عندما نجلس الي أنفسنا وننسحب من ضجيج الحياة وصراعاتها من أجل لقمة العيش وتأمين حياة كريمة، أوعندما نتغرب عن أوطاننا او حتي عندما يحس الأنسان بالغربة داخل بيته وبين أفراد أسرتة وبين ابناء مجتمعه، وعندما لا نجد القبول والتفاهم والأحترام والتقدير الكافي داخل الأسرة او العائلة او العمل او المجتمع، وعندما تهتز القيم ونجد البعض يقول أنا وبعدي الطوفان! لأبد ان نرجع الي أنفسنا ونعاتبها او نحاسبها او نعلمها ونعاقبها ونصلح من أحوالنا ونعرف من نحن ونتصرف بناء علي المعرفة الواعية للنفس البشرية بكل أبعادها الأنسانية والروحية والاجتماعية والتاريخية والنفسية .
أن التقدم العلمي الذي نراه في عالم اليوم وسعينا الي التعلمٌ والمعرفة العلمية لم يقابله بذل الجهد المطلوب لمعرفة نفوسنا البشرية ودراستها ومعرفة دوافعها وأعماقها وان كان الفلاسفة منذ القديم طالبونا بمعرفة نفوسنا وانها بداية المعرفة الحقيقية .ولقد دعانا الأنجيل الي معرفة أنفسنا وربحها وقال لنا الرب يسوع المسيح { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه}. (مت 16: 26) فنحن نحتاج أن نبحر كثيرا في معرفتنا بذواتنا ومن حولنا ومجتمعنا، متي أردنا ان نسلك بحكمة مفتدين الوقت ورابحين أنفسنا والآخرين.وأحب هنا ان أبحث في الأنتماء ..
1-الأنتماء الي الذات الأنسانية .لقد خلق الله الأنسان علي صورته { و قال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر و على طير السماء و على البهائم و على كل الارض و على جميع الدبابات التي تدب على الارض} (تك 1 : 26). اي خلقة كائن عاقل ، حر، مسئول، يدرك الخير والشر ويستطيع بارادته الحرة ان يريد الخير ويفعلة ويدرك الشر وخطورته ويبتعد عنه .والرجوع الي الذات فضيلة أنسانية لنعرف جذورنا والبيئة التي أثرت فينا بأخطائها ومزاياها وان نقبل أنفسنا كما هي ونحبها ونعالج ضعفاتها ،فربما نحمل الكثير من العوامل الوراثية التي لا نقدر علي تغييرها وايضا تأثرنا بالبيئة المحيطة بنا بما فيها من مزايا واخطاء وعلي كل واحد منا إن يسأل نفسه هل أفكر واسلك كإنسان عاقل حكيم ؟ { لكي يكون انسان الله كاملا متاهبا لكل عمل صالح}. (2تي 3 : 17). عندما ننتمي الي ذواتنا الإنسانية نقبلها ونحبها وننميها ونعالج ضعفاتها فلا ننقسم علي أنفسنا ونحب كل نفس بشرية وان أختلفت عنا في الإيمان او الدين او الرأي أو الجنس والعرق .نتعلم ان نحترم كل أنسان كخليقة الله ونعرف معني الأخوة الانسانية ومساعدة المحتاجين والأيتام والرأفة بالضعفاء ومساعدة كل أنسان ليحيا حياة أنسانية كريمة وهذا ما تفعله كل المنظمات الإنسانية في سعيها الحثيث نحو معالجة مشكلات الفقر والمرض والجهل والتخلف .ان تفشي الإنانية كمرض يلازم التخلف والقبلية والعنصرية البغيضة يجب ان نحاربه في أنفسنا قبل ان نطالب به الآخرين.
2- الأنتماء المسيحي..
الانتماء الي المسيح الرب المتجسد من إجل خلاصنا وبنوتنا بالإيمان لله بالمعمودية وشركتنا الحقيقية مع روح الله القدوس تخلق منا أناس روحيين يحييوا لمن مات من أجلهم وقام وتجعلنا سفراء للسماء { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله} (2كو 5 : 20). بالأنتماء الي المسيح والثبات فيه ناتي بثمار صالحة ونحيا سعداء حتي لو تعرضنا للآلام والضيقات { اثبتوا في و انا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في ، انا الكرمة و انتم الاغصان الذي يثبت في و انا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا}. (يو 15: 4- 5) ان اشجار العنب تتعرض للتقليم حتي تأتي بالثمارالمرجوة . والمسيحية وحمل الصليب لا يفترقان ويجب ان نعلم ان لكل شئ انتهاء وانه عقب الصليب والجلجثة هناك أفراح القيامة والنصرة .انت وانا ننتمي للمسيح ونحن اخوة فية واعضاء في جسده الذي هو الكنيسة ويجب ان نكمل بعضنا بعض ونحب بعضنا البعض محبة طاهرة روحية{ بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض} (يو 13 : 35) .ان أنتمائنا للمسيح يجعلنا شهوداً له في كل مكان بافكارنا وسلوكنا وأعمالنا ليري الناس أعمالنا الحسنة ويمجدوا ابانا الذي في السموات.
3- الأنتماء الأسري والكنسي..اننا ننتمي الي الاسرة والعائلة الصغيرة التي نشئنا فيها وتهتم بنا وترعانا ويجب ان نكون أوفياء للأسرة والعائلة ومشاركون فيها بايجابية وبذل وعطاء لاننا ناخذ منها الاسم والرعاية والحماية .وكلما كانت الاسرة محبة، ومتفاهمة وصالحة أنصلح حال افرادها والعكس صحيح ايضا. ولكن علينا ان نكون واعين ان الكمال لله وحده واننا علينا كلما نضجنا ان يساعد الواحد منا الأخر دون أجبار وبمحبة وتعاون وان نشجع صغار النفوس ونرمم الثغرات وان نصون أسرار بيوتنا ونعمل علي نمو السعادة فيها ومن الاسرة والعائلة الي الكنيسة المحلية والجماعة الكنسية التي انتمي اليها والتي فيها رضعت لبن الايمان بالمعمودية والاسرار المقدسة وفيها ننمو ونتقدس ونتعلم أيماننا الأقدس وفيها نحس بالكيان المسيحي الصغير الذي يضفي علي الهوية الروحية ويعلمي الألتزام بحياة ونمو وتطوير الجماعة الكنسية والأحساس باعضائها في الآمهم وافراحهم .وعلينا ان نبتكر الوسائل المناسبة كجماعة الله في كل مكان لكي يجد كل عضو فينا نفسه مشاركاً فاعلاً في حياة جماعته وتطويرها ..علينا ان لا نمسك معاول النقد ونهدم بها بعضنا ككنيسة محلية ومنها الي الكنيسة الأم التي تحتاج لقداسة كل فرد فيها ..ان المؤمن الصالح الأمين هو سبب قوة لأعضاء الكنيسة الجامعة والعضو الفاسد أو الذي يخطئ قد يجلب الأذي لكل كنيسته. وقد لاحظنا قديماً كيف ان بخطئة عخان بن كرمي تأثرت كل الجماعة وانهزمت{ فقال يشوع لعخان يا ابني اعط الان مجدا للرب اله اسرائيل و اعترف له و اخبرني الان ماذا عملت لا تخف عني.} (يش 7 : 19). وببر القديس الانبا بولا أول السواح كان الله يتراف ويرحم العالم كله كما قال الرب للأنبا انطونيوس الكبير، اننا نحتاج الي عشرة أبرار ليرحم الله مدننا ولا نهلك كما فعل الله مع سدوم وعمورة .
4- الانتماء الوطني والقومي والأنساني..
أنني انتمي الي الأرض التي ولدت فيها وجادت علي بجنسيتي وهويتي وحسنا جاء عن السيد المسيح { و جاء الى الناصرة حيث كان قد تربى و دخل المجمع حسب عادته يوم السبت و قام ليقرا} .(لو 4 : 16)..لقد بدء الرب خدمته في الناصرة أولا وفي مجمعها الذي تعلم فيه طفلاً لانه أراد ان يعلمنا ان نبدء بخاصتنا واهل بلادنا وان نكون أوفياء لها دون ان ننسي انتمائنا القومي ودون تعصب وتحزب أعمي بل بأنفتاح علي الجميع ، فكما قام الرب يسوع بالخدمة في الناصرة فقد جاء الي بلادنا مصر الحبيبة وباركها هو والقديسة مريم العذراء والقديس يوسف ووضع فيها الأساس المتين لكنيسة الأسكندرية التي تنباء عنها أشعياء النبي { في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر و عمود للرب عند تخمها} (اش 19 : 19).وكذلك ذهب الي السامرة يبشر اهلها بالأيمان وحتي عندما لم يقبلوه هناك وطلب منه بعض التلاميذ ان يأمر باحراقها علمهم محبة الخطاة والأمتداد بالمحبة والرأفة بدلاً من الكراهية قائلا انه لم يإتي ليهلك الناس بل ليخلصهم ..ان انتمائك لارضك وتاريخ أجدادك وحضارتهم العريقة لا يجعلك تستعلي علي الآخرين بل تحترمهم وتكون صورة مشرفة لله ولكنيستك واسرتك ومجتمعك ووتفاعل مع كل فرد فيه بايجابية ومحبة وتعاون وان تكون أمينا صادقا كإنسان الله هاربا من الفساد وبدلا من ان تلعن الظلام تضئ شموع المحبة والخير نحو الاخرين وتقبلهم وتشجعهم من اي دين وعرق ولون وجنس { و اما انت يا انسان الله فاهرب من هذا و اتبع البر و التقوى و الايمان و المحبة و الصبر و الوداعة}. (1تي 6 : 11).
أننا نحتاج للوعي بمن نحن وكيف نكون أناس روحيين بحق نعمل علي معرفة ذواتنا وإيماننا ونكون أوفياء لأسرنا وكنيستنا وبلادنا ومجتماعتنا .نقبل الإخرين كما هم لا كما نريد ان يكونوا ونحبهم وننفتح علي الاخر دون ان نذوب فيه او نتخلي عن قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا الفاضلة . بهذا نكون سفراء وأنوار في هذا العالم ونعرف قدر أنفسنا دون كبرياء او صغر نفس ، فنحيا سعداء نحقق رسالتنا علي الارض دون ان نغفل لحظة عن الميراث السمائي المعد لنا في ملكوت السماوات.
هناك تعليق واحد:
سلام المسيح
نشكرك يا ابونا على هذة الكلمات المغذية والمريحة روحيا فنحن نحتاجها بكثرة .
ننتظر كتاباتك بفارغ الصبر
لينا قبطي / الناصرة
إرسال تعليق