نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الجمعة، 27 نوفمبر 2020

61- القديس بولس الرسول والرحلة التبشيرية الثانية-1


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

أهمية الافتقاد والكرازة و الرحلة التبشيرية الثانية

+ بدأت رحلة بولس التبشيرية الثانية بعد مجمع أورشليم المسكوني في سنة 50 م. وأستمرت حوالي ثلاثة سنوات وذلك لأفتقاد الكنائس وللبشارة برسالة الخلاص كما جاء فى أعمال الرسل {  ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ.} (أع 36:15). لقد اهتم القديس بولس بإخوته الذين سبق فكرز لهم مع القديس برنابا، فاشتهى أن يفتقد الأخوة ويقوي إيمانهم، أنه إحساس القديس بولس بمسئوليته نحو الكرازة بين الأمم الذي لم يفارقه حسب دعوة الله له، فأراد أن ينطلق برحلة تبشيرية ثانية، مع إدراكه المتاعب والضيقات التي تحل به أثناء رحلاته. لكن بدافع من قلب الرسول بولس الأبوي ومتابعته للخدمة، فسأل بربانا أن يذهبا معا إلى الكنائس إلى كرزا فيها وأسسها ليفتقدوها { فأشار برنابا أن يأخذا معهما أيضًا يوحنا الذي يدعى مرقس وأمّا بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية، ولم يذهب معهما للعمل، لا يأخذانه معهما } (أع 37:15-38). فافترقا وبرنابا أخذ مرقس وسافرا الي قبرص وأنطلق القديسان بولس مع سيلا للكرازة فتحول الخلاف لانطلاق الكل لخدمة أكبر، كل فريق إلى مكان ليعمل الكل بروح الحب تحت قيادة الروح القدس، الذي يحول حتى الاختلاف في الرأي إلى نمو الكنيسة وبنيانها مادام الكل يخدم المسيح الواحد، بإيمانٍ واحد، وهذا الخلاف في الرأي لم يدم بل صار القديس مرقس معينًا للقديس بولس في الخدمة كما شهد بذلك في رسالته الوداعية (2 تي 4: 11).

+  اصطحب القديس بولس معه سيلا وقد أنطلقا براً من أنطاكية للأفتقاد والكرازة بين الأمم بالايمان كوعد الرب { أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ.} ( لو 44:24-48). وتتميا لقول الرب لحنانيا الرسول { فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.}(أع 15:9) لقد أختار القديس بولس سيلا  للسفر معه { فاجتاز في سورية وكيليكية يشدّد الكنائس}(أع 40:15) فاجتازا في سوريا وكيليكية برا يفتقدان الكنائس التي سبق أن قام القديسان بولس وبرنابا بغرسها بروح الله القدوس. وكانا يشددان الكنائس بكلمة الرب التي تشدد الركب المنحنية وتهب قوة الروح.

اختيار تيموثاوس للخدمة ..

وصل الرسولين الي لسترة حيث رُجم القديس بولس أثناء رحلته الأولى حيث التقى بالشاب تيموثاوس، ورأى فيه الرسول إمكانية العمل الروحي القيادي الحي. وهكذا لا ينسى الله تعب المحبة، ففي الموضع الذي عانى فيه الآلام أقتطف ثمرة مفرحة تسر قلب الله، وتكون سبب بركة لكثيرين. إنها نعمة الله الفائقة التي تسمح بالضيق وتعطي التعزيات. هنا نرى القديس بولس يضم  تيموثاوس للخدمة و يهتم بتعليمه وتدريبه، كما فعل مع كثيرين، بكونه قد ولده في المسيح يسوع خلال كرازته. وقد اتسم بولس كأب بالحب والحنو مع الحكمة وكتب القديس بولس لابنه الصريح في الإيمان تيموثاوس رسالتين حملتا اسمه. ويرى البعض أن تيموثاوس كان من بين التلاميذ الذين أحاطوا بولس الرسول بعد رجمه، ونال المعمودية على يديه، كما هو واضح من قوله: { الابن الصريح في الإيمان} (1 تي 1: 2) ويشجعه قائلا له {فتقوَ يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع} (2 تي 2: 1). وقد رافقه في رحلته الأولى في إنطاكية بيسيدية وأيقونية ولسترة {وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبتي وصبري واضطهاداتي وآلامي مثل ما أصابني في أنطاكية وايقونية ولسترة أية اضطهادات احتملت، ومن جميعها أنقذني الرب}{ 2تي 3: 10-11} وقد عرف الرسول بولس تيموثاوس عن قرب وعاش وسط عائلته وتعرف على دقائق حياتهما، إذ يقول: { إذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك، الذي سكن أولًا في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ولكني موقن أنه فيك أيضًا} (2 تي 1: 5). وقد كانت والدته في الأصل يهودية آمنت بالسيد المسيح، يتحدث القديس عنها وعن والدتها بكل وقارٍ كمؤمنتين التصقت حياتهما بتعاليم السيد المسيح، وتمتعتا بالشركة معه. هنا يليق بنا أن نقف بكل إجلال للأم والجدة، إذ لا نسمع عن وجود مجمع يهودي في لسترة وغالبًا لم توجد رعاية دينية في المجتمع اليهودي هناك، لكن قامت الأم والجدة بدور روحي تقوي في تربيته تيموثاوس الذي رضع منذ صباه من لبن الإيمان. هنا يبرز دور الأسرة الرئيسي في تنشئة الجيل الجديد وعدم الاتكال فقط على رعاية الكنيسة والخدام. وهيأه القديس بولس للعمل الكرازي كتلميذٍ له. فمع صغر سنه شهد له المؤمنون كما شهد له الرسول نفسه  {لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين فى الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة}(1 تي 4: 12). وقد قدَّر بولس مواهب الشاب تيموثاوس وتقواه ومحبته للكتاب المقدس التي تشربها من والدته وجدته، فقبله ليس فقط كتلميذٍ له، بل حسبه شريكًا معه في الخدمة، وعهد إليه برعاية الكنيسة في أفسس.

 قيادة الروح القدس للكنيسة والخدمة في أوروبا...

+ سار القديسين بولس وسيلا في مدن سوريا وكيليكية وسلموا المسيحيين هناك قرارات مجمع أورشليم الملزمة بخصوص قبول الأمم للإيمان (أع 10: 20-29). فقد جاء انعقاد مجمع أورشليم في وقتٍ مناسبٍ فكانت الكنيسة تضم كثيرين كل يوم من الأمم { فكانت الكنائس تتشدّد في الإيمان، وتزداد في العدد كل يوم} (أع 5:16) وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلّموا بالكلمة في آسيا. فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية فلم يدعهم الروح} (أع 6:15-7). كان الروح القدس يقود الرسولين فى كرازتهما وكان الله يحركهما لتدخل الكرازة بقوة إلى أوربا، لذلك عندما اجتاز الرسولين بولس وسيلا في هذه الرحلة بعض ولايات آسيا الصغرى التي كان قد غرس الرسول بذار الكلمة فيها، وكان يود أن يسقيها، كان الروح القدس يحثه ليسرع فيخرج منها. ولعله كان في دهشة لعمل الروح الذي كان دومًا يحثه على الخدمة، ولم يكشف له الروح الخطة الإلهية إلا في ترواس حين رأى رجلًا مكدونيًا يدعوه للعبور إلى أوروبا.

+ بدأت رحلة القديس بولس وسيلا الي أوروبا برؤيا لبولس أن يعبر الي مكدونية ويقدم لهم العون والإيمان، مما ألهب قلب الرسول بولس بالحب الأخوي. فإنه يوجد لنا إخوة كثيرون يصرخون طالبين لنجدتنا { وظهرت لبولس رؤيا في الليل، رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول اعبر إلى مكدونية وأعنّا}(أع 9:16) ومكدونية بلد متسع في اليونان، شمالها تراس Thrace  وجنوبها تسالي Thessalyوغربها أبريس Epris  وشرقها بحر إيجه. أقيمت مملكتها في أيام الإمبراطور فيليب وابنه الاسكندر الأكبر. وهي أول منطقة في أوروبا دخلها الإنجيل. تجاوب الرسولان بطرس وسيلا مع الرؤيا وسلما نفسيهما للعمل الإلهي.هذه الدعوة دائمة تصرخ في آذان الكنيسة من كل جانب لكي تعبر إلى العالم، وتقدم له كلمة الخلاص. لقد أعلن لبولس المكدوني أن يعبر ويعينهم، فلا يكفي الصلاة من أجلهم، بل يلزمه أن يتحرك ويذهب إليهم، فإن الله في محبته نزل إلى البشرية وعاش في وسطها كواحدٍ منهم. هكذا يليق بالكارز أن يعبر إلى النفوس الجريحة ليقدم لها طبيب النفوس { فلما رأى الرؤيا، للوقت طلبنا أن نخرج إلى مكدونية  متحققين أن الرب قد دعانا لنبشرهم}( أع 10:16) هنا يشير القديس لوقا إلى نفسه أنه في صحبة الرسول بولس، وأنه شريك معه كما مع سيلا في الكرازة. فإذا رأى الرسول الرؤيا انطلق الكل ساعين بغير تأخير إلى تحقيق دعوة الله للعمل في مكدونية  لقد أظهر جميعهم استعدادهم الدائم للعمل حسب توجيه الله بكل مسرة، وبغير تردد أو نقاش أو وضع حسابات بشرية للرحلة إلى هناك. إذ تسلم القديس بولس دعوة إلهية للانطلاق إلى مكدونية  لم يتأخر بعد في الكنائس التي في آسيا أو غيرها، بل في طاعة كاملة صار يسعى مع زملائه للتنفيذ السريع.

الخدمة في فيلبي...

+ كانت فيلبي أول مدينة من مقاطعة مكدونية وهي مدينة كولونية، أقام الرسل في هذه المدينة أيّامًا لأنها إذا قبلت الإنجيل يمكن بسهولة انتشاره في مدن مكدونية الأخرى. وقد سميت باسم الإمبراطور فيليب الثاني والد الإسكندر الأكبر الذي جددها سنة 357 ق.م. كانت مدينة حربية أكثر منها تجارية لذلك كان عدد اليهود فيها قليلًا. اشتهرت فيلبي بأنها كانت موقع عدة معارك أثناء الحروب الأهلية للرومان، وفيها تمت المعركة الحاسمة بين بروتس Brutus وأنطوني، حيث قتل بروتس نفسه هناك. وقد كانت تحت الرعاية الرومانية مباشرة وللمواطنين فيها حقوق وامتيازات رومانية، كأن لا يجلدون قط، ولا يُقبض عليهم إلا تحت شروط معينة، ومن حقهم رفع شكواهم من تحت تحقيق الحكام المحليين إلى الإمبراطور نفسه. تمتع سكانها بحقوق سكان روما، ذلك لأن أغسطس قيصر المدعو اوكتافيانوس انتصر فيها بجيوشه على أعدائه سنة 42م، فوهبها هذا الشرف. وكلمة "كولونية" من الجانب السياسي تعني أن القوانين فيها هي طبق الأصل من القوانين التي تسري في روما نفسها، أي أن فيلبي كانت كمدينة مصغرة من روما  وكان يوجد بها مكان للصلاة لليهود خارج المدينة عند شاطئ النهر فذهب الرسل ليكرزوا هناك وكانت أو عظة للقديس بولس في صالة اجتماع فيلبي أول عظة في أوربا؛ وكانت ليدية أول امرأة تستضيف الرسولين في بيتها في تلك المنطقة وكان نهر جاجتياس أول نهر تتقدس مياهه بالمعمودية لها ولأهل بيتها.{ فكانت تسمع امرأة اسمها ليدية بياعة أرجوان من مدينة ثياتيرا، متعبدة للَّه، ففتح الرب قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس} (أع 14:16) وكانت ليديا أممية، لها تقديرها بين اليهود، لها أسرتها وخدمها، اقتدى أهل بيتها بها وقبلوا الإيمان واعتمدوا معها وإذ اتسمت بحب الضيافة حثتهم على الإقامة في بيتها بكونها مؤمنة بالرب.

إيمان سجان فى فيلبي وأهل بيته ...

بينما كان الرسل يبشروا فى فيلبي التقت بهم جارية بها شيطان من عبدة ابولو وكانت تدر ربحا لمواليها بعرافتها { وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا. وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَباًكَثِيراً بِعِرَافَتِهَا.هَذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». وَكَانَتْ تَفْعَلُ هَذَا أَيَّاماً كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا». فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ.وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ قَالُوا: «هَذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا وَهُمَا يَهُودِيَّانِ. وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ». فَقَامَ الْجَمْعُ مَعاً عَلَيْهِمَا وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَة وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ وَأَوْصُوا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ.}(أع 16:16-23)  لقد اتبعت القديس بولس ومن معه، ربما لأنها ظنت أنها تتنبأ لهم، فتنال منهم أجرة أو مديحًا علنيًا؛ أو لأنه إذ يسكنها روح شرير خشي الروح أن يطرده من مسكنه. لكن الرأي الأرجح أنها أرادت الشهادة لهم حتى إذ يقبلوا شهادتها علانية تعود فتضل الناس. ولم يكن يشغل مواليها معرفة الحق الإلهي، إنما تشغلهم المكاسب المادية، فإن محبة المال تعمي قلوب البشر عن رؤية الحق وقبوله، بل تحولهم إلى مقاومة الحق، وتملأ قلوبهم كراهية وسخطًا. قدم موالي الجارية اتهامًا ضد الرسولين أنهما مثيرا شغب وضد الشعب، وكأن ما يشغلهم هو سلام المدينة وهدوءها، والغيرة على قوانين الدولة. هذا الاتهام لا يزال يُقدم كل يوم ضد المؤمنين الحقيقيين في بلاد كثيرة. والاتهام الثاني ضد الرسولين أنهما يقدمان عادات دينية جديدة غريبة أي يقدمون دينًا جديدًا لا تعترف به القوانين الرومانية. مع أن كل ما يشغلهم حقيقة هو المكاسب المادية. لقد استطاعوا أن يثيروا جمهورًا كبيرًا وشغبًا ضد الرسولين.

+ وضع بولس وسيلا في السجن وأذ أخذ السجان وصايا مشددة ضدهما {ألقاهما في السجن الداخلي، وضبط أرجلهما في المقطرة} (أع 24:16) كان المجرمين الخطيرين يُلقون في السجن الداخلي لضمان عدم هروبهم. هذا السجن غالبًا ما يكون مملوء بالقاذورات وغير صحي ومظلم. وُضعت أرجلهما في مقطرة، بين قطعتين من الخشب حتى لا يقدرا على المشي، لكن راينا بولس وسيلا يصلّيان، ويسبحان اللَّه، وكان المسجونون يسمعونهم فالمؤمن الحقيقي، شريك ملك الملوك في آلامه وصلبه، يجد سلام وفرح وسط الألم ولم يكن ممكنًا للسجن بظلمته وقذارته وأوحاله، ولا للقيود والمقطرة ولا للجراحات التي ملأت جسمي بولس وسيلا أن تنزع عنهما روح الفرح والتهليل. فتحول السجن إلى أشبه بسماء، والرسولان إلى طغمة ملائكية مسبحة لله { فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاًأَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاًرَدِيّاً لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا». فَطَلَبَ ضَوْءاً وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِلٍ وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ. ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟». فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ.} ( أع 26:16-34) كان حدوث الزلزلة العظيمة إشارة إلى حضرة الله الذي تتزلزل أمامه الجبال، فإن كان الرسولان قد سُجنا في الحبس الداخلي وقيدت أرجلهما، فإن إله السماء والأرض يعلن حضوره ومعيته لهما. ولم يكن ممكنًا للأبواب أن تُغلق أمام العناية الإلهية، ولا للقيود أن تمسك برجال الله الأتقياء. تم هذا كله لكي يُنجح الله طريق الرسولين فيشهدا لله أمام السجان والمساجين. لم يتطلع الرسولان إلى هذا الحدث كأمرٍ إلهيٍ بالهروب من السجن، بل كفرصة رائعة يقدمها الله للعمل الكرازي. لم يكن يتخيل السجان أن سجينًا ما يبقي في زنزانته وقد تزلزلت الأرض وانفتحت كل الأبواب وانفكت قيود الجميع وقد كان من تقليد الشرف الروماني أن السجان الذي يخفق في ضبط سجنه لا ينتظر التحقيق والسقوط تحت العقوبة بل يقضي على نفسه بيده. وحسب القانون الروماني إذا هرب سجين ينفّذ الحكم الصادر ضدّه على الحارس، وإذ ظن الحارس أن بعض المساجين قد هربوا، فهذا معناه أنّه سيقع تحت عذابات كثيرة. فيحسب موته بيديه أفضل من موته مع تعذيبات لكن القديس بولس ناداه قائلاً "لا تفعل بنفسك شيئًا رديًا" فخرّ لبولس وسيلا وهو مرتعد ثم أخرجهما وقال: يا سيدي، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ "فقالا الرسولين له : آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك. قدما له توجيهًا واضحًا وبسيطًا وفعالًا، وهو الإيمان بربنا يسوع المسيح، كبدء انطلاق وأساس حي لكل عبادة وسلوك. والعجيب أنه يطلب منه أن يؤمن فيخلص هو وأهل بيته، فإنه إذ يقبل الإيمان يكون له أثره على زوجته، ويكون الاثنان مسؤولين على أولادهما، إذ يقدما لهم الإيمان الحي العملي خلال تربيتهما لهم. وكلّماه الرسولين وجميع من في بيته بكلمة الرب فأخذهما في تلك الساعة من الليل،وغسلهما من الجراحات، واعتمد في الحال، هو والذين له أجمعون.

إطلاق الرسولين من السجن ...  

لقد سمع الولاة عن الزلزلة وما تبعها من أحداث، وأثر ذلك على الشعب، فأراد الولاة أن يظهروا اهتمامهم بالشعب أو لعلهم خشوا غضب الآلهة، لأن الرومان كانوا يتطلعون إلى الزلازل كعلامة من علامات غضب الله، فما حدث هو أشبه بإنذار سماوي موجه إليهم. وواضح أن الرسولين بعد أن عمدا حافظ السجن وأهل بيته، أنهما بإرادتهما عادا إلى السجن، ربما لكي لا يُسَبِّبَا متاعب لحافظ السجن، وليعلنا أنهما لا يخشيان السجن. فارسل الولاه للسجن لكي يطلقلا الرسولين بولس وسيلا { وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَلاَّدِينَ قَائِلِينَ: «أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ». فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ.فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْراً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرّاً؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا».فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا الْكَلاَمِ فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ.فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا وَأَخْرَجُوهُمَا وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ. فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ ثُمَّ خَرَجَا} ( أع 35:16-40) أشار الرسول انهم قيدا وجلدا وضربا وسجنا خلافا للقانون الروماني. فمع ما اتسم به الرسول من شوق لمشاركة السيد المسيح آلامه، وفرحه بذلك مع تواضعه ووداعته، لكنه أراد أن يعلن حق المؤمن في المطالبة بحقوقه القانونية دون أن يتسلل على قلبه كراهية أو حب انتقام لظالميه. وأخبر الجلادون الولاة بهذا الكلام، فاختشوا لمّا سمعوا أنهما رومانيان لان عقاب إنسانًا رومانيًا بخلاف قانون الدولة الرومانية، قد تبلغ عقوبته إلى حد الإعدام ومصادرة أمواله. فجاءوا وتضرعوا إليهما وأخرجوهما، وسألوهما أن يخرجا من المدينة فخرج الرسولين من السجن، ودخلا عند ليدية، فأبصرا الإخوة، وعزّياهم ثم خرجا من فيلبي.

اليك نرفع الصلاة

+ اليك نصلي يا الله من أجل الخدمة والخدام، نصلي من أجل الذين لم تصلهم كلمة الخلاص والحياة، ومن أجل من هم في أمس الحاجة للافتقاد والتعزية والقوة. ومن أجل النفوس التي تعاني وتضطهد من أجل الإيمان، من أجل المسجونين ظلماً لتحررهم وترفع عنهم كل ظلم.

+ أيها المسيح الذي يتألم مع المتالمين، ويعاني مع المظلومين، أنت الذي خرج غالباً ولكي يغلب. يا من أعطانا السلطان والغلبة، خلص يارب شعبك وبارك ميراثك وقوي إيمان الرعاة ولم أشتات الرعية وقم يارب وليتبدد جميع أعدائك وليهرب من قدام وجهك كل مبغضي أسمك القدوس.

+ يا روح الله القدوس الذى قاد الكنيسة والرسل وعمل بهم ومعهم، أعمل فى كنيستك وخدامك ووجهنا حيث تريد. هب حكمة ونعمة للخدام والمخدومين لنتقوى في الإيمان ونجاهد علي رجاء وننمو فى المحبة وننقاد بك ومعك في كل عمل صالح، أمين.

ليست هناك تعليقات: