" اثبتوا فىّ ، وأنا فيكم " ( يو 15 : 4 )
يتشوق الرب يسوع أن نثبت فيه ، وهو فينا ، فنتمتع ببركاته ومحبته وتعزياته .والمقصود " بالثبات فى المسيح " هو الإرتباط به ، حتى آخر نفس فى العمر ، أو " الإلتصاق بالرب " فى شركة دائمة ( مز 63 : 8 ) والسير معه فى حياة تُرضيه ، أو فى خدمة مؤيدة بالروح القدس " إلتصق حزقيا الملك بالرب ، ولم يحد عنه بل حفظ وصاياه " ( 2 مل 18 : 6 ) ونال رضاه . ولسان حال المسيح للمؤمن " أنت تعلقت بنفسى " ( إش 38 : 17 ) .وقيل عن إبراهيم بأنه كان " خليله " ( إش 18 : 16 ) أى حبيبه الخاص فلنتعلم من ابراهيم ابو الاباء انيكون لنا عشرة صداقة دائمة بالله . ولقد دعا الرب يسوع تلاميذه " أحباء " ( يو 15 : 5 ) وليس " عبيداً " وهكذا يدعونا ايضا . وفى الأصل اليونانى للعهد الجديد ، نرى معنى " الثبات فى المسيح " ، هو أن يبقى المؤمن مخلصاً له ، وأن يسمح بأن يسكن الرب فى قلبه . وقد يفسر أيضاً بأنه " الإمساك بيد الرب " ، كطفل صغير مُطمئن ، يسير مع أبوه فى طريق مزدحم ، فلا يخشى شيئاً ( نش 3 : 4 ) ، ومثلما فعل أبو الأباء يعقوب ، الذى ظل ممسكاً بالرب فى ظهوره له ، حتى ظفر بمراده ، ونال بركته ( تك 32 : 29 ) . وقد تعنى عبارة " الثبات فى المسيح " " الأتصال المستمر بالله " ، عن طريق الصلاة ( زك 2 : 11 ) ووسائط النعمة الأخرى . وربما يعنى " الثبات فى الرب " " عدم التخلى عن الله ، مهما كانت الظروف صعبة " ( 2 أخ 15 : 2 ) . وقدم لنا الرب المُحب نتيجة الإنفصال عن الله ، كما صوره لنا فى مثل " الإبن الضال " ونتيجة عودة الإتصال ( لو 15 ) ، وهو نموذج عملى ، لكل مسيحى يلجأ بسرعة لطلب الرب ، وتسليم له القلب .
لكن كيف أثبت فى المسيح ؟
1 – بالإيمان به : " من اعترف أن يسوع هو إبن الله ، فالله يثبُت فيه ، وهو فى الله " ( 1 يو 4 : 15 ) " لأنكم بالإيمان تثبتون " ( 2 كو 1 : 24 ) . " من أجل عدم الإيمان قُطِعت ، وأنت بالإيمان تثبُت " ( رو11 : 20 ) . " يُحضرّكم قديسين – وبلا لوم – إن ثبتم على الإيمان " ( كو 1 : 21 ) وبحمل صليبه ( التألم من أجله ) :سوف يشير الرب يسوع إلى الشهداء والمعترفين ، والمظلومين من أجل الإيمان ، ويقول : " هؤلاء هم الذين ثبتوا معى فى تجاربى " ( لو 22 : 28 ) ، فهل تكون معهم ؟..
2 – بالإتكال عليه : " اقضِ ( اُحكم ) لى ، فإنى باتضاع سلكت ، وعلى الرب توكلت ، فلا أتقلقل " ( مز 26 : 1 ) .
3 – وبالإرتباط بوسائط النعمة : من صلاة وصوم ، واعتراف وتناول من السر الأقدس ، والمواظبة على قراءة الكتاب ، وقراءة الكتب الروحية ، وحضور الإجتماعات والنهضات الروحية ، والعطاء بالتناول الدائم من السر الأقدس :" من يأكل جسدى ، ويشرب دمى ، يثبت فىّ وأنا فيه " ( يو 6 : 56 ) أى " بالثبات فى نعمته " ( أع 13 : 43 ) .
4 – بالثبات فى تعاليمه السامية : " إن ثبتم فى كلامى ، فالبحقيقة تكونون تلاميذى " ( يو 8 : 30 ) .
5 – وبالثبات فى الخدمة المقدسة : ما أتعس النفس التى تخدم الرب ، ولما تتزوج تنشغل بالشريك ثم بالأبناء ، أو تنشغل بالعمل ، وتنسى خدمة رب السماء ، فتفقد البركات والعزاء !!
وبقى أن نتأمل جيداً فى أهمية الثبات فى المسيح ، وبركاته العظيمة ، فلنستمع بحكمة ، وللنصت إلى ما يقوله الروح القدس لكل نفس . ولنستفد من كل كلمة منفعة ، أو من كل تجربة صعبة لك أو لغيرك ، حتى تنصلح ذاتك ، وتجد راحتك وسعادتك . ولنسعى بكل الجهد للثبات فى المسيح ، فيتحقق فينا وعده الصادق : " الذى يثبُت فىّ ، هذا يأتى بثمر كثير " ( يو 15 : 5 ).
6 – بالتمسك بالرب بشدة : وعظ القديس برنابا – مسيحيى انطاكية – طالباً : " أن يثبتوا فى الرب بعزم القلب " ( أع 11 : 23 ) . بالسلوك مثل المسيح :" من قال أنه ثابت فيه ، ينبغى أنه كما سلك ذاك ( المسيح ) يسلك هو أيضاً " ( 1 يو 2 : 6 ) .وبالسلوك فى الفضيلة ، كالوداعة والمحبة والرحمة والحكمة وغيرها ( 1 بط 3 : 4 ) ." قد ثبُتت فيكم شهادة المسيح " ( 1 كو 1 : 6 ) .
7 – بمحبة الرب وطاعته :" اثبتوا فى محبتى " ( يو 5 : 9 ) ." إن حفظتم وصاياى تثبتون فى محبتى " ( يو 15 : 9 ) ." الله محبة ومن يثبت فى المحبة ، يثبت فى الله ، والله فيه " ( 1 يو 4 : 16 ) .
8 – وبمحبة كل الناس :" إن أحب بعضنا بعضاً ، فالله يثبُت فينا " ( 1 يو 4 : 11 ) . " من كان له معيشة العالم ، ونظر أخاه مُحتاجاً ، وأغلق أحشاءه عنه ( لم يترفق به ، أو رفض مساعدته ) ، فكيف تثبُت محبة الله فيه ؟! " ( 1 يو 3 : 17 ) . فهل يمكن أن تقول ، كما قال بولس الرسول : " أنا حامل فى جسدى سمات الرب يسوع " ( غل 6 : 17 ) .
9 – بالثبات على المبادئ السليمة : قد يتأثر بعض الجهلاء روحياً ، بأقوال أصحاب مذاهب مُحدثة منحرفة ، مثل شهود يهوة والأدفنتست وغيرهم ، ويتركون الإيمان الأرثوذكسى السليم ، لعدم سؤال الآباء الحكماء عن الحقائق المسيحية . وصوت الرب يقول لك : " اثبت على ما تعلمت وأيقنت عارفاً ممن تعلمت " ( 2 تى 3 : 14 ) . فاسأل ولا تخجل . والإنسان الحكيم هو الذى يغربل الأفكار ، لكى يختار الصالح ، ويرفض الطالح ، ويبتعد عن المعثرين من الأشرار ، حتى لا يلحقه مثلهم ، العار والمرار والدمار ، وعذاب النار ، والعذاب النفسى الدائم ، بسبب الحرمان من عالم الأمجاد !! .والمقصود بحفظ الوصية ، ليس وضعها فى داخل القلب أو الذهن فقط ، بل تنفيذها بحب وشوق حقيقى ، طاعة لله ، وللفضيلة الجميلة ، التى تُريح النفس والروح ، وتربح المسيح ، وتُسعد قلب القريب والغريب .
بركات الثبات فى المسيح
" إن ثبتم فىّ ، تطلبون ما تريدون ، فيكون لكم " (يو 15 : 7 )
فالثبات فى المسيح هو من صفات القديسين ( يو 8 : 31 ) والأبرار الحكماء . وقد ذكر الوحى المقدس نماذجاً من الذين تمسكوا بالرب ، فثبت فيهم ، مثل كالب بن يفنة ( عد 14 : 24 ) ، ويشوع بن نون ( عذ 24 : 15 ) ، والملك يوشيا ( 2 مل 22 : 2 ) ، وأيوب البار ( أى 2 : 3 ) ، وداود ( مز 18 : 21 – 22 ) ، ودانيال وأصحابه الثلاثة ( دا 3 : 6 ) ، والمسيحيون الأوائل ( أع 2 : 42 ) ، وغيرهم كثيرون ذكرهم تاريخ الكنيسة مثل القديس الأنبا بولا أول السواح ، الذى تمسك بالله وحده 93 سنة . وغيرهم عشرات الألآف من القديسين والقديسات والأبرار .ويمكن أيضاً إن يثبت المؤمن فى الله ، عندما يتحرر من الخطية وقيودها وعاداتها ( غل 5 : 1 ).
1 – التمتع بالفرح والسلام الحقيقى :
بالثبات فى المسيح يعمل فينا الروح القدس بقوة ، ويثمر فينا : محبة + فرح + سلام .... الخ ( غل 5 : 22 ) .
2 – نيل بركات كثيرة وانتصار على الشر :" كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاته ، إن لم يثبت فى الكرمة ، كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فىّ ، الذى يثبت فىّ وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير ( بركات كثيرة ) ، لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً " ( يو 15 : 4 – 5 ) .
3 – التمتع بالرجاء وبركاته :" إلتصقت نفسى بك ، ، يمينك تعضدنى " ( مز 63 : 8 ) .
4 – حياة الأطمئنان :قال القديس بولس الرسول ، وهو فى البحر الهائج " لما سلمنا ( أمرنا لله فى العاصفة ) صرنا نُحمل " ( على ذراعه القوية ، وتمت نجاة الجميع رغم تحطم السفينة تماماً ( أع 27 : 15 ) .فالرب هو " مرساة " ( هلب ) للنفس فى بحر العالم المضطرب ( عب 6 : 19 ) .ولما كان الرب فى المركب فى بحر هائج ، أسكت الريح ، ونجا الجميع .
5 – انتعاش الروح :" إن كان أحد لا يثبت فىّ ، يجف ( جفاف الروح ) ويطرحونه فى النار " ( يو 15 : 6 ) .أما المرتبط بالرب فيُعطى " سلاماً ثابتاً " ( إر 14 : 13 ) . " يثبت فرحى فيكم ويكمُل فرحكم " ( يو 15 : 11 ) .
6 – غفران الخطايا :" لاشيئ من الدينونة على الذين هم فى المسيح " ( رو 8 : 1 ) .
7 – استجابة الصلوات : " إن ثبتم فىّ ، تطلبون ما تريدون ، فيكون لكم " ( يو 15 : 7 ) .
+ فهل ( يا أخى / يا أختى ) تثبُت فى المسيح دائماً ، لكى تتمتع بكل هذه البركات والتعزيات ؟ أم تتمسك بآراء وأفكار غير روحية ، ولا يرضى عنها المسيح ، فتعانى كباقى الناس الغير روحيين . فامسك جيداً فى يد الرب يسوع ، كما أنه هو أيضاً يريد أن يُمسك بيدك ، ولا يُريد أن يُرخيك ( نش 3 : 4 ) ، حتى يعبر بك ومعك طريق الضيق ، ويوّصلك إلى الملكوت السعيد ، المُعد لك ، لتحيا به ، مع الله وقديسيه إلى الأبد .وأما الذى يتمسك بأفكار أهل العالم ، ويطبق تعاليمهم الضارة للروح والجسد ، فسوف يُعانى إلى الأبد ، ويحرم ذاته من عِشرة يسوع ، فى دنياه وسماه .