتذكر جميع الأوصاف التى خلعتها عليها الكنيسة، وهى مأخوذة عن أصالة لاهوتية، وكلها من وضع آباء قديسين ولاهوتيين، استوحوها من الكتاب المقدس، ومن رموز ونبوات العهد القديم، التى تحققت فى شخصية العذراء.
1- القديسة مريم فى صلوات التسبحة
 تعطي الكنيسة القبطية اهتماما خاصا بالتسبيح، بكونه تعبيرا عن طبيعة الكنيسة السماوية، تتقبلها خلال اتحادها بالسيد المسيح المقام من الأموات. فمن القرون الأولى وضعت تسابيح خاصة بكل يوم من أيام الأسبوع، تقدمها الكنيسة ذبيحة حب، يرفعها المؤمنون من أجل انطلاق قلوبهم للسماء، استعدادا مستمرا خلال الأسبوع للتمتع بالشركة في القداس الإلهي. هذه التسابيح البسيطة العذبة استخدمت أيضا لتعليم الشعب المعتقدات الأرثوذكسية وحمايتهم من الهرطقات. هذا بجانب ما للاجتماع الكنسي اليومي للتسبيح من فاعلية لحفظ روح وحدة الكنيسة.
 كل تسبحة يومية تضم: الصلاة الربانية، صلاة الشكر، مجموعة من المزامير، مقتطفات من الكتاب المقدس، أربع هوسات أي تسابيح ولبش أي تفسير، كما تتضمن ثيؤطوكية خاصة باليوم أي تسبحة خاصة بتمجيد العذراء أي مخصصة لتمجيد والدة الإله.
وكنماذج مما فى التسبحة  الأيام العادية تمجيداً لاسم السيدة العذراء فى بدء صلاة نصف الليل فى القطعة الخاصة بالقيامة نخاطبها قائلين: "كل الأفراح تليق بك يا والدة الآلة لأنه من قبلك أرجع آدم الى الفردوس ونالت الزينة حواء عوض حزنها"
ونطلب شفاعتها فى آخر لبشين (آى تفسير) الهوس الأول والثانى وكذا فى أول صلاة المجمع. وهناك ثلاثة ذكصولوجيات (آى تماجيد) خاصة بالعذراء تقال فى صلاة عشية ونصف الليل وباكر، تحوى كثير من التماجيد التى تمجد طوباويتها مثل: "زينة مريم فى السماويات العلوية عن يمين حبيبها تطلب منه عنا". وفى نهاية كل ذوكصولوجية نكمل: "السلام لك أيتها العذراء الملكة الحقيقة الحقانية السلام لفخر جنسنا لانك ولدت لنا عمانوئيل، نسألك اذكرينا أيتها الشفيعة الأمينة لدى ربنا يسوع المسيح ليغفر لنا خطايانا".
 لقد استخدمت الثيؤطوكيات عددا كبيرا من ألقاب القديسة مريم مأخوذة عن أعمالها المتباينة وامتيازاتها المختلفة، مثل:  "القبة الثانية"، قدس الأقداس، قسط المن الذهبي، المنارة الذهبية، المجمرة الذهب، غير الدنسة، العذراء الحقيقية، الحمامة الحسنة، الزهرة القديسة، الحجر الثمين.  الثيؤتوكوس، والدة عمانوئيل، أم الملجأ، أم القدوس، والدة الإله، والدة السيد، والدة الحبيب، أم يسوع المسيح، أم ابن الله. فرح حواء، بهجة الأجيال.فخر يهوذا، كرازة موسى، صديقة سليمان، ابنة يواقيم". "عليقة موسى المشتعلة، الحقل غير المفلح الذي انتج ثمرة الحياة، الكنز الذي اشتراه يوسف ووجد فيه اللؤلؤة المختفية، مرضعة ذاك الذي يقوت كل جسد، جبل سيناء العاقل، الجبل الذي رآه دانيال، الكاملة، الطاهرة، فرح الملائكة. أم المسيح، أم كل حي. السماء الثانية، الباب الشرقي، أورشليم مدينة ربنا، الفردوس العاقل.العروس الطاهرة للعريس الطاهر، غير الفاسدة.التي بلا عيب، الإناء المختار، العبدة والأم. معمل الاتحاد غير المنفصل (بين اللاهوت والناسوت). فخر كل العذارى، سماء جديدة، الشفيعة الأمينة. والثيؤتوكيات غنية جدا بالرموز الخاصة بالقديسة مريم، مقتبسة من الكتاب المقدس، مع عرض لاهوتي بسيط وعميق لأعمال القديسة وامتيازاتها وعلاقتها بالثالوث القدوس والسمائيين والمؤمنين وكل الجنس البشري.
وخلال هذه التسابيح توضح الكنيسة سر التجسد وسر خلاصنا مع جوانب كثيرة من لاهوت السيد المسيح. من أمثلة ذلك:
+ فى ثيؤطوكية الأحد " الله الكلمة الذي صار إنسانا بغير افتراق، واحد من اثنين: اللاهوت القدوس غير الفاسد، والناسوت الطاهر، من غير زرع بشر، مساو لنا كالتدبير" .
+ وفي ثيؤطوكية الخميس نقول "  لم يزل إلها، أتي وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقي، أتي وخلصنا". هذه الثيؤتوكيات في الواقع هي تسابيح ليتورجيا، تهيئنا روحيا للشركة في ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي)، للتمتع بالتناول من المن الحقيقي، جسد ودم يسوع المسيح الهنا. ومن الثيؤطوكيات نتكشف الأساس اللاهوتي الرئيسي في تكريم الأقباط للقديسة مريم ألا وهو أنها "ثيؤتوكوس" أي والدة الإله، هذا بجانب الجوانب الأخرى مثل دوام بتوليتها وأمومتها وصداقتها القوية للمؤمنين.
من رموز القديسة مريم في التسابيح القبطية:
1- خيمة الاجتماع: ثيؤتوكية الأحد تدعو القديسة مريم: "القبة الثانية وقدس أقداس خيمة الاجتماع الخ.. "من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التي صنعها موسى على جبل سيناء؟! شبهوك بها، يا مريم العذراء، القبة الحقيقية،التي في داخلها الله".
2- تابوت العهد:
 فى ثيؤطوكية الأحد شبهت القديسة مريم بتابوت العهد المصنوع من الخشب الذي لا يسوس مغشى بالذهب من الداخل والخارج. "وأنت يا مريم العذراء، متسربلة بمجد اللاهوت من الداخل والخارج". تابوت العهد الذي يمثل حضرة الله، وبقى في بيت عوبيد آدوم ثلاثة شهور قبلما يحضره داود إلى بيته (2 صم 6)، والقديسة مريم الحاملة للرب نفسه بقيت ثلاثة شهور في مدينة اليهودية. كان حمل التابوت يبعث في الشعب فرحا، وجعل داود يرقص أمام الرب (2صم6، 1 آي 15: 29)، وهكذا وصول القديسة مريم بعث في اليصابات الفرح وركض الجنين –يوحنا المعمدان- في أحشاء أمه مبتهجا. حقا أن القديسة مريم هى تابوت الله الحقيقي والتي صارت سر فرح كل الخليقة.
3- غطاء التابوت:
 كان غطاء التابوت يسمى في العبرية "شكينا أو مسكن"، إذ كان يمثل كرسي الرحمة الخاص بالله، يظلله كاروبان. وكان الله يظهر بين الكاروبين في لون أزرق رمز السماء، ومن هناك أعتاد الله أن يتحدث مع موسى. القديسة مريم هي هذا الغطاء، رمز الكنيسة، حيث يجلس الله على عرش رحمته وسط شعبه. ففى  ثيؤطوكية الأحد نقول: كاروبا الذهب مصوران مظللان على الغطاء بأجنحتهما كل حين. يظللان على موضع قدس الأقداس في القبة الثانية. وأنت يا مريم ألوف ألوف وربوات ربوات يظللان عليك"مسبحين خالقهم، وهو في بطنك.هذا الذي أخذ شبهنا".
4- قسط المن
فى ثيؤتوكية الأحد نقول "أنت هي قسط الذهب النقي، المن الخفي في داخله، خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء، وأعطى الحياة للعالم... وأنت أيضا يا مريم حملت في بطنك، المن العقلي الذي أتى من الآب. ولدته بغير دنس، وأعطانا جسده ودمه الكريمين فحيينا إلى الأبد..."
في العهد القديم عال الله شعبه بالمن، أما الآن فيعطينا المن العقلي الذي نزل من السماء في أحشاء العذراء. وكما يقول الرب نفسه:  {آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان. أن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم} (يو6: 49-51). يليق بنا أن نعرف أن القديسة مريم لم تكن مجرد إناء، بل أن السيد المسيح أخذ المن المخفي جسده منها.
5- المنارة الذهبية:
 +  في ثيؤطوكية الأحد ..  أنت المنارة الذهب النقي، الحاملة المصباح المتقد كل حين.  الذي هو نور العالم غير المقترب إليه... الذي تجسد منك بغير تغيير... كل الرتب العلوية لم تقدر أن تشبهك أيتها المنارة الذهبية...  الذي في بطنك يا مريم العذراء، أضاء لكل إنسان آت إلى العالم لأنه هو شمس البر، ولدته، وشفانا من خطايانا..."هكذا صارت القديسة مريم أعظم من كل الطغمات السمائية، لأنها حملت النور الحقيقي. أضاء ولم تستطع خليقة ما أن تعاين جوهره!
6- العليقة المتقدة نارا
 فى ثيؤطوكية الخميس نسبح قائلين "العليقة التي رآها موسى في البرية، والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها، هي مثال مريم العذراء غير الدنسة، التي أتى وتجسد منها كلمة الآب. ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء. وأيضا بعدما ولدته بقيت عذراء." العليقة ليس فقط لم تحترق بل كانت مخضرة ومزهرة.
 7- عصا هرون
من ثيؤطوكية الاحد .." مرتفعة أنت بالحقيقة أكثر من عصا هرون، أيتها الممتلئة نعمة، ما هي العصا إلا مريم؟! لأنها مثال بتوليتها. حبلت وولدت بغير زرع بشر، ابن العلي، الكلمة الذاتي".  العصا التي بلا حياة أزهرت (عد 17: 8) رمزا للقديسة مريم التي أنجبت "الحياة".
8- سلم يعقوب
 من  ثيؤطوكية الثلاثاء : أنت هي السلم الذي رآه يعقوب  ثابت على الأرض، ومرتفع إلى السماء، والملائكة نازلون عليه. وقدمت لنا التسابيح اليومية رموز ومثالات أخرى للقديسة مريم مثل  مجمرة هرون، باب حزقيال، فلك نوح، مدينة الله، السحابة المنيرة التي يجلس عليها الله (أش 19)، أورشليم الجديدة إلخ...
2- القديسة مريم في القداس الإلهي:
 تحتل النصوص والتسابيح المريمية مركزا ساميا في ليتورجياتنا، وقد نظمت معانيها الروحية ونغماتها بطريقة جميلة تتفق مع المناسبات المختلفة.
  وفيما يلي أمثلة لمركز النصوص المريمية في بعض الليتورجيات القبطية: ففى رفع بخور عشية وباكر .. ترتل أرباع الناقوس بعد صلاة الشكر، وفيها تختلف الجمل، نرسل بها السلام للعذراء فى الأيام الواطس أو الآدام ثم نكمل: "... السلام لك يا مريم سلام مقدس السلام لك يامريم أم القدوس" وتصلى القطع التى تسبق قانون الايمان وأولها: السلام لك أيتها القديسة"
قبل تقديم الحمل يقال اللحن التالي:
 "السلام لمريم الملكة، الكرمة غير الشائخة، التي لم يفلحها فلاح، ووجد فيها عنقود الحياة!... ابن الله الحقيقي تجسد من العذراء... وجدت نعمة أيتها العروس، كثيرون نطقوا بكرامتك، لأن كلمة الأب تجسد منك! أنت هي البرج العالي، الذي وجدوا فيها الجوهرة..."
 يحمل هذا اللحن معاني تتناسب مع الموقف، فإن الكنيسة في هذه اللحظات تستعد لتقديم الحمل، بعد أن يختاره الكاهن وهو واقف عند الباب الملكي أي الباب السماوي، هذا الحمل هو الملك. لهذا فإن القديسة مريم في هذا اللحن تدعى الملكة، لتذكرنا بالملك السماوي، ابنها الذي بذل حياته لنكون واحدا مع هذه الملكة جالسين عن يمين الملك.  ودعيت أيضا بالعروس، لأن ليتورجيا الأفخارستيا في الحقيقة تمثل سر اتحاد العريس السماوي والكنيسة، تمثل سر الزيجة الروحية بين المسيح المصلوب ونفوسنا.  ولقبت أيضا بالبرج العالي، إذ استطاعت الدخول في الفردوس في استحقاق ابنها، تنتظرنا هناك.  وأخيرا فإن هذا اللحن خاص بسر التجسد الذي تحقق في أحشاء القديسة مريم، السر الذي يقودنا للتناول من جسد الرب ودمه الاقدسين.
 (ب) في أثناء تقديم البخور يترنم الشعب باللحن التالي:
 "المجمرة الذهب النقي، الحاملة العنبر، في يدي هرون الكاهن، يرفع بخورا فوق المذبح". وفي أيام الصوم يقال:
 "المجمرة الذهب هي العذراء، وعنبرها هو مخلصنا، ولدته وخلصنا، وغفر لنا خطايانا.
 وفي أيام الصوم الكبير يقال:
 "أنت هي المجمرة الذهب النقي، الحاملة جمر النار المبارك".
 تعلن هذه الألحان أن عملية تقديم البخور هي رمز لسر التجسد، إذ قدم الإله المتجسد نفسه عنا ذبيحة طيبة، مقبولة لدى الأب.
 (ج) عند تقديم البخور أمام أيقونة القديسة مريم، يقول الكاهن القبطي العبارات التالية:
"السلام لك أيتها الحمامة الحسنة، التي حملت الله الكلمة من أجلنا.
نعطيك السلام مع جبرائيل الملاك قائلين: السلام لكي أيتها الممتلئة نعمة،
الرب معك"."السلام لك أيتها العذراء، الملكة الحقيقية،
 السلام لفخر جنسنا" ولدت لنا عمانوئيل".
 "نسألك أيتها الشفيعة المؤتمنة أن تذكرينا أمام ربنا يسوع المسيح،
لكي يغفر لنا خطايانا".
 (د) قبل قراءة الأبراكسيس يقال:
 "السلام لك يا مريم، الحمامة الحسنة، التي ولدت لنا الله الكلمة!".
يرنم هذا اللحن الذي فيه توصف القديسة مريم كحمامة حسنة قبل قراءة فصل من سفر أعمال الكنيسة (أعمال الرسل)، لأن القديسة هي مثال الكنيسة التي بلا غصن التي تقبلت القداسة من يدي الله خلال يسوع المسيح، الإله المتجسد، هذا وأننا نلاحظ أن جميع الألحان المريمية التي ترنم خلال القراءات (قداس الكلمة) تركز على التجسد الإلهي، وكأننا لسنا فقط نسمع عن كلمة الله المقروءة بل نتقبل الكلمة كشخص يسكن في نفوسنا كما يسكن في أحشاء القديسة.
 (ه) بعد صلاة الصلح، عادة يقال اللحن التالي:
 "أفرحي يا مريم العبدة والأم، لأن الذي في حجرك، الملائكة تسبحه. والشار وبيم يسجدون له باستحقاق، والسيرافيم بغير فتور. ليس لنا دالة، عند ربنا يسوع المسيح، سوى طلباتك وشفاعتك يا سيدتنا كلنا، يا والدة الإله". هكذا إذ تمت المصالحة التي تحققت بالمسيح يسوع، صارت مريم مثالا للكنيسة، لها أن تفرح.كما نطلب شفاعتها عنا، خلال المصالحة التي صنعها يسوع!.
 (و) بعد تقديس القرابين إذ تتحد الكنيسة في المسيح يسوع نذكر القديسين لكي يسندوننا بصلواتهم. وكان طبيعيا أن نذكر القديسة مريم في مقدمة كل القديسين:  "وبالأكثر العذراء كل حين، والدة الإله، القديسة المملؤة مجدا،الطاهرة مريم،التي ولدت لنا الله الكلمة".
 (ز) وفي صلوات مجمع القدس الباسيلي
عند التناول من الأسرار المقدسة، يقال لحن (بي أويك) أي "الخبز":
 "خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء، وهب الحياة للعالم. وأنت أيضا يا مريم، حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الأب". ولدته بغير دنس، وأعطانا جسده ودمه الكريم، فحيينا إلى الأبد".
3- فى مزامير السواعى:
رتبت الكنيسة فى صلاة الأجبية قطعاً مختارة بعد إنجيل كل ساعة فى نظام دقيق، تختص القطعة الثالثة دائماً بطلب شفاعات العذراء. وفى بعض هذه القطع تلقب العذراء بأنها الكرمة الحقيقية الحاملة عنقود الحياة، والممتلئة نعمة، سور خلاصنا الحصن المنيع غير المنثلم، باب الحياة العقلى.
بعد هذا العرض السريع للترتيب الكنسى الخاص بالسيدة العذراء، نلاحظ مقدار الغنى والوفرة فى الصلوات والتسابيح المخصصة لتطويب وتمجيد العذراء مريم، كام وشفيعة لنا تربطنا بها علاقة وعشرة محبة ووفاء والتصاق بواقعنا اليومي لتنطلق قلوبنا وألسنتنا على الدوام، لنمجد هذه التى قالت عن نفسها: "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى".

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

كرامة القديسة مريم العذراء -1



للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

1- كرامة القديسة مريم وصية الكتاب المقدس
تكرم كنيستنا القبطية الأرثوذكسية القديسة مريم العذراء كوصية الكتاب المقدس فهي التي تطلع الأب من السماء فلم يجد من يشبهها، فارسل أبنه الوحيد أتي وتجسد منها كقول رئيس الملائكة غبريال المبشر لها { فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»  فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.}( لو 30:1-35)  ولهذا قالت العذراء فى الإنجيل (فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِى) (لو 48: 1). وعبارة "جَمِيعُ الأَجْيَالِ"  تعنى أن تطويب العذراء هو عقيدة كتابية استمرت منذ البشارة بالميلاد وستبقى إلى آخر الزمان. ولعل من عبارات إكرام العذراء التى سجلها الكتاب أيضاً قول القديسة أليصابات لها { فَمِنْ أَيْنَ لِى هَذَا أَنْ تَأْتِىَ أُمُّ رَبِّى إِلَىَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِى أُذُنَىَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِى بَطْنِى} (لو 43: 1-44). والعجيب هنا فى كرامة العذراء، أن مجرد سلامها علي اليصابات جعل يوحنا المعمدان جنيناً يبتهج ويرتكض في بطن أمه ( فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِى بَطْنِهَا وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ} (لو 41: 1). ومجرد سماعها صوت القديسة العذراء، جعلها تمتلئ من الروح القدس وتعبر عن إيمانها بان العذراء ستلد الأبن الكلمة المتجسد. فلا توجد امرأة تنبأ عنها الأنبياء واهتم بها الكتاب مثل مريم العذراء، فقد جاءت رموز ونبوات عديدة عنها في العهد القديم. ونحن من حياتها وفضائلها نتعلم ونقتدي ومن تسبحتها والمعجزات التي تحدث للمؤمنين بشفاعتها نحبها ونكرمها ونطلب معونتها لنا فى جهادنا الروحي .
فما أكثر التمجيدات والتأملات التي وردت عن العذراء في كتب الأباء. وما أمجد الألقاب التي تلقبها بها الكنيسة، وكلها مستوحاة من روح الكتاب. إنها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا الملكة القائمة عن يمين الملك العذراء الدائمة البتولية، الطاهرة المملوءة نعمة القديسة مريم، الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور، أم الرحمة والخلاص، الكرمة الحقانية. هي التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها وألحانها: علوت يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السارافيم.
+ العذراء لم تنل الكرامة فقط من البشر، وإنما أيضاً من الملائكة. وهذا واضح فى تحية الملاك جبرائيل لها بقوله { سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ} (لو 28: 1). ونلاحظ أن أسلوب مخاطبة الملاك للعذراء فيه يظهر الأكرام للعذراء  أكثر من أسلوبه فى مخاطبة زكريا الكاهن {لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا} (لو 13: 1).
+ ونبوءات كثيرة فى الكتاب عن القديسة مريم العذراء، ومنها نبؤة أشعيا النبي عن الميلاد البتولي للعذراء وان المولود منها هو عمانوئيل  { ولكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل} (اش 7 : 14). { بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ"}(مز 9: 45). وفى نفس المزمور يقول عنها الوحى الإلهى {كُلُّ مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِى خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا" (مز 13: 45). فهى إذن ملكة ولذلك فإن الكنيسة القبطية فى أيقوناتها الخاصة بالعذراء، تصورها كملكة متوجة، وتجعل مكانها باستمرار عن يمين السيد المسيح له المجد. والكنيسة تمدح العذراء فى ألحانها قائلة (نساء كثيرات نلن كرامات. ولم تنل مثلك واحدة منهن). وهذه العبارة مأخوذة من الكتاب (أم 29: 31). السيدة العذراء هى مشتهي الأجيال كلها، فهى التى استطاع نسلها أن يسحق الشيطان "هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" محققاً أول وعد لله بالخلاص (تك 15: 3). والعذراء من حيث هى أم المسيح، يمكن أن أمومتها تنطبق على كل ألقاب السيد المسيح. فالمسيح هو "النُّورُ الْحَقِيقِىُّ" (يو 9: 1). وهو الذى قال عن نفسه "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ" (يو 12: 8). إذن تكون أمه العذراء هى أم النور. ومادام المسيح قدوساً (لو 53: 1) تكون هى أم القدوس ومادام هو المخلص، حسبما قيل للرعاة "أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 11: 2). وحسب أسمه { فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ} (مت 21: 1). إذن تكون العذراء هى أم المخلص. ومادام المسيح هو الله (يو 1: 1، رو 5: 9، يو 28: 20). إذن تكون العذراء هى والدة الإله. ومادام هو الرب، حسب قول أليصابات عن العذراء "أُمُّ رَبِّى" (لو 43: 1). إذن تكون العذراء هى أم الرب. وبنفس القياس هى أم عمانوئيل (مت 23: 1) وهى أم الكلمة المتجسد (يو 14: 1).
2- كرامة القديسة مريم في الكنيسة القبطية ...
أن الكنيسة القبطية الأرثوذكيسة فى تكريمها للقديسة مريم العذراء جعلت شهر كيهك السابق لميلاد السيد المسيح مخصص لتسابيح التجسد الإلهي والسيد العذراء مريم بالحانه وتسابيحه ومداح كيهك المميزة، وفيه نكرم العذراء التي صارت والدة الإله فى االثيوطوكيات والمداح ونعطيها السلام ونطوبها ونطلب شفاعتها فى صلوات الأجبية فى القطعة الثالثة من كل صلاة بعد إنجيل كل ساعة من الصلوات وفي القداس الإلهي نطلب شفاعتها باستمرار ونعطيها السلام مع غبريال المبشر. كما أننا ندشن الكثير من الكنائس علي اسمها ونعيد لها سبعة أعياد.
أعياد الكنيسة للقديسة مريم العذراء:
كل قديس له في الكنيسة عيد واحد، هو يوم نياحته أو استشهاده وربما عيد أخر هو العثور علي رفاته أو معجزة حدثت باسمه أو بناء كنيسة له
لكن القديسة العذراء لها أعياد كثيرة جدا منها:
وهو يوم 7 مسري، حيث بشر ملاك الرب أباها يواقيم بميلادها ففرح بذلك هو وأمها حنة ونذرها للرب.
وتعيد له الكنيسة في أول بشنس.
وتعيد له الكنيسة يوم 3 كيهك وهو اليوم الذي دخلت فيه لتتعبد في الهيكل في الدار المخصصة للعذاري.
ومعها السيد المسيح ويوسف النجار وتعيد له الكنيسة يوم 24 بشنس.
وهو يوم 21 طوبة وتذكر فيه الكنيسة أيضا المعجزات التي تمت في ذلك اليوم وكان حولها الأباء الرسل ما عدا القديس توما الذي كان وقتذاك يبشر في الهند.
وهو يوم 21 من كل شهر قبطي، تذكار لنياحتها في 21 طوبة.
7- عيد صعود جسدها إلي السماء:
وتعيد له الكنيسة في يوم 16 مسري الذي يوافق 22 من أغسطس ويسبقه صوم العذراء (15 يوما).
8- عيد معجزتها (حالة الحديد):
وهو يوم 21 بؤونة ونذكر فيه معجزات في حل أسر القديس متياس الرسول ومن معه بحل الحديد الذي قيدوا به.
ونعيد أيضا لبناء أول كنيسة علي اسمها في فيلبي.
وكل هذه الأعياد لها في طقس الكنيسة ألحان خاصة وذكصولوجيات تشمل في طياتها الكثير من النبوءات والرموز الخاصة بها في العهد القديم.
علي قباب كنيسة العذراء وكان ذلك يوم 2 أبريل سنة 1968 واستمر لمدة طويلة ويوافق 24 برمهات تقريبا. وبالإضافة إلي كل هذا نحتفل طول شهر كيهك بتسابيح خاصة ومداح عن كرامة السيدة العذراء.
3- أمومة العذراء للمؤمنين....
وإن كانت العذراء هى أم المسيح، فمن باب أولى تكون أماً روحية لجميع المسيحيين. ويكفى أن السيد المسيح وهو على الصليب، قال عن العذراء للقديس يوحنا الرسول الحبيب { هُوَذَا أُمُّكَ} (يو 27: 19). فإن كانت أماً لهذا الرسول الذى يخاطبنا بقوله {يَا أَوْلاَدِى} (1يو 1: 2). فبالتالى تكون العذراء هى أم لنا جميعاً. وتكون عبارة (أختنا) التي يرددها البعض  لا تستحق الرد. فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون أماً للمسيح وأختاً لأحد المؤمنين باسمه..!
 إن من يكرم أم المسيح، إنما يكرم المسيح نفسه. أن آكرام الأب والأم هو أول وصية بوعد (أف 2: 6، خر 12: 20، تث 16: 5). أفلا نكرم العذراء أمنا وأم المسيح وأم أبائنا الرسل؟! هذه التى قال لها الملاك { اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِىِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ} (لو 35: 1). هذه التى طوبتها القديسة أليصابات بقولها { فَطُوبَى لِلَّتِى آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ} (لو 45: 1). والتى جميع الأجيال تطوبها. وعبارة { مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ}(لو 28: 1، 42: 1) التى قيلت لها من الملاك جبرائيل ومن القديسة أليصابات، تعنى أنها إذا قورنت بكل نساء العالم، تكون هى المباركة فيهم، لأنه لم تنل واحدة منهن مجداً نالته فى التجسد الإلهى. ولاشك أن الله قد اختارها من بين كل نساء العالم، لصفات فيها لم تكن تتوافر فى واحد منهن. ومن هنا يظهر علو مكانتها وإرتفاعها. لذلك لقبها إشعياء النبى بلقب (سحابة) أثناء مجيئها إلى مصر (إش 1: 19).
 أن الكنيسة تكرم العذراء لأنها والدة الإله ولأنها دائمة البتولية، ولقداستها وشهادة الكتاب عنها، ولأن الرب نفسه قد أكرمها كما تكرمها الكنيسة كذلك من أجل معجزاتها وظهوراتها المقدسة. وهذا التكريم يظهر فى طقس الكنيسة وتسابيحها وألحانها، وفى التشفع بالعذراء وذكرها فى صلواتنا، كما يظهر فى الاحتفال بأعياد كثيرة لها. وفى تقديس أحد أصومنا على اسمها.

الأحد، 18 أغسطس 2019

عيد التجلي المجيد



للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
علي جبل طابور ..
+ صعود السيد المسيح مع تلاميذه علي جبل عال يمثل لنا حياة السمو والرفعة والترفع عن الشهوات والبعد عن الرغبات الأرضية، وعلي الجبل تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابة بيضاء كالنور. لقد رأى التلاميذ الرب في مجده  كاعلان للملكوت السماوى  الممتد فوق كل حدود الزمان، تتذوقه النفس البشريّة التي قبلت أن تكون إيجابيّة وعاملة مع المسيح بحمل الصليب وتبعيتها له للتمتّع بقوة قيامته. إن التجلي يمثّل دفعه قويّة يهبها الرب لجنوده الروحيّين للجهاد المستمر ضدّ إبليس وأعماله، ليهب فيهم الحنين نحو المكافأة الأبديّة والتمتّع بشركة الأمجاد السماويّة. فالتجلّي الذي تحقّق مرّة في حياة ثلاثة من التلاميذ، صار رصيدًا قدّمه السيّد لحساب الكنيسة كلها، تسحب منه كل يوم فيتزايد. تطلبه فتجده خبرة يوميّة تقويّة، يعيشها المؤمن من خلال المحبة وطاعة الوصية سواء في عبادته الجماعيّة أو العائليّة أو الشخصيّة، كما يتذوّقها أثناء جهاده او تأمله وصلواته أو في تعامله مع الأتقياء كما مع الأشرار. إنه لقاء مستمر مع ربّنا يسوع المسيح على الدوام، فيه يكشف أمجاده جديدة في كل لحظة من لحظات حياتنا، حتى نلتقي به وجهًا لوجه في مجيئه الأخير.
+ جبل طابور أي الجبل المرتفع في الجليل بالأراضي المقدسة ويسميه القديس بطرس باسم "الجبل المقدس" (2 بط 1-18 ). ويقع في الجهة الشمالية الشرقية من مرج بن عامر وعلى بعد 8 كم نحو الجنوب الشرقي من الناصرة ونحو 19 كم جنوب غربي بحيرة طبرية وعلى بعد 10 كم من العفولة. وهو أحد الجبال الرائعة  بين جبال فلسطين. وهو منفرد عن بقية جبال الجليل فأصبح في العهد القديم كنقطة استدلال فهو يشرف على جلعاد ووادي الأردن من الشرق، وعلى جبال زبلون ونفتالي وجبال الشيخ من الشمال، وعلى الناصرة من الشمال الغربي، وعلى الكرمل ومجدو وجبال السامرة من الغرب، وعلى جبل الدحى وجلبوع وبلدة عين دور ونائين من الجنوب. على جبل طابور أخذ السيد المسيح ثلاثة من تلاميذه وتجلى أمامهم فقال له القديس بطرس جيد يارب ان نكون ههنا { وبعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا اخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم واضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. واذا موسى وايليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه} (مت 1:17-3). حقا ما ابهج ان يسمو الانسان ويرتفع ويحيا فى الحضرة الإلهيٌة ويعاين مجد الرب ويحيا مذاقة المجد الأتى، ان الثلاثة تلاميذ يمثلوا الايمان والجهاد والمحبة فنحن لكى نعيش التجلى لابد لنا ان نحيا الإيمان العامل بالمحبه على قدر طاقتنا، كما ان ظهور موسى وايليا يمثلان الحلم والوداعة مع الغيرة والجهاد فنحن نحتاج الى حلم ووداعة موسى النبى لكن لا فى تراخى او كسل بل فى غيرة نارية وعمل روحى دائم للانطلاق نحو السماء لنحيا أمجاد التجلي . ان الله فى محبته يريد ان يجذبنا اليه لنعاين مجده ونسعد بلقياه ونشهد للاهوته ونحيا مذاقة الملكوت ونحن على الارض لنعبده بالروح والحق ونعد نفوسنا بالتوبه والإيمان والفضيلة للحياة والوجود مع الله كل حين.
+ التجلّي اذا هو دخول بالنفس إلى تذوّق الحياة الأخرويّة، لترى مجد ربها والهها  قادمًا في ملكوته، معلنًا لها أمجاده  بالقدر الذي يمكنها أن تحتمله وهي بعد في الجسد. هذا العمل الإلهي الذي تحقّق بطريقة ملموسة على جبل طابور ويتحقّق بصورة أو أخرى داخل القلب من حين إلى آخر، لكي يجذب الله نفوسنا نحو العُرس الأبدي لكي نشتاق  إلى الانطلاق نحو الحياة الإبدية، ويمنحنا دفعة روحيّة قويّة تسندنا  في حمل الصليب والشهادة للسيّد المسيح. ان الله يدعونا جميعا لمعاينة مجده داخلنا {ولا يقولون هوذا ههنا او هوذا هناك لان ها ملكوت الله داخلكم }(لو 17 :  21). ولكى يحل المسيح بالايمان فى قلوبنا يجب نسمو ونتطهر من الخطايا والصغائر ونفتح له القلب بالإيمان وندعوه ليكون مصدر سعادتنا وفرحنا فى محبة صادقة وتبعية أمينه وتأمل فى صمت فى حياته وأقواله وأعماله فسياتى الينا ولا يبطئ.
حديث التجلى ...
+ لقد فرح التلاميذ بالتجلى وارادوا ان يحيوا فى الحضرة الإلهيٌة حيث مجد الابن الوحيد معلن لهم ومصدر سعادتهم، ولعل السيد المسيح اراد ان يعلن لتلاميذه مجد الوهيته حتى لا يعثروا او يشكوا فيه عندما يروه يسلم الى ايدى الناس ويهان ويصلب ، لهذا ظهر معه موسي وايليا وكان حديثهم معه عن الفداء الذى سيتم فى اورشليم { واذا رجلان يتكلمان معه و هما موسى وايليا. اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا ان يكمله في اورشليم} (لو 30:9-31). لقد حضر التجلى موسى النبى الذى يمثل الشريعة وايليا ممثلا للانبياء ليعلن لنا السيد نفسه انه غاية الشريعة ومركز النبؤات وله سلطان على الموت والحياة، وأنه المدبِّر في الأعالي وعلى الإرض، لهذا جلب موسى الذى  مات منذ مايذيد عن الف وثلثمائة عام ، ومن لم يُعاني من الموت وانتقل حيا وهو ايليا النبى .
+ ان التجلّي يرتبط بأحداث الصلب والقيامة،  فلا يمكن للمؤمن أن يرتفع على جبل التجلّي ليرى بهاء السيّد ما لم يقبل صليبه ويدخل معه آلامه ليختبر قوّة قيامته فيه، فيُعلن الرب أمجاده له. ومن جانب آخر ما كان يمكن للتلاميذ أن يتقبّلوا آلامه ويُدركوا سرّ قيامته ما لم يريهم مجد التجلّي. إذ تحدّث الرب كثيرًا عن المخاطر التي تنتظره وآلامه وموته الي التلاميذ والتجارب التي قد تلحق بهم في الحياة، كما حدثهم عن أمور صالحة كثيرة يترجّونها، من أجلها يخسرون حياتهم لكي يجدوها، وإنه سيأتي في مجد أبيه ويهبنا الجزاء، لهذا أراد أن يُظهر لهم ما سيكون عليه مجده عند ظهوره، فيروا بأعينهم ويفهموا، لهذا أظهر لهم ذاته فى تجليه.
+  لقد ظللت االسحابة النيٌرة جبل طابور وهي  تُشير إلى الحضرة الإلهيّة ، هذه التي كانت تملأ جبل سيناء حين قدّم الرب الناموس لموسى (خر 24: 15)، وكانت تملأ خيمة الاجتماع عندما كان الله يتحدّث مع موسى، وسيأتي السيّد المسيح في مجيئه الأخير فى سحابة نيٌرة، فإن السحابة هنا إعلانًا عن عمل التجلّي في حياة المؤمنين { فيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة. وصار صوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا}( لو 34:9-35). فالنفس إذ تلتقي بالسيّد وتتعرَّف على أسراره قدر ما تحتمل، تستنير أكثر فأكثر بإعلانات سماويّة داخليّة. فتسمع صوت الآب: {هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت له اسمعوا}. هذا هو أعظم إعلان يتقبّله الإنسان من الله في أعماق قلبه، وهو إدراك بنوّة المسيح للأب كنور من نور ، فتذوب نفسه داخليًا خلال اتّحادها بالابن الوحيد، وتشعر بدفء الحب الإلهي، وتتلمّس رضا الله الآب لها في الابن ، فتسمع لصوت الآب، وتخضع لعمل المسيح فيها بكونه رأسها، لا يطلب المسيحي إعلانات ملموسة يفخر بها، إنّما هذا هو جوهر إعلان الآب للنفس البشرية ان تؤمن بالابن الكلمة المتجسد من اجل خلاصنا .
+ لقد تمتّعت القدّيسة مريم بالسحابة النيِّرة في أجلَى صورها، بطريقة فريدة حينما حلّ عليها الروح القدس ليظلِّلها بالقوّة الإلهيّة الفائقة. {الروح القدس يحلّ عليك وقوَّة العليّ تظلِّلك}. هذه السحابة النيِّرة، أو الروح القدس الناري يهب المؤمنين استنارة للبصيرة الداخليّة لمعاينة المجد الإلهي للابن الوحيد، ويفتح الأذن لسماع صوت الآب، الذي يكشف لنا "سرّ المسيح" الذي صار فينا بالمعموديّة، فنحرص بالروح أن نبقى في حالة توبة مستمرّة وطاعة، لننعم بسرور الآب ونسمع صوته الأبوي.
+ لقد خاف التلاميذ وسقطوا على وجوههم ولكن السيد المسيح بدد خوفهم وكان هو سلامهم {ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جدا.فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا. فرفعوا اعينهم ولم يروا احدا الا يسوع وحده} (مت 6:17-8). سقوط التلاميذ على وجوههم وخوفهم يذكرنا بما حدث على جبل سيناء عندما حل الرب بمجده  { و كان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن ولما راى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلم انت معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت.فقال موسى للشعب لا تخافوا لان الله انما جاء لكي يمتحنكم ولكي تكون مخافته امام وجوهكم حتى لا تخطئوا. فوقف الشعب من بعيد واما موسى فاقترب الى الضباب حيث كان الله} (خر18:20-21).      ان سقوط التلاميذ على وجوههم يُعلن عن سقوط كل البشريّة ، وعجزها التام عن القيام والالتقاء مع الله، إذ صارت وجوههم في التراب ساقطة، لا تقدر على معاينة الأمجاد السماويّة. وحلول الخوف الشديد فيهم يُشير إلى فُقدان السلام الحقيقي فى البعد عن الله ، لذلك جاء الرب يسوع إشارة إلى نزوله إلينا، ومدّ يده مؤكِّدًا تجسّده. أمّا لمسه إيّاهم، فهو علامة حلوله في وسطنا كواحد منّا، يقدر أن يمدّ لنا يده فنقبلها. وبسلطانه أقامهم ونزع الخوف عنهم. حقًا لقد ظهرت قصّة سقوط الإنسان وقيامه خلال عمل الله الخلاصي واضحة على جبل التجلّي. وكأن سرّ التجلّي إنّما هو سرّ إعلان الله الدائم فينا، بكونه ابن الله المتجسّد المصلوب والقائم من الأموات، من أجلنا جاء ليقيمنا ونبتهج بعمله فينا. وإذ كان التلاميذ  ساقطين منطرحين على الأرض وغير قادرين على القيام تحدّث معهم بوداعة ولمسهم. فبلمسه إيّاهم انصرف الخوف عنهم وقواهم.
كيف نعيش التجلي؟
+ لقد اختبرالرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا التجلي على الجبل، ولم يريدوا أن يمضوا من هناك. أحياناً نختبر نحن أيضاً اختباراً مثيراً يجعلنا أن نبقى فيه بعيداً عن الواقع ومشاكل الحياة اليومية. ولكن البقاء فوق أعلى الجبل لا يسمح لنا أن نحمل صليب يسوع كل يوم ونتبعه في وادي واقعنا. فلا يجوز فصل الصليب عن المجد، إذ أن سر الخلاص التي تمّ على الجبل يجمع في الوقت نفسه موت المسيح ومجده. وإذا أردنا أن نختبر هذا السر مع التلاميذ الذين اختارهم وتجلّى أمامهم، يجب أن نسمع الصوت الإلهي ونطيع وصاياه ونحيا معه في سمو روحي وتوبة نقية وحياة مقدسة وفترات تأمل روحي ولقاء منفردين مع الرب يسوع المسيح.
+ جبل التجلي يخبرنا عن مجد المسيح العظيم. كان جسده مشعاً كالشمس حتى ملابسه كانت تتوهج ببهاء الله، لكن تجربة طابور التي كشفت مجد الله، تميزت أيضا بالالتزام بالمعاناة قبل أن ينزل يسوع إلى القدس، سالكا طريق الحزن إلى الصليب. وعلينا أن نحمل الصليب بشكر ونحتمل لكي ما يشع  مجد الله  فينا وأمامنا. تجلي الرب يسوع حين كان على وشك دخول ليلة المعاناة والموت. ونحن كأعضاء لجسده نستطيع فقط تلقي نعمة التجلي، التي أظهرها لنا، بإتباع نفس الطريق  وهو  طريق الخضوع والنقاوة والإصغاء إلى كلمته والعمل بها.
لتٌعلن لنا مجدك يارب ..
+ ايها الرب القدير ، واهب الأستنارة والحكمة ارفع قلوبنا لتعاين مجدك وارواحنا لتتحد بك وحواسنا لتعاين بهاء عظمتك وافكارنا لتستنير بمجد التجلى . حل بالإيمان فى قلوبنا لنعاين مذاقة الملكوت من الان لنشهد لكل أحد عن سبب الرجاء الذى فينا ، لتكون انت مصدر فرحنا ونور حياتنا وشمس برنا الدائم .
+ يارب هبنا ان نسمو عن الصغائر ونرتفع عن الخطايا ويكون قلبنا عليه مرتفعة سامية ومعدة لحضورك فيها ، لنشبع لا بولائم ارضية ولا بمتع العالم الزائلة بل بوجودك فى قلوبنا وباتحادنا بالإيمان بك ومعينة اسرارك الخفية ولاهوتك ومجدك السمائي . ليستنير انساننا الداخلى ويستضئ بمعرفتك لنحيا معك وتتمجد بالايمان فينا سواء فى طريق الآلم والجلجثة بحمل الصليب اوبالوجود على جبل التجلى أو بالعيش فى امجاد القيامة . فنصيبنا هو انت فى السماء ومعك لا نريد شئ الا ارادتك في حياتنا على الإرض.
+ ايها الرب الهنا ، نسألك من أجل كنيستك لتعلن مجدك فيها ويراه كل بشر، ونطلب عن كل نفس فيها ليتمجد أسمك القدوس فى حياتنا وباعمالنا واقوالنا ، نسألك من اجل بلادنا لتشرق بسلامك وبرك فيها وتباركها بكل بركة روحية لتكون نورا للعالم ومصدراً للاشعاع الروحى والفكرى والحضاري فى كل الارض.