نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الخميس، 31 ديسمبر 2020

شعر قصير -109- ها صلاتي اليك يا الله


ها صلاتي اليك

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

(1)

" صلاة لبداية العام الجديد"

نشكرك يا خالقنا ورازقنا ومانح الخيرات و محقق لنا الآمال

أسألك أن تبارك في كل ما تمتد إليه أيدينا وتعدل الأحوال

أرفع عن شعبك الوباء والغلاء  والخصام وأعدل اللي مال

اجعلنا نجول نصنع خير ونكون حكماء في الأقوال والأعمال

أجبر خواطرنا واشفي مرضانا وكل هم وألم بنعمتك  يتشال

حولنا حزننا إلي فرح قلب وأدى حكمة للبسطاء منا والجهال

كن لنا قائد كراعي صالح، أهدينا لطرق البر واسترد الضال

............

(2)

" صلاة نهاية العام"

نشكرك يارب ياخالقنا وراعينا يا من ستر علينا في هذا العام

وعبر بنا ضيقات كتير و واثقين فيك انك هتكمل مدى الأيام

ارحمنا وخلصنا وأحفظ شعبك وكنيستك وبلادنا على الدوام

قودنا لنصنع أرادتك كل حين واملأ قلوبنا محبة وفرح سلام

ارفع عنا الوبأ والغلاء والجهل وأجعلنا نسعى للخير والوئام

أنصف المظلومين واشفي المرضى وأغفر لنا الخطايا والآثام

قدس أفكارنا وأجسادنا وأرواحنا وأهلنا دوما لحسن الختام

...............

(3)

" أعظم نصيب"

يا الله الذي بكثرة رحمته دعانا للبنوة لندعوك ابونا الحبيب

ووهبتنا روحك القدوس ليعمل فينا بنعمته ولصوته نستجيب

وبذلت أبنك الوحيد ليخلص من يؤمن بفدائه علي الصليب

نحبك من كل القلب والفكر والنفس ولوصاياك لنا نستجيب

اشترك معنا في العمل  لنثمر ولا يكون أحد منا عنك غريب

أنت إلهنا وخلاصنا وسلامنا ورجائنا وأنت لنا أعظم نصيب

قدنا كما تشاء وقدسنا في اسمك واحفظنا بسلامك العجيب

........

(4)

" يارب اسمع صلاتي "

يا الهنا الصالح أنصف وريح وفرح المحزون والمهموم

خلينا نعرف أن العمر أيام قصيرة ويمضي كحلم لحظة نوم

وزى ما بتنتهي المسرات هكذا تنتهي وتنقضي عننا الهموم

وطوبي للي يعمل الخير ولا يظلم أحد ولإ كمان يبات مظلوم

أدينا راحة البال ولا تسمح لطيور القلق والشر حوالينا تحوم

أجعلنا رسل سلام ومحبة، أنت تقدر تقول للميت قم فيقوم!

اغفر خطايانا، قوينا نعوض ما فات و سترك علينا يارب يدوم

.........

(5)

" نعم الرفيق"

ربي وإلهي هو  في دروب الحياة لنا نعم الرفيق

في مختلف ظروف الحياة هو المرشد والصديق

في الشدة والألم الله يعبر بنا للرحب من الضيق

ينقذنا من فخاخ إبليس فنخلص والشر لنا لا يعيق

مادام الله معنا فلا  نحتاج معه لشئ في الطريق

الفرح الصحيح والدائم، الله هو مصدره اللصيق

يمنحنا من كنوزه فنرتوي ونشبع بالجديد والعتيق

السبت، 26 ديسمبر 2020

70- القديس بولس الرسول يرفع دعواه الي قيصر في روما

 

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

دفاع بولس أمام فستوس الوالي

+ قضى الرسول بولس سنتين في سجن قيصرية بلا محاكمة إرضاءً لليهود, فقد كانت العلاقة بين القيادات اليهودية وفيلكس الوالي يشوبها متاعب كثيرة, فعمل فيلكس على استرضاءهم حتى بعدما نزعت عنه الولاية. واحتل فستوس مكانه سنة 60 ميلادية وربما تعجب أن يبقى شخص ما محبوساً هذه المدة بلا حكم في قضيته. فلما جاء بروكيوس فستوس كوالي جديد لليهودية الى قيصرية العاصمة المدنية ، إذ كانت أورشليم هي العاصمة الدينية، قدم الي أورشليم ليقيم علاقات طيبة مع القيادات الدينية الخاضعة له، ولكي يتعرف على شئون الولاية من الجانب الديني. فعرض له رئيس الكهنة ووجوه اليهود ضد بولس، والتمسوا منه أن يستحضر بولس إلى أورشليم وقد استغلوا جهل فستوس بهذه الأمور، فأرادوا أن يضغطوا عليه، ليصنع معهم عطفًا بأن يرسل لهم الأسير بولس لمحاكمته دينيًا في الموقع الذي ارتكب فيها جرائمه. وكانت نيتهم هي قتله في الطريق قبل وصوله إلى أورشليم. لقد طلبوا منه منة أو عطفًا وإحسانًا، وعادة الإحسان يقدم لصالح السجين، لكن هنا يطلبون إحسانًا ضد السجين.

+  لم يجد الوالي الجديد سببًا منطقي لإرساله للمحاكمة أمام السنهدرين، بل طلب التشديد على حراسة بولس، وأنه ذاهب سريعًا إلى قيصرية ليقوم هو نفسه بالمحاكمة. ولعل سرّ رفضه إدراكه انه روماني الجنسية، لهذا لا يحاكم أمام المجمع اليهودي السنهدرين، بل يسمعه بنفسه كوالي روماني، مسئول على وجه الخصوص عن حياة الرومانيين. وقد وعدهم بمحاكمته على وجه السرعة حتى لا يكون لهم حجة في شيء {  فَأَجَابَ فَسْتُوسُ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسُ فِي قَيْصَرِيَّةَ وَأَنَّهُ هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَنْطَلِقَ عَاجِلاً. وَقَالَ: «فَلْيَنْزِلْ مَعِي الَّذِينَ هُمْ بَيْنَكُمْ مُقْتَدِرُونَ. وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الرَّجُلِ شَيْءٌ فَلْيَشْتَكُوا عَلَيْهِ». وَبَعْدَ مَا صَرَفَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ انْحَدَرَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. وَفِي الْغَدِ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِبُولُسَ.} ( أع 4:25-6) ربما طلب محاكمته في قيصرية مركز الولاية أحتراما للقضاء ، فالأجدر أن يرسلوا من هم مقتدرين إلى قيصرية، وهو يسمع للكل ولعله خشي من حدوث اضطرابات أثناء محاكمته في أورشليم يصعب السيطرة عليها في غياب الوالي من أورشليم. لقد أوضح فستوس لهم أن رفض طلبهم لا يعني دفاعه عن بولس، لذا طلب منهم أن يرسلوا من هم مقتدرين على تقديم الاتهامات ضده. لقد طلب منهم أن يثبتوا شره، فإن كان مدانًا لن يعفو عنه.

+ رجع الولي فستوس إلي قيصرية بعد أن قضى عشرة أيّام في أورشليم حيث أدرك أنّه ليس من أمر يشغل القيادات اليهوديّة الدينيّة سوى التخلّص من السجين بولس وفي اليوم التالي من وصوله لمقر ولايته بدأ بالنظر في قضيّة السجين بولس. ومن جانب آخر فإن القيادات الدينيّة لم تعطه فرصة للتأجيل، فقد لحقته ربّما في نفس يوم وصوله. لذلك عقد جلسة في اليوم التالي ليبحث الأمر. جلس الوالي على كرسي القضاء ليحكم في قضية تمس الهدوء السلام، واستدعى بولس وهو تحت الحراسة ليقف ويدافع عن نفسه { فَلَمَّا حَضَرَ وَقَفَ حَوْلَهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ انْحَدَرُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَقَدَّمُوا عَلَى بُولُسَ دَعَاوِيَ كَثِيرَةً وَثَقِيلَةً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُبَرْهِنُوهَا. إِذْ كَانَ هُوَ يَحْتَجُّ: «أَنِّي مَا أَخْطَأْتُ بِشَيْءٍ لاَ إِلَى نَامُوسِ الْيَهُودِ وَلاَ إِلَى الْهَيْكَلِ وَلاَ إِلَى قَيْصَرَ». وَلَكِنَّ فَسْتُوسَ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ الْيَهُودَ مِنَّةً قَالَ لِبُولُسَ: «أَتَشَاءُ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِتُحَاكَمَ هُنَاكَ لَدَيَّ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الأُمُورِ؟». فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلاَيَةِ قَيْصَرَ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ أُحَاكَمَ. أَنَا لَمْ أَظْلِمِ الْيَهُودَ بِشَيْءٍ كَمَا تَعْلَمُ أَنْتَ أَيْضاً جَيِّداً. لأَنِّي إِنْ كُنْتُ آثِماً أَوْ صَنَعْتُ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ فَلَسْتُ أَسْتَعْفِي مِنَ الْمَوْتِ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا يَشْتَكِي عَلَيَّ بِهِ هَؤُلاَءِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَلِّمَنِي لَهُمْ. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا. حِينَئِذٍ تَكَلَّمَ فَسْتُوسُ مَعَ أَرْبَابِ الْمَشُورَةِ  فَأَجَابَ: «إِلَى قَيْصَرَ رَفَعْتَ دَعْوَاكَ. إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ».} (أع 7:25-12)

رفع القضية الي قيصر روما

 + وقف المتهمين أصحاب الدعوى حول الوالي مما يدل على كثرة عددهم، وقد أرادوا بهذا أن يمارسوا ضغطًا على الوالي بأن القضية لها خطورتها على أورشليم، كما أرادوا بكثرة العدد أن يرعبوا السجين المتهم بولس. لقد جاءوا بدعاوى كثيرة تتضمن اتهامات كثيرة وخطيرة، لكنهم فشلوا في البرهنة على صدقها، وذلك كما فعلوا أمام فيلكس أما القديس بولس ففي هدوء وحكمة أجاب إنه لم ينتهك الناموس الموسوي، ولا قدم تعاليم تخالف الشريعة. فإن الإيمان لا يبطل الناموس بل يكمله. الكرازة بالمسيح حققت غاية الناموس واكملته روحيًا. كما أنه لم ينتهك قدسية الهيكل، ولا استخف بالعبادة والخدمة فيه، فالكرازة بالإنجيل تحقق التمتع بهيكل القلب الذي يرمز إليه هيكل سليمان. وهو لم يخطئ في حق قيصر أو الحكومة، بل طالب المؤمنين بالخضوع للسلطات. وإذ لم يكن لدى الوالي دراية بالشؤون اليهودية حاول أن يكسب ود القيادات فسأل بولس إن كان يود أن يُحاكم لديه في أورشليم حيث يزعمون أنه ارتكب هذه الجرائم هناك. لم يكن ذلك أمرًا من الوالي وإنما كان اقتراحا, ربما كان يتوق الوالي أن يقبله الرسول. لكن بولس المواطن الروماني وهو يدرك ما يدبرونه ضده استخدم حقه كمواطن روماني أن يحاكم أما كرسي قيصر في روما متأكد أنها دعوة الله له { وفي الليلة التالية وقف به الرب وقال ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في اورشليم هكذا ينبغي ان تشهد في رومية ايضا}(اع 23 :  11). لذلك قال بولس { أنا واقف لدى كرسي ولاية قيصر حيث ينبغي أن أُحاكم، أنا لم أظلم اليهود بشيء كما تعلم أنت أيضًا جيدًا} لقد رفض القديس بولس هذا الاقتراح، إذ كان يعلم أن اليهود سيجدون وسيلة لقتله أن ذهب اليهم في اورشليم، وأنهم سبق وخططوا لذلك. فلم يرد أن يضع حياته بين يدي أناس يحملون له كل كراهية. إنه كروماني الجنسية يُحاكم أمام الوالي الروماني في عاصمة الولاية، حيث تقام المحكمة باسم قيصر وتحت سلطانه خلال رجاله أو المندوبين عنه. لكن الرسول يعلن الرسول أنه لا يهرب من العدالة، ولا من تطبيق القانون، ولا أن يستغل أي موقف، فإنه إن كان مستحقًا للموت فبكل سرور يخضع للعقوبة. في شجاعة طلب رفع دعواه إلى قيصر في روما كاستئناف للحكم في القضية أما القيصر وهذا الحق خاص بالمواطنين الرومانيين لكي يتحاشوا ظلم الولاة غير الرومانيين.

+ حينئذ تكلم فستوس مع أرباب المشورة، وأجاب بولس إلى قيصر: رفعت دعواك إلى قيصر تذهب. لقد التجأ فستوس إلى مشيرين قانونيين، إذ كان في حيرة. فمن جانب ليس له ما يكتبه لقيصر بخصوص اتهام معين، لأنه ليس لديه دليل على جريمة ضد الدولة أو ضد إنسانٍ، يستحق عليها عقوبة. وإن تركه يقتله اليهود وهو مواطن روماني مسئول عن حمايته أمام القانون. ومن جهة أخرى يرفض بولس الرسول محاكمته أمام محاكم اليهود إذ صمم اليهود على قتله. وافق الولي على إرسال بولس الي روما بقراره هذا يتخلص من ضغط القيادات اليهودية التي ستكن للوالي كل بغضة إن أطلق القديس بولس، ويتخلص من أي اضطراب قد يحدث، وفي نفس الوقت إذ طلب بولس الروماني الجنسية الوقوف أمام قيصر لا يمكن للوالي أن يكسر القانون.

فستوس وأغريباس وحيثيات قضية بولس ..

+ جاء الملك أغريباس الثاني ومعه برنيكى في زيارة ودية فستوس يهنئونه على استلام ولاية اليهودية. الملك أغريباس حفيد هيرودس الكبير الذي قتل أطفال بيت لحم عند ميلاد السيد المسيح ومجيء المجوس ليقدموا له الهدايا. دعاه المؤرخ يوسابيوس هذا الملك أغريباس الصغير، وقد تربى أغريباس في روما. وبعد موت عمه هيرودوس ملك كالكس، عيَّنه الإمبراطور كلوديوس حاكم ولاية "تترارخ" في هذا الإقليم في سنة 48 ميلادية. وفي سنة 52 ميلادية نقله إلى مملكة أكبر مكونة من مملكة عمه هيرودس فيلبس بما في ذلك بتانيا و تراخونيتس بالإضافة إلى غالونيتس وأبلين وكل المقاطعات الواقعة شمالي بحر الجليل وشرقيه. وفي سنة 55 ميلادية أضاف نيرون مدينتي طبرية وتاريخيّا في الجليل، ويوليخيّا في الجليل، ويولياس وبعض المدن المستقلة في بيريّة إلى مملكة أغريباس. لقد وجد فستوس الفرصة مناسبة لمناقشة موضوع الأسير بولس مع أغريباس العالم بالشئون الدينية لليهود، والتي لم يكن ممكنًا لفستوس أن يدركها.  وقد فوجئ فستوس بما حدث عندما اجتمع حوله من قاموا علي بولس إذ لم يستطيعوا أن يثبتوا علة واحدة ضده وذلك على غير ما توقع، حيث تأثر بثورتهم العارمة. وربما دُهش كيف تركه فيلكس في الحبس سنتين بلا ذنبٍ أو جريمةٍ ارتكبها فاخبر فستوس اغريباس بما حدث مع بولس قائلا { فَلَمَّا وَقَفَ الْمُشْتَكُونَ حَوْلَهُ لَمْ يَأْتُوا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا كُنْتُ أَظُنُّ. لَكِنْ كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ مَسَائِلُ مِنْ جِهَةِ دِيَانَتِهِمْ وَعَنْ وَاحِدٍ اسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ. وَإِذْ كُنْتُ مُرْتَابا فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ هَذَا قُلْتُ: أَلَعَلَّهُ يَشَاءُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيُحَاكَمَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الأُمُورِ؟. وَلَكِنْ لَمَّا رَفَعَ بُولُسُ دَعْوَاهُ لِكَيْ يُحْفَظَ لِفَحْصِ أُوغُسْطُسَ أَمَرْتُ بِحِفْظِهِ إِلَى أَنْ أُرْسِلَهُ إِلَى قَيْصَرَ». فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «كُنْتُ أُرِيدُ أَنَا أَيْضاً أَنْ أَسْمَعَ الرَّجُلَ». فَقَالَ: «غَداً تَسْمَعُهُ». فَفِي الْغَدِ لَمَّا جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي فِي احْتِفَالٍ عَظِيمٍ وَدَخَلاَ إِلَى دَارِ الاِسْتِمَاعِ مَعَ الأُمَرَاءِ وَرِجَالِ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّمِينَ أَمَرَ فَسْتُوسُ فَأُتِيَ بِبُولُسَ. فَقَالَ فَسْتُوسُ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ وَالرِّجَالُ الْحَاضِرُونَ مَعَنَا أَجْمَعُونَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ هَذَا الَّذِي تَوَسَّلَ إِلَيَّ مِنْ جِهَتِهِ كُلُّ جُمْهُورِ الْيَهُودِ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُنَا صَارِخِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمَّا وَجَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ وَهُوَ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى أُوغُسْطُسَ عَزَمْتُ أَنْ أُرْسِلَهُ. وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ يَقِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لأَكْتُبَ إِلَى السَّيِّدِ. لِذَلِكَ أَتَيْتُ بِهِ لَدَيْكُمْ وَلاَ سِيَّمَا لَدَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ حَتَّى إِذَا صَارَ الْفَحْصُ يَكُونُ لِي شَيْءٌ لأَكْتُبَ. لأَنِّي أَرَى حَمَاقَةً أنْ أُرْسِلَ أَسِيراً وَلاَ أُشِيرَ إِلَى الدَّعَاوِي الَّتِي عَلَيْهِ»}( أع 18:25-27). أظهر الملك أغريباس شوقه إلى الاستماع للقديس بولس، ربما لإشباع حبه للاستطلاع بعد أن سمع الكثير عنه وعن كرازته بيسوع المصلوب القائم من الأموات. وكانت فرصة رائعة للقديس بولس ليشهد للسيد المسيح في احتفالٍ عظيمٍ حضره الملك والوالي والأمراء ورجال الدولة وكل عظماء وأعيان مدينة قيصرية عاصمة البلاد السياسية. ووقف بولس الأسير يتحدث ككارزٍ يدعو الكل للتمتع بالنور الإلهي، وكأنه في اجتماع يدعوهم للإيمان المسيحي. لقد حاول الوالي أن ينسب للرسول الهذيان، لكن الرسول نبه ضميره وراجعه في ذلك. إذ حاول الملك أن يتخلص من السهم الذي صوبه الرسول إلى قلبه، رده إليه الرسول بشجاعة، داعيًا له أن يشاركه بما يتمتع به ماعدا القيود التي في يديه.

اليك ايها الحاكم العادل نصلي

+ أيها الرب الهنا، الحاكم العادل وديان الأرض كلها، ونرفع دعوانا، نطلب ونسأل من صلاحك أن تقيم العدل على أرضك الحبلي بالظلم والآثام والشرور. لقد استطاع الشيطان وجنده أن يزيفوا الحقائق فصار الحق باطل والباطل حق. ولكن أن وحدك صاحب السلطان والقدرة أن تنصف المظلومين وتحررهم وتعتق من سباهم إبليس فى قبضته وتنصف فقراء ومساكين الأرض.

+ أيها المسيح الهنا، أنت القدوس الذي قلت وتعرفون الحق والحق يحرركم. عرفنا الحق وقدنا فى طريق العدل والبر والتقوى وهب حكمة للرؤساء والمرؤوسين وولي علينا الصالحين ذوي الضمائر الحية ليحمكوا بالعدل ويسود البر والأمن والسلام في الأرض لتأتي سنة الرب المقبولة التي فيها يتحرر الإنسان من الرق والعبودية والظلم والشيطان ويتوقف ظلم الإنسان لأخيه.

+ ياروح الله القدوس القادر ان تهب الحياة للمائتين، أقم موتى الضمائر ولا تدع الإنسان حائر بين طرق كثيرة تبدو مستقيمة وعاقبتها الموت، هبنا حكمة وتمييز وإفراز لاسيما للحكام والقضاة والرعاة والمعلمين ومربي الأجيال واعطنا أن نسلك في طريق البر والاستقامة والعدل والأنصاف واهدنا الي ملكوتك السماوى ليتمجد اسمك القدوس، امين.

الجمعة، 25 ديسمبر 2020

69- القديس بولس الرسول والمحاكمة أمام فيلكس الوالي


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

محاكمة بولس الرسول أمام فيلكس الوالي

+ أرسل القديس بولس إلى قيصرية ليحاكم أمام فيلكس والي قيصرية، العاصمة المدنية لليهودية في ذلك الوقت وأخبر الأمير ليسياس في اورشليم رئيس الكهنة والقيادات الدينية المقاومين للقديس بولس بأنه إن كان لديهم شكوى على بولس فليقدموها ضده في قيصرية ولم يرد رئيس الكهنة والشيوخ أن يخسروا وقتًا، بل تبعوا الرسول بولس، وقد أخذوا معهم ترتلس الخطيب ليقدم الشكوى والاتهامات ضد بولس في قيصرية. لقد بلغت بهم الكراهية حتى أن رئيس الكهنة نفسه ترك الهيكل ومدينة الله أورشليم وكل التزامات الخدمة ليذهب بنفسه إلى القضاء في قيصرية يهاجم بولس الرسول. لقد ذهب رئيس الكهنة ومعه هيئة تمثل مجمع السنهدرين ليمثل ضغطًا على الوالي, بأن الأمر خطير ويمس الأمة اليهودية بأسرها. وتصاغروا  في أعين أنفسهم، فحسبوا أنهم عاجزون عن تقديم الدعاوى ضد القديس بولس، لذلك أخذوا معهم خطيب ومحامي روماني يدعي ترتلس وغالبًا ما كان خطيبًا رومانيًا، حيث كان اليهود يجهلون إلى حد كبير القوانين الرومانية والإجراءات القانونية في مثل هذه الحالة. فكانوا يوظفون بعض المحامين الرومانيين للدفاع عن قضاياهم وقدم ترتلس دعواهم الي فيلكس واستدعي القديس بولس من الحبس ليقف أمام الوالى ويسمع الدعاوى ضده وليدافع عن نفسه { بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ انْحَدَرَ حَنَانِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ مَعَ الشُّيُوخِ وَخَطِيبٍ اسْمُهُ تَرْتُلُّسُ. فَعَرَضُوا لِلْوَالِي ضِدَّ بُولُسَ. فَلَمَّا دُعِيَ ابْتَدَأَ تَرْتُلُّسُ فِي الشِّكَايَةِ قَائِلاً:. «إِنَّنَا حَاصِلُونَ بِوَاسِطَتِكَ عَلَى سَلاَمٍ جَزِيلٍ وَقَدْ صَارَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَصَالِحُ بِتَدْبِيرِكَ. فَنَقْبَلُ ذَلِكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ فِيلِكْسُ بِكُلِّ شُكْرٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَانٍ. وَلَكِنْ لِئَلاَّ أُعَوِّقَكَ أَكْثَرَ أَلْتَمِسُ أَنْ تَسْمَعَنَا بِالاِخْتِصَارِ بِحِلْمِكَ. فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هَذَا الرَّجُلَ مُفْسِداً وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ. وَقَدْ شَرَعَ أَنْ يُنَجِّسَ الْهَيْكَلَ أَيْضاً أَمْسَكْنَاهُ وَأَرَدْنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِنَا. فَأَقْبَلَ لِيسِيَاسُ الأَمِيرُ بِعُنْفٍ شَدِيدٍ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا. وَأَمَرَ الْمُشْتَكِينَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْكَ. وَمِنْهُ يُمْكِنُكَ إِذَا فَحَصْتَ أَنْ تَعْلَمَ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي نَشْتَكِي بِهَا عَلَيْهِ». ثُمَّ وَافَقَهُ الْيَهُودُ أَيْضاً قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ هَكَذَا».}( أع 1:24-9).

+ بدأ ترتلس خطابه بكلمات التملق والرياء، مع أن فيلكس كان معروفًا بعنفه وشره وطمعه. أعتبر ترتلس أن الخلاص من بولس هو عمل صالح يًحسب امتدادًا لأعمال فيلكس الصالحة لحساب الأمة، إذ اخمد الفتن وحركات التمرد التى تهدد سلام الشعب. وكأن بولس واحد من هؤلاء المثيرين للفتن. ولم يكن أحد يجهل مدى كراهية رئيس الكهنة والشيوخ للوالي الروماني، حيث يتطلعون إليه كنيرٍ موضوعٍ على عنقهم. كانت قلوبهم مشحونة بالعداوة ضد فيلكس، لكن في كراهيتهم لاسم يسوع قالوا لبيلاطس أنه ليس لهم ملك إلا قيصر، والآن يحسبون فيلكس حليمًا ومهتمًا بمصالحهم من أجل تحقيق هدفهم من جهة القديس بولس. وباسم رئيس الكهنة وكل مجمع السنهدرين قدم ترتلس ثلاثة إتهامات خطيرة ضد الرسول بولس: أولهما يخص الأمن العام للدولة بكون بولس مهيج فتنة بين جميع اليهود، والثاني يمس سلامة الدين اليهودي كمنجس للهيكل وكاسر للناموس، والثالث كقائد حركة لشيعة جديدة تدعى الناصريين. فادعوا ان بولس ينادي بتعاليم ضد ناموس موسى والتقاليد والعادات اليهودية مما يسبب انقسامًا وثورة وسط اليهود. جاءت الكلمة مهيج فتنة بمعني كقائد للجيش، وكأن بولس هو الرجل الأول في حركة الناصريين الثائرة كجيش يحارب. لقد قلبوا الحقائق فالرسول بولس ككارزٍ بإنجيل المسيح، يسوع الناصري، يدعو إلى الخضوع للسلطات، وتقديم الكرامة لمن له الكرامة، كما يدعو إلى تنفيذ الناموس في كمال مفهومه الروحي، فيطالب بالحب حتى نحو الأعداء والمقاومين. وادعوا ان بولس يدنس الهيكل وهذا الاتهامات بلا أساس من الصحة، فقد أتهم بأنه دخل بيونانيين إلى المكان المقدس (أع 21: 28)، وقد نفي الرسول على ذلك. واتهموا الأمير ليسياس باستخدام العنف معهم، وأنه لو لم يفعل ذلك لتمت محاكمة عادلة بخصوص بولس. وهم في هذا يخفون الحقيقة، إذ كانوا يدبرون مؤامرة لقتل بولس بدون محاكمة. ويرى البعض أن حديث الخطيب ترتلس حتمًا قال أكثر من هذا، وأن القديس لوقا اكتفي بتقديم الخطوط العريضة للحديث أو ملخصًا له. وقد أيد قاده اليهود كلام خطيبهم ترتلس.

دفاع القديس بولس ...

+ لقد دافع القديس بولس عن نفسه قائلا{ إِنِّي إِذْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ قَاضٍ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَحْتَجُّ عَمَّا فِي أَمْرِي بِأَكْثَرِ سُرُورٍ. وَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً مُنْذُ صَعِدْتُ لأَسْجُدَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمْ يَجِدُونِي فِي الْهَيْكَلِ أُحَاجُّ أَحَداً أَوْ أَصْنَعُ تَجَمُّعاً مِنَ الشَّعْبِ وَلاَ فِي الْمَجَامِعِ وَلاَ فِي الْمَدِينَةِ. وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُثْبِتُوا مَا يَشْتَكُونَ بِهِ الآنَ عَلَيَّ. وَلَكِنَّنِي أُقِرُّ لَكَ بِهَذَا: أَنَّنِي حَسَبَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُونَ لَهُ «شِيعَةٌ» هَكَذَا أَعْبُدُ إِلَهَ آبَائِي مُؤْمِناً بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ. وَلِي رَجَاءٌ بِاللَّهِ فِي مَا هُمْ أَيْضاً يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ الأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ. لِذَلِكَ أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. وَبَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ جِئْتُ أَصْنَعُ صَدَقَاتٍ لِأُمَّتِي وَقَرَابِينَ. وَفِي ذَلِكَ وَجَدَنِي مُتَطَهِّراً فِي الْهَيْكَلِ لَيْسَ مَعَ جَمْعٍ وَلاَ مَعَ شَغَبٍ قَوْمٌ هُمْ يَهُودٌ مِنْ أَسِيَّا. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرُوا لَدَيْكَ وَيَشْتَكُوا إِنْ كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ شَيْءٌ. أَوْ لِيَقُلْ هَؤُلاَءِ أَنْفُسُهُمْ مَاذَا وَجَدُوا فِيَّ مِنَ الذَّنْبِ وَأَنَا قَائِمٌ أَمَامَ الْمَجْمَعِ. إِلاَّ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْقَوْلِ الْوَاحِدِ الَّذِي صَرَخْتُ بِهِ وَاقِفاً بَيْنَهُمْ: أَنِّي مِنْ أَجْلِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أُحَاكَمُ مِنْكُمُ الْيَوْمَ».}(أع 10:24-21) اتسم دفاع بولس بروح الحكمة والقداسة، وتحقق فيه وعد السيد المسيح أنهم إذ يقفون أمام ملوك وولاة من أجله ويُعطون في تلك الساعة ما يتكلمون به. لم يستخدم الرسول بولس كلمات الإطراء والتملق، كما فعل الخطيب ترتلس، لكنه قدم مديحًا متواضعًا لفيلكس الوالي، مظهرًا أنه صاحب خبرة في شئون الأمة اليهودية، لهذا حتمًا ستكون المحاكمة عادلة. وكان فيلكس والي لليهودية منذ سبعة سنوات وهي فترة طويلة أعطت لفيلكس خبرة قوية من جهة أمور الأمة اليهودية. إنها فترة طويلة إن قورنت بالولاة السابقين له. وقال له {احتج عما في أمري بأكثر سرور} إنها لغة الإنسان الجرىء الذي لا يخشى الموت والواثق في أعماقه ببراءته مهما دارت الأحداث. فلم يهتز الرسول بولس من كلمات الخطيب الأجير، ولا أعطى لكلماته اهتمامًا، إنما وجه الحديث بكل توقير للوالي، وقد ظهرت عليه علامات السرور والبهجة لا الاضطراب والخوف. لقد قدم الي اورشليم من اثني عشر يوم، لأنه حسب فقط الأيام التى كان يمكن أن يُتهم فيها بأنه يصنع فتنة في أورشليم، إذ لا يمكنه ان يصنع فتنة وهو في الحبس في قيصرية تحت الحراسة. وكانت الاثني عشر يومًا هي الفترة ما بين صعوده إلى أورشليم حتى مجيئه إلى قيصرية تحت الحبس لدى فيلكس، وهي فترة قصيرة للغاية. أوضح بولس غاية صعوده إلى أورشليم وهي ليتعبد لله وليس ليثير فتنة. صعد بهدفٍ تقويٍ تعبديٍ خاشعٍ. ولم يكن مفسدا أو مهيج فتنه كما أدعي ترتلس كيف يكون هذا صدقًا، وهو لم يدخل في حوارٍ مع أحد، ولا على مستوي التجمعات، ولا في داخل الهيكل، بل كان في الهيكل ينفذ نذرًا، ويحتفظ بشركته في العبادة مع شعبه، ولم يتحد أحدًا منهم. ولا يستطيعون أن يثبتوا ما يشتكون به الآن عليه فليس لديهم أي دليل على إثارة أي شعب، إذ يحمل كل حب وغيرة على خلاص بني جنسه (رو 9: 1-3).

+ أما عن الاتهام الثاني الذي قدمه ترتلس فهو أنه زعيم لفئة الناصريين، فقد جاءت إجابته { ولكنني أُقر لك بهذا،أنني حسب الطريق الذي يقولون له شيعة، هكذا أعبد إله آبائي،  مؤمّنًا بكل ما هو مكتوب في الناموس والأنبياء}. لم ينكر بولس عضويته لاتباع يسوع المسيح فهو يعتز بانتسابه للمسيحيين. لكن هذا الانتساب ليس إلا امتدادًا للعبادة بحسب فكر آبائهم، الذين دعاهم "آبائي". دخوله الهيكل دليل عملي على ممارسته للعبادة حسب فكر آبائه. كما أن المسيح تحقيق لما ورد في الناموس والأنبياء وهو تحقيق للنبوات وغاية بولس وجماعة ورجاؤها هو التمتع بالقيامة من الأموات وأوضح الرسول ما هو الإيمان المسيحي بقوله {هكذا أعبد إله آبائي مؤمنًا ولي رجاء باللَّه فيما هم أيضًا ينتظرونه،أنه سوف تكون قيامة للأموات الأبرار والآثمة}.

+ أن بولس يدرب نفسه ويجاهد ليرضى الله وليكون له دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو اللَّه والناس وفي تواضعٍ لم ينسب الرسول لنفسه الكمال، لكنه سالك في الطريق، يدرب نفسه على الدوام، فاحصًا ضميره من جهة علاقته بالله والناس. فإن ما يشغله ليس تبرئة نفسه أمام القضاء، وإنما أمام الديان، العارف بما في ضمائر الناس. يطلب دومًا الاستنارة، ويجاهد ليكون مخلصًا وأمينًا أمام الله وفي حق الناس. فكيف يُتهم بمثير فتن وهو إلى سنوات طويلة لم يصعد إلى أورشليم، والآن إذ يصعد يأتي إلى أورشليم بصدقاتٍ وتقدماتٍ بسبب ما حل بالمدينة من مجاعة!. وكما قال في رسالته لاهل روميه {ولكن الآن أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين} (رو 15: 25) أنّه من أجل سماتهم هذه كقديسين يسافر بولس ليلتقي بهم شخصيًا، وهو يترجّى أنّهم يقبلوا تقدمته مظهرّا أنّه مغبوط بالأكثر هو العطاء عن الأخذ (أع 20: 35). وحين ألقوا القبض عليه كان معه يهود قادمون من آسيا وكان هو متطهرًا منشغلاً بخدمة مقدسة حيث يوفي بنذره، ولم يدخل الهيكل ومعه جمهور أو شغب. ولو أنه رافق بولس أحد غريب غير يهودي دخل معي إلى الهيكل، لكان يجب إحضارهم ايضا ليشهدوا ضدي أمامك. أنه التماس جرئ يقدمه الرسول فان كان قد أدخل أحد غير يهودي إلى الهيكل فليقدموا دليلاً عمليًا على اتهاماتهم له. وأراد الرسول بولس أن يوجه أنظارهم إلى أن الأمر الوحيد، ولعله الذي نطق به أمام المجمع، هو التعليم بالقيامة من الأموات.

+ تاجيل القضية للإطلاع والتحقيق... إذ سمع الوالي كلا من ترتلس وبولس أقوالهم أودع بولس في الحبس حتى يفحص الأمر بعد مجيء القائد ليسياس { فلما سمع هذا فيلكس أمهلهم، إذ كان يعلم بأكثر تحقيق أمور هذا الطريق قائلاً: متى انحدر ليسياس الأمير أفحص عن أموركم} (أع 22:24).  كان فيلكس على علم بالإيمان بالسيد المسيح ربما كان لدي فيلكس معرفة عن المسيحية أكثر مما كان يظن رئيس الكهنة ومن معه، ففي قيصرية وجد كرينليوس قائد المائة الذي قَبِل الإيمان هو وأهل بيته على يدي بطرس الرسول. ولعله احتك عمليًا ببعض المسيحيين وتلامس مع أمانتهم وإخلاصهم في العمل وحسن سيرتهم وسلوكهم. وخاب أمل رئيس الكهنة ومن معه إذ كانوا يتوقعون صدور حكم عاجل من الوالي ضد الرسول بولس. { وأمر قائد المائة أن يُحرس بولس، وتكون له رخصة، وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه أن يخدمه أو يأتي إليه} (أع 23:24) بلا شك كان للرسول بولس أصدقاء كثيرون في قيصرية، يستطيعون خدمته، ويأتون إليه يسمعون له، كما كان له مقاومون كثيرون، فوجوده في الحبس كان بسماح إلهي لسلامته. ويرى البعض أن فيلكس أمر بحبس بولس مع معرفته ببراءة الرسول ليطيب خاطر القيادات اليهودية، وإن كان لم يحكم بموته كطلبهم. وربما كان يتوقع من أصدقاء الرسول، وهم ليسوا بالعدد القليل، أن يقدموا رشوة فيطلق سراحه. وأن يتأكد فعلاً خلال اللقاءات معه ومع غيره عن حقيقة الأمر.

لقاء فيلكس وزوجته بالقديس بولس

واضح أن فيلكس قد أعجب بالرسول بولس، فوهب له حرية اللقاء مع أصدقائه وكل زائريه. والتقاه هو وزوجته على مستوى عائلي. لقد استدعاه ليسمع منه عن يسوع المسيح، وعن الإيمان المسيحي الذي لديه بعض المعرفة عن هذا الأمر. ولعله استدعاه بناء على طلب زوجته التي كان لديها حب استطلاع للتعرف على هذا الطريق من الرسول نفسه{ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ مَعَ دُرُوسِلاَّ امْرَأَتِهِ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ. فَاسْتَحْضَرَ بُولُسَ وَسَمِعَ مِنْهُ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ وَأَجَابَ: «أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ». وَكَانَ أَيْضاً يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهُ بُولُسُ دَرَاهِمَ لِيُطْلِقَهُ وَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَحْضِرُهُ مِرَاراً أَكْثَرَ وَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ. وَلَكِنْ لَمَّا كَمِلَتْ سَنَتَانِ قَبِلَ فِيلِكْسُ بُورْكِيُوسَ فَسْتُوسَ خَلِيفَةً لَهُ. وَإِذْ كَانَ فِيلِكْسُ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ الْيَهُودَ مِنَّةً تَرَكَ بُولُسَ مُقَيَّداً} (أع 24:24-27) كانت دروسلا هي ابنة هيرودس أغريباس الصغرى الذي أكله الدود وكانت محبة للاستطلاع، أما من جهة حياتها فقد كانت قبلاً متزوجة، تركت زوجها وعاشت مع فيلكس كزوجة غير شرعية، وكان يشغلها المعرفة الفكرية لا التمتع بالحياة الإيمانية المقدسة. قام أخوها أغريباس الصغير بتزويجها بأزيسيس ملك أميسا وكان موافقًا أن يختتن. وإذ رآها فيلكس والي اليهودية واحبها أرسل إليها سمعان أحد أصدقائه وهو يهودي قبرصي المولد الذي تظاهر بأنه ساحر لكي ما يغويها على ترك زوجها والزواج بفيلكس. واحبته وعاشت معه بغير زواج رسمي يرى البعض أن فيلكس استدعى بولس في حضور زوجته دروسلا، وكان يتوقع من هذا السجين أن يلطف من خاطر دروسلا ويطمئنها على سلامة زواجها من فيلكس وبينما كان يتكلم عن البرّ والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس وأجاب بولس أمّا الآن فاذهب، ومتى حصلت على وقت أستدعيك. فلم يداهن الرسول بولس الوالي وزوجته غير الشرعية، بل شهد لإنجيل المسيح بكل قوة، وتحدث عن البرّ والعفة والدينونة العتيدة فارتعب الوالي، ولم يحتمل أن يسمع، لأن ضميره صار يبكته، ولعله خشي من تأثير الرسول بولس على دروسلا فتفكر في التوبة وتترك فيلكس. والعجيب أن دروسلا لم ترتعب لحديث الرسول بولس، لقد تبلد فكرها وقلبها وضميرها مهما سمعت عن البرّ والعفة وعن الدينونة. بينما كان فيلكس واليًا وقاضيًا، لكنه لا يحمل سمات القيادةِ فارتعب أمام السجين. فالمؤمن الحقيقي لا يرتعب من الغير مهما كان سلطانهم، بل يحمل رهبة وسلطانًا. ومع أن فيلكس ارتعب متأثرًا بحديث القديس بولس، لكن محبة المال والمجد الباطل أفسدتا حياته، فكان يستدعي الرسول راجيًا أن يعطيه دراهم فيطلقه. تحقق الوالي أنه ليس من جريمة ارتكبها الرسول، وأنه يلزم إطلاقه. ومع أن الرشوة كانت ممنوعة حسب القانون الروماني، لكنها كانت سائدة، وكان فيلكس يرجو من بولس أن يدفع رشوة له. كان يستدعيه ويعامله بكل لطف لعله يشتري حريته بالمال. ولكن بعد سنتين تم عزل فيلكس وخلفه بوركيوس فستس فختم فيلكس ولايته بأن ترك الرسول أسيرا ليس اعتقادا بأنه مخطئ، وإنما ليكسب اليهود حتى بعد تركه الولاية لا يشتكوا عليه للأمبراطور.

اليك نرفع الصلاة

+ أيها الرب الهنا القدير نرفع اليك الصلاة من أجل المظلومين لتنصفهم وتحررهم ومن اجل الضعفاء لتقويهم ومن أجل المرضى لتشفيهم ومن أجل المدافعين عن الإيمان المستقيم لتهبهم حكمة لا يقدر جميع معانديهم أن يقاوموها، ومن أجل القضاة ليحكموا بالعدل، ولاجل الحكام ومن هم في منصب ليحيوا في مخافتكم ويقودوا بحكمة وعدل وحق وبر.

+ أيها المسيح الهنا الذي حل علي أرضنا وأفتقر ليغنينا وأحتمل الظلم ليهبنا التبرير والسلام، أنت القادر أن تهبنا سلامك وسط عواصف الحياة وتقرر لنا الحق وتقودنا في الطريق المستقيم وتهبنا الحياة الأفضل لنحيا في محبة وتعاون ونعمل لنخدم أخوتنا لا لنسود علي أحد، ونبذل أنفسنا حبا فيك وفي الغير ونسرع الي كل عمل صالح.

+ يا روح الله القدوس، حرك فينا الدوافع المقدسة للتوبة وأعمل فينا لنرجع بكل قلوبنا الي الله ونثمر ثمرا صالحا وأقم موتي الخطية وأفتح أعين العميان وهبنا بصيرة روحية لنعرف أن ما يزرعه الإنسان أياه يحصد، لنثمر ثمار صالحة ويدوم ثمرنا للحياة الأبدية، أمين.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020

68-دفاع القديس بولس أمام السنهدريم وظهور الرب له


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

دفاع القديس بولس أمام مجلس السنهدريم

+ بعد أن دافع القديس بولس عن إيمانه بالرب يسوع المسيح وعن كرازته للأمم نراه الان يقف أمام مجمع السنهدريم يكشف لهم الحق الإنجيلي، في حضور الأمير والجند والمسئولين المدنيين { فتفرس بولس في المجمع وقال: أيها الرجال الإخوة، أني بكل ضمير صالح قد عشت للَّه إلى هذا اليوم} (أع1:23). لقد دافع عن استقامة قلبه وسلوكه وتكريس حياته لحساب الله منذ نشأته حتى ذلك اليوم. لم يذكر القديس لوقا لماذا بدأ الرسول بهذا الدفاع، هل سبقه سؤال أو اتهام وُجه ضده من رئيس الكهنة أو غيره من المسئولين أم لا. لكن في شجاعة عجيبة وجه القديس بولس حديثه إلى أعضاء مجمع السنهدريم، لقد بين أنه محب لهم يود أن يقدم لهم الحق باستقامة ضميره . لعل هذه هي المرة الأولى التي يقف فيها الرسول أمام مجمع السنهدريم بعد تحوله إلى الإيمان المسيحي. يقف الآن أمام ذات المجمع الذي كان في صباه يكرمه المجمع ويهبه رسائل وسلطة اضطهاد كنيسة الله. يتحدث الرسول بكل شجاعة ويعلن لهم أن قد عاش بضميرٍ صالحٍ، ليس فقط في الأمور التي يشتكون عليه فيها، وإنما في كل أمور حياته. لقد كرس قلبه وحياته لله، فلم يطلب كرامة ولا غنى، بل يطلب ما يرضي الله. بحسب الناموس الموسوي، فهو بار بلا لوم. وحين اضطهد كنيسة الله، كان يظن أنه يقدم خدمة لله، فكان يعمل حسبما يمليه عليه ضميره. وحين ظهرت له الرؤيا في الطريق إلى دمشق ترك ارتباطه بمجمع السنهدريم خدمة لله. وكما يقول: { لأننا نثق أن لنا ضميرًا صالحًا، راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء} (عب 13: 18). يشغله فقط إرضاء الله دون أية اعتبارات بشرية، وقد ثابر على ذلك منذ صباه إلى آخر نسمة من نسمات حياته.

+  وقف بولس الرسول أمام نفس رئيس الكهنة الذي وقف أمامه سيده المسيح وكان رئيس الكهنة يرى في كليهما مجدفين على الله. كان رئيس الكهنة يطلب صلب السيد المسيح لأنه قال الحق أنه ابن الله، وها هو يطلب قتل بولس لأنه يفتح باب الإيمان أمام الأمم { فأمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه} (أع 2-23). رأينا حنانيا رئيس الكهنة في حماس خاطئ لم يحتمل أن يعلن السيد المسيح عن نفسه بنوته لله الآب ومساواته له، وها هو لا يحتمل بولس وهو يمتدح نفسه كفريسي بحسب الناموس. وقد اشتهر بالجشع و الغطرسة والاستبداد. فضرب بولس على الفم يشير إلى رغبة الضارب ومن معه في أن يبكم فم الشخص الذي يضربه، لأنه ينطق بكلمات غير لائقة. هذا الأسلوب كان مستخدمًا في الشرق إلى وقت قريب, وهو يحمل إهانة شديدة، كأن الشخص غير أهل أن ينطق في حضرة الموجودين، ويلتزم بالصمت بسبب جهالته أو وقاحته أو تجديفه. لذلك قال له بولس { سيضربك اللَّه أيها الحائط المبيضّ، أفأنت جالس تحكم علي حسب الناموس وأنت تأمر بضربي مخالفًا للناموس} (أع 3:23). لقد نزلت كلمات الرسول كالصاعقة على رئيس الكهنة وكل المجتمعين, فإنهم لم يسمعوا يهودي ينطق بمثل هذه الكلمات عن رئيس الكهنة. لقد حكم حنانيا على بولس بخلاف الناموس الذي أوصي ألا يُضرب أحد ما لم يُفحص ويُحكم عليه أنه مستحق للضرب ( تث 25: 2؛ راجع لا 19: 35). لذا ما نطق به الرسول كان بدافع النبوة. وكانت نبوة من القديس بولس وتحققت في حنانيا فقد جاء في يوسيفوس أن حنانيا وأخاه حزقيا قد ذُبحا أثناء الهياج الذي حدث في أورشليم عندما استولى عليها الغيورين بزعامة مناحيم وقد حاول أن يختفي لكنهم سحبوه وقتلوه. لقد دعا السيد المسيح الفريسيين المرائيين قبورا مبيضة تحمل في داخلها نتانة (مت 23: 27)، هكذا يقول الرسول أن رئيس الكهنة بريائه حائط مبيض يحمل من الخارج صورة جميلة تخفي تحتها قذارة. ربما يقصد بالحائط المبيض الحائط الذي بدأ يتساقط فعوض وضع أساس سليم له وإعادة بنائه يقومون بوضع طبقة ملس بيضاء حوله تخفي ما تشقق منه فيبدو سليمًا، ويكون خطرًا على من يتكئ عليه أو يجلس بجواره.

بولس يشهد للقيامة من الأموات ..

+ في أيام خدمة السيد المسيح على الأرض كان الفريسيون أكثر الفئات عداوة للسيد المسيح، متطلعين إليه أنه كاسر حرفية الناموس، ومقاوم ريائهم. أما بعد صعوده، فإذ صار التلاميذ يشهدون لقيامة السيد المسيح صار الصدوقيون أكثر الفئات عداوة لهم، لأنهم ينكرون قيامة الأجساد، بينما تعاطف أحيانا معهم الفريسيون ضد الصدوقيين، لا للإيمان بالسيد المسيح، وإنما لتأكيد القيامة من الأموات هكذا دافع بولس عن إيمانه بالقيامة { ولمًا علم بولس أن قسمًا منهم صدوقيون والآخر فريسيّون، صرخ في المجمع: أيها الرجال الإخوة، أنا فريسي ابن فريسي، على رجاء قيامة الأموات أنا أُحاكم}( أع 6:23) صرخ الرسول بصوتٍ عالٍ ليسمعه الكل، معلنًا أنه فريسي ابن فريسي، تربى على رجاء القيامة من الأموات. وحدث حوار عنيف بين الفريسيين والصدوقيين، وكما توقع القديس بولس صار الفريسيون في صفه، مدافعين عنه، ضد الصدوقيين المقاومين له. غالبًا ما أخذ رئيس الكهنة صف الصدوقيين مما أثار الفريسيين بالأكثر. وعوض الصرخات المشتركة تطالب بقتل الرسول, إذا بضجيج وخلافات وانشقاقات. ووقف الأمير ورجاله مع العسكر لا يدرون ما قد حدث, وصاروا يتساءلون فيما بينهم لعلهم يجدون تفسيرًا لتغيير الموقف تمامًا! أما بولس الرسول وحده كان يتطلع إلى تلك العاصفة التي أثارها وهو في هدوءٍ تام { لأن الصدوقيين يقولون: أن ليس قيامة ولا ملاك ولا روح، وأمّا الفريسيّون فيقرّون بكل ذلك فحدث صياح عظيم ونهض كتبة قسم الفريسيين، وطفقوا يخاصمون قائلين: لسنا نجد شيئًا رديًا في هذا الإنسان، وإن كان روح أو ملاك قد كلّمه، فلا نحاربن اللَّه} ( أع 23:8) فمع وجود الفريقين للعمل معًا في مجمعٍ واحدٍ يهتم بالقضايا العظمى لشئون اليهود الدينية، كان لكل فريق فكره الخاص. كان الفريسيون متدينون متعصبين غيورين على الطقوس الناموسية، وفي نفس الوقت كانوا مستقيمين في إيمانهم وعقائدهم بخصوص عالم الأرواح والحياة الأبدية وقيامة الأموات. وكان الصدوقيون غير مخلصين للكتاب المقدس ولا للإعلانات الإلهية. ينكرون الحياة الأبدية وبالتالي قيامة الأجساد. أما عن ظهورات الملائكة ففي رأيهم هي ضغوط من خيالات لا واقع لها. وإذ رأى الكتبة التابعون للناموس ما حدث من صخبٍ شديدٍ نهضوا يدافعون عن الرسول بولس بأنه لا يوجد فيه شر، وأنه ليس مقاومًا للناموس. وأن كرازته بين الأمم هي بأمر سماوي (أع 22: 17-18)، خلال ظهور ملاك له في الهيكل، فمن يقاومه يقاوم الله. ولم يميل بعض كتبة الفريسيين إلى تبرئة القديس بولس فحسب, وإنما ينسبون إليه تمتعه بالوحي وسمو عقائده. وأظهروا استعدادهم لا للعفو عنه فحسب، وإنما إلى مناصرته وحمايته.

ظهور الرب لبولس في السجن بأورشليم

+ احتد الموقف جدًا فصار الرسول معرضًا إلى تمزيقه أربًا بواسطة الصدوقيين، فكان لا بد من الأمير أن يتدخل لإنقاذ حياة بولس كسجين روماني { ولما حدثت منازعة كثيرة اختشى الامير ان يفسخوا بولس فأمر العسكر أن ينزلوا ويختطفوه من وسطهم ويأتوا به إلى المعسكر. وفي الليلة التالية وقف به الرب وقال ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم هكذا ينبغي ان تشهد في رومية ايضا} (أع 10:23-11) مع تحول الصرخات من هجوم الجميع على القديس بولس إلى صرخات لهجوم داخلي بين أعضاء المجمع، وأيضًا بين الجمع المحتشد، لكن ربما لكثرة عدد الصدوقيين ظهر خطورة الموقف على حياة الرسول, لذلك أمر ليسياس العسكر أن يخطفوا بولس ويأتوا به إلى المعسكر.

+ ظهر الرب لبولس في المعسكر يطمئنه بأن له رسالة أن يشهد للمسيح في روما؛ وأنه لن يُقتل في أورشليم. لم يرسل له ملاكًا ولا رئيس ملائكة بل ظهر له الرب نفسه, لأن بولس الرسول كان في موقف يبدو خطيرًا للغاية, وكأن رسالته ستنتهي في لحظات. ظهر له ليعلن له أنه لم يكمل رسالته بعد. لم يكن وعد السيد له ألا تلحق به تجارب، ولا أن يمد في أيامه على الأرض، إنما الوعد المفرح أنه يقدم شهادة له في روما، وهذه كانت شهوة قلب الرسول بولس، وقد تحققت، فدخلها كسجين منتصر وكارز (أع 28: 30-31). تحولت محاكمات الرسول إلى كرازة وشهادة للسيد المسيح، فبعد أن شهد أمام الأمير والجند واليهود بعلمائهم وكهنتهم والقادمين من كل أنحاء العالم، فتح الرب له طريقًا للشهادة أمام قيصر روما وعظماء وأشراف روما وكل العالم الأممي.

مؤامرة لقتل بولس الرسول

+ إذ فشلت خطة هياج الشعب وإثارتهم كما فشلت خطة اليهود، لجأت جماعة المتعصبين  إلى خطة لاغتياله بطريقة بربرية. لقد قدست جماعة من اليهود صومًا وصنعوا قسمًا كمن يشركون الله في خطتهم لقتل بولس الرسول، فيقدمونه ذبيحة لله. وكما سبق فأعلن السيد المسيح نفسه: { سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله} (يو 16: 1-2). { ولما صار النهار صنع بعض اليهود اتفاقا وحرموا انفسهم قائلين انهم لا ياكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس. وكان الذين صنعوا هذا التحالف أكثر من أربعين. فتقدموا الى رؤساء الكهنة والشيوخ وقالوا قد حرمنا أنفسنا حرما أن لا نذوق شيئا حتى نقتل بولس. والان اعلموا الامير انتم مع المجمع لكي ينزله اليكم غدا كانكم مزمعون ان تفحصوا بأكثر تدقيق عما له ونحن قبل أن يقترب مستعدون لقتله.} ( أع 12:23-15). اتفقوا مع رؤساء الكهنة والشيوخ للتحالف معًا لتحقيق مؤامرة العجيب أنه في نفس الليلة ظهر له الرب يؤكد له أنه لن يُقتل في أورشليم، وفي نفس الليلة وربما في ذات وقت ظهور السيد له كان الشيطان يعد أكثر من أربعين شخصُا لاغتياله. السيد المسيح ساهر على كنيسته، وعدو الخير لن يكف عن مقاومتها. والعجيب أن الشر يتحالف معًا، إذ كيف يوجد أربعون شخصًا يتحالفون هكذا على اغتيال شخصٍ بروح واحدة، في مدينة أورشليم التي يدعونها "مدينة الله". هذه التي كان يجب أن تأوي البرّ صارت مأوى للشر والقتل. لقد سلكوا بروح أبيهم، الشيطان، القتال للناس منذ البدء، وقد أظهروا غيرة عجيبة لتنفيذ خطتهم وطلبوا سرعة إبلاغ الأمير حتى يسمح بإنزال بولس في اليوم التالي مباشرة. أما القتل فيتم في الطريق قبل بلوغه المجمع حتى لا يشك أحد في أن المؤامرة بتخطيط من المجمع.

+ لقد اكتشف ابن أخت بولس الخطة وأخبر بولس بها { ولكن ابن أخت بولس سمع بالكمين، فجاء ودخل المعسكر وأخبر بولس} (أع 23:16). لكن كيف عرف ابن أخت بولس بالكمين؟ هذا ما لا نعلمه، لكن ما نعرفه أن الله يستخدم كل وسيلة لإبادة خطط إبليس وجنوده. يرى البعض أن أحد الفريسيين, وهو عضو في مجمع السنهدرين, إذ كان متعاطفًا مع الرسول بولس لأنه يهدم أفكار الصدوقيين أخبر ابن أخت الرسول سرًا. ويرى آخرون أن هذا الشاب جاء إلى أورشليم للدراسة. ولعل أحد أصدقائه في الدراسة, ربما كان ابنا أو قريبًا لأحد أعضاء هذه الجماعة التي صممت على قتله أو لأحد الفريسيين الأعضاء في المجمع قد تحدث مع ابن أخت الرسول, لا لإنقاذ خاله, وإنما كحديث بين شابين صديقين يتحدثان معًا في صراحة عن ما يدور في أورشليم. { فاستدعى بولس واحدا من قواد المئات وقال اذهب بهذا الشاب الى الأمير لان عنده شيئا يخبره به. فأخذه وأحضره إلى الأمير وقال استدعاني الأسير بولس وطلب أن أحضر هذا الشاب اليك وهو عنده شيء ليقوله لك. فأخذ الأمير بيده وتنحى به منفردا واستخبره ما هو الذي عندك لتخبرني به. فقال ان اليهود تعاهدوا أن يطلبوا منك ان تنزل بولس غدا إلى المجمع كانهم مزمعون أن يستخبروا عنه بأكثر تدقيق. فلا تنقد اليهم لان اكثر من اربعين رجلا منهم كامنون له قد حرموا انفسهم ان لا ياكلوا ولا يشربوا حتى يقتلوه وهم الان مستعدون منتظرون الوعد منك.}( أع 17:23-21). كان بولس موضع حب وثقة الكثير من القادة، فلا نعجب إن استدعى قائد مائة وطلب منه إن يُدخل بالشاب إلى قائد المعسكر. فان قائد المائة تحت سلطانه مائة جندي يستدعيهم ولا يستدعى، أما أن يستدعيه أسير في الحبس فهذه نعمة من عند الله. ويدهشنا تواضع قائد المائة وحبه لخدمة المساجين بروح تقوي، وأيضًا أمام لطف قائد المعسكر الذي لم يستهن بالشاب، بل أخذه بيده كصديق له أو كأب مع ابنه، وتنحى به منفردًا يسأله عما عنده ليخبره به.

ارسال بولس الي سجن قيصيرية

+ إذ عرف القائد بالمؤامرة قرر إرسال القديس بولس تحت حراسةٍ مشددةٍ إلى العاصمة قيصرية ليسلموه للوالي هناك يعيدًا عن القيادات اليهودية في أورشليم. وقد قام الموكب الضخم في الساعة الثالثة من الليل، أي حوالي الساعة 9م. لينقذ حياة الرسول كروماني الجنسية. خرج بولس فى حراسة الجند وقادتهم  { فأطلق الأمير الشاب موصيا اياه ان لا تقل لاحد انك اعلمتني بهذا. ثم دعا اثنين من قواد المئات وقال اعدا مئتي عسكري ليذهبوا إلى قيصرية و سبعين فارسا ومئتي رامح من الساعة الثالثة من الليل. وان يقدما دواب ليركبا بولس ويوصلاه سالما إلى فيلكس الوالي. وكتب رسالة حاوية هذه الصورة. كلوديوس ليسياس يهدي سلاما الى العزيز فيلكس الوالي. هذا الرجل لما أمسكه اليهود وكانوا مزمعين أن يقتلوه اقبلت مع العسكر وانقذته اذ اخبرت انه روماني. وكنت اريد ان اعلم العلة التي لأجلها كانوا يشتكون عليه فانزلته إلى مجمعهم. فوجدته مشكوا عليه من جهة مسائل ناموسهم و لكن شكوى تستحق الموت او القيود لم تكن عليه. ثم لما أعلمت بمكيدة عتيدة أن تصير على الرجل من اليهود ارسلته للوقت اليك امرا المشتكين ايضا ان يقولوا لديك ما عليه كن معافى. فالعسكر اخذوا بولس كما امروا وذهبوا به ليلا الى انتيباتريس. وفي الغد تركوا الفرسان يذهبون معه ورجعوا الى المعسكر. وأولئك لما دخلوا قيصرية ودفعوا الرسالة الى الوالي احضروا بولس ايضا اليه.) ( أع 22:23-33) سار بولس في حماية الجند وبقي السبعون فارسًا يسيرون مع بولس في الطريق حتى يسلم بولس للوالي. واضح أن الأمير عامل القديس بولس بكل تقديرٍ, فلم يطلب أن يُوضع في مركبة خاصة بالمساجين, ولا أن يقودوه جريًا على قدميه, وإنما أن يعدوا له دوابًا لأجل وصوله إلى قيصرية في سلام. وقد قرأ فيلكس الوالي الرسالة ووضعوا بولس في الحبس الذي في قصر هيرودس في قيصرية حيث توجد قاعة العدالة. أنشأها هيرودس الكبير في قصره ليمارس فيها القضاء، وكان ملحقا بها أماكن للسجن {  فلما قرأ الوالي الرسالة وسأل من أية ولاية هو ووجد انه من كيليكية. قال سأسمعك متى حضر المشتكون عليك ايضا وأمر ان يحرس في قصر هيرودس} (أع 34:22-33).

اليك نرفع الصلاة ..

+ فى سكون الليل نرفع قلوبنا اليك، وحتى وسط ضجيج الحياة ندعوك، وعندما يهيج علينا العدو ويقوم علي الرب ومسيحه الأشرار ويظلمونا ويضطهدونا، فليس لنا غيرك نرفع اليك دعوانا وأنت القدوس والحق الذي يحفظ كل المتكلين عليه وينصف الذين يصرخون نحوه.

+ انت يارب عالم بضعفنا وتعلم أننا نحبك ونريد أن نشهد لك ونثبت في الإيمان للنفس الأخير. فلا تتخلي عنا ووسط تجارب وضيقات الحياة ننتظر ظهورك البهي وسلامك العجيب الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبنا وحياتنا وتقودنا في موكب نصرتك فنترنم ونقدم التسبيح لاسمك القدوس.

+ يا روح الله القدوس أنت القادر أن تعطينا حكمة ونعمة وقوة التي لا يستطيع جميع معاندينا أن  يقاوموها. فقد الكنيسة ورعاتها وخدامها بحكمتك وارشدنا الي الحق والطريق واهدنا في كل أيام حياتنا لنصنع إرادة الله الصالحة وأحينا في اليوم الأخير، أمين.

الأحد، 20 ديسمبر 2020

67- القديس بولس الرسول ودفاعه عن الإيمان في أورشليم


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

القبض على بولس وحديثه الي قائد الكتيبة..

+ قبض الجند على القديس بولس في الهيكل ليساق لقلعة أنطونيا في أورشليم فقال بولس للأمير قائد الكتيبة: أيجوز لي أن أقول لك شيئًا؟ فقال: أتعرف اليونانية فتحدث الرسول مع أمير الكتيبة باليونانية، فدُهش لأنه كان يظنه يهودي مصري سبق أن صنع فتنة مدعيًا أنه نبي وخرج وراءه أربعة آلاف شخص إلى جبل الزيتون. كما يقول يوسيفوس أنه قال لهم سيظهر كيف تتساقط حصون أورشليم، وأنه سيعبر بهم خلال هذه الحصون الساقطة. كما يقول أنه جَمع ثلاثون الف وقد ضلوا معه وذهب معهم إلى جبل الزيتون، وقال لهم أنه مستعد أن يدخل أورشليم بالقوة. قام فيلكس الوالي بإحباط هذه الحركة بقوى عسكرية قتلت 400 منهم  شخص وأسروا 200 شخصًا. وهرب الثائر ولم يظهر بعد. لهذا كان طبيعيًا أن يظن أمير الكتيبة أنه المصري الهارب وقد عاد فثارت الجماهير عليه { فقال بولس: أنا رجل يهودي طرسوسي، من أهل مدينة غير دنية من كيليكية، والتمس منك أن تأذن لي أن أُكلم الشعب} (أع 21:39) حولت العناية الإلهية هذا الاضطراب للخير، فقد وجدها الرسول بولس فرصة للشهادة للمسيح في أورشليم وسط الجموع الآتية الي العيد، واستطاع أن يجذبهم للاستماع إليه بحديثه معهم باللغة العبرية. وأعلن الرسول للأمير عن موطنه فهو رجل يهودي شريف المولد، وحامل للجنسية الرومانية التي تعطيه كامل الحقوق المدنية.

+ وقف القديس بولس أعلى درجات درجات في الهيكل لكي يراه الجميع. وقف الأسير بين العسكر مربوط بالسلاسل, لكنه كان سيد الموقف في هدوءه العجيب وسلامه الداخلي الذي أدهش الكثيرين حتى الثائرين ضده. لم يحسب هذا الموقف مخزيًا له, بل وكأنه قد صعد على سلم يعقوب, وارتفع إلى حيث الرب واقف, يحوط به العسكر السمائيون. ويتطلع بقلب ينبض حبًا نحو مقاوميه, لعل نعمة اللَّه تقتنصهم فيختبروا ما يتمتع به من أمجاد داخلية. أشار بيده للجموع، والعجيب أنه صار سكوت عظيم. لم يكن يحلم الرسول بولس بهذه الفرصة الرائعة ليشهد لمسيحه أمام جميع طبقات الأمة اليهودية بكافة علمائها ورؤسائها وأتقيائها، أمام اليهود الذين من أورشليم والقادمين من كل أنحاء العالم. لقد وهبه الرب نعمة، فما أن أشار بيده حتى صار سكوت عظيم. تحدث معهم بالعبرية التي لا يتقنها سوى علماء اليهود والكهنة، لغة العبادة والطقس. ولما سمعوه يتحدث بلغتهم الأصلية صار سكوت عظيم.

 أول دفاع لبولس أمام اليهود..

+ يقدم لنا الإنجيلي لوقا أول دفاع يوجهه الرسول بولس إلى اليهود، ويفند فيه الاتهامات الثلاثة التي وُجهت ضده، وهي أنه ضد الأمة اليهودية، ومقاوم للناموس، ومدنس للهيكل. وقد جاء دفاعه قوي الحجة مرتب الفكر وكرازى تبشيري فهو عبراني بالمولد، غيور على أمته، و يعتز بلغته. هذه الغيرة يشهد لها مجمع السنهدرين نفسه ورئيس الكهنة، حيث كان يعمل معهم لمقاومة اسم يسوع. كما أن إيمانه بالمسيح يسوع لم يكن بدعوة بشرية، بل بإعلان إلهي في لحظات مقاومته بكل عنف لاسم يسوع. فقد أنار له يسوع المسيح السماوي الطريق، وحوله من مضطهد للكنيسة إلى كارز بإيمانها. أنه لم يهجر الهيكل، بل يشارك في العبادة، وأن الرب نفسه ظهر له في الهيكل، يؤكد له أنه سيرفضه اليهود ليكرز بين الأمم. لقد بدأ دفاعه بالحديث معهم بكونه واحدًا منهم، يتطلع إليهم أنهم إخوته وآباؤه، يكِّن لهم كل حبٍ وتقديرٍ بكونهم بني أمته ويتحدث بكل شجاعة بلا خوف ولما سمعوا أنه ينادي لهم باللغة العبرانية، أعطوا سكوتًا أحرى. لقد استراح له الشعب المستمع إليه، واطمأن له أيضًا القائد إذ سمعه يتحدث باليونانية والعبرانية بطلاقة { أنا رجل يهودي، وُلدت في طرسوس كيليكية،ولكن رُبِّيت في هذه المدينة مؤدبًا عند رِجليّ غمالائيل،على تحقيق الناموس الأبوي، وكنت غيورًا للَّه كما أنتم جميعكم اليوم} (أع 3:22). بولس ليس بالإنسان الغريب عنهم ولا سبطه غريب عن بقية الأسباط. مولود في طرسوس، عاصمة كيليكية، أي في بلد جدير بالشرف تتمتع بالحرية وهو دارس متعلم جاء إلى أورشليم ليتعلم عند قدمي غمالائيل أبرز معلم للناموس اليهودي في عصره. اهتم بناموس الآباء معتزًا بالتقليد الآبائي السليم، فهو يعتز بما تسلمه الآباء وما سلموه جيلاً بعد جيلٍ، وأن ما يمارسه الآن هو امتداد حقيقي للتقليد الآبائي الحق وليس فيه انحراف. إنه يعلن الأمانة التي تسلمها، ولكن بحسب الفكر الروحي. ومملوء غيرة لله، كما يشهدون، إذ كان يضطهد من كان يظنهم مقاومين لله. وغيرة شاول على حفظ الناموس روحيًا هي بعينها غيرة بولس في المسيح يسوع مكمل الناموس ومحقق غايته.

+ لقد حدثهم كيف أنه كان مضطهد للمؤمنين بالمسيح بقلب ناري بلا تمييز بين رجلٍ أو امرأةٍ، غايته في ذلك الكشف عن أن تحوله إلى الخدمة لحساب المسيح لم يكن إلا بقوة إلهية ودعوة سماوية حولت كل فكره، خاصة وأن هذا قد حدث فجأة خلال إعلان إلهي. { و اضطهدت هذا الطريق حتى الموت، مقيدًا ومسلمًا إلى السجون رجالاً ونساء. كما يشهد لي أيضًا رئيس الكهنة وجميع المشيخة، الذين إذ أخذت أيضًا منهم رسائل للإخوة إلى دمشق، ذهبت لآتي بالذين هناك إلى أورشليم مقيّدين لكي يعاقبوا}( أع 4:22-5). كان شاول لا يقبل اسم يسوع ولا الإيمان به. وبذل كل الجهد ليرعب الكل رجالاً ونساءً، مسلمًا إياهم للسجون، فقد حسبهم لا يستحقون الحياة، ولم يكن يتصور أنه يأتي اليوم الذي فيه يجد فرحه في أن يموت كل النهار من أجل مسيحه ويصير مقيدًا من أجل اسم يسوع والشهادة له { أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا، ولكنني رُحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان، وتفاضلت نعمة ربنا جدًا} (1 تي 13:1-14). فمن جانب، أكد أنه كان يسلك بلا لوم (في 6:3)، ومن جانب آخر، يعترف أنه خاطئ إلى الحد الذي لا يحتاج الخطاة أن ييأسوا من أنفسهم. فشاول مضطهد الكنيسة قد وجد غفران ورحمة من الله. وكأنه يقول لهم: ما تفعلونه الآن هو صورة باهتة لما سبق أن فعلته أنا بالمسيحيين. لي خبرة بما في قلوبكم، وما تحملونه أنتم من مشاعر. وإني اشتهي أن تنالوا ذات خبرتي، لتدركوا الحق الذي أدركته أنا.

شاول يكرز بسر تحوله...

+ كشف القديس بولس ما كان عليه حين كان مضطهدًا للكنيسة وهي ذات الحالة التي يعيشها اليهود الثائرين ضده، حدثهم عن عمل الله معه، وكأنه يطلب لهم أن يعمل الله فيهم كما عمل فيه. يؤكد الرسول بولس أن تغييره لم يقم على حبه لما هو جديد، ولا لتأثير بشري عليه. لقد تركه الرب يسير طوال الطريق من أورشليم حتى قرب دمشق، وكانت كل أحلام يقظته أن يخدم الله بكل قوة بإبادة المسيحيين ونزع اسم يسوع من على وجه الأرض، متطلعًا إلى المسيحيين كأصحاب بدعة تقاوم الحق الإلهي، وتفسد الأمة. لقد أشرق عليه نور عظيم من السماء، واليهود يعلمون أن الله نور، ساكن في النور، ملائكته هم ملائكة نور. هذا حدث في الظهيرة حيث لا يمكن أن يكون تخيلاً، ولا فيه خدعة {  فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهِبٌ وَمُتَقَرِّبٌ إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ النَّهَارِ بَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ. فَسَقَطْتُ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعْتُ صَوْتا قَائِلاً لِي: شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟. فَأَجَبْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ.} (أع 6:22-8) لقد ناداه المسيح  من السماء باسمه، وقد تشكك في الأمر، وكانت مفاجأة له أن يسوع الناصري حي، هو في السماء، يحسب كل مقاومة ضد كنيسته موجهه ضده شخصيًا. وكأن الرسول يحذرهم حتى لا يسقطوا في ما سقط هو فيه، فإن اضطهادهم للرسول الآن هو اضطهاد مباشر ليسوع الناصري الذي ظنوا أنه قد تخلصوا منه بصلبهم إياه. إنهم يقاومون المسيا السماوي. ولئلا يعترضوا: لماذا غيَّر النور والصوت حياتك، ولم يغير حياة الذين كانوا حولك؟ وإن كنا لا نعرف إن كان منهم من تأثروا من الموقف أم لا، لكن الرسول أكد أن الرؤيا كانت له شخصيًا، لقد رأوا النور ولم يميزوه، ولم يسمعوا الصوت الذي كلمه. ربما سمعوا صوتًا رهيبًا لكنهم لم يفسروا الكلمات، لأنه موجه لشاول الطرسوسي. ويرى القديس أمبروسيوس أن شاول الطرسوسي دون رفقائه سمع صوت الرب ودخل معه في الحوار لأنه كان في أعماقه مستعدًا لقبول الحق، ومشتاقًا إلى المعرفة. ولم يقبل شاول الطرسوسي الإيمان في الحال، لكنه طلب مشورة السماوي، فقاده إلى الكنيسة لكي يتعرف على الحق. في المدينة التي كان يود أن يخرب كنيستها فيصير هو تلميذًا يتعلم الحق الإنجيلي منها. ولم تحتمل عيناه الجسديتان أن تنظرا بهاء نور السيد المسيح فأصيبت بالعمى، حتى تنفتح عيون قلبه لرؤية المجد الداخلي للمسيح المخلص.

+  حنانيا الرسول وإيمان شاول ... لقد أرسله الرب الي حنانيا الرسول والمشهود لتقواه كي يعلمه باختيار إله الآباء له لكي يتعرف على مشيئته الخاصة بخطة الخلاص، ويدرك رسالته، فيرى المسيح القدوس البار، ويتقبل من فمه الدعوة الرسولية ويعتمد ويغتسل من خطاياه ويكون شاهدا للإيمان بالمسيح لجميع الناس { لأنك ستكون له شاهدًا لجميع الناس بما رأيت وسمعت} (أع 15:22). كرسول مدعو من السيد المسيح يقدم شهادة حية عملية لما رآه وما سمعه، يشهد أن يسوع هو بالحقيقة المسيا المنتظر من الآباء والأنبياء، وقد جاء وتمم عمل الخلاص، فهو مخلص العالم. ولم يكن هدف الرسول استعراض أعماله، بل الكشف عن عمل الله معه لحساب الحق، وروى لهم دعوة الرب له للعمل بين الأمم، وهو في داخل هيكل سليمان في أورشليم. وأوضح أنه ترك أورشليم ليس خوفًا، ولكن بدعوة من الله وهو في الهيكل يصلي مع إخوته اليهود { فرأيته قائلاً لي: أسرع وأخرج عاجلاً من أورشليم، لأنهم لا يقبلون شهادتك عني}(أع 18:22) إذ أتهم الرسول بأنه مدنس الهيكل، أراد تأكيد أنه تمتع برؤيا سماوية ودعوة لخدمة الأمم وهو في الهيكل. واضح أن الذي تراءى له في الهيكل اليهودي هو يسوع المسيح، وكان يود أن يبقى شاهدًا له بين اليهود، لأنهم يعرفون سيرته الماضية، وأن تحوله هو عمل إلهي. لم يكن يتوقع شاول الطرسوسي أن بني أمته يرفضون شهادته.

+ شهد أما الجمع بالإيمان عن سر تحوله للإيمان بل ودعاهم اليه واضح لهم ان دعوته للأمم للإيمان هي أرادة الله  { فَسَمِعُوا لَهُ حَتَّى هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثُمَّ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «خُذْ مِثْلَ هَذَا مِنَ الأَرْضِ لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ». وَإِذْ كَانُوا يَصِيحُونَ وَيَطْرَحُونَ ثِيَابَهُمْ وَيَرْمُونَ غُبَاراً إِلَى الْجَوِّ. أَمَرَ الأَمِيرُ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ قَائِلاً أَنْ يُفْحَصَ بِضَرَبَاتٍ لِيَعْلَمَ لأَيِّ سَبَبٍ كَانُوا يَصْرُخُونَ عَلَيْهِ هَكَذَا.} ( أع 22:22-24) لقد غلبوا صوت العاطفة والغيرة الخاطئة وثار الرعاع ورفعوا أصواتهم وصاروا يصرخون حتى يقاطعوه في الحديث، ولا يسمحوا لأحد أن يسمع عن ضرورة الخدمة بين الأمم. وصرخوا أنه غير مستحق أن يعيش على الأرض متطلعين إليه كوباءٍ مدمرٍ، ولم يدركوا أنه في سجل رجال الله الذين لم يكن العالم مستحقًا لهم (عب 11: 38). وليس عجيبًا أن يشعر الرسول بأن ما يحل به هو تكميل آلام المسيح في جسده. هكذا صرخت الجموع "خذ مثل هذا من الأرض، لأنه كان لا يجوز أن يعيش". لقد أصغوا بكل انتباه حين تكلم معهم بالعبرانية، وحين شهد لظهور السيد المسيح له في الطريق، وكيف اختاره للشهادة له، أما أن يُعلن أنه يذهب إلى الأمم، فهذا ما لم يحتملوه، وحسبوه أنه ليس أهلاً أن يوجد على وجه الأرض، مع أن كل أنبياء العهد القديم تنبأوا عن عودة الأمم إلى الله. لم يكن ممكنًا لتشامخهم أن يقبلوا دخول الأمم إلى الإيمان، فإنهم فى نظرهم نجسون. لم يشيروا إلى اتهامٍ معينٍ، لكنهم تصرفوا هكذا لكي يخيفوا الحاكم. كانوا يصيحون ويمزقون ثيابهم ويرمون غبارًا إلى الجو. كان تمزيق الثياب يسري على رؤساء الكهنة حين يسمعون تجديفًا على الله تبرأ من دم المجدف (مت 26: 65-66). أما إلقاء التراب في الهواء فوق رؤوسهم تعبير عن ظلمٍ حلّ بهم، وأنهم يستغيثون بالسماء والأرض. هذا المنظر أثار الأمير، فأمر بفحصه داخل القلعة بضربات. وإذ كان القديس بولس يتحدث بالعبرانية مع الجموع لم يفهم الأمير خطابه، كما أن هياج الشعب لم يعطه فرصة لدراسة الموقف، فأراد أن يتعرف على الجريمة باستخدام العنف مع الرسول بجلده فيعترف بما ارتكبه.

دفاع القديس بولس عن حقه كمواطن روماني...

+ لم يكن قانوني بالنسبة للمواطن الروماني أن يجلد  لقد استخدم الرسول هذا الامتياز قبلاً حين كان في فيلبي ولكن بعدما جلد (أع 16: 37)، أما هنا فاستخدمه قبل جلده. وقد تحدث مع قائد المائة بهدوء ولطف في غير غضبٍ ولا احتدادٍ. عند الرومان قانون يدعى lex Sempronia يعَّرض القاضي أو الحاكم الذي يؤدب أو يدين رومانيًا حرًا دون الاستماع إليه أن يسقط تحت الحكم { فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاًغَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟». فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ».فَجَاءَ الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ». فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هَذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ.} (أع 25:22-29). كانت الجنسية الرومانية تُمنح للشخص إما بميلاده من والدين رومانيين، أو تُشتري بالمال، أو تُمنح هبة من الحكومة الرومانية. ولعل والدا بولس اقتنيا الجنسية الرومانية هبة مقابل خدماتهما للدولة الرومانية. ويرى البعض أن طرسوس كمستعمرة رومانية كان لها حق الامتياز، فكل مواطنيها يحسبون كرومانيين لهم ذات امتياز الرومان. ارتعب الأمير لأن في هذا مسئولية خطيرة عليه أمام روما. لقد سبق فظنه المصري المتمرد المثير للفتنة، لكنه دُهش إذ وجده يتحدث اليونانية (أع 21: 37)، وازدادت دهشته عندما عرف أنه روماني الجنسية، خاصة وأنها بالمولد. لقد حل الأمير القديس بولس من القيود حتى لا يكون كاسرًا للقانون الروماني، لكنه تركه في الحبس ربما خشية أن يتعرض له اليهود الثائرين ضده. وفي الغد طلب الأمير أن يقف بولس الرسول أمام مجمع السنهدريم في حضور الأمير، ووقف بولس الرسول أمام رؤساء الكهنة وقادة اليهود الذين قتلوا السيد المسيح يشهد لهم بالقيامة من الأموات. صار يتفرس فيهم، وعرفهم وعرفوه حق المعرفة، فقد تسلم منهم خطابات توصية لمقاومة المسيحيين، وهو الآن يدعوهم لقبول الإيمان المسيحي.

صلاة من أجل الإيمان

+ يا أبانا السماوى القدوس، ليس لنا سوى أن نرفع الصلاة ونطلب من كل القلوب، من أجل البعيدين عن معرفتك والمقاومين لك والعالم الذي يسير في الشر والخطية وانت الخالق وضابط الكل أن ترد قلوبنا اليك وتهدينا الي الإيمان وتهدى مقاومي الحق وتعطي حكمة ونعمة للمبشرين باسمك ويستعلن مجدك في كل الأرض.

+ يا مسيحنا القدوس الذي بذل ذاته عنا خلاصاً. انت وحدك تسعى لطلب الضالين وتعطي رجاء للبائسين وتستطيع أن تفتح أعين العميان وتهب محبتك حتى للمضطهدين وتصبر على المقاومين ، خلصنا وأرحمنا وأهدى الضالين وحرر أسرى إبليس والجهل والتعصب والخطية لنفرح بخلاصك.

+ يا روح الله القدوس، نريد يوم خمسين جديد، تحل فيه علينا وتمنحنا القوة والنعمة والحكمة لنعمل معك ونتوب عن تكاسلنا وجهلنا ونعمل بكل جد ونشاط معك لخلاص كل نفس ونجاتنا من طوفان بحر العالم، ليتمجد اسمك القدوس أيها الآب والأبن والروح القدس، الإله الواحد، أمين.