نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الأربعاء، 3 ديسمبر 2025

الحق والعدل - ٤١

 الحق والعدل - ٤١

أولاً: مفهوم الحق والعدل


الحق في مفهومه اللغوى يُطلق على الوجوب او الثبوت للشئ ومطابقته للواقع. يُقال "حق الشيء" أي ثبت ووجب. أما العدل فهو الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، والمساواة بين الناس دون ظلم لأحد والعدل يدل على الاستقامة والموازنة والتسوية. أما من الناحية الروحية فالحق هو الله ذاته، كما قال المسيح: { أنا هو الطريق والحق والحياة} (يو ١٤:٦). فالحق مرتبط بالله وبالإعلان الإلهي، ويقود إلى الحرية (يو٣٢:٨). والعدل هو صفة من صفات الله ويقوم على الرحمة والحق معًا، ولا ينفصل عن المحبة. وفي الفكر المسيحي الحق هو مطابقة السلوك والإيمان لمشيئة الله. العدل يعني معاملة كل إنسان بحسب كرامته التي من الله، ورفع الظلم عنه. وعند الآباء، العدل ليس فقط قانون بل هو فضيلة روحية تعكس صورة الله في الإنسان.

+ ومن الناحية القانونية فان الحق هو ما يقرره القانون للفرد أو الجماعة من امتيازات أو حريات (مثل حق الحياة، الحرية، حق الملكية والتنقل والراى والاعتقاد ). والعدل هو غاية يسعى إليها القانون لتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وإقامة المساواة أمام القانون، ومنع التعدي والظلم ويعتبر الفقهاء الحق وسيلة، والعدل هو الهدف الأسمى الذي يحكم القوانين ويعطيها الشرعية.

+ وفي المفهوم الاجتماعي الحق هو ما يعترف به المجتمع لكل فرد من مكانة وحريات وكرامة، في ضوء القيم الإنسانية وحقوق الإنسان وهو الأساس الذي يُبنى عليه السلام الاجتماعي. والعدل هو النظام الذي يضمن التوازن بين أفراد المجتمع، ويُحقق تكافؤ الفرص، ويمنع الاستغلال والتمييز. والعدل الاجتماعي يعني أن يحصل كل فرد على ما يستحقه من موارد وخدمات وحماية، بما يتناسب مع جهده وكرامته الإنسانية.

+ ويُعتبر الحق والعدل من أعظم القيم التي يقوم عليها بناء الفرد والمجتمع. فالكتاب المقدس يربط بين الله والعدل، إذ يُعلن أنه { إله الحق والعدل} (تث 32: 4). وفي التراث الآبائي واللاهوتي، نجد أن العدل ليس مجرد نظام قانوني، بل هو حياة مطبوعة على الانسان، صورة الله وتُترجم عملياً في المحبة والإنصاف. وغياب الحق والعدل يولّد القلق والاضطراب والتمزق الاجتماعي، بينما حضورهما يعزز السلام الداخلي والاستقرار المجتمعي.

ثانياً: الحق والعدل في الكتاب المقدس وفكر الأباء

الحق في العبرية ’emet (أمانة/صدق/ثبات)، وفي اليونانية aletheia (كشف/انفتاح/حقيقة). والعدل في العبرية tsedeq (استقامة/بر)، وفي اليونانية dikaiosyne (عدالة/بر). وكلا المفهومين في الكتاب يرتبطان بالله نفسه: "الرب إله حق" (إر 10: 10)، و"الرب بار في كل طرقه" (مز 145: 17). والله يوصينا قائلا { لا تسر وراء الكثيرين لتحرف الحق}(خر 23: 2).

{ احكموا بالحق وقضاء السلام في أبوابكم} (زك 8: 16). السيد المسيح نفسه قال: { أنا هو الطريق والحق والحياة}(يو 14: 6)، فصار الحق شخصاً يُقتدى به لا مجرد مبدأ. وفي العهد القديم، الوصايا والتشريعات ركزت على عدالة القضاء والحقوق الاجتماعية. أما في العهد الجديد، تجسد العدل في تعليم المسيح: { طوبى للجياع والعطاش إلى البر (العدل) لأنهم يشبعون} (مت 5: 6).

+ وفي  فكر آباء الكنيسة يشدد القديس أثناسيوس علي ان الحق ليس معرفة نظرية بل شهادة للمسيح القائم ويرى القديس أغسطينوس أن العدل هو "ترتيب المحبة"، أي أن يُعطى لله ما لله والإنسان ما للإنسان. ويربط القديس يوحنا ذهبي الفم بين العدل وخدمة الفقراء، قائلاً: "من يهمل المحتاجين يُسلب العدل الإلهي". أما القديس باسيليوس الكبير فقد دعا الحكام أن "يخضعوا للعدل الإلهي أولاً قبل أن يحكموا بالعدل البشري".

ثالثاً: البعد النفسي والاجتماعي والقانوني

+ يرى كارل يونغ أن الحاجة للحق والعدل جزء من التوازن النفسي والضمير الجمعي. وان غياب العدل يولّد الغضب والإحباط والاكتئاب، بينما حضوره يبعث الطمأنينة والأمان. اما البعد الاجتماعي للعدل فهو شرط أساسي للاستقرار والانسجام، فالمجتع الذي يسوده الظلم يتفتت بالعنف والاضطرابات، بينما العدل يحافظ على وحدة النسيج المجتمعي.

+ ومن الجانب القانوني فان القانون يسعى  إلى تحقيق العدالة البشرية، لكن العدالة الكتابية واللاهوتية تضع معياراً أعلى يقوم على البر والمحبة. فالقانون بدون روح الحق قد يتحول إلى ظلم مقنّن، أما القانون المستنير بالحق المسيحي فيؤدي إلى حفظ كرامة الإنسان وصون حقوقه. ويعكس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) جذوراً كتابية مسيحية في تأكيد الحق والعدل، حيث "جُبل الإنسان على صورة الله ومثاله" (تك 1: 27).

رابعاً: كيف نشهد للحق والعدل ونعيشه؟

+ على المستوى الشخصي يجب ان نكون صادقين مع أنفسنا والآخرين. ويوصينا الله بالدفاع عن المظلومين { أفتح فمك لأجل الأخرس} (أم 31: 8). وعلينا تنمية الضمير الأخلاقي ليستنير بروح الله فنخشى الله الذي يحكم بالعدل ويجاز كل أحد حسب عمله {وَهُوَ يَقْضِي لِلْمَسْكُونَةِ بِالْعَدْلِ. يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ. }(مز ٩: ٨)

+ وعلى المستوى الكنسي فالكنيسة شاهدة للحق بتعليمها وسير قديسيها. وتقوم بالعمل الخدمي والرحمة كصورة عملية للعدل. وعلى المستوى المجتمعي علينا ان ندعم ونطلب بالقوانين العادلة وونفذها ونحافظ علي كرامة كل إنسان ونحترم الكبير والصغير. ونرفض المحاباة والتمييز. ونشارك بفاعلة في نشر ثقافة الخدمة المجتمعية والحق والعدل عبر التربية والإعلام 

+ إن الحق والعدل هما جوهر رسالة الله للبشرية. فالمسيح، الذي هو "الحق"، يدعونا أن نحيا "بالبر والقداسة" (أف 4: 24)، وأن نكون "نور العالم" (مت 5: 14) بإقامة العدالة في حياتنا ومجتمعنا. إن الشهادة للحق والعدل ليست رفاهية بل التزام روحي ونفسي وقانوني، به يتحقق خلاص الفرد وسلام المجتمع.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس

* القديس أغسطينوس، مدينة الله.

* القديس يوحنا ذهبي الفم، عظات على متى.

* القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة.

* القديس باسيليوس الكبير، القوانين الأخلاقية.

* جورج خضر، العدالة في الكتاب المقدس.

* كارل يونغ، الإنسان ورموزه.

* الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948).

ليست هناك تعليقات: