للأب القمص / أفرايم الأورشليمى
كيف تريد ان يعاملك الناس ؟
+ الأنسان كائن أجتماعي بطبعه لا يستطيع ان ينعزل عن مجتمعه الذى يعيش فيه ، بل لقد اصبحنا نحيا فى عصر السموات المفتوحة والتلفاز والنت والتلفون المحمول نتصل ونتواصل مع الآخرين فى قارات شتى . ومن العلاقات الاسرية المحدودة نمتد لنصل الى العلاقات العائلية والاجتماعية فى المجتمع المحيط بنا وفى نطاق الدراسة والعمل والمواصلات والشارع ، تشعبت العلاقات وتعقدت وتباينت ويعتمد مدى نجاحنا فى الحياة على مدى قدرتنا على كسب الأصدقاء والتاثير على الناس . كما اننا فى أمس الحاجة للتأقلم مع التغيرات الكثيرة الحادثة على مجتمعاتنا بروح منفتحة على الأخر ، تقبله وتحبه وتتعاون معه للتغلب علي المشكلات الى تواجهنا فى مختلف مناحي الحياة .
+ يقدم لنا السيد المسيح له المجد قاعدة ذهبية فى التعامل مع الآخرين { و كما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا (لو 6 : 31). فلان الله خلق الإنسان ويعلم ما بداخله، ولان كل منا جُبل على محبة نفسه علمنا الله ان نحب قريبا كإنفسنا { تحب قريبك كنفسك }(مت 22 : 39). وقريبنا هنا هو كل انسان أخ لنا فى البشرية عندما نحبه محبة روحية صادقة فاننا نعمل لخيره ولا نريد له أذى أو ضرر { لانه لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته و ان كانت وصية اخرى هي مجموعة في هذه الكلمة ان تحب قريبك كنفسك} (رو 13 : 9). { فان كنتم تكملون الناموس الملوكي حسب الكتاب تحب قريبك كنفسك فحسنا تفعلون} (يع 2 : 8). وكما تريد ان يعاملك الناس لابد ان تكون انت مبادرا فى معاملتهم انت هكذا أيضاً.لان هذا هو جوهر الإيمان فى التعامل مع الآخرين { فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم لان هذا هو الناموس و الانبياء} (مت 7 : 12).
+ انت تريد ان يحترمك ويحبك الناس فعليك ان تحترمهم وتحبهم ، وتريد ان يستمع اليك الآخرين عندما تتحدث ويقدرونك كما انت بشخصيتك وافكارك ومعتقداتك فهكذا يجب ان تكون انت معهم مقدراً لهم محترما ارائهم ومعتقداتهم . انت تريد ان يقبلك الناس كما انت فاقبلهم كما هم { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7) وحتى عندما تخطئ تريد ان يلتمس لك الآخرين الاعزار والمبررات فهل تفعل انت هكذا ؟ . يجب ان تبادرالي التعامل الإنسانى الراقى حتى وان لم تجد رد الفعل المناسب من البعض . فانت تتصرف بناء علي قيمك وأخلاقك وليس بردود الفعل . ونحن فى مجتمع قد نجد العنف فيه ينتشر يجب ان نتحلى بالإخلاق الفاضلة والمبادئ الساميه فان العنف لا يوقفه العنف والكراهية تذيدها الكراهية اشتعالاً فالنار تطفأ بالماء لا بمذيد من الحطب { ان جاع عدوك فاطعمه خبزا و ان عطش فاسقه ماء} (ام 25 : 21) هكذا جاء السيد المسيح ليقدم لنا تعليما ساميا يهدف الى نشر الخير والمحبة التى تحول الاعداء الي اصدقاء وتجعلنا نتشبه بالله خالقنا وابينا السماوي { سمعتم انه قيل تحب قريبك و تبغض عدوك. و اما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم و صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم و يطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار و الصالحين و يمطر على الابرار و الظالمين.لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك.و ان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} (مت 43:5-48).قد يقول قائل هذا الكلام صعب التنفيذ ! انه ان كان صعب التنفيذ على الإنسان العادى فانه مستطاع للمؤمن الذى تجدد على صورة خالقه ومن الله يستمد القوة والنعمة والعون على طاعة وصاياه . كما اننا نثق فى ان وجود الرغبة والارادة فى طاعة الوصية تهبنا القدرة على التنفيذ بنعمة من الله العامل فينا { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا و ان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). اننا عندما نتسامى فى تعاملنا مع الآخرين عن رد الفعل الغاضب ونقدم محبة لمن يسيئون الينا فاننا نكسبهم ونحولهم من دائرة الاعداء الى اصدقاء .
القبول والأحترام والمحبة في التعامل..
+ اننا نختلف فيما بيننا فى الميول والثقافات والاراء وربما فى الاعراق أوالاديان ونتيجة لذلك قد نختلف فى نظرتنا الى الأمور ومعالجتنا للمشكلات ولكن يجب ان نقبل بعضنا البعض ونحترم الآخر مهما كان رايه أو جنسه او معتقده الدينى او السياسى . لابد ان نقبل الغير وندعهم يعبرون عن رايهم وليس معني هذا ان نتبنى اراء الاخرين او نوافقهم عليها ولكن علينا ان نصل معهم بالحوار والاحترام والقبول الى القواسم المشتركة التى نتفق عليها بدون تعصب او انغلاق مما يصل بنا الى فهم أشمل وأعم للغير ويثرى حياتنا بتبادل وتنوع الاراء . ان القبول يمتد بنا الى بناء جسور من الأحترام والتعاون المشترك بيننا لنصل لحلول مرضية لكل المعضلات التى تواجهنا . نتعلم ان نقبل الناس كما هم لا كما نريد ان يكونوا فالانسان لن يكون الإ نفسه وعندما ننطلق من مبداء القبول نصل الي الأحترام والتفاهم والتعاون ونكسب الناس ونؤثر فيهم .
+ الأحترام المتبادل بين الناس دليل على رقي المجتمع وأنسانية الإنسان . ولان الله خلق الأنسان على صورته ومثاله فلا يجبره حتى على عبادته بل منحه العقل ليعبده بحرية والتزام ومسئوليه او حتى ينكر وجودة . ولكن نجد البعض يجعل نفسه الهاً بل ويعطى نفسه حكم الإله والقاضى والمنفذ لاحكام الله كما يتصورها هو طبعا والله منه براء . ويتفشى فى مجتمعاتنا النظرة الضيقة المتعصبة التى لا تقبل من هو مختلف عنا . ويتم فى غياب العدالة والقانون تفشي ظواهر العنف وأعمال البلطجة فى استغلال للديمقراطية التى تعنى حق الفرد فى التعبير عن رايه. الاحترام ينبع اذاً من أحترام الإنسان لنفسه وايمانه بكرامة الأنسان بغض النظر عن معتقده الدينى او رايه السياسى او عرقه او جنسه . ان أحترامنا للاخرين يجعلنا نكرمهم ونستمع اليهم حتى ان أختلفنا فى وجهات النظر لا نسفه او نستهزئ بارائهم .الأحترام يجعلنا نصغى للناس ونتفهمهم ونقدرهم . نحترم الكبار كاباء وامهات والتى هى أول وصية بوعد لكى تطول ايامنا على الارض ويكون لنا الخير ، نحترم الصغير لينشأ سليم النفس يتلقى الاحترام ويمنحه . نحن جميعا وان تعددت أجناسنا وأعراقنا ومعتقداتنا من اب واحد هو أدم وأم واحدة هى حواء ، وتقاس عظمة الأنسان بخلقه وتقواه وحسن معاملته وأحترامه لنفسه والغير ، ويتقدم بنا الاحترام الي معرفة أعمق بالاخرين وتقديرهم واكرامهم لنصل الي محبتهم وخدمتهم .
+ان رسالتنا كمؤمنين هى ان نحب الإخرين محبة روحية مقدسة { وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا} (يو 13 : 34). لقد جاء مسيحنا القدوس ليقدم للبشرية قلب الله المتسع بالمحبة لكل البشرية ليختبرها ويعيشها ويحياها كل أحد . وكل من يلتقى مع الله ويختبر محبته يتسع قلبه فيحب الجميع دون تمييز، بل على العكس يشعر بحاجة البعيدين عن دائرة المحبة الإلهية للقلب المتسع بالمحبة والترفق حتى لو أظهر البعض منهم عنفاً أو متاعب له ولاحبائه . المحبة لا تسقط ابدا لان الله محبة لكن يختلط الأمر فى أذهان البعض لاسيما الشباب والبعيدين عن الله فلا يميزوا بين المحبة التى من الله والميل العاطفى او الشهوة والأنانية ويعطى صورة مقدسة لدوافع غير مقدسة أما غاية الوصية { اما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر و ضمير صالح و ايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). المحبة الحقيقية هى المحبة المقدسة الطاهرة الروحية تسعى لخلاص وخدمة الناس وتقربهم الى الله . لقد تصور قديما شمشون الجبار ان دليلة تحبه ولكنها لم تكن علاقتهما علاقة محبة حقيقية بل شهوات عابره تحولت الى خيانه وغدر وسلمته الى إيدى أعدائه ليعاملوه معاملة الحيونات عندما أباح لها بسر قوته { فقالت له كيف تقول احبك و قلبك ليس معي هوذا ثلاث مرات قد ختلتني و لم تخبرني بماذا قوتك العظيمة }(قض 16 : 15). ان روح الله القدوس يستطيع ان يقدس دوافعنا وينميها ويوجهها متى أطعنا عمله داخلنا فينا .
اللطف والعطاء والغفران واجب إنساني
+ ما من احد يريد ان يعامله الأخرين بالقسوة و العنف . والأنسان اللطيف المهذب يبقى دائما وابدا محبوباً مرغوباً من الناس ، وكما يقول الإنجيل { الجواب اللين يصرف الغضب و الكلام الموجع يهيج السخط} (ام 15 : 1). فعليك باللطف والكلام اللين وطول البال مع الناس لتربحهم وتريحهم وكما يقول أحد الأمثال " ان طبق من العسل يصطاد من الذباب أكثر من برميل من العلقم" انت بالابتسامة تقول لمن هم أمامك : (انى أحبكم ، انتم تمنحونى السعادة ). وهذه السعادة تنتقل اليك ايضا عندما تقدمها للاخرين تاخذها ايضا منهم فكن بشوشاً وتذكر ان وجهك لا تراه الا فى المرآة أما الناس فيرونه دائما . قدم لهم منه ابتسامة طيبة وقدم لهم الكلمة الطيبة ومن القلب المحبة الصادقة ان اردت ان تكون محبوباً وتذكر ان {حديث الاحمق كحمل في الطريق و انما اللطف على شفتي العاقل} (سيراخ 21 : 19).
+ من الاشياء التى تسعد الآخرين التعامل بروح العطاء والأنفتاح على الاخرين . والعطاء لا ينطبق فقط على الأشياء المادية بل والمعنوية ايضا .ان كلمات التقدير هى عطاء ومحبة لها مفعول السحر فى تغيير القلوب والهدية حتى ولو بسيطة فى وقتها المناسب شئ هام يعبر عن محبتك وتقديرك وأحساسك بالأخرين { الهدية حجر كريم في عيني قابلها حيثما تتوجه تفلح} (ام 17 : 8). ان خدمتك للأخرين وقت حاجتهم اليها عمل رحمة تأخذ عليه الأجر السمائى وتربح به النفوس {في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون و تعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ} (اع 20 : 35). تذكر اعياد ميلاد اصدقائك وأحبائك ومناسباتهم الخاصة وعبر لهم عن أمتنانك وسعادتك بمعرفتهم وكن كسيدك الذى جاء عنه { جال يصنع خيرا و يشفي جميع المتسلط عليهم ابليس } (اع 10 : 38).
+ وما من أحد منا عندما يخطأ فى حق الغير الا ويرجو منهم التماس العذر له ومسامحته سواء حدث ذلك عن عدم معرفة او سهواً او حتى فى ساعة غضب أو ضعف . فلماذا تنصب نفسك عزيزى ديانا للآخرين ، تذكر يا عزيزى قول الإنجيل {و متى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم ؤ(مر 11 : 25)، {و لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم} (لو 6 : 37).ان من شيم العظماء ان يلتمسوا الاعذار للمخطئين ومن صفات المتواضعين ان يلوموا أنفسهم متى حدث أن أخطأ اليهم أحد ويقولوا نحن مخطئين وهذا التواضع يرفعهم فى أعين الله واعين الناس . هكذا فعل داود النبى مع شاول الملك ومع شمعى بن جيرا من اجل ذلك ارتفع فى عين الله وحتى فى اعين أعدائه { فلما فرغ داود من التكلم بهذا الكلام الى شاول قال شاول اهذا صوتك يا ابني داود و رفع شاول صوته و بكى . ثم قال لداود انت ابر مني لانك جازيتني خيرا و انا جازيتك شرا.و قد اظهرت اليوم انك عملت بي خيرا لان الرب قد دفعني بيدك و لم تقتلني. فاذا وجد رجل عدوه فهل يطلقه في طريق خير فالرب يجازيك خيرا عما فعلته لي اليوم هذا. و الان فاني علمت انك تكون ملكا و تثبت بيدك مملكة اسرائيل} 1صم16:24-20. فان اردنا ان نحصل على الغفران من الله ومن المحيطين بنا يجب علينا ان نقدمه فى عفو عند المقدرة ، وفى صبر وطول بال ولطف عندما نرى حمو غضب الضعفاء فى وقت تعبهم . وثق ان أحوج الناس الى التعامل باللطف واللين من فقد أعصابه ومن ضاقت به السبل واحوج الناس الي الأبتسامة هو الأنسان المحزون . الذي يريد التعزية والمشاركة الوجدانية الصادقة .
اليك نصلى يا سامع الدعاء
+ اليك نرفع الصلاة ياربنا والهنا يامن أحببت الأنسان وأكرمته بنعمة العقل والروح والمشاعر . ولم تجبره على عبادتك بل تريد ان يحبك بنفس راغبة وبقلب طاهر وبإيمان بلا رياء. ايها الاله الرحوم الذى يصبر على البشرية فى بعدها وجحودها ونكرانها ملتمساً لنا الاعزار بالجهل وعدم المعرفة من أجل ان يقودنا اللطف وطول الأناة الى التوبة والرجوع اليك . أعطنا ان نتعلم منك . نرجع اليك بالتوبة ونصلى اليك في كل حين طالبن عفوك ورضاك ومصلين ان تهبنا قلباً محبا للأخوة ليس للصالحين فقط بل وللخطاة والمسيئين . فانت ايها الأب الصالح تشرق شمس برك على الابرار والاشرار وتمطر على الصالحين والطالحين . فهبنا قلبا محبا يعامل الاخرين بالمحبة واللطف والوداعة .
+ ان كنا نريد ان يحبنا الناس فعلمنا يارب ان نحبهم وبدافع المحبة نصلى ونسعى من أجل خلاصهم ، المحبة تحتمل وتصبر ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها . المحبة لا تسقط أبدا . فهبنا يارب ان نتعلم كيف نقدم المحبة الطاهرة الروحية المقدسة ، ومن أجل الفوز برضاك لا أنتظاراً للمعاملة بالمثل ، دعنا نجول نصنع خيراً مع الجميع . واذ نبذر المحبة والخير فانها تنموا وتثمر ثماراً صالحة ، ولابد ان نحصد في الوقت المناسب خيرا ورحمة .
+ اننا اذ نرجو منك الغفران نتوب عن خطايانا وأخطانا . ومن أجل الحصول على الغفران منك فنصلى ان تعلمنا ان نغفر ونسامح ونصفح عن المسيئين الينا والذين يبغضوننا ، متعلمين منك أيها الرحيم الغفور ، المتأني فى العقاب ، البطي الغضب ، يا من علمتنا {و اما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم و صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم و يطردونكم} (مت 5 : 44). وان كان ذلك ليس فى مقدورنا كبشر ضفاء نسرع الى المعاملة بالمثل بل وفى بعض الأحيان نسرع للعنف ، لكن نحن نثق فى عمل نعمتك فى داخلنا وقيادة روحك القدوس القادر ان يغير طبيعتنا الضعيفة خالقاً فينا أنساناً جديداً يسرع الى العمل بوصاياك ويسر بالسير فى رضاك . لا طمعاً فى الثواب ولا خوفاً من العقاب بل لنكون ابناء لابينا السماوي الذى علمنا قائلاً {فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} (مت 5 : 48) { كونوا قديسين لاني انا قدوس} (1بط 1 : 16)، أمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق