نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الاثنين، 31 مايو 2021

خواطر في الحياة الروحية (10) القلب وأهميته فى الحياة الروحية

  

{يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي}

(أم 23 : 26 )

                                                                       

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

أهمية القلب في الحياة الروحية

+ القلب كما هو مضخة الدم الهامة والضرورية لحياة الإنسان واستمراريتها فهو يعمل على الدوام لصالح كل أجزاء الجسد بخلاف بقية الأعضاء التي تتوقف عن العمل وتأخذ راحة كاليد والرجل والعين. هذه كلها لها فرصة ترتاح فيها فترة من الزمن في كل 24 ساعة ولا غنى لأي من الأعضاء عن عمل القلب. فحينما ينام الإنسان لا تعود هذه الأعضاء تعمل شيئاً، أما القلب فلا ينام ولا يمكن أن يتوقف عن عمله ولو لحظات، لأنه إذا توقف يحصل الموت في الحال .هكذا القلب أيضاً أهمية القلب ومركزيته في الحياة الروحية والإنسان الداخلي فمن القلب تصدر العواطف والمشاعر والاتجاهات والمعرفة العاقلة وهو أفضل وأحب مسكن لله لهذا يجب أن نهتم به لأن منه تنبع العواطف والتوجهات { فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة } (ام 4 : 23). ويطلب منا الله أن نحبه من كل القلب والنفس والقدرة كأفضل ذبيحة مقبولة أمامه { فمحبة الله من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس أفضل من جميع المحرقات والذبائح } (مر 12 : 33). ولقد عاتب الله قديماً الشعب الذي يقترب منه بفمه ويكرمه بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عنه (أش 9 2 : 13).  ولهذا يخاطب الله كل نفس قائلا { يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي} (أم 23 : 26 ). في أعماق قلب الإنسان يتحاور الإنسان وينفتح على الله أو يتعلق باشياء او الاشخاص. ولمّا كان من العسير على الآخرين النفاذ إلى الإنسان الداخلي لكن من مظهر الإنسان الخارجي و حركاته وأقواله وأعماله يستدل على ما بداخله، لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان وتأتي الأعمال .

+ لقد خلق الله الإنسان على صورته كشبهه بقلب صالح، ولما كان السقوط رأينا الإنسان يهرب من الحديث مع الله { ورأى الرب إن شرّ الإنسان قد كثر في الأرض وإن تصور أفكار قلبه إنما هو شر كل يوم}( تك 5 : 6) فإنه الخطية تدنس القلب والكبرياء تفسده وتجعل نعمة الله تفارقه، وباتباع الإنسان لأهوائه وشهواته قلبه يتقسي القلب.  لهذا عمل  الله بالناموس الطبيعي والضمير والأنبياء على إيقاظ قلوب بني البشر ليرجعوا إلى الله فيجدونه ويلاحظوا طرقه ووصاياه { ثم إن طلبت الرب إلهك تجده إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك } (تث 4 : 29). بل وعد أن يختن الرب إلهنا قلوبنا، لكي نحبه من كل القلب والنفس فنحيا به وهذا ما أتمه الله في العهد الجديد بحلول الروح القدس على المؤمنين، ليصير قلبهم مسكناً لروحه يقدسه له ونصير هياكل روح الله ويصير قلبنا مذبحاً مُكَّرساً للعبادة وبصلوات التقية والمحبة الصادقة وإذ يتنقى القلب يعاين الله بالإيمان.

 أنواع من القلوب

 هناك العديد من القلوب ومنها القلوب الخيرة الصالحة التي يخرج منها كل شئ الصلاح كما أن هناك قلوب خاطئة وشريرة يخرج منها وهناك قلوب تعرج بين الفرقتين، هنا وهناك { الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه} (لو 6 : 45). فالقلب المملوء محبة سيخرج كلمات وأعمال محبة تجاه الآخرين والعكس فالقلب الشرير سيخرج كلمات وأعمال خاطئة.

والقلوب تحتاج الي تنقية ومتابعة واصلاح وعلاج، هناك قلوب قاسية لا ترقُّ لضعف، ولا ترحم وقلوب شريرة تعمل وتفكر فى الشر ولهذا يخرج منها الشر {لأن من القلب تخرج أفكار شريرة، قتل، زنى، فسق، سرقة ، شهادة زور، تجديف} ( مت 15 : 19). إن الله قادر أن يطهر كل القلوب الخاطئة عندما تتوب وتجاهد وترجع الى الله وبعمل الروح القدس يتجدد القلب لهذا يصرخ المرتل  { قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي} (مز 51 : 10).

+ الإنسان الروحي يراقب قلبه وعواطفه وانسانه الداخلي ويلاحظ نفسه والتعليم لئلا يميل قلبه إلى الشر، فلقد وهب الله سليمان قلباً حكيماً ومميزاً حتى أنه لم يكن مثله من قبل (1مل 3 : 12) وأعطاه حكمة وفهماً كثيراً ورحابة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر (1مل 4 : 29 ) لأنه طلب ذلك من الله وجاهد ليكون له القلب الحكيم كما انه مسح ملكا وحل عليه روح الله ، لكن هذا القلب الحكيم عندما أستسلم لحياة اللذة والجرى وراء نساء غريبات عن الله أملن قلبه وراء الهه أخرى { كان في زمان شيخوخته إن نساءه أملن قلبه وراء إلهه أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه}(1مل 4 :11). كما خدعت دليلة شمشون الجبار وأسلمته لأعدائه عندما سار وراء أهوائه وكشف لها سر قوته عندما قالت له { كيف تقول احبك وقلبك ليس معي وهوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة } (قض 15 : 16). فلما باح لها بسر قوته خانته وسلمته لأعدائه وعاملوه كالحيوان يطحن لهم.لهذا يحذرنا الله من محبة العالم وشهواته وخطاياه والسير فيها { لا تتبع هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك}( سير 2 :5 ) وكذلك يحذرنا الكتاب من محبة المال الذي هو أصل كل الشرور، لان الطمع يفسد القلب، ويظلم البصيرة الداخلية كما ان هناك قلوب منقسمة بين محبة الله ومحبة العالم وشهواته وليست كاملة امام الله ولهذا يحذرنا الكتاب من أن يعرج بين الفرقتين فالقلب المنقسم لا ينجح.

كيف أقتني قلباً صالحاً ؟

 +  إن الخطية والشهوات تلوث القلب وعندما نصنع الخطية  ونصغي لإبليس فان الأفكار والعواطف الشريرة تنجس القلب، وعوضاً من أن يكون القلب مصدر الصلاح والخير يصير مدنس ونجس. فلهذا علينا أن نتوب ونعمل جاهدين على الصراخ إلى الله بتواضع ودموع لحراسة قلوبنا وتنقيتها لكي تصير مسكناً لله ومذبحا للصلاة. علينا أن نسلك بتواضع قلب ونداوم علي الصلاة إلى الله، والرجوع إليه وبتجديد الإنسان الداخلي بكلمة الله الحية والفعالة { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) علينا أن نعرف إرادة الله نوُصمِّم على تنفيذها باتضاع قلب ووداعة .

+ الإيمان العامل بالمحبة .. إيماننا بالتجسد الإلهي وبأن الله جاء ليعطينا البصيرة الروحية ويحررنا من الخطية، ذلك الإيمان يجعلنا نثق في قدرة الله وفي فدائه الثمين ومحبته {هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا}( 1 يو 4 : 10 ). هذا الإيمان يثمر فينا ويجعلنا نسعى فى طاعة وصايا الله ونصنع إرادته {غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا لكنه كان طاهرا بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر. بهذا القلب الحنون المحبّ أشفق على المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل أمراضنا ودفع ديون خطايانا ساترا على ضعف الضعفاء، وشافيا المتسلط عليهم إبليس. وهو لا زال يعمل ويريد أن نعمل معه،  فإن أمنت فكل شيء مستطاع للمؤمن.

+ نعمة الروح القدس تطهر القلب...  يصرخ المرنم طالباً { قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً  مستقيماً جدّده في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني} ( مز 10:51-11) . إن القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله. المعمودية هي ولادة جديدة للإنسان تطهر القلب وتجدد طبيعة المؤمن وتعطي غفراناً لخطايانا وتعتق من سلطان إبليس و بالميرون المقدس نصير هياكل للروح القدس الوديع الذي يطهر من الخطايا ويقود في حياة الفضيلة والبرّ فتظهر ثمار الروح القدس في حياتنا. وياتى دور التوبة والاعتراف عن الضعفات اليومية لغفران الخطايا التي نقترفها بالجهل والضعف والنسيان. وكلما جاهدنا مدققين في حياتنا الروحية يصير قلبنا مسكناً  لروح الله ومذبحاً ترتفع منه الصلوات النقيّة، فلنحرص على عبادة الله ومحبته من كل القلب ليضرم الله نعمة روحه القدوس داخلك مطهراً  القلب جاعلاً إياه  مسكناً له.

+ الثبات في الربّ وكلامه.. إن كلمة الرب تنقّي الإنسان وتقدسه وكلما حرصنا على قراءتها في صلاة وتأمل وتواضع { لان كلمة الله حيّة وفعّالة  وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والنخاع ومميزة لأفكار القلب ونياته}( عب 4 : 12). الذي يحب الله يحفظ وصاياه ويثبت فى الرب ويأتي بثمر ويدوم ثمرة { فشكراً لله إنكم كنتم عبيدا للخطية ولكن أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها} ( رو 6 : 12). فلنحرص على قراءة  الكتاب المقدس وكتابات الآباء القديسين فإنها تحررنا من النجاسة وتعطينا مادة مقدسة للصلاة والتأمل،  ولنلاحظ نفوسنا والتعليم ونداوم على ذلك فمتى فعلنا هذا نخلص نفوسنا والذين يسمعوننا أيضا. ان سر قوتنا هي كلمة الله التي تغلب الشرير {خبأت كلامك في قلبي كي لا اخطأ إليك} (مز 115 : 119) فلنحفظ كلمة الله في قلب جيد صالح ، ونثمر بالصبر ثمارا تليق بأبناء الله .

+  ممارسة الأسرار المقدسة و الوسائط الروحية باستمرار و باتضاع قلب من توبة واعتراف وتناول بانسحاق من الاسرار ونطلب من الرب أن يهبنا حياة العفة والقداسة والنمو في الإيمان. أن جسد ودم المسيح يسوع المُقدّسين هما قوة للثبات في الرب وغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه بانسحاق قلب ومداومة على الصلاة ، التناول يجعلنا نتغذى من عصارة الكرمة الحقيقة يسوع المسيح إلهنا القادر على أن يقودنا في موكب نصرته. ومتى طلبنا باستقامة قلب فإن الرب يعطينا سؤل قلوبنا .

  القلب وحياة الصلاة الدائمة...

 +  تبرز أهمية القلب في الحياة القلب في حياة الصلاة الدائمة والصلة والعشرة مع الله برفع القلب بالصلاة والشبع بمحبة الله وكما أن القلب مضخة للدم هو وسيلتنا للصلاة الدائمة كل حين ففى عملنا وطريقنا وبيوتنا نرفع قلوبنا بالصلاة الى الله حتى فى النوم، تقول عروس النشيد للرب {نائمة أنا أما قلبي مستيقظ} (نش 5 : 2). فالقلب يمكنه أن يرفع للسماء تسبيح وطلبات وتوسلات من أجل خلاص العالم ، ومن اجل الخطاة، ومن اجل كل من هم في حاجة، وبهذا نقتني قلبًا شفوقًا يحل فيه ملكوت الله.

+ أن ذلك يأتي بالصلاة الدائمة عبر هدوء الحواس من الطياشة، والفكر من السرحان فيما يضر وبمناجاة للاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح أثناء الشهيق والزفير " يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ " أو غيرها من الصلوات السهمية  القصيرة " الهم التفت إلي معونتي يا رب أسرع وأعنِّي " أو كما علّم القديس أنبا انطونيوس تلاميذه " يا رب يسوع  ارحمني ، يا رب يسوع اعني ،أنا أسبحك يا رب يسوع " نقولها في هدوء ونتعود عليها طالبين من الرب أن يلهب قلوبنا بروحه القدوس كما قال تلميذا عمواس { فقالا لبعضهما البعض الم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب}( لو 24 : 32). في عملنا نردّد صلواتنا كعمل داخلي للقلب ونتلذذ باسمه الحسن فيعطيك سؤل قلبك ويلهب القلب من نار محبته فلا نسكت ابدا ولا نكف عن الصلاة كما جاء في إرميا النبي  {فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم استطيع}(أر 9 : 20). لنحمل نير المسيح ونتعلّم منه لأنه وديع ومتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا،  ونصرخ طالبين منه أن يهبنا نقاوة القلب لكي نعاينه داخلنا ، ويُتحرِّك قلبنا بالرحمة نحو كل الخليقة العاقلة وغير العاقلة وترتفع صلواتنا من اجل الجميع . 

+ علينا أن نحترس من كل خطية حتى لو كانت الثعالب الصغيرة،  فإنها تفسد الكروم والثمار المتولدة من الصلاة والصلاح وننقي قلوبنا من الغضب والذم والكراهية والرياء والإدانة فإن هذه الخطايا تمنع نعمة الله من الجريان داخل قلوبنا ونبتعد عن الكلام البطّال والذى يضر ومنه تبرد حرارة القلب، ولا نطلب أو نسعي في طلب المديح من الآخرين وإلا نكون قد استوفينا أجرنا. لا نجعل قلبنا يتعلق بما هو أرضي بل ليكن كنزنا في السماء لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا.

+ نضع الأبدية في قلبنا، فاننا غرباء على  الأرض ووطننا الحقيقي هو السماء التي نحن سفراء لها ولأتعابنا على الأرض مكافأة بها نسعد ونسر للحياة في كنف الأب السماوي المحب وفي النهاية حياة أبدية .

  نصلي من كل قلوبنا ......

 ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وامحو آثامي بنعمتك، لأنك إله رؤوف رحيم و متحنن قلباً نقياً  اخلقه في يا الله وروحاً مستقيماً جدّده في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني . اسمع الي صلوات وتضرعات شعبك وأرفع عنا الوباء والغلاء والمرض والظلم وكل أمر شرير وأرسل لنا روحك القدوس ليعلمنا ويرشدنا في طريق الكمال الذي إليه دعينا فانك الله مبارك، لك ينبغي المجد والإكرام والسجود الآن وكل أوان، أمين.

الأربعاء، 26 مايو 2021

خواطر في الحياة الروحية (9) أهمية اللسان وضبطه وتوجيهه


{ لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ} (مت  12 :  37)

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

أهمية اللسان وخطورته...
+ اللسان ذلك العضو الصغير الذي به نعبر عن أنفسنا ورغباتنا ومشاعرنا وبه نصلى لله ونتواصل مع الناس، ولقد عرف الفلاسفة الإنسان بأنه حيوان ناطق لهذا نجد القديس اغريغوريوس الناطق بالإلهيات يشكر الله قائلا { أعطيتني موهبة النطق}. ونظرا لأهمية اللسان وضعه الله داخل جدار حصين من الأسنان وكذلك شفتان تحرسانه ولهذا نجد المرنم يصلى قائلا { ضع يا رب حارسا لفمي احفظ باب شفتي } (مز141 : 3). كما يوضح الكتاب خطورة اللسان فيقول الكتاب { من يجعل حارسا لفمي وخاتما وثيقا على شفتي لئلا أسقط بسببهما ويهلكني لساني } (سير 22 :  33). الرب يسوع المسيح يوصينا باهمية ضبط القلب والانسان الداخلي واللسان لئلا نقع تحت الحكم والدينونة { اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْبِ يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ. وَلكِنْ  أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ. لأَنك  بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ} ( مت35:12-37).

+ واللسان هو وسيلتنا للإفصاح عما بداخل الإنسان وما في قلبه من عواطف وما في عقله من أفكار، لذلك فإن أخطاء اللسان ليست خاصة به، بل هي أخطاء فكر الإنسان وقلبه وطبيعته الداخلية. فاللسان هو الآلة التي  يوقع عليها الإنسان أفكاره ومشاعره. فلو كان المرء حكيما وطاهرا، نطق لسانه بكلمات طاهرة، وحين يكون القلب فاسدا ينطق اللسان بالأخطاء ويوقع في الشر. وفي عالم الطب عندما يريد الطبيب ان يفحص مريض، فمن الدلائل على المرض شكل ولون اللسان وبه يستدل على العديد من الأمراض ومن الضرورة الروحية أن لا نسمح للسان أن يعمل بوحي الإنسان العتيق واخطائه بل ان نجعله تحت سلطان الروح القدس ونضبطه لكي يكون عضوا جديدا في الجسد الذي للمسيح ويُستعمل استعمالا صالحا يرضي الله والناس. ولهذا يؤكد الكتاب على خطورة اللسان كموجه للإنسان {هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ  فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا  كُلَّهُ.  هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضاً، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهَذَا الْمِقْدَارِ،  وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ،  تُدِيرُهَا دَفَّةٌ  صَغِيرَةٌ جِدّاً إِلَى حَيْثُمَا  شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. هَكَذَا اللِّسَانُ   أَيْضاً، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّماً. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ!  عَالَمُ الإِثْمِ. هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ،  وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.}(يع 3:3-6). وكما ان السفن مع ضخامتها يديرها الربان بدفة صغيرة، ولكن متى أساء الربان استخدام دفة السفينة تغرق وكل ما عليها هكذا اللسان متى أحسن  يقود الي التوفيق والنجاح والعكس، لقد أساء نبوخذ نَصَّر الدفة، أي استخدام لسانه ونطث بكرياء قلب متعظمًا { هذه بابل العظيمة التي بنيتها... بقوة اقتداري ولجلال مجدي} (دا 30:4). وذاق المر سنينً وطرد من مملكته وهيرودس بسبب لسانه ضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله وصار الدود يأكله، وبطرس من أجل كلامه بكى بمرارة ، وكم من حروب نشبت وعلاقات تحطمت بسبب أخطاء الكلام ومن هنا تظهر أهمية إخضاع القلب والفكر والعواطف لله والصلاة ليقودنا الروح القدوس و نضبط ألسنتنا ونفكر جيدا قبل الحديث فلكل شئ زمانه ووقته { لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماء وقت.. للسكوت وقت وللتكلم وقت} (جا3: 1-7). كما علينا إن نتخير كلماتنا والوقت المناسب للكلام { تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها}(أم  25 :  11).

+ إن لغة الإنسان تظهره وقديماً قال أحد الفلاسفة ( تكلم لأعرفك ). فالذي نقوله يعبر عن إنساننا الداخلي واهتماماتنا وقديما قالوا لبطرس الرسول ان لغتك تظهرك (متى 73:26).  فلغتنا وما نقوله وننطق به، ينبغي أن يظهر أننا من أتباع المخلص العظيم. المؤمن لغته تعبر عن محبته لله والناس ويتحلى بالتواضع والحكمة { ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد} (كو 4 : 6) . علينا أن نتحلي بالحكمة { مَنْ هُوَ  حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ  غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هَذِهِ  الْحِكْمَةُ نَازِلَةً  مِنْ فَوْقُ،  بَلْ هِيَ  أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ  وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ  فَهِيَ أَوَّلاً  طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ،  مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً،  عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ.  وَثَمَرُ الْبِرِّ  يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ  يَفْعَلُون السَّلاَمَ.} (يع 13:3- 18). المؤمن يتحلى دائما في كلامه بالصدق والوداعة { لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه. لأننا بعضنا أعضاء بعض} (اف 4 : 25)

الكلام المفيد والكلام الهدام ..

+ الكلام المفيد الذي يبني النفس والغير وهو الكلام الذي يأتي عن طريق التعقل والحكمة والانقياد لروح الله بالصلاة والتعلم . لقد آمن القديسون بهذه الفكرة، ولذا قال النبي { يا رب افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك} (مز 15:51). فاللسان وسيلتنا لشكر وتسبيح الله ولهذا يقول الحكيم { اعطاني الرب اللسان جزاء فبه اسبحه }(سيراخ 51 : 30). ولقد كانت كلمات قليلة قالها العشار سبباً فى قبوله وتبريره بعكس كلمات الفريسي المتكبر{ وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني أنا الخاطئ} (لو  18 :  13). وكانت كلمات اللص اليمين على الصليب سببا فى خلاصة بعكس زميله الآخر الذي تكلم بتجديف{ وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلا ان كنت انت المسيح فخلص نفسك وإيانا. فأجاب الآخر وانتهره قائلا أولا أنت تخاف الله اذ انت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لاننا ننال استحقاق ما فعلنا وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله. ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس.} (لو 39:23-43). الكلام المفيد هو ما نعبر به عن محبتنا لله أو يقوى علاقتنا الإجتماعية ويجعلها أكثر سعادة { الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام } (أم 16 :  24). وعلينا أن نسعى في صنع السلام بين الناس ونبنيهم. وعلينا الالتزام بالصمت وقت الغضب لئلا تخطئ ونندم، فإن كان الكلام المفيد يبني الغير فإن الكلام القاسي يهدمهم ويسيء إلينا ويهيج الخصومات { الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط} (أم  15 :  1). 
+ يجب أن نصلى و نعترف أمام الله بخطايانا ونطلب منه ضبط حواسنا وتطهير ألسنتنا ونطلب المغفرة والرحمة من الله ليكون كلامنا مملح بنعمة الروح القدس فها هو اشعياء النبى يعترف أنه نجس الفم والشفتين { طار إليَّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح ومسّ بها فمي وقال إن هذه قد مسّت شفتيك فانتزع إثمك وكفِّر عن خطيتك} (اش 6:6). ونقرأ أيضا أن ارميا اعتذر لله بأنه ليس أهلا للرسالة التي كلفه الله بها فشجعه الرب وطهر شفتيه { فَقُلْتُ:«آهِ يَا سَيِّدُ  الرَّبُّ إِنِّي لاَ أَعْرِفُ  أَنْ أَتَكَلَّمَ  لأَنِّي وَلَدٌ». فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ.  لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ». وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي  فَمِكَ. اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُك  هَذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ  لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ  وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ».}( أر 6:1- 10). نصلى أذا ليهبنا الله الحكمة لنعرف متى نصمت ومتى نتكلم وأي كلام نقول؟.{ وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ ايْضاً الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ  مِنْ افْوَاهِكُمْ.  لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ،  اذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ اعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ  لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ  صُورَةِ  خَالِقِهِ} (كو 8:3-10). ندرب أنفسنا على استخدام ألسنتنا فى تسبيح الله وشكره والكرازة باسمه. لهذا يوصينا الكتاب قائلاً { لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين في قلوبكم للرب }(كو  3 :  16).

+ ومتى تكلم الإنسان  فعليه أن يتخير كلامه بدون تطويل ممل ولا إيجاز مخل، فكلمات قليله خير من كلام كثير لا يبني { كثرة الكلام لا تخلو من معصية اما الضابط شفتيه فعاقل} (ام 10 : 19). وليكن لنا إيمان بما نقول ولنبتعد عن التحدث بعلو الصوت و نعبر عن احترامنا للذين تحدثهم بعيدا عن المكر والخبث ولا نقاطع غيرنا فى الكلام ولا نرد على سؤال لم يوجه الينا فى تطفل ومن الاتضاع أن نقدم غيرنا عن أنفسنا ولا نبتدئ بالاجابة فى مجلس وجه فيه سؤال للجميع. ونراعي وقت الغير استعدادهم للأستماع. ونتجنب المناقشات المعثرة { وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِماً أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ  الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ،  بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِالْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى الْمَشَقَّاتِ، مُؤَدِّباً بِالْوَدَاعَةِ  الْمُقَاوِمِينَ،عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ  اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ،  فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ  إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ.} ( 2تي 23:2-26). إن الغرض من النقاش ليس هزيمة من نحدثه وإنما نربحهم للحق دون جرح مشاعرهم  ولنعلم أن أقصر الطرق الى كسب الجدال هو أن لا نجادل وليس من آداب النقاش مقاطعة الغير بل يجب أن نمنحهم الفرصة ليعبروا عن ارائهم. ويجب أن ينتهي النقاش مهما تباعدت الآراء فى محبة وإحترام وقد تقاربت القلوب وتصالحت العقول

 بعض أخطاء اللسان ..

+ أخطاء اللسان هي خطايا مركبة تدل على ما في داخل الإنسان فالقلب الصالح يخرج الصالحات والعكس كما أن الشجرة الجيدة تخرج ثمراً صالحاً، فعلينا مراقبة وضبط حواسنا وأفكارنا وعواطفنا لكي يكون لساننا نقي وكلامنا بحكمة. الكلمات القاسية تدل على قلب قاس والكلمات المتكبرة تدل على قلب متكبر والكلام المستهتر يدل على قلب مستهتر، والألفاظ الحاقدة تدل على قلب حاقد وهكذا. فالذي يريد أن يصلح ألفاظه، عليه أن يصلح قلبه وإلا فإنه سوف يقع في خطية أخري منها الإدانة والنميمة أو الرياء.

+ خطايا الكبرياء... مثل الافتخار، وتبرير الذات، ويدخل فيها العناد، والكذب، والمبالغة، وأنصاف الحقائق، والغش، والخداع، والتضليل، والتلفيق، وشهادة الزور، والمغالطة والمكر. ومنها الكلام الجارح الموجع الذي لا يبالي فيه قائله بمشاعر من يتحدث إليه. وكذلك ألفاظ التهديد والتخويف، وما إلى ذلك. وهناك كلام يعبر عن الكراهية وعدم المحبة مثل كلام الشتيمة، والنرفزة، والسب واللعن، وإدانة الآخرين، وتحقيرهم. والتهكم عليهم، ومسك سيرتهم، والغيبة، والنميمة، والدسيسة. كذلك ألفاظ التهديد، والتعيير وإفشاء أسرار الناس، والتشهير بهم، والهروب من المسؤولية وإلقائها على الغير ونشر الشائعات. وكلام النفاق والتملق، والمديح الزائف، ومجاراة المخطئين في أخطائهم. والسلوك بلسانين، وكثرة الشكوى والتذمر.

+ ومن خطايا اللسان ما يقود للنجاسة. مثل القصص البطالة، والفكاهات الماجنة، والأغاني العابثة، وكل كلام الأغراء، والأسلوب غير المهذب.

+ أخطاء اللسان في الإيمان. مثل كلام التجديف ونشر الشكوك في الدين والعقيدة، ونشر البدع والهرطقات وإعثار غير العارفين بها، واستخدم اسم الله باطلًا، وتشويه الفكر بالخرافات.

لهذا ومن أجل أن يقتنى الإنسان الحكمة فضل البعض الصمت عن الكلام، ووجدوا فى الصمت الفرصة الذهبية للانطلاق  في العبادة والحديث مع الله وسماع صوت الروح القدس داخلهم ليحصلوا على الوقت الكافي لفحص النفس وتهذيبها وبنائها الروحي، ومن الصمت الجيد حصلوا كلام الحكمة ومعرفة الله. 
نصلي لله ليهبنا قلب ولسان حكمة

+ اليك ايها الرب الاله الحكيم وواهب الحكمة نصلى ونطلب ان تهبنا منك حكمة وفهم قلب، طهر قلوبنا بنعمة روحك القدوس وأكتب شريعتك داخلنا ولتسكن نعمتك بغنى فينا. لتكون ألسنتنا قلم كاتب ماهر يكتب لك اجمل الالحان و يسبحك على محبتك ورحمتك المتجددة كل وقت. اجذبنا اليك بربط المحبة لكي ننشد الحان الفرح شاكرين عظيم عملك ورعايتك كل حين.

+  يارب ما أحوجنا فى الحزن الي كلمات العزاء، وفي الضيق الى الصديق الذي ينتشلنا بكلمات الرجاء، وفى وقت الشك نحتاج إلى من يثبت فينا الإيمان ويغذي فينا المحبة عديمة الرياء. وفى الشعور بالوحدة نحتاج الى من يأخذ بأيدينا و يشجعنا لئلا نخور فى الطريق  ويملأ علينا الحياة والبسمة الصادقة والكلمة الطيبة والمشاعر الأخوية.

+ نصلى اليك ان تهبنا حكمة لنعرف متى نتكلم، ومتى نصمت؟. ومتى تكلمنا فلتكن انت المتحدث على ألسنتنا والعامل فينا. علمنا أن نستمد من الصمت نعمة الحديث اليك والاصغاء لصوتك ومعرفة أرادتك المقدسة فى حياتنا بما يبنى النفس والغير فى وداعة وحكمة لكي نسلك كما يليق باناس الله القديسين، أمين.

الأربعاء، 19 مايو 2021

شعر قصير -117 -  ختام الأمر كله

 


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

(1)

" الحنين للوطن"

حنيت لزمن الطفولة والقعدة ع النجيل فى ضلة النخلة

ومنظر النيل والخضرة والناس الطيبة للغيطان راحله

وسهره في ضوء القمر والنجوم فستان للسماء غازله

وفرحتى بصيد السمك يشبع البيت ويفيض عن أهله

وسعادتنا رايحيين الكنيسة وكأني السماء علينا نازله

ورحت بالروح للسماء وكم هي عن كدا تكون أحلى !

ما لم يخطر حتى على البال ما أعده الله للي يستاهله

.......

(2)

" الحياة الأبدية "

جاهد الجهاد الحسن لتمسك بالحياة التي اليها دُعِيتَ

بالإيمان العامل بالمحبة أملأ أنيتك محبة وخير وزيت

اسهر على خلاص نفسك وأبعد عن الشر مهما قاسيت

بالمحبة ملكوت الله يحل فيك وفي ظل الله القدير يبيت

أنقاد بالروح وليكن لك فكر المسيح في العمل والبيت

الحياة الأبدية معرفة لله بالروح والثبات فيه بلا تشتيت

كلام الحياة الأبدية عند المسيح اسمعه وأعمله ياريت

.......

(3)

" انواع من الكنوز"

الناس بتركض لتجمع علي الأرض أنواع من الكنوز

ناس بتجمع مال أو مناصب وبيوت وكله نفسه يحوز

واللي بيجمع بيخاف علي اللي بيملكه  يفقده ويعوز

وتمر علينا التجارب والضيقات والخليقة فيها بتجوز

واللي مسنود على محبة ربنا وعمل الخير عنده كنوز

المال خدام عنده وعمل الرحمة في السماء له مكنوز

ويورث ذريته مخافة الله وكنز عظيم  جيد ومهزوز

أطلب ملكوت الله وبره ولا يوم ربنا راح يتركك للعوز

.....

(4)

" ختام الأمر كله"

كل  دقيقة تلاقي كام مولود جديد يجي للدنيا ويتولد

يفرح اهله ويقولوا بكره يكبر ويكون لينا عون وسند

ينمو ويكبر ويشوف المتاعب وقد يلوم أهله أنه أتولد

جينا من غير ما يكون بايدينا وعلينا أن نفيد ونستفيد

مولود المراة، شبعان اتعاب، قلت سني حياته أو  تزيد

ما بين الولادة والانتقال نزرع واللي بنزرعه ها ينحصد

ختام الأمر كله اتق الله واحفظ وصاياه فهذا ما ساتجد

.......

(5)

" اشكرك يارب "

نفسي أطير زي العصافير على الشجر أغني وأعشش

لو أكون عصفور ها تحرر من القيود لكني ماعرفتش

لو أكون وردة تدى ريحه طيبة للغير تسعدهم وتنعش

لكن شكرت الله اللي خلقني إنسان على الحق بيفتش

بالصلاة والصوم أطير للسماء والروح تنمو و تتنفس

ارسم صور وكلام يشجع الغير وللنفس يفرح ويهمس

وفي كل شئ  نشكر الله ونصلي لينمي ويسند ويحرس

خواطر في الحياة الروحية (8) القراءة وتغذية الإنسان العاقل

 


خواطر في الحياة الروحية

(8)

 

القراءة وتغذية الإنسان العاقل  

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

الإنسان ونعمة العقل والتفكير ...

+ الإنسان هو ذلك الكائن المفكر الذي خلقه الله بعقل يميز ويدرك ويتدبر ويتطور وبهذا يتميز عن غيره من الكائنات الحية وقديما قال أحد الفلاسفة " تكلم لأعرفك!" وبالتفكير أخترع الإنسان اللغة والكتابة كأداة للتواصل بين البشر ومن هنا جاء التراكم المعرفى والعلمى من جيل إلى جيل وبالعقل سعى الإنسان لمواجهة الظروف الطبيعية الصعبة المحيطة وتحديات الحياة واستخدام الإمكانات المتاحة للوصول الى اهدافه حتى وصلنا الى العصر الحديث بما فيه من تكنولوجيا وتطور علمى وادبى وفلسفى وروحى فى كافة مجالات الحياة . وعندما خلق الله آدم وحواء خلقهما على صورته ومثاله، وقد وهب الله الانسان عقلا وحكمة بهما اعطى اسماء للحيوانات والطيور حسب طبعها وصفاتها {و جبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء و احضرها الى ادم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها. فدعا ادم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية}(تك 19:2-20). وبالعقل استطاع الإنسان أن يتغلب على الظروف الصعبة المحيطة به فالحاجة أم الاختراع والتعاون والتخصص وتقسيم العمل جعلنا كل منا يحتاج للآخرين لنصل الى التطور العلمي والأدبي والثقافي الذي نعيشه الآن.

+ الإنسان مكون من الروح والعقل النفس والجسد، وهو ككل متكامل يحتاج الى إشباع وتطوير كل الإنسان حتى يحقق إنسانيته وينمي مواهبه وقدراته والا أصابه الخلل والمرض والضعف، أرواحنا تحتاج الى الشبع بالله والعلاقة بالخالق الاعظم، وعقولنا وزنة ثمينة من الله تحتاج الى تغذية وضبط وترويض وتطوير، ويجب أن نفهم ونطور من أنفسنا ونعرف دوافعنا ونروضها ونسعدها، وللجسد مطالبه الضرورية التي تحتاج إلى إشباع وتنمية وترويض ومحافظة على سلامته .

+ كيف إذن نستطيع أن ننمى من شخصياتنا و نحقق التوازن المطلوب للكيان الإنساني كتاج للخلقة وسيدها ما لم ننمي كل الانسان؟. إن التطور العلمى جعل التطور المعرفي يتسارع ويتشعب فى مجالات العلوم واخذت المعارف تتسع وتمتد الى الى مجالات متعددة استحال على الإنسان الواحد أن يلم بها من أجل هذا وجد التخصص في فروع المعرفة ووجب علينا أن نأخذ بآراء الباحثين والمتخصصين وعلينا نحن ايضا ان نتخصص ونبدع في احد فروع المعرفة وفي نفس الوقت نكون ملمين بالمعرفة الضرورية في المجالات الاخرى وتبرز هنا أهمية الحكمة والإفراز في إيجاد الشخصية الإنسانية المتوازنة والتي تنسجم وتتكامل في ذاتها ومع غيرها ليحيا الإنسان إنسانيته .

+  وهنا تبرز أهمية القراءة والبحث في الكتب والتفكير الإيجابي والتأمل، حتى  تتغذى أرواحنا وعقولنا ونفوسنا بالمعارف اللازمة التى تنمى الانسان فى مجال تخصصه وتجعله مدركا لمجتمعه والعالم المحيط به. تعتبر القراءة من أهم الطرق المتاحة لتنمية الذهن وملكات الفهم والعقل للوصول إلى العلاقة بين الأشياء وفهم جوهرها والوصول إلى الابتكار وتعطى براعة في الحديث وسرعة الفهم فى عصر السماوات المفتوحة و النت ووسائل الاتصال الحديثة التي تجعلنا نحيا فى العالم من حولنا كقرية صغيرة ، لقد صرنا نتابع ما يحدث فى الشرق والغرب فى نفس الوقت الذى تحدث فيه الأحداث. وأصبحنا نحتاج الى الجلوس مع النفس والتفكير والتأمل والتمييز لئلا يجرفنا العالم بتياراته المتصارعة ويجعلنا نحيا في اضطراب وقلق. بالقراءة نبتعد عن ما هو ضار ومضيعة لوقتنا الثمين، ونحتاج إلى تنمية قراءتنا وتنويعها لما للكتاب من أهمية وتأثير في توصيل المعلومة حسب إمكانيات كل انسان، وإذا كان يصعب علينا قراءة كل ما تخرجه قريحة الإنسان وجب علينا أن نختار ما هو مفيد لبنياننا الروحى والفكرى والنفسي والجسدي ولاثراء حياتنا وإشباع رغبتها في التعلم والمعرفة ومواكبة عصر المعلوماتية. وكلما نضج الإنسان وازداد فى الوعى والمعرفة نمت لديه ملكة المعرفة. وأصبحت المعرفة في أنتقاء حكيم عن طريق الكتب أو بالطرق الأخرى المنافسة للكتاب كانت والميديا باشكالها لها اهمية الطعام والشراب في تطوير الإنسان لنفسه ومستقبله.

أهمية القراءة وتنميتها لدينا....

+ إن القراءة تحقق لنا العديد من الأهداف ومنها الشبع الروحى والنفسى وتطوير وصقل الشخصية الانسانية وإثراء الحياة فقيمتك الحقيقة كانسان تتحقق بمدى نضجك الفكرى والثقافى والروحى وكلما أمتلكنا المعرفة في حكمة وتمييز نمت شخصيتنا، نحتاج للقراءة فى مجالنا الوظيفى حتى نتطور ونتفوق ونبتكر فيه ونحتاج للقراءة لإسعاد النفس بما هو يضرم الفكر ويؤنسه ونعرف نفوسنا والناس حولنا والأهم أن نتواصل مع مجتمعنا، إن بيوتنا وحياتنا تصبح كالقبور المغشاة بالطلاء من خارج ويلفها الصمت او الفراغ او العظام من داخل مالم يكون فيها التواصل الفكرى والنفسى والعمل على إسعاد الآخرين وهذه كانت خطية الغنى الذى ترك لعازر البلايا بجواره جوعان ومحتاج للقمة والبسمة والتعاطف.

+ القراءات الروحية تشبع الروح فنعرف الله ونسير على هدى وصاياه لهذا يوصينا الكتاب المقدس{ اعكف على القراءة و الوعظ و التعليم }(1تي 4 : 13). فقراءة الإنجيل تعرفنا بالله وتعاملاته مع البشرية ومحبة الله لنا وتهب الفكر نقاوة روحية وتريح النفس وبها نعرف ارادة الله فى حياتنا وتهبنا مادة روحية للحديث مع الله وبمقتضى وصايا الإنجيل سنحاسب فى اليوم الأخير. كما أن الكتب الروحية تهبنا الحكمة وفهم ما عثر علينا فهمه { وقرأوا في السفر في شريعة الله ببيان وفسروا المعنى وافهموهم القراءة } (نح 8 : 8). يجب علينا أن نغصب أنفسنا على القراءة لاسيما فى المجالات التى نشعر بنقص معرفتنا { بل قدسوا الرب الاله في قلوبكم مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف } (1بط  3 :  15). علينا أن ننتصر بالفضيلة على الرذائل التي تحارب النفس بالمعرفة نحارب الجهل وبالمحبة نتغلب على  الكراهية، وبالقراءة في كتب الإيمان نتغلب على الشكوك التي تحاربنا. وعندما نحتاج إلى القدوة الصالحة نقرأ في سير الاباء القديسين. وهكذا نروض نفوسنا فى طريق التقوى ومحبة الله ونشبع ارواحنا بالحديث مع الله فى الصلاة والتأمل والقراءة الجيدة ومن خلالها نرفع قلوبنا الى الله فى حديث ودى بين النفس وخالقها .
+ بالقراءة  نعالج الخلل فى حياتنا ونعود أنفسنا على محبة القراءة والاطلاع ، أي أمة او اسرة أو فرد لا يقرأ ولا يتعلم فإنه يحيا فى الجهل وضيق الأفق وتعصف بهم المشكلات ، أن الضعف التعليمي وغياب الوعى الثقافى يجب معالجته بدء من الإنسان نفسه ثم لمن حوله. لقد أدان الكتاب المقدس عدم المعرفة كسبب من أسباب الهلاك {قد هلك شعبي من عدم المعرفة}(هو  4 :  6). والكتاب يدعونا للفهم والحكمة { طوبى للانسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم } (ام 3 : 13). {لان الحكمة خير من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها} (ام 8 : 11). نحتاج الى الحكمة لنعرف ماذا وكيف نقرأ {من هو حكيم وعالم بينكم فلير اعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة. ولكن إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا و تكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هي ارضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء. وأما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة واثمارا صالحة عديمة الريب والرياء وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام}( يع 13:3-18).

+ علينا أن ننظم أوقاتنا ونشجيع انفسنا وابنائنا على القراءة في عصر أصبحت المعرفة متاحة وامكانية البحث والتنقيب متوفرة على الكمبيوتر والنت وحتى القنوات الفضائية تبث ما هو وثائقي جديد وطريف وروحى ومفيد وان كان لا غنى عن الكتاب فلهذا يجب أن نبدأ بالقراءة فى المجالات المحببة للنفس والمفيدة لنا فى الحياة.

الأفراز والحكمة في القراءة ..

+ يجب أن ننمي معرفتنا بإفراز وحكمه فليس لدى الإنسان الوقت ليقرأ أو يسمع ويشاهد كل شئ فلهذا نختار بحكمة ماذا وكيف نقرأ ؟. يجب أن نعطي الأولوية للكتاب المقدس ودراسته بتواضع وفهم ورغبة لأنه رسالة الله لخلاص الإنسان ولأن كلمة الله تنقي وتقدس وتطهر النفس وتجعلنا نثمر ويدوم ثمرنا ونستعين في القراءة بكتب التفسير للفهم والمعرفة.  نحن مدينون بالفضل لابائنا القديسين الذين عاشوا الكتاب وفسروه وفى هذا العصر نذكر بالفضل والشكر مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث  ومن بعده قداسة البابا تواضروس الثاني، اطال الله حياته فى اهتمامهم بالتعليم الديني والوعظ والكتابة والتأليف. وندين بالشكر للأب الفاضل القمص تادرس يعقوب وكنيسة مار جرجس بالإسكندرية التي اهتمت بتفسير الكتاب المقدس من كتابات الآباء الأولين كما ندين بالفضل للاباء الاساقفة  القديسين المنتقلين الانبا اغريغوريوس اسقف البحث العلمي والأنبا يؤانس أسقف الغربية والأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف المتنيح وغيرهم من أباء قديسين. وفى مجال كتابات الاباء نذكر بالفضل الجهود القيمة للمركز الارثوذكسي  للدراسات الابائية. ويرجع الفضل لدار الكتاب المقدس التي وفرت لنا الكتاب المقدس وأصبح متاح لكل أسرة وفرد فيها. وقامت المكتبات المسيحية بالاهتمام بالكتب وتوزيعها وترجمتها ولقد كانت مكتبة المحبة بالقاهرة سباقة في الاهتمام بالكتاب العربي المسيحي والمترجم ومنها ترجمة المتنيح القمص مرقس داود للعديد من شخصيات الكتاب المقدس  وغير هؤلاء  الكثيرين ممن اثروا مكتبتنا القبطية بالكتب القيمة.

+ يجب أن نقرأ في الكتب التاريخية لنتعلم العبر ونأخذ حكمة من تاريخنا وحياة الشعوب وثقافاتها ويكون لدينا المعرفة الافقية بالفنون والعلوم وهنا أذكر موسوعة قصة الحضارة لول ديورانت وموسوعة الحضارة الفرعونية للدكتور سليم حسن وموسوعة الحملة الفرنسية على مصر . علينا أن نقرأ  تراجم الأشخاص العظماء الذين خدموا البشرية بعلمهم ومعرفتهم . ويجب أن ننمي معرفتنا فى مجال تخصصنا ومتابعة كل ما هو جديد فيها . علينا ان نقراء فى الموسوعات العلمية والكتب النفسية والاجتماعية والأدبية ونتعلم لغة جديدة تضيف إلى ثقافتنا وفكرنا المزيد من المعرفة والثراء والمعرفة بالآخرين وعلومهم.
+ يجب ان نضع للقراءة وقت فى مخططنا اليومى والاسبوعى ونختار الوقت المناسب لها فى الهدوء وفى مكان جيد الإضاءة والتهوية وأن نجعل من الكتاب صديقنا المفضل فى فى أوقات الفراغ من العمل أو في السفر ويفضل أن ندون الأفكار الهامة التى نتعلمها من الكتاب ليسهل الرجوع إليها فى وقت الحاجة وان اعجبك  كتاب ما فاقرأ  لنفس الكاتب وتواصل معه وشجع الآخرين على قرائته وتناقش معهم عن فوائده وصادق من لهم نفس الاهتمام بالقراءة وهكذا تصبح القراءة جزء من حياتك وتنطلق بها الى عالم رحب من عالم المعرفة والارتقاء بانسانية الانسان ليكون بحق تاج وسيد الخليقة ونحيا ملء الحياة الأفضل.

صلاة للقراءة والتأمل ...

+ ايها الرب الاله واهب الحكمة والمعرفة والعلم ، لقد وهبتنا روحا يشتاق الى الشبع والامتلاء ونريد أن نعرفك ونحبك وننمو فى النعمة والقامة والحكمة لديك ولدى الناس ، وهبتنا يارب نعمة العقل والتفكير فهبنا ياغنى بالمراحم السعى الدائم لنعرفك ونحبك وننمو فى المعرفة لأن هذه هى الحياة الأبدية والسعادة الحقيقية. لكل كمال رأيت منتهى اما وصاياك فواسعة جداً وبحر محبتك لا حد لعمقه ولا مجال للوصول إلى أغواره إلا عندما ترثوا سفن حياتنا فى سماء مجدك وهناك نتحرر من قيود المادة والمعرفة الضارة ونمتلئ ونتحد بك وإن كان علينا أن نصلي وأن نسعى لكي نتذوق الحياة الابدية ونحياها من الان فاعطنا وكل شعبك يا الله الآب ضابط الكل .

 هبنا يارب سعيا دائما الحكمة والإفراز والمعرفة وليحل روحك القدوس فينا ليقودنا ويهبنا حكمة وفهما ومعرفة ومشورة ومخافة لك كل الأيام ، لنعرف كيف نسلك بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الايام شريرة ، علمنا ان نبتعد عن كل ما هو معثر وضار وأن نسعى فى أثر السلام وحياة الفضيلة والبر . اشبع نفوسنا بمحبتك ومعرفتك لنكتشف أنك دائما حاضراً معنا وفينا تقودنا دائما فى موكب نصرتك وتصل بنا الى معرفتك الحقيقية ومعرفة نفوسنا المخلوقة على صورتك وتنمية عقولنا لتعمل لمجد اسمك القدوس ويكون كل واحد منا ككاتب متعلم { فقال لهم من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلا رب بيت يخرج من كنزه جددا وعتقاء }(مت  13 :  52) 

الأربعاء، 12 مايو 2021

خواطر في الحياة الروحية (8) قوة الصلاة

 

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

+ الصلاة هي صلة واتصال وحديث ودي بين المؤمن وربه وهي عشرة قوة بالله ومحبة صادقة واتصال بالله مصدر الطاقة والقوة وينبوع النعم الإلهية. الصلاة من قلب طاهر ومتواضع ومحب واثق فى قدرة الله، لابد أن تأتى ثمارها فى حينه. ان الاجهزة الكهربائية ولمبات الكهرباء لا تعمل أو تعطي ضوئها ما لم تتصل بالتيار و صلواتنا أن لم تكن من قلب نقي وروح محبة لله لن تصل لمصدر القوة الإلهية أو يسمع ويستجيب لها الله.  بهذه الصلاة والعلاقة بالله سار الآباء في عشرة مع الله كابراهيم ابو الاباء وصلته بالله حتى دعُي خليل الله وموسى النبى دعى كليم الله و صلاة حنة أم صموئيل من عمق القلب التي استجاب لها الله ورزقها صموئيل النبي وكمثل  صلاة يونان النبى فى بطن الحوت وصلاة اليشع النبى وإيليا النبى التي عملت المعجزات وأقامت أموات { اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات امام الرب }(يهو 4 : 12). وجميع قديسين العهد القديم كانوا على صلة واتصال بالله عن طريق الصلاة الدائمة وفى العهد الجديد أعطانا المسيح صورة حية للصلاة ليعلمنا أن نصلي وكان يقضي الليل كله فى الصلاة والحديث مع الآب { خرج الى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة }( لو 6 :12(. وهكذا علم تلاميذه كيف يصلوا وعرف التلاميذ من السيد المسيح أهمية الصلاة { هؤلاء كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة }  ( أع 1 :14). وهكذا يطلب منا القديس بولس الرسول { فاطلب أول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس }(1تي 2 : 1).
+ إن الصلاة تستمد قوتها من الله مصدر القوة الذي يسمع ويستجيب للصلاة فالله كلي القدرة ويستطيع كل شئ ولا يستحيل عليه أمر وهو يسمع بمحبة لصلوات أبناؤه بل ويوصينا أن نصلي، ويعدنا أن يصغي إلينا عندما نصلي { وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه} (مت 21 : 22). وقال لتلاميذه عن الشياطين { هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة والصوم }(مر 9 : 29). وقد جرب الآباء كيف يستجيب الله لصلواتهم { في ضيقي دعوت الرب والى الهي صرخت فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل أذنيه }(2صم 22 : 7).  يوصينا الكتاب المقدس أن تكون صلواتنا بإيمان بالله بغير شك أو ارتياب فى وعود الله وبحسب مشيئة الله وبشكر على كل حال فالله صالح حين يمنح وحين يمنع ويعمل لخيرنا ولمجد أسمه لصالح شعبه { فالتفت الى صلاة عبدك والى تضرعه ايها الرب الهي واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك امامك} (2اخبار 6 : 19).  الصلاة تجعلنا نتواصل مع الله القدير، ولذا يجب أن نتوقع نتائج عظيمة منها، سواء إختار الله الاستجابة لطلباتنا أم أجلها أو عدلها أو منعها حسب إرادته وحكمته وتوقيته المناسب.

+ اننا نبني علاقتنا مع الله علي البنوة الصادقة لله وحفظ وصاياه ونتخذه الله لنا أب محب وصديق صادق ومعين قوى وملجأ حصين. نشكره فى أفراحنا ونجاحنا ونشكي له همومنا وأحزاننا ونطلب منه غفران خطايانا ونقدم له طلباتنا ونطلب من روحه القدوس ان يهبنا معونة وقوة من الأعالي كما قال الأنبا أنطونيوس فى رسالته لابنائه الروحيين" أعدوا انفسكم للمجيء إلى الرب، لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة، تلك التي لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير. أم تجهلون يا أحبائي، أن اعداء الصلاح يتآمرون دائماً، مدبرين شروراً ضد الحق؟ لأجل هذا ايضاً يا احبائي، كونوا حريصين، ولا تعطوا عيونكم نوماً، ولا أجفانكم نعاساً (مز 132: 4). واصرخوا إلى خالقكم نهاراً وليلاً، لكي تأتيكم القوة والمعونة من الأعالي، وتحيط وتحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح". علينا أن نصمت ونهدأ لنأخذ منه الإجابات الشافية ويتكلم الله داخلنا بروحه القدوس، أو من خلال كلمته الواهبة الحياة في الكتاب المقدس ونخرج من لدن الله وقد نلنا طلباتنا وعاد لنا سلامنا وفرحنا وأخذنا قوة للعمل والأمل وحلول للمشاكل ويبقى الله لنا المرجع والعون والمشير كل الاوقات.

+ الصلاة القوية تكون مصحوبة بالإيمان القوى والتواضع والثقة فى وعود الله واستجابته لنا وهو صانع الخيرات الرحوم نشكره فى كل حين { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله }(في  4 :  6). ويكفي المصلي شرفاً أن الله أعطاه شرف الوقوف والحديث معه. لقد كانت صلاة الآباء الرسل قوية جدًا { ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس} (أع 4: 31) الصلاة القوية العميقة التي من القلب هي التي تصعد إلى فوق، وتستطيع أن تدخل إلى عرش الله، وتأخذ منه ما تريد. ولقد اشتهر الأباء القديسين بصلواتهم القوية التى تصنع المعجزات وتقيم الاموات وتشفى الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة.

+ الصلاة القوية تحتاج لقوة الإيمان فبقوة الإيمان مشى بطرس على الماء. ولما ضعف إيمانه بدأ يغرق. فأنقذه الرب ووبخه قائلًا { يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟} (مت 14: 31). ويقول الكتاب {كل شيء مستطاع للمؤمن} (مر 9: 23). قديما ذهب أليشع مع المرأة الشونمية وهو واثق أنه سيقيم ابنها (2مل 4: 35) وهكذا فعل إيليا مع أرملة صرفة صيدا وأقام ابنها (1مل 17: 22) آمنوا أن الرب يستجيب لصلواتكم، ولو في الهزيع الرابع من الليل. ولابد سيعمل معكم فلا يضعف إيمانكم ولا يتزعزع مهما بدأ أن الله تأخر فى الاستجابة لنا أو خيل إلينا أن صلواتنا أنه لم يستجب، ولا نشك في محبة الله، مهما أحاطت بنا الضيقات بل ننتظر الرب ونصلي ولا نمل وسيهبنا الله سئل قلبنا وكما يقول القديس مقاريوس الكبير فى عظاته عن الصلاة الحقيقية " حينما ينظر غيرتك في طلبه، فإنه حينئذِ يُظهر ويكشف نفسه، ويعطيك معونته الخاصة ويجعل لك النصرة وينقذك من أعدائك. وهو إذ ينظر أولاً كيفية طلبك له وانتظارك إياه بكل قلبك برجاء لا ينقطع نحوه، فإنه حينئذ يعلمك ويعطيك الصلاة الحقيقية والمحبة الحقيقية التي هي الرب نفسه الذي يصير لك في داخلك كل شيء: الفردوس، وشجرة الحياة، واللؤلؤة الكثيرة الثمن، والإكليل، والباني، والزارع، والمتألم، والذي لا يتألم، والإنسان، والإله، والكرمة، والماء الحي، والعريس، والمحارب، والسلاح، المسيح الكل في الكل. وكما أن الطفل لا يعرف أن يعتني بنفسه أو يعمل أموره بنفسه ولكنه يتطّلع فقط إلى أمه ويصرخ ويبكى إلى أن تتحرك إليه بحنان وتحمله، هكذا النفوس المؤمنة فإنها تضع رجاءها في الرب وحده وتنسب كل بر إليه وحده". فعلينا أن نصلي كل حين ولا نمل والله ينظر الي محبتنا ورغبتنا فى معرفته والأقتداء به ويهبنا أكثر مما نطلب أو نفتكر، عندما يري الله أمانتنا فى صلواتنا اليومية يعطينا الصلاة الدائمة والحارة بالروح وعندما يري الله التصاقنا به وبمذبحه المقدس يشبعنا من الأتحاد به ويحل بالإيمان فينا ويرفعنا كما علي أجنحة النسور ويريحنا فيه وبه ومعه.

 + عندما لا يصلي المؤمن ولا يقرأ كلمة الله فانه يموت روحيا ويعطي فرصة للشيطان والأفكار العالمية والشهوات أن تسيطر عليه وينتصر عليه إبليس لأنه قد ترك السلاح الذي ينصره فى الحرب. ويجد المؤمن ذاته في جوع روحي لا يشبعه إلا الله {  قال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا } (يو 4 : 13). والله عاتب شعبه قديما لتركهم إياه { لأن شعبي عمل شرين تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء }(ار  2 :  13). الصلاة في بدايتها تحتاج منا إلى جهاد وتغصب لكن عندما نداوم عليها فإننا نشتاق للوجود فى حضرة الله ونسلم حياتنا بثقة فيه وندخل الى العمق معه ونشبع بالحديث اليه.

+ يا الله الرحوم اله أبائنا القديسين اليك نأتي طالبين رحمتك وقارعين باب تعطفك فهب لنا يا غني بالمراحم الخلاص والشفاء والمعونة من كنوز نعمتك الغنية وأنعم علينا بقلوب نقية وأرواح متضعة وفكر خاشع طالباً رحمتك ولتكن صلواتنا مقبولة أمامك واستجب لصلوات شعبك الصارخين اليك ليلاً ونهاراً وأنت متمهل عليهم. نعم أقول أنه ينصفهم سريعاً.