نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الجمعة، 30 أكتوبر 2020

56- القديس بولس الرسول وأسرار الكنيسة 6- سر مسحة المرضى

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

تأسيس سر مسحة المرضى وممارسته
 + جاء المسيح له المجد يسعى لخلاص كل إنسان ويشفي الإنسان جسداً وروحاً ونفساً، ويدعو للتوبة والإيمان ولكي يهبنا حياة أبدية، وكان يجول يصنع خيرا ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب { وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب }(مت 4 :  23). {وحيثما دخل الى قرى او مدن او ضياع وضعوا المرضى في الاسواق وطلبوا اليه ان يلمسوا ولو هدب ثوبه وكل من لمسه شفي }(مر  6 :  56). وعندما دخل السيد المسيح الي مجمع كفر ناحوم فتح سفر أشعياء النبي وقرأ ما تنبأ به عن عمله الخلاصي ورسالته { فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ:. «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». } ( لو 17:4-19). وواصل الرب عمله لتخفيف متاعب البشرية عن طريق منح السلطان لتلاميذه ورسله القديسين لشفاء الأمراض { ثم دعا تلاميذه الاثني عشر واعطاهم سلطانا على ارواح نجسة حتى يخرجوها و يشفوا كل مرض وكل ضعف.} (مت 1:10) وكان التلاميذ والرسل بنعمة من الله يقومون بممارسة سر مسحة المرضي، رحمة بالمرضي والمتعبين { فَخَرَجُوا وَصَارُوا يَكْرِزُونَ أَنْ يَتُوبُوا. وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ.} (مر 6: 12-13). ففي زمن السيد المسيح كما الأن كانت البشرية تئن تحت ثقل أمراض وأوبئة كثيرة ولم يقف الرب صامتا أو يتخذ موقف سلبي تجاه الأمراض بل مازال يعمل علي شفاء وتخفيف الآم البشرية وشفاء الأمراض المختلفة حسب حكمته فقد أهتم الرب بشفاء مرضي بامراض متنوعة منها الشلل والصرع والبرص والجذام والعمي والصمم والخرس ومرض الاستسقاء وَنزْفُ الدَّم والأورام والحمى  وغيرها.

+ كما أحترم السيد المسيح مهنة الطبيب ودعا المرضي للذهاب الي الأطباء طلباً للشفاء {فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراًبَلْ خُطَاةًإِلَى التَّوْبَةِ».} (مر 17:2). لكن هناك أمراض قد يعجز الطب في شفائها في كل جيل وهناك أمراض أخري يكون السبب الرئيسي فيها روحي أو نفسي ولارتباط الروح والنفس بالجسد فاهتم السيد المسيح بتوبة الخطاة وشفائهم الروحي والجسدي والنفسي ورايناه يهب الشفاء الروحي قبل الجسدى كما فى المفلوج { فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟». فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هَكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهَذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟. أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟. وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَاناًعَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا» - قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:. «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلِّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا اللَّهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا قَطُّ!».} ( مر 5:2-12). هناك أمراض قد تكون بسبب الخطية  كما قال الرب لمريض بركة حسدا بعد أن أعطاه الشفاء { بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له ها أنت قد برئت فلا تخطئ ايضا لئلا يكون لك أشر }(يو 5 : 14). وهناك أمراض قد يسمح الله بها لتنقية الإنسان وأخري ليهب بها  للمؤمنين الصابرين أكاليل الصبر والاحتمال. كما يقول القديس بولس { لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاًأَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ }(في 1 : 29). لقد أساء الإنسان إلى الطبيعة والبيئة وإلى نفسه ولهذا نرى رد الفعل في ظهور الكثير من الأمراض والأوبئة التي تنتج عن ذلك وستظل الخليقة تئن وتتمخض حتى استعلان مجد ابن الله {لان الخليقة نفسها ايضا ستعتق من عبودية الفساد الى حرية مجد أولاد الله. فاننا نعلم ان كل الخليقة تئن وتتمخض معا الى الان. وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن انفسنا ايضا نئن في انفسنا متوقعين التبني فداء اجسادنا.} ( رو 21:8-23). القديس بولس يقصد بالخليقة هنا العالم كله بما فيه حتى الجمادات والكائنات الحية. فإن كان الله قد خلق العالم كله من أجل الإنسان ليحيا سيدًا فيه يحمل صورة الله ومثاله فإن فساد الإنسان انعكست آثاره حتى علي الخليقة، التي يصورها بأنها فى حالة مخاض فعندما سقط آدم جاء الحكم {ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكًا وحسكًا تنبت لك} (تك 3: 17-18). لقد أثمرت المخالفة والعصيان نتائجها فى البيئة والخليقة لكنها حتى هذه المقاومة تترجى عودة الإنسان إلى حضن الله كابن له فتعود الخليقة وتعتق من عبودية الفساد من أجل الإنسان الذي خلقت لأجله.

+  لقد مارس الأباء الرسل  مسحة المرضي عندما أرسلهم السيد المسيح للكرازة، كما قال القديس مرقس الإنجيلى { ودهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم } (مر6: 13). وقد تحدث القديس يعقوب الرسول عن سر مسحة المرضي، وأوضح كيفية إتمامه { أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ،. وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ. اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراًفِي فِعْلِهَا.}(يع 14:5-16). وهنا يتضح سر مسحة المرضى بوجود المريض والقسوس الذين يخدمون السر ويقومون بصلواته والزيت الذي يصلوا عليه وصلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له هنا نري مفعول السر وهو الشفاء من الأمراض الروحية والجسدية المتسببة عن أمراض نفسية وروحية.

 + وعلي مثال الرب يسوع والأباء الرسل كان القديس بولس الرسول يكرز ويبشر ويمنح الشفاء لمرض كثيرين حسب موهبة الله المعطاه له { وَكَانَ اللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ. حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.} (أع 11:19-20). ولقد شفي بولس الرسول كثيرين من أمراضهم الروحية والجسدية ورغم ذلك سمح الله له بشوكة فى الجسد { ولئلا ارتفع بفرط الاعلانات اعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا ارتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح.} ( 2كو7:12-9). المريض يشعر بضعفه وقد يسمح الله للمؤمن أن يتعرض لتجربة المرض ليبقي متواضع، فسمح الله للقديس بولس  بشوكة في الجسد تجعله دائمًا يشعر بضعف الجسد. ما هي هذه الشوكة التي في الجسد؟ يرى العلامة ترتليان أنها ألم في الأذن، والقديس يوحنا الذهبي الفم أنها صداع، والشهيد كبريانوس آلام جسدية كثيرة وخطيرة تسبب قروح في الجسد ويرى البعض أنه ضعف في النظر. ويرى البعض أنها إهانات لحقت به من المعلمين الكذبة خاصة ، إذ يفسرون "ملاك الشيطان" فكما أرسل يسوع المسيح بولس رسولاً للحق هكذا أرسل الشيطان رسولاً مقاومًا للحق، يبث روح الكذب ويقاوم القديس بولس فحتي القديسين سمح لهم بأمراض جسدية و احتملوا فى صبر ونالوا إكليل الغلبة والخلاص. 

+  سر مسحة المرضى أذن من أسرار الكنيسة السبعة، الذي أسسه الرب يسوع المسيح ومنحه للرسل القديسين و تمارسه الكنيسة بسر الكهنوت ببراهين من أقوال الأباء، واتفاق الكنائس، ويؤيد هذه الأقوال آباء الكنيسة عبر التاريخ الكنسي وتحدث عنه العلامة أوريجانوس (185 – 254 م) عند تعداده الوسائط للحصول على غفران الخطايا. وأشار إلى وضع الكاهن يده على رأس المريض حين يصلى عليه وإلى أن سر مسحة المرضى  يتمم  بعد سر التوبة أي أنه على المؤمن المريض أن يتوب ويعترف بخطاياه ثم يتمم له سر مسحة المرضى. ويقول " هو سر مقدس ينال به المؤمن المريض شفاء امراضه الروحية والجسدية، إذ يمسحه الكاهن بزيت مقدس، ويستدعي له عمل النعمة الإلهية. وقد ذكر القديس يوحنا ذهبي الفم (347- 407 م). سر مسحة المرضي في حديثه عن الكهنوت، كسر يقوم به الكهنة ويتمموه للمؤمنين لأجل خلاص نفوسهم المريضة. كما كتب عنه القديس غريغوريوس في كتابة "في الأسرار" كيفية تتميم سر الزيت مع صلواته، وذكر فيه أن الكاهن يمسح المريض بزيت على اسم الآب والابن والروح القدس ويقول له: " فلتسكن فيك قوة المسيح الإله والروح القدس لكي تشفي بتتميم هذا السر وبمسحة الزيت المقدس، و بصلواتنا بقوة الثالوث القدوس، وتعود إلى الصحة التامة " (جزء3: 235).

+ علي أن الأهم من  المعجزات أو الشفاء، هو إيماننا بالله سواء بالشفاء أو المرض فقد يكون المرض لمجد الله وعلينا أن نطلب الشفاء بمسحة المرضي ونذهب للأطباء الأمناء واثقين أن الله يعمل معنا ويتمجد في حياتنا. فصلاة الإيمان  تقتدر كثيراً في فعلها. وأن سمح الله بالمرض فليكن فرصة لحساب الذات والتوبة والعشرة مع الله والسعي لخلاص النفس والنمو في الصلاة والصلة بالله وممارسة  سر مسحة المرضى فرصة لزيارة الكاهن للمريض وقبول توبته وإرشاده ومسحه بالزيت المقدس للشفاء ليتمجد الله فى حياتنا بالشفاء أو بالتعزية في المرض وحتى متى يسمح الله بانتقال المؤمن للسماء يكون مستعد للقاء الله . وأن كان الموت هو نهاية كل حي فقد غلب السيد المسيح بقيامته من بين الاموت ووهب الحياة للذين فى القبور{ أنا هو القيامة والحياة من امن بي ولو مات فسيحيا }(يو11 :  25) لذلك يقول القديس بولس الرسول { لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات.} (رو 8:14-9).

نتائج ممارسة سر مسحة المرضى

+  شفاء الأمراض الجسدية فإن السر قد أعطي لهذه الغاية (مر6: 13، يع 5: 14 و15). الكنيسة تصلي وتطلب لشفاء المرضى. ولهذا تمارس الكنيسة سر  مسحة المرضى في جمعة ختام الصوم ويرتبط الصوم بالتوبة وتطلب الكنيسة الشفاء لكل المرضى بالأمراض المختلفة ، والله له حكمة حين يمنح وحين لا يستجيب فنحن نصلي ليعطي الله الشفاء أو يهب الصبر والتعزية والسلام الداخلي للمرضي { فإن صلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه } (يع 5: 14 و15).

2 – شفاء الأمراض الروحية بالتوبة والاعتراف  { وإن كان قد فعل خطية تغفر له }. الله  يجعل شفاء النفس والروح أساس لشفاء الجسد. وهو يربط بين شفاء الجسد وغفران الخطية، ويجعل الغفران مقترناً الإعتراف بالخطية أو سر التوبة كشرط للغفران { فإن صلاة الإيمان تشفي المريض، والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له، وإذا اعترفوا بعضكم لبعض بزلاتكم، وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا } (يع5: 14 – 16).

اليك يا رب نصلي...

+ أيها الآب السماوي القدوس، خالق الكل ومدبرهم، الطبيب الحقيقى لارواحنا وأنفسنا وأجسادنا اليك نرفع الصلاة من أجل خليقتك التي تئن وتتمخض، ولاسيما المرضى بكل مرض، من يعانون ويتألمون، تحنن عليهم يارب بالشفاء والعافية والسلام والتعزية وأنعم علي من يتعبوا معهم لاسيما العاملين في المجال الطبي وكل الخدمات الإنسانية بالبركة والنعمة والقوة وحسن المكافأة .

+ يا مسيحنا القدوس الذى يجول يصنع خيرا ويشفي كل مرض وضعف في الشعب، أنت هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، مد يدك وأنعم على شعبك بالشفاء الروحي والنفسي والجسدي وأرفع عن العالم الوباء والمرض والزلازل وأنعم على شعبك بالصحة والتوبة والحياة المقدسة التي ترضيك.

+ يا روح الله القدوس، قلباً نقياً أخلقه فينا وجدد كالنسر شبابنا وأبعث فينا صحة الروح والنفس والجسد واشترك معنا في كل عمل صالح وهبنا فينا روح الصلاة والتضرعات والإحساس  الصادق بمتاعب البشرية وساعدنا على تخفيفها بقوة ونعمة من لدنك، ليتمجد اسمك القدوس، امين 

الاثنين، 26 أكتوبر 2020

55- القديس بولس الرسول وأسرار الكنيسة 5- سر الكهنوت وخدمته ودرجاته

 

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

الكهنوت وخدمة المؤمنين والأسرار المقدسة ...

 +  العناية الإلهية تقتضي أن يكون في الكنيسة رؤساء كهنة وكهنة وشمامسة لخدمة المؤمنين. والقيام بممارسة الأسرار التي تقدس المؤمنين في الكنيسة وكما يقول الكتاب عن السيد المسيح { لما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين، كغنم لا راعي لها} (مت 9: 36). الله يدرك حاجتنا للرعاية كرئيس كهنة أعظم مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق (عب 5 : 10) . إلهنا المسيح رئيس الكهنة الأعظم على رتبة ملكى صادق  أكمل الطاعة وجرب فى كل شئ مثلنا وهو قدوس بلا خطية، أحتمل الآلام كالبشر وأطاع حتى موت الصليب (فى2 : 8، 9). رئيس كهنة الخيرات العتيدة {واما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد اي الذي ليس من هذه الخليقة} (عب 9 :11). المسيح كراعي صالح يقودنا لطرق الخلاص من خلال الكنيسة وخدامها ومن هنا ندرك أهمية الكنيسة والكهنوت في خلاصنا. إن الخلاص قد تم على الصليب  بدم المسيح وتقوم الكنيسة بتوصيله عن طريق الكهنوت والأسرار المقدسة وبعلاقة شخصية حية بين المؤمن وربه. الكنيسة الإكليروس تقوم برعاية  المؤمنين ورد الضالين وتقوية الضعفاء وتجبر الكسير وتعصب الجريح وترد الخاطئ عن ضلاله {من رد خاطئاً عن ضلال طريقه، يخلص نفساً من الموت، ويستر كثرة من الخطايا} (يع 5: 20). عن طريق التوبة والإرشاد والتعليم والرعاية.  تعمل كقول القديس بولس الرسول { وأعطانا خدمة المصالحة. نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله} (2كو 5: 18، 20). ولولا أهمية هذا العمل لخلاص أنفس الناس، ما كان الكتاب يقول إن الله أعطى البعض أن يكونوا رعاة ومعلمين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح} (أف 4: 11، 12) وما كان يقول لبطرس: (ارع غنمى، ارع خرافي) (يو 21: 15، 16). وعمل الرعاية هذا يقوم به رتب الكهنوت والخدام في الكنيسة وهكذا قال بولس الرسول لأساقفة أفسس { احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه} (اع 20: 28). الكهنوت تاج الأسرار لانه بدونه لا يمكن للكنيسة أن تستمر ولا يمكن لاحد ان ينال مواهب الروح القدس بدونه.

درجات الكهنوت

الرتب الكهنوت تعطي بوضع الأيدي من قداسة البابا أو الأباء الأساقفة بنعمة الروح القدس حسب حاجة الكنيسة لخدمة المؤمنين، بصلوات وأصوام خاصة، وقد ذكرها الكتاب المقدس وفي تعاليم الآباء الرسل وهي رتب الأسقفية، والقسيسة، والشمامسة ويجب أن تتوفر فيهم صفات تؤهلهم للخدمة والرعاية ليقوموا بدورهم في الكنيسة والمجتمع، هذه الصفات تتعلق بعلاقتهم الروحية بالله وكتابه المقدس وممارساتهم للأسرار المقدسة في تقوى ومخافة الله. ويجب أن تكون حياتهم شخصية منزه عن العيوب على قدر الطاقة. وتعمل النعمة فيهم فيهتمون بخلاص نفوسهم وصقلها بالدراسة والعلاقة الاختبارية بالله وعلاقاتهم المتميزة على مستوى الأسرة والكنيسة والمجتمع، لكى يستطيعوا أن يربحوا النفوس ويقودها ويغذوها ويشبعوها روحيا. وهذه بعض الصفات التى ذكرها الكتاب المقدس فى الخدام ..

1 –الأساقفة ... أطلق لقب " أسقف " على السيد المسيح نفسه {لانكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم واسقفها }(1بط 2 : 25). السيد المسيح هو الذي يبحث عن كل نفس مريضة فاتحًا ذراعيه لكل نفس. والاساقفة هم وكلاء سرائر الله {هَكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِيناً.} (ت1 كو 1:4-2) . الوكيل هو من استلم أمانة من الله ليعمل في كرمه (لو 12 : 41 – 47). والوكالة ليست في أشياء مادية بل على سرائر الله  أي على الأسرار الكنسية اللازمة لتقديس الإنسان، التي تجعله المؤمن عضو حي في جسد المسيح، وتهيئة  لحياة الشركة مع الرب الإله (رو 15 : 16). الأسقف بمعنى النظار من أعلي أي صاحب النظرة المتسعة التي ينالها من العشرة مع الآب والاتحاد بالمسيح والشركة بالروح القدس والتعمق في كلمة الله. درجة الأسقف هي الدرجة العليا فى الكنيسة وله حق رئاسة الكهنوت ويقوم بالتدشين وسيامة الكهنة ويجب أن يتمثل بمسيحه القدوس ويصير قدوة للرعية وأن يكون أمين ومخلص في خدمته. والكتاب المقدس يشرح الشروط اللازمة لدرجة الأسقفية { يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِياً، عَاقِلاً، مُحْتَشِماً، مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ،غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيماً، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَناً، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ. }(1تى3: 2 – 7). فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم اى بلا عيوب تمسك عليهم أو تسبب عثرة للشعب وتضر بالكنيسة. وأن يتميز بالعفاف جسداً وحواس وروح ونفس، وفي وقت كانت الوثنية واليهودية تسمح بتعدد الزوجات سمحت أن يكون له زوجة واحدة وليس معنى هذا أن لا يكون متبتلاً فبولس نفسه كان بتولاً لم يتزوج ثم بعد ذلك تقرر أن يكون الأساقفة من بين المتبتلين الرهبان المشهود لهم بالتقوى ليتفرغوا لخدمة الكنيسة  الأسقف يجب أن يكون لديه الكفاءة والخبرة في حفظ الإيمان المستقيم وتسليمه للشعب { لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك ايضا }(1تي 4 : 16). من واجبات الأسقف أن يحرص على سلامة ونقاوة الإيمان والتعليم، لهذا يجب أن يخرج التعليم من فمه متميز بالقوة والمبادرة ومن القلب من خبرة وقناعة شخصية فاعلة وبتواضع يرفض مديح سامعيه لأن الهدف هو بناء حياتهم الروحية وليس المجد الذاتي .يجب أن يكون تعليمه مستقيم العقيدة والإيمان ومتنوع أي يشمل كل جوانب حياة أبناء رعيته وبحسب تنوّعهم، ويكون ملماً بعلوم عصره صائراً قدوة ومثال صالح للرعية ويعلم برفق ومحبة صادقة، ليكون تعليمه مقبولاً ويحّب الخطاة ويقبلهم بوداعة المسيح. ويهتم برعاية النفوس وحمايتها وبتنظيم الكنيسة وخدمتها وهذه أمور تتطلب مواهب روحية كثيرة عند منْ يقوم بهذه الخدمة.

2- القمامصة والقسوس ...

القمص أو القس هو الذي وضعت عليه اليد من قبل الرئاسة الدينية، لينال درجة القسيسية أو رتبة القمصية وفقا لعقيدة الكنيسة وهو الذي يقوم بخدمة الأسرار المقدسة والعمل الطقسى والرعوى والتعليمى حسب متطلبات العمل الكهنوتى بالكنيسة. ورتبة القسيسة معروفة منذ عصر الرسل وقد قام القديس بولس وبرنابا برسامة قسوس للكنائس { وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوساً فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ.} (أع14: 23). أما القمص بالإضافة لأعمال القس فهو يقوم بمهام التدبير الرعوي داخل الكنيسة. القمامصة هو مدبرى الكنيسة الذين لديهم الخبرة الروحية للتدبير والرعاية { أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَناً فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ، لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «لاَ تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً، وَالْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ». لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ.}( 1تي 17:5-19). ويمتنع عن سيامة المستهتر أو حديثى الإيمان وغير العارف بأقوال الكتب المقدسة للتعليم والتوبيخ أو الحاقد أو المتكبر والطماع وغير المترفق بالرعية. الكاهن لا يميز بين فقير وغني ولا يعمل شيئاً بمحاباة ويحتمل ضعف الضعفاء. يفتقد فى عزم محاولاً رجوع الضال الساقط. والسن القانوني للرسامة لا يقل عن 30 سنة. يكون رسول سلام ويفتقد الرعية، عفيف النفس.

3– الشمامسة..

هم خدام الكنائس المساعدين للأساقفة والكهنة في الخدمة والدياكونية وقد ذكر طريقة أختارهم وعملهم سفر أعمال الرسل {  وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ.  فَدَعَا الاِثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا: «لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ مَشْهُوداً لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ».فَحَسُنَ هَذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ رَجُلاً مَمْلُوّاً مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ وَفِيلُبُّسَ وَبُرُوخُورُسَ وَنِيكَانُورَ وَتِيمُونَ وَبَرْمِينَاسَ وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيّاً. اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ.}(أع 1:6-6) وكانت الخدمة الاجتماعية هي اولى مسؤولياتهم وشرط الإختيار أن يكونوا مملوئين من الروح القدس. ومشهوداً لهم بحسن السيرة فهم يعملون وسط العائلات. ويكونوا مملوئين حكمة حتى يستطيعوا أن يخدموا دون تقصير أو أن يغضبوا أحد. ومع أن هؤلاء الشمامسة كان عملهم خدمة موائد إلاّ أن الروح أعطاهم خدمة الكلمة والوعظ. الشعب يختار الشمامسة والرسل  والاساقفة هم من يقوموا بالرسامة وذلك بوضع اليد. وقد وردت الصفات المميزة التي يختار علي أساسها الشمامسة  رسالة القديس بولس الي تلميذه تيموثاوس { كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ. وَإِنَّمَا هَؤُلاَءِ أَيْضاً لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ. كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌّ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَناً،  لأَنَّ الَّذِينَ تَشَمَّسُوا حَسَناً يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي الإِيمَانِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ} (1تى3: 8 – 13). يجب أن يكونوا ذو وقار لا ذوي لسانين، يقولوا الصدق والأمانة لا يتكلموا مع واحد بلسان ويتكلمون مع الآخر بلسان ثان وهذا خداع يحط من شأن الإنسان. لهم الإيمان المستقيم ويحيوا الإيمان العامل بالمحبة و يستطيعوا أن يعلموه ويسلموه بضمير طاهر وأن يكون إيمانهم عن إخلاص لا رياء، ويظهر عملياً في تصرفاتهم، فهم لا يتاجروا بالدين لينالوا مكسباً مادياً أو شهرة بين الناس.

ألقاب وصفات الكاهن...

أ- الكاهن أب روحي وسفير للسماء..

لأنه يلد الناس فى المعمودية ولادة روحية وينميهم في الإيمان بالمسيح يسوع {لانه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل } (1كو  4 :  15). الكاهن يهتم بحياته الداخلية والقدوة الحسنة والسلوكيات الطيبة بين أبنائه وبناته ويخدم الله بامانة ويطيع الأسقف ويرعى الشعب. والأب يجب أن يكون لديه فضيلة المحبة للرب يسوع ولشعبه. وكما يقول بولس الرسول المحبة هي رباط الكمال وهي تأتي كثمرة لمحبته لمن بذل دمه الكريم من أجلنا، القائل لبطرس{ أتحبني، ارع  غنمي}. وهذه المحبة للرعية هي محبة لكل فردٍ منها دون استثناء أو تمييز، وبدون أي تردّد بسبب خطايا البعض الذين من أجلهم جاء المسيح ومن أجلهم نتقدم إلى الكهنوت. كنموذج محبة القديس بولس للرعية { هكذا إذ كنا حانين اليكم كنا نرضى ان نعطيكم لا انجيل الله فقط بل انفسنا ايضا لانكم صرتم محبوبين الينا }(1تس 2 :  8) ومن محبة الكاهن لله يسعى لخلاص نفسه وتقديس ذاته وخلاص شعبه، بحيث يصبح بذلك معلماً بطريقة حقيقية يقود رعيته إلى مراعي السلامة ويصبح نموذج و قدوة لأبناء رعيته.

والكاهن سفير للسماء وله فكر المسيح ويقتدي به ويعلم ويكرز بالإيمان المسيحي في محبة وتقوى وبذل{اذا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله } (2كو 5 : 20) الذي يرى الكاهن بأقواله وأفعاله يجب أن يرى إنه سفير من السماء أتى إلينا على الأرض، لكى يوصل الناس للسماء.

ب- الكاهن وكيل سرائر الله

الكلمة الدقيقة لكلمة وكيل أي مؤتمن على نعمة الله المتنوعة فلا يعطى الأسرار إلا لمن  يستحقها لأنه مؤتمن على أسرار الله وهو يخدم الله وشعبه ولذلك هو وكيل عن الله أمام الناس ووكيل عن الناس أمام الله. لذلك نسميه شفيع يقدم الذبائح عن الشعب. الكاهن يهتم بأن  المؤمنين يمارسون العبادة المسيحية بوعي ومشاركة حقيقية ويحيوا حياة التوبة والتجديد والنمو. الكاهن كجندي صالح لربنا يسوع المسيح يجاهد في حياته الخاصة لضبط النفس والغلبة على إبليس وكل أفكاره فإذا كان لا يستطيع أن يحافظ على ذاته كيف يقدر أن يسند الآخرين؟ والرب يسوع المسيح الذى وهبنا ذواتنا لأجله يكون معنا في الحرب ويقودنا طول الدرب حتى لو بدا أنه ضيق وكرب فهو يقودنا في موكب نصرته ويقوينا ويحارب إلى جانبنا. يكفي أن نتعب فعلاً لغاية واحدة هي تقدّم الرعية وبناء ملكوت الله على الأرض. والكاهن كوكيل لسرائر الله يهتم بالتعليم فمن فم الكاهن تطلب الشريعة فهو  "فم المسيح"إنه لا يعلم كلامه الشخصي بل يعلن كلمة الله ويشرحها ويحث على تطبيقها. والكاهن الذى يكف عن أن يتعلم ويعلم يكون كم تخلى عن الهوية الأساسية لكهنوته. بالتعليم  يغذى نفسه بكلمة الله ويغذي رعيته وينميها في الإيمان المستقيم ويهبها روح الحكمة للبعد عن التعاليم المنحرفة. 

ج-  قدوة صالحة ..

إن ضعفات الناس عموماً هي خطايا أو نواقص تضرّ بالشخص ذاته، أو لا يراها عديدون فيعثرون منها. لكن ضعفات الكاهن يراها الجميع وكأنها في وضح النهار وتعثّر كثيرين. المسؤولية هنا لا تقاس على مقدار الخطيئة الشخصية للكاهن بل على حجم العثرة التي يسببها للكثيرين وعلى العكس تماماً حينما يرون فضيلته فتشدّدهم ويكون مثال وقدوة للرعية فعلي الكاهن أن يتحّلى بالحكمة والنضوج، وإنكار الذات وبذلها، وفي رعاية الكاهن يهتم بخدمة الفقراء كفضيلة ضرورية ويعتني بخدمة بالغرباء والمرضى وزيارة المسجونين والمحتاجين في صبر ووداعة الكاهن أبٌ روحي يحتضن الجميع بحنانه حتى ولو عادوه، فهو يتفهم  الضعف البشري ويستوعبه ويقف إلى جانبهم لمساعدتهم. موقف كهذا سيقود كثيرين منهم إلى الاعتراف والتوبة.

د - الكاهن راعى وخادم ورجل صلاة ... الكاهن راع يرعى شعبه بطهارة وبر { ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط }(1بط  5 :  2) . بمعنى النظر والمراقبة وتوفير الإحتياجات. يغسل الأرجل ويحتمل المخدومين و يشجع على التوبة ويساعد الناس على ممارسة التوبة و يسعى  لخلاص شعبه. الكاهن رجل الصلاة كقول القديس بولس {مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لاجل جميع القديسين }(أف  6 :  18). كما يوصينا {لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله} (في  4 :  6). {واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر }(كو  4 :  2) الكاهن كشفيع يصلي من أجل رعيته. هذا ما كان يفعله أيوب على أولاده لتطهيرهم من خطاياهم الجسدية، فكم بالحري يرفع الكاهن تضرعات من أجل النمو الروحي أفراد رعيته .

مواظبين على الصلاة

+ أيها الآب السماوي القدوس، اليك نرفع الصلاة ونبتهل بالدعاء، فليس لنا أخر سواك، أسمك القدوس هو الذى ندعوه، طالبين رحمتك بشعبك وسط أمواج بحر العالم، لتقود سفينة كنيستنا وبلادنا نحو معرفتك وطاعة وصاياك ومحبتك من كل القلب والنفس والفكر والإرادة.

+ أيها المسيح الهنا، رئيس الكهنة الأعظم الذى تجسد من أجل خلاص جنس البشر، ودعا له من جميع الأمم أمة مبررة وشعباً مقدساً وكهنوت ملوكي، احفظ وبارك وقدس رعاتنا ورعيتنا وأحفظ كنيستك وخليفة رسلك وأعطنا رعاة حسب قلبك ومهارة يديك من أجل بنيان نفوسنا في الإيمان الأقدس ومن أجل دمك الكريم الذي بذلته من أجل خلاصنا.

+ يا روح الله القدوس، ينبوع النعم والمواهب الإلهية، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس وخلص نفوسنا. وأنعم علينا بوحدانية القلب التي للمحبة، أعط بهاءاً للأكليروس، نسكاً للرهبان والراهبات، حكمة الشيوخ وعفة للنساء،حفظاً للشبان والأبكار، نمواً ونعمة للأطفال، أرفع يارب عن العالم الوباء والغلاء والحروب وكل أمر شرير، أهلنا أن نكون أواني مقدسة لقبولك، لنكون رعية واحدة لراعً واحد، أمين

الخميس، 22 أكتوبر 2020

54- القديس بولس الرسول وأسرار الكنيسة 5- سر الكهنوت - تأسيسه وخدمته

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

 

سر الكهنوت دعوة من الله الآب...

+ معنى كلمة كاهن أي الشخص الذي ينبأ بأمر الرب وهي مشتقه من الكلمه العبريه "كوهين" وللكاهن قديما منزله النبي وتفوقه { لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود }(ملا 2 : 7). الكاهن مؤتمن على الشريعة وهو المسموح له بتقديم الذبائح إلى الله للتكفير عن خطايا الشعب كما ورد في سفر اللاويين وأيضا في تعاليم الرسل في العهد الجديد. الكهنوت دعوة من الله  كقول القديس بولس { وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُّوُ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا. كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِق}(عب  5 : 4 -6). فيلزم أن يكون الكاهن مدعوًا من الله ليقبل الله القرابين والذبائح ويستجيب لصلواته عن الشعب. والكهنة يكرسوا حياتهم لخدمة الكنيسة وأسرارها وتقديس الجماعة وافتقادها ويأخذ الكاهن الرتبة وينال هذه الموهبة بطقس احتفالي بوضع اليد عليه من قبل قداسة البابا كرأس الكنيسة أو من الأساقفة في نطاق خدمتهم. 

+ لقد أفرز الله قديماً هارون وبنيه لوظيفة الكهنوت وأمر موسى بصناعة ثياب الكهنوت المقدسة له ولأبنائه فى الأصحاح الثامن والعشرون من سفر الخروج {وقرب إليك هرون اخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي هرون ناداب وابيهو العازار وايثامار بني هرون}(خر 28 : 1). وكان يوضع علي عمامه رئيس الكهنة قطعة من ذهب مكتوب عليها قدس للرب أي أنه مكرس لله { وَصَنَعُوا صَفِيحَةَ الْإِكْلِيلِ الْمُقَدَّسِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ وَكَتَبُوا عَلَيْهَا كِتَابَةَ نَقْشِ الْخَاتِمِ. «قُدْسٌ لِلرَّبِّ». وَجَعَلُوا عَلَيْهَا خَيْطَ أَسْمَانْجُونِيٍّ لِتُجْعَلَ عَلَى الْعِمَامَةِ مِنْ فَوْقُ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى. } ( خر 30:39-31). ويذكر الكتاب تفاصيل ملابس الكهنوت التي تشير إلى مغزى روحي وأوصى الرب موسى أن يصنع لأخيه هارون ثيابا مقدسة للمجد والبهاء, وتصنع من الكتان النقي الأبيض رمز للنقاء والطهارة التي لرئيس الكهنة  وتصنع واسعه لاتساعة صدره وطول الأناة علي الخطاة وهو الحامل خطايا شعبه بداخله. ويلبس أيضا الجبة التي مثل العباءة التي تصنع من الاسمانجوني رمز للسماء. هكذا ايضا كان رب المجد يسوع المسيح محب للخطاة وطويل الأناة و محب للكل وعلى مثاله يجب أن يكون الكهنة.

+ كان الكهنة في العهد القديم كان يقدموا الذبائح التي كانت تستمد قوتها من ذبيحة المسيح علي الصليب كما يقول القديس بولس{ مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ}( عب 13:2). ويقول القديس بولس عن كهنوت ومذبح وتقدمات العهد الجيد التي تقدس الشعب{ لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ الْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ الْخَطِيَّةِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ الْمَحَلَّةِ. لِذَلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ. فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ. فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ} ( عب 10:13-15). وكان الأكل من الفصح وذبائح السلامة رمزًا لذبيحة المسيح فى العهد الجديد التي نثبت فيه بها بنعمته عندما نتناول من جسده ودمه الأقدسين. وينبه القديس بولس إلى عدم العودة للأكل من الذبائح الحيوانية حسب الطقس اليهودي فهي تعاليم يهودية غريبة عن المسيحية . فنحن لنا كنيسة ومذبح العهد الجديد وما يقدم عليه من قرابين وكأس يصيرا جسد المسيح ودمه، يتناول منهما فقط من يؤمن بالمسيح وخلاصه سوا من اليهود أوالأمم كقول { وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُوماً فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ. فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلَّهِ فِي الرُّوحِ.}( أف 16:2-21).

+ ويطلق على الكهنة برتبهم رجال الإكليروس كلمة "إكليروس" مشتقة من كلمة "اكليرونوميا" ومعناها "الميراث" أى أن هؤلاء الناس اختاروا الرب نصيباً لهم،  وأصبح الله نصيبهم وميراثهم الوحيد الذى يسعون إليه ويدعون باسمه الناس الي ميراث الملكوت، أى أنهم أصبحوا مكرسين لله تماماً، لا يعملون عملاً آخر سوى خدمة  بناء ملكوت الله في القلوب، من خلال الخدمة والتعليم والرعاية والافتقاد وممارسة الأسرار لتقديس الشعب. وقيل عن السيد المسيح { وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد اي الذي ليس من هذه الخليقة }(عب 9 : 11) السيد المسيح تجسد وصار رأساً للكنيسة ورئيس الكهنة الأعظم { حيث دخل يسوع كسابق لاجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة الى الابد} (عب 6 : 20). السيد المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة بتجسده وقيامته وصعوده دخل الي السموات كنائب عنا وكسابق لاجلنا يشفع فينا إلى الأبد لأنه كاهن على رتبة ملكى صادق أى الكهنوت الأبدى.

السيد المسيح مؤسس سر الكهنوت ...

+ أسس السيد المسيح له المجد الكهنوت سر كهنوت العهد الجديد حين أختار خدامه وتتلمذوا عليه وعلمهم وأرسلهم لمباشرة الخدمة فى كل مكان وأعطاهم هذه النعمة المملؤة سراً كما نصلي فى القداس الإلهي { فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.} (مت 28: 18 – 20). هكذا يقول الكتاب عن السيد الرب { روح السيد الرب على، لأنه مسحني لأبشر المساكين، ارسلني لاعصب منكسري القلب.} (أش 61: 1 ). الذي لا يرسله الرب، لا ينجح عمله أو ياتي بثمر { وأنا لم أرسلهم ولا أمرتهم. فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب} (إر 23: 32). وقال الرب عن هذه الإرسالية {كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا.} (يو 20: 21). وقال السيد المسيح في حديثه للآب {كما أرسلتني إلى العالم، أرسلتهم أنا إلى العالم} (يو 17: 18). وفي تأكيد الإرسالية من الله قال {اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده} (مت 9 : 38). وقال عن الاختيار {لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر} (يو 15: 16).  والاختيار يدل على أنه ليس لكل أحد، وهكذا اختار الرب يسوع التلاميذ الأثنى عشر، ثم الرسل السبعين، وكلفهم بهذه بخدمة الكهنوت والكرازة باسمه وتعميد كل من يؤمن وتعليم المؤمنين وصاياه وتعاليمه وأعطاهم سلطان مغفرة الخطايا للتائبين {وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».} (يو20: 21 – 23). سر الكهنوت يهب نعمة روحية وسلطان روحي للكهنة لخدمة الكنيسة والقيام بخدمة أسرارها وهو عمل مقدس به يضع الأسقف يده على رأس الشخص المنتخب ويطلب من أجله فتنسكب عليه النعمة الإلهية التي ترفعه إلى إحدى درجات الكهنوت، وتساعده علي إتمام واجباته الكهنوتية ويسمى ايضاً سر الأبوة الروحية.

الروح القدس وسر الكهنوت  ...

الروح القدس الذى انسكب يوم الخمسين على الرسل هو الذي يعمل لتقديس المدعو من الله ليصير كاهناً ويهب العطايا المتنوعة والمواهب المختلفة للمؤمنين { بينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا و شاول للعمل الذي دعوتهما إليه }(اع  13 :  2). الروح القدس يعطي النعم والمواهب لعمل الخدمة ولبنيان جسد المسيح كما يقول القديس بولس الرسول {َهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ. (أف4: 11 -123). أعطى الروح القدس البعض أن يكونوا رسلاً  ليكرزوا بالإيمان والبعض أنبياء ليس فقط من يخبرون بالمستقبل، ولكن النبوة فى العهد الجديد تعنى التكلم عن مستقبلنا وهو الحياة الأبدية. الأنبياء من يعلمون الحياة الروحية ويعدون الناس للملكوت. والمبشرون وهم الذين يجولون للمناداة بالإنجيل مثل فيلبس (أع8). والرعاة يقيمهم الرب لرعاية  الكنائس. وهم معلمين سواء الأساقفة أو القمامصة والقسوس والشمامسة هذا التنوع في المواهب يحقق كمال المعرفة والقداسة والمحبة للمؤمنين فى الكنيسة، فهذه المواهب تكمل الخدمة للمؤمنين فى الكنيسة حتى ينموا الجميع فى محبة المسيح ومعرفته.

+ وقد قام الرسل بمواصلة عمل الرب يسوع المسيح في رسامة الأساقفة والكهنة والشمامسة وفى إختيار متياس  صلى التلاميذ والرسل لله قائلين { «أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هَذَيْنِ الاِثْنَيْنِ أَيّاً اخْتَرْتَهُ} (أع 24:1). عيِّن أنت يارب أى أختار. فالكهنوت دعوة من الله حتى أن القديس بطرس يقول { اجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين} وهذا لدعوة العامة للكل للدخول للملكوت، فما بالنا بالنسبة للكهنوت، الله يدعو ولكن المختار يجب أن يثبت صدق دعوته أو استحقاقه للدعوة من خلال حياته المقدسة التي ترضي الله. وعندما طلب الناس من الرسل لكي يعينوا لهم شمامسة أختاروا رجال مشهود لهم مملوئين من الروح القدس { فانتخبوا ايها الاخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة} (اع  6 :  3). فعلى الشعب أن يختار للكهنوت خدام مشهود لهم مملوئين من الروح القدس والحكمة ويقومون تزكيتهم للأسقف لسيامتهم كهنة. الله فى دعوته يعطى لكل رتبة القدرة أو الموهبة التى تجعله يقوم بالدور المطلوب منه { الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي}(2كو  3 :  6). وكان الرسل الأطهار يتممون هذا السر بوضع أيديهم على المنتخبين لترقيتهم إلى الدرجة الكهنوتية كقول القديس بولس لتلميذه تيموثاوس { أذكر أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يدي } (2تى1: 6). كما ورد في سفر الأعمال، بينما كان القديس بولس وبرنابا يجولان للكرازة في لسترة أو أيقونية وأنطاكية يشددان التلاميذ { انتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة ثم صليا بأصوام واستودعاهم الرب } (أع 14: 21 – 23). وكذلك الشمامسة الذين أختارهم المؤمنون فقد وضع الرسل عليهم الأيادي (أع 6: 6).

صلاة من أجل الخدام و الخدمة...

+ أيها الرب الهنا القدوس، غافر الخطايا مانح العطايا ومصدر كل نعمة.  نصلي إليك من أجل الخدام والخدمة، فأنت العامل في كنيستك والذي يريد توبة الخطاة وتقديس المؤمنين، قدسنا فى حقك، وأنعم علينا برعاة قديسين يرعوا شعبك بقداسة ومحبة وبر وأنجح خدمتهم في كل مكان ليعدوا لك شعبا مبرراً وأمة مقدسة.

+ ايها المسيح الهنا، رئيس كهنة الخيرات العتيدة، يا من بذل ذاته عنا خلاصاً، نسألك من أجل كنيستك التي اقتنيتها لك بالدم الكريم، نطلب إليك من أجل رعاتنا لتهبهم حكمة ونعمة وتملئهم بروحك القدوس ليرعوا رعيتك بالحكمة والأمانة والنشاط ويقودنا في طريق الفضيلة والبر صائرين أمثلة للرعية لينالوا منك مكافأة الوكيل الحكيم الأمين وينالوا منا الشكر والتقدير.

+ ياروح الله القدوس،  الواهب النعم والمواهب لبنيان وخلاص النفوس، جدد طبيعتنا لنكون بلا لوم في المحبة وننمو في النعمة ومعرفة الحق ونسلك منقادين بالروح و مثمرين في كل عمل صالح لمجد اسمك القدوس، امين.

الأربعاء، 21 أكتوبر 2020

53- القديس بولس الرسول وأسرار الكنيسة 4- سر التوبة والاعتراف -2


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

 

+ لقد منح الرب يسوع المسيح للكنيسة ممثلة في الأباء الرسل وخلفائهم من بعدهم " سلطان الحل والربط "  فقال لتلاميذه { الحق اقول لكم كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولا في السماء} (مت 18: 18). وكان كل الذين يؤمنون بالكلمة كانوا يعترفون بخطاياهم للرسل كما حدث مع القديس بولس في أفسس{ وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ . وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ السِّحْرَ يَجْمَعُونَ الْكُتُبَ وَيُحَرِّقُونَهَا أَمَامَ الْجَمِيعِ. وَحَسَبُوا أَثْمَانَهَا فَوَجَدُوهَا خَمْسِينَ أَلْفاً مِنَ الْفِضَّةِ. هَكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ.}( أع 18:19-20). وكما يقول القديس يوحنا الانجيلي {ان اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل اثم} (1يو 1: 9).

+ لقد تسليم الرسل ليس فقط للحل بل ايضا للربط في الخطية وهكذا راينا كيف ربط القديس بولس الرسول زاني مدينة كورنثوس وعند احساسه بالحسره والاسي غفر له خطيته حتي لايفقد الامل في التوبه ودعا الاخوة ان يقبلوه معهم في شركتهم مرة اخري وقد ذكر الرسول بولس ذلك في رسالته الثانية الي اهل كورنثوس { وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَحْزَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْزِنِّي، بَلْ أَحْزَنَ جَمِيعَكُمْ بَعْضَ الْحُزْنِ لِكَيْ لاَ أُثَقِّلَ. مِثْلُ هَذَا يَكْفِيهِ هَذَا الْقِصَاصُ الَّذِي مِنَ الأَكْثَرِينَ، حَتَّى تَكُونُوا - بِالْعَكْسِ - تُسَامِحُونَهُ بِالْحَرِيِّ وَتُعَزُّونَهُ، لِئَلاَّ يُبْتَلَعَ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْحُزْنِ الْمُفْرِطِ. لِذَلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ.} ( 2كو 5:2-8). لذا فان هذا السر قد أعطاه الرب للكهنة وهذا السر الدائم يظل لمغفرة الخطايا { وأما هذا فمن اجل انه يبقى الى الأبد له كهنوت لا يزول فمن ثم يقدر أن يخلص ايضا الى التمام الذين يتقدمون به الى الله اذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم} (عب 7: 25) فلا نيأس عندما نسقط في خطية ما فالرب هو الذي يكمل ضعفنا ويعيننا الى ان نصل الى الكمال والقداسة به { يا اولادي اكتب اليكم هذا لكي لا تخطئوا وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا}(1يو2: 1).

 

كيف أتوب ؟

+ محاسبة الذات .. إن حساب الذات يجعلنا ندرك مقدار خطيئتنا وتقصيرنا تجاه الله  ويدفعنا الي  التوبة من أجل ربح وخلاص أنفسنا كقول الرب{ لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). هكذا يحثنا القديس بولس الرسول للتوبة ومحاسبة النفس قائلاً {هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ.}( رو 11:13-14). هذه الآيات التي غيرت القديس أغسطينوس من حياة الخطية إلي القداسة، فقد كان في حديقة وأخذ هذه الكلمات على ورقة كانت مع الصبي وكانت بمثابة ثورة على الخطية و دعوة للتوبة والتغيير.

+ لأن أيّامنا على الأرض مقصّرة، هي مجرّد ساعة لنستيقظ من نوم الغفلة، ونخلع أعمال الظلمة ونتوب عن الخطايا ونلبس الرب يسوع. أن أعمال الخطية تنشأ في الظلمة وتحب الظلمة لتختبئ فيها وتنتهي بظلمة جهنم. أما اسلحة النور من توبة إيمان وصلاة وصوم وكتاب مقدس وأعمال البر (أف6) وهذه  تورثنا السماء وأمجادها ولكن مطلوب قرار منا أن نسلك مع الله ملتزماً بوصايا الله. ولا نقول في قلوبنا أن الخطية قوية، بل أن الأسلحة التي معنا هي أقوي ومحبة الله تجعلنا نكره الخطية. إن الحياة الحاضرة تشبه الليل المظلم وهي في طريقها للزوال، والحياة الأبدية إقتربت وهذا ما يحفزنا على حمل أسلحتنا للجهاد ضد الخطية، لكي يشرق فينا شمس البر ويسكن المسيح فينا .

+ بالتوبة نبتعد عن الخطية و نخلع الإنسان العتيق بشهواته وتكون لنا صورة الرب يسوع. نحن بالمعمودية نتحد بجسد المسيح السري فنلبس الرب يسوع (غل 27:3) ولكن بالانغماس في خطايا العالم نفقد هذه الصورة، وتعود صورة المسيح تظهر فينا متي صلبنا الجسد مع أهوائه وشهواته كقول الرسول بولس {مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل20:2). وكلما تجددنا نقترب من صورة الرب يسوع . المسيح يحيا فينا ويصير هو المنظور فينا ونحن المستورين فيه ويظهر نوره في كل عمل (أف 14:3-18). ويعطينا  فضائله تظهر فينا، بحب الفضيلة وبغضة الشر والابتعاد عنه، و تدريب أنفسنا على العفة وإماتة شهواتنا والالتصاق بالله اليوم كله في جهاد روحي. هكذا فعل الابن الضال بعد أن أخذ نصيبه من ميراث أبيه وبدده في أرض الخطية وجاع ولم يجد ما يشبعه حتى من أكل الخنازير كرمز للخطية. يجب ان نفكر فيما حصدناه فى البعد عن الله ونصارح أنفسنا والله ونقف أمامه فى خشوع ودموع ونقول له ( اخطئت يا ابتاه فى السماء وقدامك ولست مستحقاً ان ادعى لك ابناً) ومن ثم نبدأ بالعمل على البعد عن الخطية والعثرات ونجاهد فى الصلاة وضبط النفس وأكتساب الفضائل الروحية كما يدعونا القديس بولس للأبتعاد عن الخطية وعيش حياة الطاعة للوصية وتمجيد الله فى أجسادنا وأرواحنا التي هي لله { أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ.}( 1كو 19:6-20).

+ الاعتراف الحسن .. نحن فى حاجة للأعتراف الأمين لكى يخلصنا من الكبت والتعب النفسى الناتج عن ثقل الخطية، ويجعلنا نسلك بتواضع قلب ونرجع بالفضل لله هكذا أعترف القديس بولس أمام حنانيا بل ومن بعد ذلك علانية أعترف بخطيته وبرحمة الله التي ادركته { وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ، أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لَكِنَّنِي لِهَذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.} ( 1 تيم 12:1-16). نحن نحتاج للارشاد من أب الاعتراف عن كيفية مقاومة الخطايا والتغلب على الضعفات وعلاج الخطية وآثارها علينا وإصلاح نتائجها {ويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثان ليقيمه }(جا 4 : 10).  والكاهن كخادم  أمين فيما لله يسمعنا صوت الله ويصف لنا العلاج المناسب كطبيب روحي {اعترف لك بخطيتي ولا اكتم اثمي قلت اعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي } (مز 32 : 5). الخطية كمرض روحي تحتاج الى طبيب روحي. مهمة الكاهن مثل مهمة الطبيب لذلك الكاهن لا يعالج عوارض الأمراض بل أصل المرض الذي هو الخطية ، لذلك في الاعتراف إرشاد روحي  يساعد المعترف على التخلص من الخطية وأسبابها ونتائجها.

+ علاج نتائج الخطية .. ينبغى علينا ان نعالج نتائج خطايانا السابقة لننعم بالغفران والسلام مع الله والناس . يجب أن نبادر بالمصالحة { فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك.كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن}( مت 23:5-25). وكما فعل زكا العشار بعد توبته {فوقف زكا وقال للرب ها أنا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك}( لو 8:19-10).  يجب ان نجاهد لتقديس أفكارنا ونبعد عن العثرات وأسبابها ولا نتذكر تفاصيل الخطايا حتى نتخلص من تذكار الشر الملبس الموت لاسيما في الخطايا العاطفية والكراهية والغضب والخصام والشهوة.

+ النمو في الفضيلة .. التوبة هي بداية طريق طويل غايته ليس الامتناع عن الشر بل فعل الخير {حد عن الشر واصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها }(مز 34 : 14). نسعى للوصول لا للبعد عن الخطية بل لكراهيتها وانتزاعها من الفكر والقلب لأنها خيانة لله المحب {فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة }(مت 3 : 8). نسعى للوصول الى القداسة {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب }(عب 12 : 14). وقول القديس بولس { أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا.  وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهَذَا افْعَلُوا، وَإِلَهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ. } (في 8:4-9).  نسعى الى محبة الرب من كل القلب والفكر والنفس والإرادة وقريبنا كانفسنا ونثمر ونعوض ما فاتنا من سنين اكلها الجراد { ليس اني اطلب العطية بل اطلب الثمر المتكاثر لحسابكم }(في 4 : 17). حتى نصل فى نهاية الرحلة الى السماء لنكون مع الله كل حين.

فوائد مهمة للإعتراف..

1- إرتباط الغفران بالذبيحة  كان الخاطئ في العهد القديم يضع يده على الذبيحة ويقر بخطاياه أمام الكاهن وفي العهد الجديد  يضع الكاهن يده علي ذبيحة الجسد والدم ولذلك نعترف للكاهن لكى يضع خطايانا المعترف على الذبيحة. والكاهن يعترف أيضاً لأنه هو يرفع الذبيحة لأجل الناس ولكن هو إذا إعترف يعترف كشخص وليس ككاهن. ولذلك يلزمه أب إعتراف لكي ينقل خطيته فالكهنوت لأجل الآخر ليس لأجل نفسه. لذلك حتى الكاهن كل له أب إعتراف.

2- الإرشاد  والنمو الروحى للمعرف..

المعترف أمام الكاهن إبن أمام أبيه، أو مريض أمام طبيب، أو كتلميذ أمام معلمه لذلك عمل الكاهن فى سر التوبة والاعتراف هو الشفاء من مرض الخطية والتعليم بمعنى الإرشاد، أى معرفة الطريق الصحيح إلى الله. من فوائد الإرشاد إعطاء الخطية حجمها الطبيعى بعيداً عن التهوين أو التهويل للخطية. لذلك هناك أناس تقع فى اليأس نتيجة التهويل وهناك من يقع فى التهاون نتيجة التهوين. فالإقرار بالخطية يمنع هذا. والأب الكاهن ينمي المعترف ويرشده فى تنفيذ العلاجات المطلوبة للمرض أو للخطية. والكاهن أب روحي ينمي المؤمنين فى الإيمان كقول القديس بولس { لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل} (1كو 4 : 15). من اجل ذلك يقول القديس اغريغوريوس النيصى (خذوا خادم الكنيسة شريكاً أميناً لكم في أحزانكم وأباً روحياً وأكشفوا له أسراركم بجسارة أعظم وأكشفوا له أسرار نفوسكم فتنالوا الشفاء ).

3- الحكم بمدى صدق التوبة .. الكاهن كوكيل لله وكممثل للكنيسة يشهد على التوبة القلبية. الكاهن يستطيع أن يعرف هل هذا الشخص تائب أم لا؟ ولذلك يقول الرب {من غفرتم خطاياه غفرت ومن أمسكتم خطاياه أمسكت}. أمسكتم أى شعرتم أن هذا الشخص لايستحق المغفرة فتمسك عليه خطيته أى لا تأخذها لكى توضع على الذبيحة.

فضائل مرتبطة بالتوبة..

ان التوبة ترتبط بالكثير من الفضائل الروحية وتقود إليها ، فالتائب يسرع الى النمو فى محبة الله ومعرفته فينمو فى حياة الصلاة والقراءة فى الكتاب المقدس والكتب الروحية متعلما من سير القديسين كيف يصنع ثماراً روحية تليق بالتوبة وينمو فى التأمل والخدمة للآخرين والتواضع ومن بين الفضائل الروحية التى يحياها التائب نجد انه يتميز بالتواضع والانسحاق والحرص والتدقيق .

+ التواضع والمحبة  .. الإنسان التائب يحيا فى اتضاع قلب وشعور بالانسحاق وعدم الاستحقاق أمام الله والناس. لا يتكبر ولا ينتفخ ، ولهذا يدعونا القديس بولس  للسلك بالتواضع والمحبة {فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ احْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ،  مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً انْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى احَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا انْتُمْ ايْضاً. وَعَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ.}(كو 12:3-14) .عندما كانت الشياطين تأتى لتحارب الابنا أنطونيوس كان يقول لهم بتواضع ( من انا لتحاربوننى ان اضعف من ان أقاتل اصغركم؟) فكان يغلبهم بتواضعه من اجل هذا يوصينا القديس بولس بالتواضع والواعة والمحبة ونجتهد لحفظ وحدانية الروح في إيمان مستقيم {  فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ، أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا.  بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ،} (أف 1:4-4). التائب يتذكر خطاياه ويزداد وداعة وانسحاق فيجد نعمة في عيني الله والناس ويتولد لديه الخشوع ودموع التوبة و بالاتضاع يتخلص من الادانة للناس ولا يذم غيره من الناس بل يمتدح فضائلهم ويقدمهم فى الكرامة و يعامل الجميع باحترام .

+ التدقيق والحرص الروحي .. الإنسان التائب يعترف بضعفه أمام حيل إبليس واغراءته، لهذا يحرص في سلوكه ويخشى السقوط فيسلك بتدقيق لانه يعرف ان الخطية طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. يتعلم من ماضيه و يفكر قبل الإقدام على العمل هل هذا العمل يرضي الله . {لانكم كنتم قبلا ظلمة وأما الان فنور في الرب اسلكوا كأولاد نور. لأن ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق. مختبرين ما هو مرضي عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها. لان الأمور الحادثة منهم سرا ذكرها أيضا قبيح. ولكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور لأن كل ما أظهر فهو نور. لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة} (أف 8:5-16). التائب يسلك بتدقيق من جهة الماضى مبتعداً الخطية واسبابها ويبعد عن العثرات وأصدقاء السوء ويسعى  في الحاضر للنمو الروحى والجهاد ضد الخطية لكي يثمر فى كل عمل صالح .

+ النمو في الإيمان والصلاة والفضيلة ..

التائب يتلهب قلبه بنعمة الله ويكون له الإيمان العامل بالمحبة، وتنفتح بصيرته الروحية علي رحمة الله الغنية وتنفتح بصيرته الروحية لامجاد السماء فيجاهد ليتحرر من الخطية وينمو فى حياة الصلاة وعمل الخير وخدمة الغير والجهاد الروحي كجندي صالح لله { فَاشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ، وَأَيْضاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً} (2تيم 3:2-5). يلزمنا أن نتوب ونجاهد من أجل الأنتصار وعدم الارتباك بأعمال الحياة وهمومها بل نرضي الله ونطيع وصاياه التي غايتها المحبة كقول بولس الرسول {غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء}(1تي  1 :  5). بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا لكنه كان طاهراً بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر. بهذا القلب الحنون المحبّ أشفق على المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل أمراضنا ودفع ديون خطايانا وستر على ضعف الضعفاء ووهبهم القوة، وحل المقيدين وشفى المتسلط عليهم إبليس. وهو لا زال يعمل ويريد إن يعمل معنا وبنا لمجد أسمه القدوس.

صلاة للتوبة - للأنبا شنوده رئيس المتوحدين

 

+ اللهم اغفر لى انا الخاطى لأنى لا استطيع ان ارفع عينى اليك لأنى أخزى من أجل كثرة أثامى.. لا تحسب على أثامى بل اصنع معى رحمة فى ملكوتك. انى اتضرع اليك وأسألك من أجل نفسى وجسدى البائسين. اعطنى ان اصنع ارادتك، ولترشدنى رحمتك. أيها الرب الأله اغفر لى خطاياى واسترعلى اثامى.

+ انى القيت كل اهتمامى عليك أيها المسيح ابن الله فلا تتركنى عنك. إذا ملت إلى الشر لا تتركنى ولا تدعني اسير حسب شهواتى الرديئة. لا تدع تبكيتى ليوم دينونتك العظيم. لا تقض على كاستحقاق خطاياى. استر فضيحة عريى أمام منبرك المرهوب. طهرنى كى لا يوجد دنس فى نفسى بين يديك .

+ أيها الإله محب البشر، أهلني لأن يجد روحك هيكلا في. هب لي ان تسبحك نفسي وروحي كل ايام حياتى. اللهم استجب لى ككثرة رحمتك، واقبل منى صلاتى وابتهالى بين يديك. نجنى لكي لا اخطىء اليك، واعطني سبيلا أن أصنع مشيئتك. لا تنزع نعمتك منى وتبعدنى من معونتك. احفظنى لك هيكلا مقدسا.. ارحمنى يا من له سلطان الرحمة. اجعلنى مستحقا ان اباركك كل الأوقات إلى النفس الأخير.

+ ثبت كلماتك المقدسة فى قلبى ونفسى. نجنى من جميع فخاخ الشرير. دبر سيرتي كما يرضيك. تراءف على و اسمع صراخى. استجب لتضرعى واقبل صلاتي. لا تبعد صلاتى منك ولا رحمتك عنى فلتدخل صلاتى امامك. أنصت لصوتى وليدخل إليك صراخي. لتستقم صلاتى امامك كرائحة بخور طيبة بين يديك. فان لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين.

الاثنين، 19 أكتوبر 2020

52- القديس بولس الرسول وأسرار الكنيسة 4- سر التوبة والإعتراف -1



للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

 

تأسيس سر التوبة والإعتراف وممارسته ...

+ بدأ الرب يسوع المسيح خدمته بالمناداة بالتوبة والرجوع الي الله { من ذلك الزمان ابتدا يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات }(مت 4 : 17). وكان يكرز قائلاً{ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل} (مر1 : 15). وحذرنا من عدم التوبة { كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} (لو  13 :  3). وقد أعطى الرب للآباء الرسل وخلفائهم من الكهنة أن يحلوا من الخطايا قائلا { الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء } ( مت 18 :18) وبعد قيامته نفخ في وجوههم قائلا { كما أرسلني الآب ارسلكم أنا أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت } (يو 20 : 21 – 23).  وعندما جاء القديس يوحنا المعمدان كان يكرز بالتوبة { وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. قَائِلاً: «تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنّ. وَأعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ.} (مت 1:3-6).

+ وقد مارس المؤمنين سر التوبة والإعتراف منذ عصر الرسل { وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون معترفين ومخبرين بأفعالهم } ( أ ع 19 : 18). وفى عظة القديس بطرس للشعب دعاهم قائلاً { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). وفي كرازة القديس بولس الرسول نادي قائلأ { فاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.} ( أع 30:17-31). وفى دفاع القديس بولس أمام أغريباس الملك كرز قائلا { مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِداً لِلرُّؤْيَا السَّمَاوِيَّةِ بَلْ أَخْبَرْتُ أَوَّلاً الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ وَفِي أُورُشَلِيمَ حَتَّى جَمِيعِ كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ ثُمَّ الأُمَمَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالاً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ.} ( أع 19:26-20) والقديس يوحنا الحبيب يقول { إن اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم } (ايو 1 : 9).

+ ترجع أصول سر التوبة والاعتراف الي العهد القديم التي تعلمها شاول تحت قدمي غمالائيل قبل أهتدائه فكانت ذبائح العهد القديم سواء ذبيحة المحرقة أو الخطية أو الإثم أوالسلامة أوتقدمة القربان ترمز وتشير لعمل ذبيحة المسيح علي الصليب ومفعولها الخلاصي. فالذبائح المقدمة يجب أن  تكون بلا عيب ويقف الخاطئ أمام الله معترفا بخطاياه ويده على رأس ذبيحته لتحمل الذبيحة التي بلا عيب خطاياه المعترف فتصير الذبيحة مستحقة للموت وتذبح عوض عن مقدمها أما الخاطئ فيخرج مبرراً من أمام الله محرراً من حكم الموت. فالذبائح تشير إلى السيد المسيح القدوس الذي يحمل خطايا التائبين والذي حمل خطاياه في جسده على الصليب. ولهذا قال القديس بولس { إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.} (2كو 19:5-21). ولكي تقدم ذبيحة الخطية كان ياتي مقدم الذبيحة ويضع عليها يده ويقر بخطيته أمام الله فى محضر الكاهن كشاهد ينقل صلوات الخاطي وأعترافه بالتوبة ويطهره بدم الذبيحة التي ترمز للمسيح { وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِذَا أَخْطَأَتْ نَفْسٌ سَهْواً فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا وَعَمِلَتْ وَاحِدَةً مِنْهَا. إِنْ كَانَ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ يُخْطِئُ لإِثْمِ الشَّعْبِ يُقَرِّبُ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ ثَوْراً ابْنَ بَقَرٍ صَحِيحاً لِلرَّبِّ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ وَيَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ. وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبِعَهُ فِي الدَّمِ وَيَنْضِحُ مِنَ الدَّمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى حِجَابِ الْقُدْسِ.}( لا 1:4-5). وهكذا في جميع الذبائح كان لابد أن يقر الخاطئ أمام الكاهن معترفاً بما قد أخطأ به حتى يرشده لتكفير خطاياه حسب شروط الناموس أما برد أشياء أو التعويض عنها أو غسل الجسد { فيكفر عنه الكاهن من خطيته التي أخطأ فيصفح عنه } (لا 5 : 10). في سر التوبة والإعتراف يقر الخاطئ بخطيئته أمام الله فى حضور الأب الكاهن لينال غفران خطيئته من خلال عمل الكهنوت لينقل خطاياه لحساب عمل المسيح الخلاصي وتغفر خطاياه ويقول القديس أثناسيوس الرسولي (كما أن المعمد يستنير بنعمة الروح القدس بواسطة الكاهن هكذا أيضا بواسطة الكاهن ينال التائب مغفرة خطاياه بنعمة المسيح).

مفهوم التوبة وأهميتها ..

+ التوبة هي عودة الانسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة. واقلاعه عن الخطية وعدم الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية والشيطان واعماله. لغوياً فى اللغة العربية ، تاب اي عاد الى ثوابه او رشده . كما يقول الكتاب عن الابن الضال { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا.اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك}(لو 15 : 17- 18). اما التوبة في اللغة اليونانية ، في مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس". اي  العقل فمعناها ( ميتانيا) اي تغيير الذهن والفكر والسلوك. التوبة هي  تحول في فكر الانسان وسلوكه وحياته وتغيير الفكر وتجديد الذهن ليكون لنا فكر المسيح المقدس كقول القديس بولس { فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.} (رو 1:12-3). والتوبة بذلك تحمل معانى الندم على العيش بعيدا عن الله والاصرار على عدم العودة الى الخطية. قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بحيل الشيطان ومصادقة الاشرار وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله الذى يدعونا للتوبة كآب صالح ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع الى الخطية ولهذا يحذرنا القديس بولس لنتوب ونصبر في العمل الصالح لننال الحياة الأبدية السعيدة{أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ.الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ}( رو 4:2-7). فالتوبة هى الوسيلة المتاحة لنا من الله لمحو الخطايا فيقدم الله للبشرية علاج للخطية بالايمان والتوبة والرجوع الي الله{ فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع  3 :  19).  

+ الخطية وعدم التوبة تقود للمرض والهلاك ... ان الخطية ضعف وانهزام وعدم ضبط للنفس وهى موجهة أولاً ضد الله فهى كسر وتعدى وعصيان لوصاياه وهى موت أدبى وانفصال عن الله القدوس كما انها تفقد الانسان سلامه وبالنظر حولنا الى مدمني الخطايا والمخدرات والشهوات والاشرار والتأمل كم تحط الخطية من قدرهم وتعبث بحاضرهم وتضيع مستقبلهم وتجعلهم يسيرون بلا هدف ندرك خطورة الخطية والبعد عن الله، بالاضافة الى الهلاك الابدي الذى ينتظر الأشرار والخطاة ان لم يتوبوا كقول القديس بولس{ لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر. لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم و اظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء. وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الانسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات. لذلك اسلمهم الله ايضا في شهوات قلوبهم الى النجاسة لاهانة اجسادهم بين ذواتهم.الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الابد امين}{ رو18:1-25).

+ التوبة هي تغيير ورجوع لله يتم باستجابة الخاطئ  لعمل نعمة الله فيرفض الشر ويطيع عمل الروح القدس ووصاياه الله وهذا التغيير عمل متبادل من الانسان الخاطئ بالوعى والارادة والاصرار على الاصلاح بقوة وعمل النعمة فينا  لكي نتغير ونتحرر من سلطان ابليس وقبول الله لنا بحسب رحمته الغنية واعلان محبته وسلامه فينا { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). الله يدعونا الى التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع  ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا. الله يريدنا أن نعود إليه، و يستقبلنا فرحا ، ويرد الخاطئ إلى مكانته الأولى {فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون }(لو15: 22-24). الله يريد لنا الخلاص  كقول القديس بولس {الذي يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4) . {أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها} (إش43: 25). لان الله صالح ورحوم يعد بالغفران والقبول للراجعين اليه  لهذا نجد القديس بولس يشكر نعمة الله الغنية التي غيرته وتغير الخطاة بل وتدعوهم للخدمة {وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ، أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلاً مُجَدِّفاً وَمُضْطَهِداً وَمُفْتَرِياً. وَلَكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لَكِنَّنِي لِهَذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.} (1تيم 12:1-16).

توبني فاتوب ...

 + أيها الرب الهنا الرحوم، طويل الأناة، صافح عن الأثم والذنب، الداعي الكل الي الخلاص، توبنا فنتوب ونرجع اليك بكل القلوب، فانت هو الهنا المحبوب، ورجائنا المرغوب ، وإيماننا المطلوب ، والديان المرهوب، فكيف لا نتوب وأنت تحذرنا من العقاب وتجزل للتأئب الثواب، وتحبنا وتطرق علي الأبواب داعيا لنا لنرجع اليك وأنت تغفر وتمحو الذنب.

+ يا مسيحنا القدوس ، حامل خطية العالم، أغفر خطايانا وأمحو أثامنا وتجاوز يا سيد عن ذنوبنا وأصلح قلوبنا وأستر يارب عيوبنا ونجينا من حيل المضاد وأبطل وبدد سهام إبليس المنصوبة حولنا، وأعطنا توبة نقية وحياة مقدسة مرضيه لنفعل أرادتك الإلهية وننال بانسحاق من الأسرار المحيية ونكون معك فى الحياة الأبدية.

+ ياروح الله القدوس، العامل في كل النفوس، أعمل فينا بنعمتك الغنية لتكون لنا توبة قوية وأعتراف حقيقي وثمار صالحة وأضرم فينا المحبة لله والطاعة للوصاياه، لنعمل ما يسره الله وينال رضاه، لا خوفاً من العقاب ولا طمعاً فى الثواب، بل حبا في من أحبنا لنكون بالروح والحق ابناء وبنات قديسين لله الآب، أمين