نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الخميس، 20 نوفمبر 2025

الصبر واهميته - ٤٠

 الصبر واهميته - ٤٠


يُعتبر الصبر والاحتمال من أهم الفضائل المسيحية التي تُثبّت وتقوى النفس في مواجهة التجارب والشدائد. فهما ليسا مجرد قدرة على التحمّل السلبي، بل قوة داخلية تفيض من الإيمان بالله، وتمنح الإنسان ثباتًا، سلامًا، ونضجًا نفسيًا وروحيًا. الصبر هو التجلد وحسن الأحتمال وطول الأناة والتماسك وضبط النفس في مواجهة الظلم والأستفزار والمعارضة وهو موقف إيجابي أرادي نابع من محبة الله التي تحتمل وتصبر علي الغير، الصبر يعنى أيضاً التفكير المتأني قبل كل قول أو عمل نقوم به وأدراك نتائجه.

 الصبر فضيلة لها بُعد كتابي واضح، وتجذّرت في فكر آباء الكنيسة وسير القديسين، كما أيّدها علم النفس الحديث وأكّد أثرها الاجتماعي والإنساني.

أولاً: الصبر في الكتاب المقدس

+ يصف الكتاب المقدس الله بانه إله رحيم، صبور، بطئ الغضب { فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ.} (خر ٣٤: ٦). ويتجلي صبر الله في تعامله مع الإنسان الخاطئ، كما مع أهل نينوى الذين صبر عليهم ورحمهم ويحثنا الكتاب في العهد الجديد أن نتمثل بصبر المسيح الذي قال لنا { بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ.} (لو ٢١: ١٩). فالذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلص. حتى الأرض الجيدة تثمر بالصبر كذلك الإنسان الصالح { وَالَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ. }(لو ٨: ١٥)

+ يقول أيوب في محنته: { الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا} (أيوب 1: 21). لقد أيوب صار نموذجًا عالميًا للصبر حتى قال الكتاب {خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.} (يع ٥: ١٠، ١١). وتذخر المزامير بالصلاة مع الرجاء: { أنتظر الرب. ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب} (مز 27: 14). فانبياء وأبرار كثيرين كأرميا وحزقيال عانوا وصبروا طويلًا على رفض الشعب واضطهادهم.

+ ربنا يسوع المسيح نفسه هو المثال الأسمى في الصبر والأحتمال والرحمة حتى بمقاوميه ومن أرادوا أن يصطادوا بالكلام والفعل وهو يطيل صبره عليهم { وَالرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ، وَإِلَى صَبْرِ الْمَسِيحِ. }(٢ تس ٣: ٥) { الذي إذ شُتِم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلّم لمن يقضي بعدل} (1بط 2: 23).  فليعطينا إله الصبر، صبراً كاملا ورجاء صالح { وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ.}(رو ١٥: ٥)

+ والقديس بولس يشدد علي الصبر كفضيلة تذكى الإنسان أمام الله { مفتخرين أيضًا في الضيقات، عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء" (رو 5: 3–4). وفي رسالة يعقوب تدعو إلى الاقتداء بالأنبياء: { خذوا يا إخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب}(يع 5: 10).

الصبر بحسب الكتاب المقدس ليس مجرد تحمّل، بل هو مدرسة للتزكية والنضج.

ثانياً: الصبر في فكر الآباء وسير القديسين

1. أقوال الآباء

* يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "ليس شيء يجعل الإنسان أكثر شبهًا بالله مثل طول الأناة."

* والصبر رفيق الإيمان لدى القديس أغسطينوس: "الصبر هو رفيق الإيمان. من لا يصبر لا يستطيع أن يحيا الإيمان إلى النهاية."

* اما القديس الأنبا  أنطونيوس الكبير فيصف الصبر بالسور المنيع أمام حروب الشيطان : "لا تخف من كثرة الحروب، فإن صبرك سيصير لك سورًا منيعًا."

2. أمثلة من سير القديسين

* الشهيد مارجرجس: احتمل عذابات شديدة دون أن يتذمر، وصبره قاد إلى ثبات آلاف على الإيمان.

* القديسة دميانة: صبرت على التهديد والتعذيب ورفضت عبادة الأوثان وأستشهدت والعذارى معها في صبر وإيمان عجيب.

* الأنبا أنطونيوس: عاش صبرًا طويلاً في البرية وسط الحروب الروحية حتى صار أب الرهبان.

الصبر في حياة القديسين لم يكن سكون او سكوت سلبي في مواجهة تجارب الحياة بل قوة بنّاءة تجذب آخرين للإيمان.

ثالثاً: الصبر في علم النفس

+ علماء النفس يعرفونه كقدرة على تأجيل الإشباع وضبط النفس أمام الضغوط. وفي دراسة "Walter Mischel"  أكدت أن الأطفال الذين مارسوا الصبر نجحوا لاحقًا أكاديميًا واجتماعيًا. فللصبر فوائده نفسية منها تقليل القلق والاكتئاب. وزيادة المرونة النفسية وتعزز القدرة على حل المشكلات والتفكير الإيجابي.

+ أما البعد الاجتماعي للصبر فهو  يقوّي الروابط الأسرية بالتسامح، الاحتمال بين الأفراد ويخفف من حدة الصراعات الاجتماعية. ويخلق بيئة تعاونية مبنية على الاحترام.

رابعاً: أهمية الصبر والاحتمال وكيف نقتنيه..

* روحياً: يقود الصبر  إلى القداسة والاتحاد بالمسيح.

* نفسياً: يحمي من الاضطرابات ويمنح سلامًا داخليًا.

* اجتماعياً: يبني جسور الثقة والتفاهم.

* وجودياً: يعطي معنى للآلام والشدائد.

فكيف نقتني الصبر عمليًا؟

* التأمل في الكتاب المقدس: قراءة سير إبطال الإيمان مثل أيوب وبولس.

* الصلاة المستمرة: طلب نعمة الروح القدس المعزي.

* التمرين التدريجي: ضبط اللسان، السيطرة على ردود الفعل.

* الاقتداء بالقديسين: قراءة سيرهم تزرع الثبات.

* البُعد النفسي: ممارسة تقنيات التنفس العميق، إعادة التقييم المعرفي للأحداث.

* الخدمة الاجتماعية: العطاء يساعد النفس على التحمل وعدم الانغلاق على الألم.

+ ألصبر ليس ضعف بل قوة إيمانية ونفسية واجتماعية تجعل الإنسان ناضج وقادر على مواجهة ضغوط الحياة، وسائر في طريق القداسة. هو تاج الفضائل الذي به يربح المؤمن "إكليل الحياة" (يع 1: 12). والكنيسة عبر الكتاب المقدس وفكر الآباء وسير القديسين تؤكد أن الصبر عطية إلهية تُمارَس وتُقتنى في شركة الجهاد مع الروح القدس.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع 

* الكتاب المقدس 

* القديس يوحنا الذهبي الفم، العظات.

* القديس أغسطينوس، الاعترافات.

* البابا شنودة الثالث، الصبر في حياة المسيحي.

* الأنبا يوأنس، فضيلة الصبر في أقوال الآباء.

* Thomas Aquinas, Summa Theologica.

* Walter Mischel, The Marshmallow Test.

* Viktor Frankl, Man's Search for Meaning.

* William Barclay, The Letters of James and Peter.

* Lawrence J. Crabb, Understanding People.

حياة القناعة والرضا -٣٩

 حياة القناعة والرضا -٣٩

اولاً مفهوم القناعة والرضا 


+ القناعة من الفضائل المسيحية السامية التي تمنح الإنسان سلام القلب وتحرر داخلي من العبودية للماديات أو للرغبات غير المشبعة. والبعض يسيئون فهم القناعة على أنها استسلام أو جمود، بينما نجد الكتاب المقدس والآباء والعلم يوضحون أن القناعة لا تتعارض مع الطموح والسعي للنمو الروحي والإنساني، بل تصحّحه وتضعه في إطار إرادة الله.

+ القناعة في المسيحية تعني الرضا الداخلي بما لدينا مع الإيمان أن الله يهتم بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا والاكتفاء لا يعني الكسل أو التواكل، بل يعني التحرر من العبودية للطمع، والعيش في سلام داخلي حتى في وسط الحرمان أو الضيق. ويؤكد الآباء أن القناعة ليست عائقًا للنمو فالقديس يوحنا ذهبي الفم يقول "ليس الغني هو من يملك الكثير، بل من لا يحتاج إلى الكثير." أما القديس أنطونيوس الكبير فيقول "القلب القانع يملك الغنى الذي لا يُسلب." والطموح الحقيقي في المسيحية هو الاجتهاد مع الاتكال على الله، وليس الطموح الأناني أو المبني على المقارنة أو الجشع. فالقناعة هي فضيلة تحرر الإنسان من القلق والجشع وتزرع فيه سلام داخلي لكنها لا تتعارض أبدًا مع السعي للنجاح أو التفوق. بل بالعكس، تعطي الطموح بعدًا نقيًا قائمًا على الاجتهاد والأمانة، لا على الطمع أو التنافس غير الشريف.

ثانياً: القناعة والرضا في الكتاب المقدس وفكر الاباء

+ القناعة هى عطية إلهية واقتناع داخلي يقول الرسول بولس: { لأني تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه" (في 4: 11). فالقناعة ليست ضعفاً بل خبرة روحية تُكتسب بالتدريب والإيمان. والقناعة تحررنا من محبة المال {لتكن سيرتكم خالية من محبة المال. كونوا مكتفين بما عندكم لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ»} (عب 13: 5). هنا يربط الوحي بين الرضا والثقة في عناية الله.

+ القناعة لا تعني السلبية بل هى وضع الثقة في الله والحصول علي الأمان منه، لقد طلب سليمان الحكيم  في صلاته: { اِثْنَتَيْنِ سَأَلْتُ مِنْكَ، فَلاَ تَمْنَعْهُمَا عَنِّي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ:  أَبْعِدْ عَنِّي الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ. لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنًى. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: «مَنْ هُوَ الرَّبُّ؟» أَوْ لِئَلاَّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ اسْمَ إِلهِي بَاطِلاً. }(ام ٣٠: ٧-٩). أنه طلب حياة متزنة بعيدة عن الإفراط أو النقص.

+ القناعة في فكر الآباء

* يرى القديس يوحنا الذهبي الفم إن القناعة ليست في امتلاك الكثير، بل في الاستغناء عن الاحتياج إلى المزيد.

* وأوضح القديس أغسطينوس أن القلوب لن تجد راحة إلا في الله، والقناعة تنبع من الامتلاء به لا من الفراغ.

* وقد عاش الأنبا أنطونيوس الكبير حياة القناعة في أقصى صورها في البرية، ومع ذلك كان قائد روحي مؤثراً ومعلماً لأجيال، ما يثبت أن القناعة لا تعني الانعزال او غياب التأثير أو ضعف الرسالة.

ثالثاً: القناعة وعلم النفس

+ علم النفس الإيجابي يوضح أن الرضا عن الحاضر لا يمنع الطموح بل يحمي من القلق والإحباط. وأبراهام ماسلو في هرمه للاحتياجات يؤكد أن إشباع الحاجات الأساسية يولد شعوراً بالقناعة، لكنه يفتح الطريق نحو تحقيق الذات. اما فيكتور فرانكل مؤسس العلاج بالمعنى والذي عاش خبرة القناعة الداخلية في معسكرات الاعتقال النازية، يؤكد أن الإنسان يستطيع أن يختار موقفه حتى في أقسى الظروف.

+ عدم تعارض القناعة مع النمو الروحي والطموح

القناعة تحفظ الإنسان من الطمع والغيرة، لكنها لا تعني رفض التقدم أو التفوق. فالرسول بولس نفسه، رغم قناعته وظروفه الصعبة، قال: { أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع} (في 3: 14). القناعة إذاً هي أرضية الطموح الصحيح، إذ تعطي القلب استقراراً داخلياً يسمح بالسعي المتزن نحو الكمال.

رابعاً: أمثلة من حياة رجال الله وأبطال الإنسانية

* القديس يوحنا المعمدان عاش حياة القناعة والرضا في بساطة وزهد وتجرد ومع ذلك كان نبياً عظيماً أعد الطريق أمام الرب ولم يخشى أحد حتى هيرودس الملك وهو الداعى الي التوبة { فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ.  وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.  أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ.} (مت ٣: ٧-١١)

* الرسول بولس: عاش في شبع وجوع، في غنى وفقر، لكنه استمر في الخدمة بلا يأس وفي قوة واخيرا استطاع أن يقول { قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ،  وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا. }(٢ تيم ٤: ٧، ٨)

* نيك فيوتتش (Nick Vujicic): وُلد بلا أطراف، لكن بقناعة وإيمان وطموح أصبح متحدثاً دولياً ومصدر إلهام للملايين.

* هيلين كيلر: تحدت الإعاقة من فقد البصر والسمع لكنها درست وألّفت وصارت مثالاً على القناعة الممزوجة بالطموح.

خامساً: ثمار القناعة والرضا

* سلام داخلي وراحة من الاضطراب.

* تحرير من الطمع ومحبة المال.

* تقوية الطموح الروحي والإنساني بشكل متزن.

* إعطاء شهادة عملية للآخرين عن الاكتفاء والشبع والفرح بالمسيح.


+ القناعة ليست سلبية ولا استسلاماً للظروف، بل هي فضيلة مسيحية وآبائية ونفسية تُحرر الإنسان ليحيا الطموح الروحي والإنساني في انسجام مع مشيئة الله. إنها توازن بين الرضا بما هو حاضر والسعي لما هو أفضل في المسيح. رجال الله والقديسون وأبطال الإنسانية أثبتوا أن القناعة لا تعوق النجاح بل تدعمه بالسلام والفرح والثبات في الإيمان.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع 

* الكتاب المقدس (رسالة فيلبي، رسالة العبرانيين، سفر الأمثال).

* يوحنا ذهبي الفم، العظات على إنجيل متى.

* أغسطينوس، الاعترافات.

* الأنبا أنطونيوس، أقوال آباء البرية.

* فيكتور فرانكل، الإنسان يبحث عن معنى.

* أبراهام ماسلو، الدافعية والشخصية.

* C.S. Lewis, Mere Christianity.

* Nick Vujicic, Life Without Limits.

* Helen Keller, The Story of My Life.

الوداعة في حياتنا العملية- ٣٨

 الوداعة في حياتنا العملية- ٣٨

الوداعة فضيلة روحية تُعبّر عن قلبٍ خاضع لإرادة الله وممتلئ بالسلام الداخلي، بعيد عن العنف والغضب والأنانية. الوداعة تعني اللين والدماثة ورقة القلب والصبر وأحتمال الأخرين وهى حالة قلب يتميز بالاتزان والطمأنينة والوقار، فالشخص الوديع يتميز بالهدوء والحلم وطيبة القلب 


أولاً: الوداعة في الكتاب المقدس 

يقدم لنا الكتاب المقدس السيد المسيح كمثل أعلي للوداعة والمحبة والتواضع مع الجميع، فكان يجول يصنع خير ويشفى كل مرض وضعف في الشعب وبالوداعة والاقناع والصبر والأحتمال تعامل حتى مع أعدائه والذين كانوا يريدوا ان يصطادوه بكلمة من فمه وعلي الصليب غفر لصالبيه، أنها الوداعة الغالبة التي كان يخبر بها بالحق وعلي اسمه تحقق رجاء الأمم في وداعة وتواضع قلب بعيد عن التعصب أو الخصام كما جاء في النبؤة عن السيد المسيح { «هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ».} (مت ١٢: ١٨-٢١). وعلمنا قائلاً { اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. }(مت ١١: ٢٩)

+ ويصف الكتاب المقدس موسى النبي بأنه { كان حليماً جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض} (عد 12: 3). الحِلم هنا هو الوداعة التي تنبع من الثقة بالله. وفي العهد الجديد يوصي المسيح قائلاً { طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض}(مت 5: 5). فالوداعة ليست ضعفًا، بل قوة ممزوجة بالمحبة والتواضع. ويوصينا القديس بولس الرسول بالوداعة { فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا. وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. }(كو ٣: ١٢-١٤). الوداعة هي ثمرة من ثمار الروح القدس (غلا 5: 23) وهي مرتبطة بالتواضع وضبط النفس.

ثانياً: الوداعة في علم النفس

من منظور نفسي، الوداعة ترتبط بالاتزان الانفعالي والقدرة على إدارة الغضب. والشخص الوديع لا يكبت مشاعره سلبياً، بل يعبر عنها بهدوء وثقة. والدراسات النفسية ترى أن الوداعة تساعد على خفض التوتر والضغط النفسي، وتزيد القدرة على التفاعل الإيجابي في العلاقات الإنسانية. كما أن علماء النفس الإيجابي يعتبرون الوداعة من سمات الشخصية الناضجة التي تتمتع بالسلام الداخلي والرضا.

ثالثاً: الوداعة في فكر وحياة القديسين

 + القديس الأنبا انطونيوس علم تلاميذه أن الراهب الحقيقي لا يعرف بكثرة صلواته فقط بل بوداعته في التعامل.

 + القديس يوحنا ذهبي الفم: يرى أن الوداعة هي فضيلة تجعل الإنسان شبيهًا بالمسيح الذي {كشاة تساق إلى الذبح}(أش 53: 7).

 + القديس أغسطينوس: يؤكد أن الوداعة تنبع من محبة الله وتظهر في الصبر على الآخرين والرحمة بهم.

 + القديس يوحنا السلمي: وصف الوداعة بأنها "صخرة ثابتة تحطم أمواج الغضب". ونرى في سير القديسين الكثيرين الذين اشتهروا بالحلم والوداعة..

+ القديس استفانوس رئيس الشمامسة

 راينا وهو يرجم يصلي من أجل راجميه ان يغفر لهم الله خطيتهم { وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ». فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ. }(أع ٧: ٥٥-٦٠)

+ القديس أثناسيوس الرسولي: بالرغم من اضطهاداته العديدة ونفيه المتكرر، واجه مقاوميه بوداعة وقوة روحية.

+ القديس مكاريوس الكبير: حين شتمه أحدهم، ركع وصلى من أجله قائلاً: "باركه يا رب كما باركتني بكلماته". وقد استطاع بوداعته ان يكسب الكثيرين الي الإيمان ويتوب الخطاة ويصيرهم  قديسين.

رابعاً: كيف نقتني الوداعة عملياً؟

* التأمل في شخص المسيح فهو عاش الوداعة وعلمها وقال {تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب} (مت 11: 29).

* الصلاة وطلب معونة الروح القدس ليمنحنا ثماره وخاصة الوداعة.

* من صفات الوديع ضبط اللسان كما قال يعقوب الرسول {ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع، مبطئاً في التكلم، مبطئاً في الغضب}(يع 1: 19).

* ممارسة التواضع فالوداعة ثمرة التواضع، ومن يسلك بروح التواضع يسهل عليه احتمال الآخرين.

* للتدرّب العملي قبول النقد دون غضب، والرد على الإساءة باللطف، والصمت عند الاستفزاز ينمى فينا الوداعة.

* الرفقة الروحية: الاقتداء بالقديسين والعيش وسط جماعة روحية تساعد على النمو في الفضيلة.

خامساً: أهمية الوداعة في حياتنا

* تجعلنا متشبهين بالمسيح الذي {لم يفتح فاه}(أش 53: 7).

* تحفظ السلام الداخلي وتساعد على بناء علاقات قائمة على المحبة.

* قوة روحية تُغلب الشر بالخير.

* وسيلة فعّالة للشهادة للمسيح أمام العالم.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس 

* القديس يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل متى.

* القديس أغسطينوس، مدينة الله.

* يوحنا السلمي، سلم الفضائل.

* أقوال آباء البرية (بستان الرهبان).

* Martin Seligman, Authentic Happiness (Positive Psychology).

* American Psychological Association, Emotional Regulation and Well-being.

التواضع وأهميته الروحية -٣٧

 التواضع وأهميته الروحية -٣٧

+ يُعدّ التواضع من الفضائل المسيحية التي تُشكل أساس الحياة الروحية السليمة. فهو ليس ضعف أو خنوع بل قوة شخصية داخلية نابعة من معرفة الإنسان لحقيقته أمام الله، ووعيه بمحدوديته، مع إدراك عظمة الله ومحبته. المتواضع يرفض التكبر والتفاخر ويعترف بضعفه ولا يلوم الغير او يدافع عن نفسه ويعتمد علي نعمة وقوة الله ولا يعتبر نفسه فوق الأخرين بل يقدرهم ويحترمهم مما ينمى العلاقات الاجتماعية ويبني جسور المحبة والتفاهم بين الناس. والمتواضع لا يرتئى فوق ما ينبغي بل يتعقل ويقدم غيره فينال نعمة وحكمة من الله والناس { تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ. }(ام ١١: ٢)


اولاً: التواضع في الكتاب المقدس

+ الله ينظر الي المتواضعين ويخلصهم وينالوا نعمة {لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: «فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ.} (إش ٥٧: ١٥) ويحذرنا الكتاب من الكبرياء { قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ}(أم 16: 18). ويربط الوحي بين الكبرياء والسقوط، وبين التواضع والرفعة. التواضع شرط لقبول صلواتنا أمام الله { فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ.} (٢ أخ ٧: ١٤). والتواضع من ثمارة مخافة الرب والكرامة { ثَمَرُ التَّوَاضُعِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، غِنًى وَكَرَامَةٌ وَحَيَاةٌ} (أم 22: 4). ولهذا يقدم لنا النبي هذه الوصية الصالحة لكل زمان { قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ.} (مى ٦: ٨)

+ وفي العهد الجديد يقدم السيد المسيح لنا نموذج للتواضع لنتعلم منه { تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. }(مت ١١: ٢٨، ٢٩). ولهذا يحثنا القديس بولس الرسول ان نتشبه بالمسيح  في تواضعه {فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا، لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. }(في ٢: ٢، ٣، ٥-٨).

ثانياً: التواضع في فكر آباء الكنيسة

+  يقول القديس أنبا أنطونيوس الكبير أبو الرهبان ومعلّم التواضع العملي "رأيت جميع فخاخ العدو مبسوطة على الأرض، فتنهدت وقلت: من ينجو منها يا رب؟ فجاءني صوت يقول: المتواضع ينجو منها."

ويقول "إذا تذكرت خطاياك لا تتجاسر أن تدين أحدًا."

فالتواضع لديه هو تاج الفضائل "التواضع هو تاج الفضائل، به تُقتنى سائر الفضائل وتُحفظ."

+ أما القديس مقاريوس الكبير فيقول:

* "كن متضعًا كمن هو تحت كل خليقة، حينئذ يسكن فيك روح الله."

* "كما لا يستطيع الماء أن يستقر فوق جبل، كذلك لا يسكن الروح القدس في نفسٍ متكبرة."

* "إذا أردت أن ترى الله في قلبك، فاحفر فيه بئر التواضع."

+ ومن اقوال القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين رائد النظام الرهباني في مصر العليا

* "من يظن في نفسه أنه عالم، فقد بدأ جهله."

* "احذر الكبرياء، لأن سقوط إبليس كان بسببها، أما التواضع فطريق الملائكة."

* "التواضع هو أن تعرف أنك تراب، وكل ما فيك هو من الله وليس منك."

* "من أراد أن يكون عظيمًا فليتعلم أولًا أن يكون صغيرًا في عيني نفسه."

+  والقديس الأنبا باخوميوس أب الشركة ومؤسس الحياة الرهبانية الجماعية يقول عن الأتضاع :

* "الطاعة تولد التواضع، والتواضع يولد السلام في القلب."

* "من أراد أن يخدم الله بحق، فليتضع كما اتضع المسيح وهو الإله الأزلي."

* "المتواضع هو إناء طاهر، يسكن فيه روح الله كما سكن في القديسة مريم."

ثالثاً: التواضع في الحياة الاجتماعية

التواضع لا يقتصر على العبادة والعلاقة مع الله، بل يمتد إلى العلاقات اليومية مع الناس. فالمتواضع يحيا في سلام مع الآخرين بعيداً عن النزاع. ويقبل الآخر كما هو، دون كبرياء أو إدانة. ويُسهم في بناء مجتمع سليم ومتماسك، حيث يسبق الاحترام المتبادل على المصالح الشخصية.

رابعاً: كيف نقتني التواضع؟

+ إن التامل والنظر الدائم إلى المسيح المتجسد والمصلوب والذي غسل أرجل تلاميذه يعلمنا التواضع، هكذا علم تلاميذه { فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.  فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا،  كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».} (متى ٢٠: ٢٥-٢٨).

+ الوعي بالضعف الشخصي، والاعتراف بالخطايا هكذا تواضع دانيال أمام الله واعترف بخطيته وشعبه فارسل له الله الملاك غبريال ليطمئنه { فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ. وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ وَقُلْتُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْعَظِيمُ الْمَهُوبُ، حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ. أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَحِدْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَعَنْ أَحْكَامِكَ.} (دا ٩: ٣-٥)

+ ممارسة الصلاة الدائمة مع طلب الاتضاع وطلب الرحمة كما العشار تجعل الله يرحمنا ويهبنا نعمة أمامه { وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ». }(لو ١٨: ١٣، ١٤). وخدمة الآخرين بروح المحبة، تكسر الأنا وتنمى فينا روح التواضع.

+ القراءة في سير القديسين الذين ساروا في طريق الاتضاع تعلمنا التواضع فالقديس الأنبا أنطونيوس: رغم مكانته كأب للرهبان، كان يستشير الرهبان الأصغر منه قائلاً: "الله يعلمني من أفواه الصغار." والقديس البابا كيرلس السادس: عاش حياة بسيطة جداً، يجلس مع الفقراء والبسطاء فوجد نعمة في عيني الله وصنع المعجزات بتواضعه.

+ إن التواضع هو تاج الفضائل المسيحية، وهو العلامة الحقيقية لاتباع المسيح. وبدونه، لا يمكن للنفس أن ترتقي روحياً أو تحيا في سلام مع الآخرين. فالمسيحية تدعونا أن نتعلم من المسيح المتواضع، وأن نجعل حياتنا شهادة حية للتواضع ومسكنة القلب في كل مواقف الحياة لنجد دالة أمام الله في اليوم الأخير.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس: العهد القديم والجديد.

* أقوال القديس أغسطينوس – "الاعترافات".

* القديس يوحنا الذهبي الفم – العظات على إنجيل متى.

* بستان الرهبان.

* الأنبا غريغوريوس، دراسات في الروحانية المسيحية.

* القمص تادرس يعقوب ملطي، سلسلة تفسير الكتاب المقدس.

التلمذة في الكتاب المقدس والحياة - ٣٦

 التلمذة في الكتاب المقدس والحياة - ٣٦

أولاً: مفهوم التلمذة في الكتاب المقدس


التلمذة في الكتاب المقدس ليست مجرد عملية تعليمية ذهنية، بل هي حياة وعلاقة وجودية بين المعلّم والتلميذ، أساسها الطاعة والمحبة والتسليم والاقتداء.

+ في العهد القديم نجد نماذج واضحة للتلمذة فلقد تتلمذ يشوع بن نون لدى لموسى الذي تهذب بكل حكمة المصريين { فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ. }(أع ٧: ٢٢). ثم عاش في البرية اربعين سنة حتى ظهر له الرب وأمره بان يخرج الشعب من مصر ورغم أن موسى اعتذر بانه ليس صاحب كلام بل ثقيل الفم واللسان لكن الله شجعه 

{  فَالآنَ اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».  فَآمَنَ الشَّعْبُ. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ الرَّبَّ افْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا. }(خر ٤: ١٢، ٣١). وكان الرب يكلم موسى وكان يشوع كتلميذ لموسى لا يبرح من داخل الخيمة { وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ، كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ. وَإِذَا رَجَعَ مُوسَى إِلَى الْمَحَلَّةِ كَانَ خَادِمُهُ يَشُوعُ بْنُ نُونَ الْغُلاَمُ، لاَ يَبْرَحُ مِنْ دَاخِلِ الْخَيْمَةِ. }(خر ٣٣: ١١). ولقد أعد موسى النبي يشوع ليقوم بقيادة الشعب بعد موته. وهكذا تتلمذ أليشع النبي  لإيليا النبي، الذي تبعه حتى عبر نهر الأردن ورأى صعوده إلى السماء (2مل 2). ولقد اخذ اليشع من ايليا روح النبوة وعمل المعجزات هذه الأمثلة تُظهر أن التلمذة تقوم على العِشرة اليومية، ونقل الحياة والخبرة، وليست فقط نقل المعرفة.

+ وفي العهد الجديد نرى السيد المسيح له المجد دعا تلاميذه الاثني عشر قائلاً: { اتبعوني فأجعلكم صيادي الناس} (مت 4: 19). فالتلمذة للمسيح هي جوهر الإنجيل: اتباع المسيح، حمل الصليب، السلوك حسب تعاليمه. عاش التلاميذ مع معلمهم الصالح وارسلهم في حياته للكرازة والخدمة وصحح لهم مفاهيمهم في الخدمة { فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا،  وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».} (مت ٢٠: ٢٥-٢٨)

 واوصى الرب تلاميذه عند صعوده قائلاً {  َاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.} (مت ٢٨: ١٩، ٢٠)

+ القديس بولس الرسول يقدّم نموذجاً للتلمذة حين علّم تيموثاوس وغيره كثيرين { ما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين أيضاً} (2تي 2: 2). فالتلمذة في الكتاب المقدس تقوم على اتباع – طاعة – نقل خبرة – شهادة حيّة – شركة في الحياة.

ثانياً: التلمذة في فكر الآباء

آباء الكنيسة الأوائل شدّدوا على أن التلمذة ليست فقط نقل معرفة عقائدية، بل نقل روح المسيح عبر القدوة والتعلم من خبرات القديسين وحياتهم

* فالقديس أثناسيوس الرسولي عاش التلمذة على يد القديس أنطونيوس الكبير، ونقل لنا سيرته التي صارت نموذجاً للأجيال. يقول: "من يجلس مع القديسين يتعلّم من حياتهم أكثر مما يسمعه من كلماتهم."

* والقديس باسيليوس الكبير الذي وضع نظام الحياة الرهبانية الذي يقوم على التلمذة المتبادلة، حيث يعيش الرهبان معاً في شركة روحية، ويتعلم الصغير من الكبير.

* أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيرى أن التلمذة هي السير على خطى السيد المسيح، فيقول: "المعلم الحقيقي ليس هو الذي يملأ الأذهان بالكلمات، بل الذي يغرس في القلب نار الروح."

* ويشدد القديس إيريناوس على "سلسلة التلمذة الرسولية". أي أن الإيمان نُقل من المسيح إلى الرسل، ومن الرسل إلى خلفائهم، حتى وصل إلينا.

ثالثاً: التلمذة وعلم النفس

علم النفس الحديث يؤكد أن التعلّم الاجتماعي يتم عبر التقليد والمحاكاة والقدوة، وهو ما يتطابق مع جوهر التلمذة المسيحية.

* في نظرية البرت باندورا تقوم النظرية علي التعلم بالملاحظة فالإنسان يتعلم من خلال ملاحظة سلوك الآخرين وتقليده، وخاصة من يعتبرهم قدوة أو نماذج إيجابية.

* وفي التحليل النفسي: يرى فرويد وتلاميذه أن المعلّم أو المرشد يُشكّل شخصية التلميذ عبر عملية التقمص.

* علم النفس الإيجابي: يؤكد على أهمية وجود مُرشِد في حياة كل شخص لتحقيق النمو الشخصي والنجاح. وهذا يوضح أن التلمذة ليست فقط إيمانياً، بل ضرورة إنسانية ونفسية للنمو.

رابعاً: ثمار التلمذة في حياتنا

* التلمذة تساعد علي النمو الروحي الإنسان الذي يتغيّر تدريجياً ليصير شبيهاً بالمسيح.

* التواضع والطاعة والتلمذة تُعلّم الإنسان أن يقبل الإرشاد والتوجيه فتغرس فيه روح التواضع والطاعة .

* والتلمذة تنقل الإيمان من جيل إلى جيل، وتحفظ وديعة الإيمان.

* التلمذة تُكسب الإنسان اتزاناً داخلياً، لأنها توفر قدوة يُحتذى بها التلميذ مما يقوده للنضج النفسى.

* وتودى التلمذة الي البنيان الكنسي والمجتمعي حيث تُبنى جماعات قوية مترابطة على المحبة والإرشاد.

سادساً: التلمذة في المجتمع المعاصر

* في الكنيسة نجد "مدارس الأحد"، "مجموعات الخدمة"، "التربية الكنسية" تقوم على مبدأ التلمذة المسيحية التى تخلق اجيال من الخدام والقادة.

* في الحياة العملية، التلمذة هي أساس نقل الخبرة بين الأجيال في كل المجالات حتى في الطب، الهندسة، العمارة، الفنون...الخ.

+ إن التلمذة ليست مجرد فكرة تعليمية بل هي مسيرة حياة: تبدأ باتباع المسيح، وتستمر في طاعة الآباء الروحيين وكتاباتهم والقدوة الصالحة، وتنتهي بثمر حياة مقدسة تخلص النفس وتنير الطريق للآخرين. 

القمص أفرايم الأنبا بيشوى 

المراجع 

* الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد).

* أثناسيوس الرسولي، سيرة أنطونيوس.

* القديس يوحنا الذهبي الفم، العظة على إنجيل متى.

* القديس باسيليوس الكبير، القوانين النسكية.

* إيريناوس أسقف ليون، ضد الهرطقات.

* أوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة.

* Bandura, A., Social Learning Theory.

* Frankl, V., Man’s Search for Meaning.

* Henri Nouwen, Spiritual Direction.

* Eugene Peterson, A Long Obedience in the Same Direction.