علي جبل طابور ..
+ صعود السيد المسيح مع تلاميذه علي جبل عال
يمثل لنا حياة السمو والرفعة والترفع عن الشهوات والبعد عن الرغبات الأرضية، وعلي الجبل
تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابة بيضاء كالنور. لقد رأى التلاميذ
الرب في مجده كاعلان للملكوت السماوى الممتد فوق كل حدود الزمان، تتذوقه النفس
البشريّة التي قبلت أن تكون إيجابيّة وعاملة مع المسيح بحمل الصليب وتبعيتها له
للتمتّع بقوة قيامته. إن التجلي يمثّل دفعه قويّة يهبها الرب لجنوده الروحيّين
للجهاد المستمر ضدّ إبليس وأعماله، ليهب فيهم الحنين نحو المكافأة الأبديّة
والتمتّع بشركة الأمجاد السماويّة. فالتجلّي الذي تحقّق مرّة في حياة ثلاثة من
التلاميذ، صار رصيدًا قدّمه السيّد لحساب الكنيسة كلها، تسحب منه كل يوم فيتزايد.
تطلبه فتجده خبرة يوميّة تقويّة، يعيشها المؤمن من خلال المحبة وطاعة الوصية سواء
في عبادته الجماعيّة أو العائليّة أو الشخصيّة، كما يتذوّقها أثناء جهاده او تأمله
وصلواته أو في تعامله مع الأتقياء كما مع الأشرار. إنه لقاء مستمر مع ربّنا يسوع
المسيح على الدوام، فيه يكشف أمجاده جديدة في كل لحظة من لحظات حياتنا، حتى نلتقي
به وجهًا لوجه في مجيئه الأخير.
+ جبل طابور أي الجبل المرتفع في الجليل
بالأراضي المقدسة ويسميه القديس بطرس باسم "الجبل المقدس" (2 بط 1-18 ). ويقع في الجهة
الشمالية الشرقية من مرج بن عامر وعلى بعد 8 كم نحو الجنوب الشرقي من الناصرة ونحو
19 كم جنوب غربي بحيرة طبرية وعلى بعد 10 كم من العفولة. وهو أحد الجبال الرائعة بين جبال فلسطين. وهو منفرد عن بقية جبال الجليل
فأصبح في العهد القديم كنقطة استدلال فهو يشرف على جلعاد ووادي الأردن من الشرق،
وعلى جبال زبلون ونفتالي وجبال الشيخ من الشمال، وعلى الناصرة من الشمال الغربي،
وعلى الكرمل ومجدو وجبال السامرة من الغرب، وعلى جبل الدحى وجلبوع وبلدة عين دور
ونائين من الجنوب. على جبل طابور أخذ
السيد المسيح ثلاثة من تلاميذه وتجلى أمامهم فقال له القديس بطرس جيد يارب ان نكون
ههنا { وبعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا اخاه وصعد بهم الى جبل عال
منفردين. وتغيرت هيئته قدامهم واضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. واذا
موسى وايليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه} (مت 1:17-3). حقا ما ابهج ان يسمو الانسان
ويرتفع ويحيا فى الحضرة الإلهيٌة ويعاين مجد الرب ويحيا مذاقة المجد الأتى، ان
الثلاثة تلاميذ يمثلوا الايمان والجهاد والمحبة فنحن لكى نعيش التجلى لابد لنا ان
نحيا الإيمان العامل بالمحبه على قدر طاقتنا، كما ان ظهور موسى وايليا يمثلان
الحلم والوداعة مع الغيرة والجهاد فنحن نحتاج الى حلم ووداعة موسى النبى لكن لا فى
تراخى او كسل بل فى غيرة نارية وعمل روحى دائم للانطلاق نحو السماء لنحيا أمجاد
التجلي . ان الله فى محبته يريد ان يجذبنا اليه لنعاين مجده ونسعد بلقياه ونشهد
للاهوته ونحيا مذاقة الملكوت ونحن على الارض لنعبده بالروح والحق ونعد نفوسنا بالتوبه
والإيمان والفضيلة للحياة والوجود مع الله كل حين.
+ التجلّي اذا هو دخول بالنفس إلى تذوّق
الحياة الأخرويّة، لترى مجد ربها والهها قادمًا في ملكوته، معلنًا لها أمجاده بالقدر الذي يمكنها أن تحتمله وهي بعد في الجسد.
هذا العمل الإلهي الذي تحقّق بطريقة ملموسة على جبل طابور ويتحقّق بصورة أو أخرى
داخل القلب من حين إلى آخر، لكي يجذب الله نفوسنا نحو العُرس الأبدي لكي نشتاق إلى الانطلاق نحو الحياة الإبدية، ويمنحنا دفعة
روحيّة قويّة تسندنا في حمل الصليب
والشهادة للسيّد المسيح. ان الله يدعونا جميعا لمعاينة مجده داخلنا {ولا يقولون
هوذا ههنا او هوذا هناك لان ها ملكوت الله داخلكم }(لو 17 : 21). ولكى يحل المسيح بالايمان فى قلوبنا يجب
نسمو ونتطهر من الخطايا والصغائر ونفتح له القلب بالإيمان وندعوه ليكون مصدر
سعادتنا وفرحنا فى محبة صادقة وتبعية أمينه وتأمل فى صمت فى حياته وأقواله وأعماله
فسياتى الينا ولا يبطئ.
حديث التجلى ...
+ لقد فرح
التلاميذ بالتجلى وارادوا ان يحيوا فى الحضرة الإلهيٌة حيث مجد الابن الوحيد معلن
لهم ومصدر سعادتهم، ولعل السيد المسيح اراد ان يعلن لتلاميذه مجد الوهيته حتى لا
يعثروا او يشكوا فيه عندما يروه يسلم الى ايدى الناس ويهان ويصلب ، لهذا ظهر معه
موسي وايليا وكان حديثهم معه عن الفداء الذى سيتم فى اورشليم { واذا رجلان يتكلمان
معه و هما موسى وايليا. اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيدا ان يكمله
في اورشليم} (لو 30:9-31). لقد حضر التجلى موسى النبى الذى يمثل الشريعة وايليا
ممثلا للانبياء ليعلن لنا السيد نفسه انه غاية الشريعة ومركز النبؤات وله سلطان على
الموت والحياة، وأنه المدبِّر في الأعالي وعلى الإرض، لهذا جلب موسى الذى مات منذ مايذيد عن الف وثلثمائة عام ، ومن لم
يُعاني من الموت وانتقل حيا وهو ايليا النبى .
+ ان التجلّي يرتبط
بأحداث الصلب والقيامة، فلا يمكن للمؤمن
أن يرتفع على جبل التجلّي ليرى بهاء السيّد ما لم يقبل صليبه ويدخل معه آلامه
ليختبر قوّة قيامته فيه، فيُعلن الرب أمجاده له. ومن جانب آخر ما كان يمكن
للتلاميذ أن يتقبّلوا آلامه ويُدركوا سرّ قيامته ما لم يريهم مجد التجلّي. إذ
تحدّث الرب كثيرًا عن المخاطر التي تنتظره وآلامه وموته الي التلاميذ والتجارب التي
قد تلحق بهم في الحياة، كما حدثهم عن أمور صالحة كثيرة يترجّونها، من أجلها يخسرون
حياتهم لكي يجدوها، وإنه سيأتي في مجد أبيه ويهبنا الجزاء، لهذا أراد أن يُظهر لهم
ما سيكون عليه مجده عند ظهوره، فيروا بأعينهم ويفهموا، لهذا أظهر لهم ذاته فى
تجليه.
+ لقد
ظللت االسحابة النيٌرة جبل طابور وهي تُشير إلى الحضرة الإلهيّة ، هذه التي كانت تملأ
جبل سيناء حين قدّم الرب الناموس لموسى (خر 24: 15)، وكانت تملأ خيمة الاجتماع
عندما كان الله يتحدّث مع موسى، وسيأتي السيّد المسيح في مجيئه الأخير فى سحابة
نيٌرة، فإن السحابة هنا إعلانًا عن عمل التجلّي في حياة المؤمنين { فيما هو يقول
ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة. وصار صوت من السحابة قائلا
هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا}( لو 34:9-35). فالنفس إذ تلتقي بالسيّد وتتعرَّف
على أسراره قدر ما تحتمل، تستنير أكثر فأكثر بإعلانات سماويّة داخليّة. فتسمع صوت
الآب: {هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت له اسمعوا}. هذا هو أعظم إعلان يتقبّله
الإنسان من الله في أعماق قلبه، وهو إدراك بنوّة المسيح للأب كنور من نور ، فتذوب
نفسه داخليًا خلال اتّحادها بالابن الوحيد، وتشعر بدفء الحب الإلهي، وتتلمّس رضا الله
الآب لها في الابن ، فتسمع لصوت الآب، وتخضع لعمل المسيح فيها بكونه رأسها، لا
يطلب المسيحي إعلانات ملموسة يفخر بها، إنّما هذا هو جوهر إعلان الآب للنفس
البشرية ان تؤمن بالابن الكلمة المتجسد من اجل خلاصنا .
+ لقد تمتّعت القدّيسة مريم
بالسحابة النيِّرة في أجلَى صورها، بطريقة فريدة حينما حلّ عليها الروح القدس
ليظلِّلها بالقوّة الإلهيّة الفائقة. {الروح القدس يحلّ عليك وقوَّة العليّ
تظلِّلك}. هذه السحابة النيِّرة، أو الروح القدس الناري يهب المؤمنين استنارة
للبصيرة الداخليّة لمعاينة المجد الإلهي للابن الوحيد، ويفتح الأذن لسماع صوت
الآب، الذي يكشف لنا "سرّ المسيح" الذي صار فينا بالمعموديّة، فنحرص
بالروح أن نبقى في حالة توبة مستمرّة وطاعة، لننعم بسرور الآب ونسمع صوته الأبوي.
+ لقد خاف التلاميذ وسقطوا على وجوههم ولكن
السيد المسيح بدد خوفهم وكان هو سلامهم {ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا
جدا.فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا. فرفعوا اعينهم ولم يروا احدا الا
يسوع وحده} (مت 6:17-8). سقوط التلاميذ على وجوههم وخوفهم يذكرنا بما حدث على جبل
سيناء عندما حل الرب بمجده { و كان جميع
الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن ولما راى الشعب ارتعدوا ووقفوا
من بعيد. وقالوا لموسى تكلم انت معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت.فقال
موسى للشعب لا تخافوا لان الله انما جاء لكي يمتحنكم ولكي تكون مخافته امام وجوهكم
حتى لا تخطئوا. فوقف الشعب من بعيد واما موسى فاقترب الى الضباب حيث كان الله} (خر18:20-21). ان سقوط التلاميذ على وجوههم يُعلن عن سقوط
كل البشريّة ، وعجزها التام عن القيام والالتقاء مع الله، إذ صارت وجوههم في
التراب ساقطة، لا تقدر على معاينة الأمجاد السماويّة. وحلول الخوف الشديد فيهم
يُشير إلى فُقدان السلام الحقيقي فى البعد عن الله ، لذلك جاء الرب يسوع إشارة إلى
نزوله إلينا، ومدّ يده مؤكِّدًا تجسّده. أمّا لمسه إيّاهم، فهو علامة حلوله في
وسطنا كواحد منّا، يقدر أن يمدّ لنا يده فنقبلها. وبسلطانه أقامهم ونزع الخوف
عنهم. حقًا لقد ظهرت قصّة سقوط الإنسان وقيامه خلال عمل الله الخلاصي واضحة على
جبل التجلّي. وكأن سرّ التجلّي إنّما هو سرّ إعلان الله الدائم فينا، بكونه ابن
الله المتجسّد المصلوب والقائم من الأموات، من أجلنا جاء ليقيمنا ونبتهج بعمله
فينا. وإذ كان التلاميذ ساقطين منطرحين
على الأرض وغير قادرين على القيام تحدّث معهم بوداعة ولمسهم. فبلمسه إيّاهم انصرف
الخوف عنهم وقواهم.
كيف نعيش التجلي؟
+
لقد اختبرالرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا التجلي على الجبل، ولم يريدوا أن
يمضوا من هناك. أحياناً نختبر نحن أيضاً اختباراً مثيراً يجعلنا أن نبقى فيه
بعيداً عن الواقع ومشاكل الحياة اليومية. ولكن البقاء فوق أعلى الجبل لا يسمح لنا
أن نحمل صليب يسوع كل يوم ونتبعه في وادي واقعنا. فلا يجوز فصل الصليب عن المجد،
إذ أن سر الخلاص التي تمّ على الجبل يجمع في الوقت نفسه موت المسيح ومجده. وإذا
أردنا أن نختبر هذا السر مع التلاميذ الذين اختارهم وتجلّى أمامهم، يجب أن نسمع
الصوت الإلهي ونطيع وصاياه ونحيا معه في سمو روحي وتوبة نقية وحياة مقدسة وفترات
تأمل روحي ولقاء منفردين مع الرب يسوع المسيح.
+
جبل التجلي يخبرنا عن مجد المسيح العظيم. كان جسده مشعاً كالشمس حتى ملابسه كانت
تتوهج ببهاء الله، لكن تجربة طابور التي كشفت مجد الله، تميزت أيضا بالالتزام
بالمعاناة قبل أن ينزل يسوع إلى القدس، سالكا طريق الحزن إلى الصليب. وعلينا أن
نحمل الصليب بشكر ونحتمل لكي ما يشع مجد
الله فينا وأمامنا. تجلي الرب يسوع حين
كان على وشك دخول ليلة المعاناة والموت. ونحن كأعضاء لجسده نستطيع فقط تلقي نعمة
التجلي، التي أظهرها لنا، بإتباع نفس الطريق وهو طريق الخضوع والنقاوة والإصغاء إلى كلمته والعمل
بها.
لتٌعلن لنا مجدك يارب ..
+ ايها الرب القدير ، واهب الأستنارة والحكمة ارفع قلوبنا لتعاين مجدك
وارواحنا لتتحد بك وحواسنا لتعاين بهاء عظمتك وافكارنا لتستنير بمجد التجلى . حل
بالإيمان فى قلوبنا لنعاين مذاقة الملكوت من الان لنشهد لكل أحد عن سبب الرجاء
الذى فينا ، لتكون انت مصدر فرحنا ونور حياتنا وشمس برنا الدائم .
+ يارب هبنا ان نسمو عن الصغائر ونرتفع عن الخطايا ويكون قلبنا عليه
مرتفعة سامية ومعدة لحضورك فيها ، لنشبع لا بولائم ارضية ولا بمتع العالم الزائلة
بل بوجودك فى قلوبنا وباتحادنا بالإيمان بك ومعينة اسرارك الخفية ولاهوتك ومجدك
السمائي . ليستنير انساننا الداخلى ويستضئ بمعرفتك لنحيا معك وتتمجد بالايمان فينا
سواء فى طريق الآلم والجلجثة بحمل الصليب اوبالوجود على جبل التجلى أو بالعيش فى
امجاد القيامة . فنصيبنا هو انت فى السماء ومعك لا نريد شئ الا ارادتك في حياتنا
على الإرض.
+ ايها الرب الهنا ، نسألك من أجل كنيستك لتعلن مجدك فيها ويراه كل
بشر، ونطلب عن كل نفس فيها ليتمجد أسمك القدوس فى حياتنا وباعمالنا واقوالنا ،
نسألك من اجل بلادنا لتشرق بسلامك وبرك فيها وتباركها بكل بركة روحية لتكون نورا
للعالم ومصدراً للاشعاع الروحى والفكرى والحضاري فى كل الارض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق