للأب القمص أفرايم
الأنبا بيشوى
التاريخ البشري
ورحلة الآلام ..
+ ان تاريخ البشرية حافلاً بالمأسي والآلام
التى حلت بها منذ القدم . ومازالت الخليقة تئن وتتمخض وسيظل الألم مدرسة للفضائل
أو مصدراً للتعاسة والضيق { فاننا نعلم ان كل الخليقة تئن وتتمخض معا الى الان}
(رو 8 :
22). وكما يقول الكتاب المقدس {الانسان مولود المراة قليل الايام وشبعان
تعبا} (اي 14 : 1). وقديما تسأل ارميا النبى قائلا { لماذا خرجت من الرحم لارى تعبا وحزنا فتفنى
بالخزي ايامي}( أر18:20). لقد كان ابوانا الاولين ادم وحواء سعداء فى الفردوس بدون
ألم او مرض او حزن . ولكن لما دخلت الخطية الى العالم وكان السقوط بدات رحلتنا مع
الآلام كنتيجة للعصيان { قال الله للمراة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك بالوجع تلدين
اولادا والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لادم لانك سمعت لقول امراتك واكلت
من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تاكل منها ملعونة الارض بسببك بالتعب تاكل منها كل
ايام حياتك. وشوكا وحسكا تنبت لك وتاكل عشب الحقل . بعرق وجهك تاكل خبزا حتى تعود
الى الارض التي اخذت منها لانك تراب والى تراب تعود}( تك 16:3-20 ).
+ عندما تذمر الشعب فى البرية على الله وعبده
موسى هاجت عليهم حيات الصحراء ولدغتهم بسمها القاتل فصرخ موسي النبى الى الله
فأمره بصنع حية نحاسية ليضعها اعلى الجبل { فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية
فكان متى لدغت حية انسانا ونظر الى حية النحاس يحيا } (عد 21 : 9). ان هذه الحية
كانت رمزاً ومثالا للصليب الذى به ننجو من سم الحية القديمة الشيطان ونخلص ويتحول
الآلم الى هبة للمؤمن { وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي ان يرفع ابن
الانسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية}( يو 14:3-15). لقد
حمل السيد المسيح عقاب خطايانا وعصياننا على خشبة الصليب محتملاً الألم ومحولاً
اياه ليصبح وسيلة لنيل البركات { لانه قد وهب لكم لاجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط
بل ايضا ان تتالموا لاجله} (في : 29). اننا عندما نتألم بغير ارادتنا بسماح من
الله يجب ان لا نتذمر ونحتمل فى شكر ما يأتى علينا لان مدرسة الالم لها القدرة
والقوة لتنقية وتطهير النفس البشرية { لانك جربتنا يا الله ، محصتنا كمحص الفضة } (مز
10.66). لقد اختبر يوسف الصديق واحتمل الأم ظلما حتى من أخوته وشهد ان الله قادر
ان يحول الشر الى خيراً { أنتم قصدتم لي شراً ، أما الله فقصد به خيراً} (تك20:50)
+ لقد أختبر الرب يسوع المسيح الآلام وجاء
عنه فى نبؤة اشعياء النبي { رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم
نعتد به. لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا.
وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا
كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا}( أش 3:53-6). أنتصر
السيد على الآلام وتحمل عقاب خطايانا وقام فى مجد ليقيمنا معه ويعتقنا من الموت
الأبدي . وهو البار القدوس { الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر}(1بط 2 :
22).
+ لقد أعطى المخلص الصالح للألم مفهوماً
روحياً جديداً وجعله هبة وبركة للذين يتألمون بحسب مشيئة الله { فاذا الذين
يتالمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا انفسهم كما لخالق امين في عمل الخير } (1بط
19:4). وطوب الرب المضطهدين من أجل البر {طوبى
للمطرودين من اجل البر لان لهم ملكوت السماوات. طوبى لكم اذا عيروكم و طردوكم وقالوا
عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين.افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات
فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} (مت 10:5-12).
ان أحتمال الضيقات يؤهلنا لملكوت الله { حتى
اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع
اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها. بينة على قضاء الله العادل انكم تؤهلون
لملكوت الله الذي لاجله تتالمون ايضا. اذ هو عادل عند الله ان الذين يضايقونكم
يجازيهم ضيقا. واياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع
ملائكة قوته} (2تس 4:1-7).
أسباب الألم فى
حياتنا وبركاته ..
+ الألم هبة وتنقية .. ان الله لا
يريد لاحبائه وابناءه الألم أو الضيق ولكن الآلام قد تكون الادوية المناسبة
للأنسان لتحريره وتنقيته من الخطية ولتهذيب نفسه وثقلها وترويضها { هوذا طوبى لرجل
يؤدبه الله فلا ترفض تاديب القدير.لانه هو يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان. في ست
شدائد ينجيك وفي سبع لا يمسك سوء}(اي 17:5-19). هكذا تنقينا الآلام من الشوائب كما
ينقى ويصفى الذهب بالنار { كل من أحبه اوبخه واؤدبه}( رؤ 19:3). لقد كانت الآلام فى حياة ايوب الصديق وسيلة
لتنقيته من البر الذاتى حتى عرف ضعفه ورجع الى الله معترفا {فاجاب ايوب الرب فقال.
قد علمت انك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك امر. فمن ذا الذي يخفي القضاء بلا معرفة
ولكني قد نطقت بما لم افهم بعجائب فوقي لم اعرفها. اسمع الان وانا اتكلم اسالك
فتعلمني. بسمع الاذن قد سمعت عنك والان راتك عيني. لذلك ارفض واندم في التراب والرماد}(
اي 1:42-5). والقديس بولس الرسول اعُطى شوكة فى الجسد لئلا يرتفع بفرط الأعلانات
وتضرع من أجل الشفاء { فقال لي تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل فبكل سرور
افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح }(2كو 12 :
9).{ كل من يأتى بثمر ينقيه الله ليأتى بثمر أكثر }(يو2:15).
+ الألم مدرسة التواضع .. ان الالم
مدرسة يشعر الانسان فيها بضعفة وتواضعه وعجزه فى مواجهة التجارب فيطلب العون
والقوة والتعزية من الله بصلوات من أعماق القلب { هانذا قد نقيتك وليس بفضة اخترتك
في كور المشقة}( أش 10:48 ). { يا بني ان
اقبلت لخدمة الرب الاله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة. ارشد قلبك و
احتمل امل اذنك و اقبل اقوال العقل ولا تعجل وقت النوائب. انتظر بصبر ما تنتظره من
الله لازمه ولا ترتدد لكي تزداد حياة في اواخرك. مهما نابك فاقبله وكن صابرا على
صروف اتضاعك. فان الذهب يمحص في النار والمرضيين من الناس يمحصون في اتون الاتضاع}(
سي 1:2-5). من اجل هذا يوصينا الإنجيل بالتواضع { وتسربلوا بالتواضع لان الله يقاوم المستكبرين واما
المتواضعون فيعطيهم نعمة. فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين
كل همكم عليه لانه هو يعتنى بكم}(ابط 5:5-7).
+ الألم
مُعلم الصبر .. ان الضيقات تعلمنا ان نصبر وننتظر بسكوت خلاص الرب وتهبنا
السعى النشط لايجاد الحلول الممكنة لمتاعبنا { عالمين ان امتحان ايمانكم ينشئ صبرا. واما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء}
(يع 1 :
4،3). {ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر ايوب ورايتم عاقبة الرب لان
الرب كثير الرحمة و رؤوف} (يع 5 : 11).{ وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات
عالمين ان الضيق ينشئ صبرا، والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت فى
قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا من الله }(رو
3:5-5). ومن يصبر للمنتهى فهذا يخلص.
+ الألم والشعور بالغربة .. ان الآم
الزمان الحاضر تقوى فينا الأحساس بالغربة فى هذا العالم وتجعلنا لا نتعلق بالعالم
وشهواته وتفطمنا عن محبة ما فى العالم من شهوات . انها الباب الضيق المؤدي الى
السماء { فاني احسب ان الام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن
فينا.لان انتظار الخليقة يتوقع استعلان ابناء الله. اذ اخضعت الخليقة للبطل ليس
طوعا بل من اجل الذي اخضعها على الرجاء.لان الخليقة نفسها ايضا ستعتق من عبودية
الفساد الى حرية مجد اولاد الله. فاننا نعلم ان كل الخليقة تئن و تتمخض معا الى
الان. وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن انفسنا ايضا نئن في انفسنا
متوقعين التبني فداء اجسادنا}( رو 18:8-23). {ونحن نعلم انه متى نُقض بيت خيمتنا
الأرضي فلنا فى السموات بناء من الله ، بيت غير مصنوع بيد ، أبدي . لهذا نئن
مشتاقين الي ان نلبس فوقها مسكننا الذي فى السماء}(2كو 11:5-12). لانه ليس لنا هنا
مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة . عاش ابائنا قبلنا ايام غربتهم بهذا الاحساس وعاشوا
غرباء على الارض واتموا بسلام ايام غربتهم { غريب انا في الارض لا تخف عني وصاياك}
(مز 119 : 19).
+ الألم والتعزية والبركة .. لقد تألم
المسيح بالجسد تاركاً لنا مثالاً لكى ما نتبع خطواته ومن يتألم حسب مشيئة الله يجد
تعزية وبركة فى الألم والضيق . الألم يصبح دليل عملى على محبتنا لله الذى قبل
الآلام بارادته وحده { انا أضع نفسي عن الخراف ، وليس آحد ياخذها منى بل لى سلطان
ان أضعها ولي سلطان أن آخذها ايضاً} (يو 15:10-16). ان الآمنا من أجل الإيمان،
شهادة صادقة وحية على صدق إيماننا . يقول القديس يوستينوس الشهيد المدافع عن
الإيمان منذ القرن الثانى " ها انت
تستطيع ان ترى بوضوح انه حينما تُقطع رؤسنا باسم المسيح ، ونُصلب ونلقى للوحوش ونقيد
بالسلاسل ، ونلقى فى النار وكل انواع العذاب فاننا لا نترك إيماننا وديانتا باسم
يسوع المسيح " . كان الله وسيظل نبع
التعزية للمتألمين من أجل البر . والذين يجب أن يقولوا مع القديس بولس الرسول { من
سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما
هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه
جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا
رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر
ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا}(رو 35:8-38).
+ لا تغاروا من نجاح الأشرار.. قد يتسبب الأشرار فى ظلم البعض وقد يسمح الله
لتمادي البعض في غيهم معطياَ لهم الفرصة للتوبة أو العقاب أو قد لا يتألموا
كالأبرار الي حين كما قال المرنم { انما
صالح الله لاسرائيل لانقياء القلب.اما انا فكادت تزل قدماي لولا قليل لزلقت خطواتي
. لاني غرت من المتكبرين اذ رايت سلامة الاشرار. لانه ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين.
ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون. لذلك تقلدوا الكبرياء لبسوا كثوب ظلمهم. جحظت
عيونهم من الشحم جاوزوا تصورات القلب. يستهزئون ويتكلمون بالشر ظلما من العلاء
يتكلمون. جعلوا افواههم في السماء والسنتهم تتمشى في الارض. فلما قصدت معرفة هذا
اذا هو تعب في عيني. حتى دخلت مقادس الله وأنتبهت الى اخرتهم. حقا في مزالق جعلتهم
اسقطتهم الى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة اضمحلوا فنوا من الدواهي. كحلم عند
التيقظ يا رب عند التيقظ تحتقر خيالهم . اما انا فالاقتراب الى الله حسن لي جعلت
بالسيد الرب ملجاي لاخبر بكل صنائعك} (مز 1:73-9، 17-20، 28).
صلاة من أجل
المتألمين ..
+ ايها الرب الاله
الذى تألم مجرباً نصلى اليك ان تعين المجربين ، ناظراً اليهم بعين الرحمة والرأفة
والمحبة . انت عالم بضعف البشر وليس مولود أمراة يتذكى أمامك . انظر يا الله الى
ضعفنا ومذلتنا ولا تعاملنا كحسب خطايانا بل برحمتك الغزيرة يا محب البشر الصالح ،
هب عبيدك المتألمين صبراً وتعزية . كن عوناً لهم يا عون من لا عون له ، رجاء صغيري
القلوب ، مينا الذين فى العاصفة . أعط عبيدك نعمة وخلاصاً وفرحا ورجاء .
+ يا من سمع لصلاة يونان النبى من وسط الضيق
وهو مبُتلع من الحوت فى وسط البحر وخلصه ونجاه، ان اخوة وأخوات لنا يعانون وسط طوفان بحر هذا العالم . البعض يعانون الاضطهاد
والظلم والتمييز، وأخرين يعانون الفقر والضيقة والحاجة ، وأناس تعانى المرض والآلم
، أخرين تعساء يعانون الحرمان والبؤس وانت مريح التعابى الذي جاء ليبشر المساكين و
ليشفي المنكسري القلوب وينادي للماسورين بالاطلاق و للعمي بالبصر وترسل المنسحقين
في الحرية. وتكرز بالتوبة المقبولة. انت القائل تعالوا الي يا جميع المتعبين
والثقيلي الأحمال وانا اريحكم . اننا نضع بين يديك الحانية طلبات وصرخات أخوة
وأخوات لنا ، لتستجيب لهم وترحمهم .
+ أقم يارب الساقطين والرازحين تحت نير ابليس
وحررهم من كل رباطات الخطية المهلكة للنفس والجسد والروح . أعط راحة وتعزية
وشفاءاً للمرضى والمنطرحين على أسرة المرض والضعف . هب شجاعة وقوة وحكمة للضعفاء
والخائفين ، قوى إيمان الرعاة والرعية . أعط نسل صالح للذين
ليس لهم . هب شبعاً للجياع والمحتاجين. هب حكمة للحكام ليقودونا الى العدل
والمساواة والحرية . رد سبي قلوبنا اليك لكى نحبك من كل القلب ونتعزي ونتغذى بعشرتك
كل الأيام والى أنقضاء الدهر. أمين