للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
1- مفهوم الصوم وأهميته الروحية
+ الصوم فى معناه العام هو الامتناع عن الطعام فترة من الزمن يعقبها تناول أطعمة نباتية خالية من اللحوم ومنتجاتها أما المعنى الروحى فيشمل كل انواع ضبط النفس والنسك والامتناع عن الشهوات وخطايا اللسان أو العواطف. والصوم ليس تحريم لأنواع معينة من الطعام محلل لنا أكلها فى الأفطار بل البعد عنها لفترة الصوم نسكاً وزهداً وتعففاً. فنرجع في الصوم إلى الطبيعة النباتية التي جبل عليها الإنسان ونبتعد عن الأطعمة التى تثقل الانسان من اجل اشباع الروح وضبط النفس وكما قال السيد المسيح { ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} (مت 4 : 4). الصوم هو شبع بالمسيح في حياة بر وتقوى { طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون} (مت 5 : 6). الصوم الكبير فترة تخزين روحي يهدف إلى النمو فى حياة التوبة والفضيلة والتخلص من الضعفات وتقوية الإرادة وضبط النفس والاستعداد للتمتع بحياة القيامة مع المسيح القائم منتصرين على الضعف البشري والشيطان والموت.
+ أن البطن هي سيدة الأوجاع التي متى تم ضبطها، يستطيع المؤمن أن يضبط ذاته روحاً وفكراً وجسداً . فمن يقدر أن يضبط نفسه فى الأكل والشرب يستطيع أن يضبط ذاته ولسانه ويقول لا لشهواته وأهوائه وانفعالاته وضابط نفسه خير من مالك مدينة، لذلك قال القديس بولس { بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا }(1كو 9 : 27). لقد كان كسر الصوم بالأكل من الشجرة المحرمة علة سقوط أبوينا القدماء آدم وحواء ومن يريد ان يرجع الى الفردوس مرة اخرى عليه ان يبدأ بالصوم وضبط النفس وتقوية إرادته وإشباع روحه. إن معظم الحروب والخصومات على المستوى الفردى والجماعى تبدأ من أنانية الإنسان وسعيه لإشباع لذاته وشهواته دون النظر الى اخوته أو على حسابهم { من أين الحروب والخصومات بينكم أليست من هنا من لذاتكم المحاربة في أعضائكم تشتهون ولستم تمتلكون تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون أن تنالوا تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون لانكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم} (يع 4 : 1-3).
+ الصوم وسيلة لضبط النفس حتى فيما هو محلل منها { ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات }(غل 5 : 24). اننا نحتاج الى اشباع الروح مع ضبط الجسد والاهتمام به وتقويته واعطائه ما يلزمه لا ما يشتهيه { أما انا فبالبر انظر وجهك اشبع اذا استيقظت بشبهك }(مز 17 : 15).
+ الصوم وصية الله فى العهد القديم {اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الاطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلا لماذا يقولون بين الشعوب أين الههم} (يؤ 15:2-17). الله يستجيب لصلواتنا المقرونة بالصوم والتوبة { اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب} (يهو 4 : 12).
+ الصوم الجماعى فى قوته رأيناه في صوم وتوبة أهل نينوى { فآمن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء. وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم.لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك . فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} (يو5:3-10). كما أن رجال الله القديسين تقووا بالصوم والصلاة كما رأينا فى حياة كثير من رجال الله القديسين. صام دانيال والفتية الثلاثة القديسين { فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحنانيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة أيام ليعطونا القطاني لنأكل وماء لنشرب. ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم اصنع بعبيدك كما ترى.فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام. وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحما من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك} (دا 11:1-15) وقد كشف الله أسراره لدانيال بالصوم والصلاة {فوجهت وجهي إلى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد }(دا 9 : 3). كما صلى داود وصام { اما انا ففي مرضهم كان لباسي مسحا أذللت بالصوم نفسي } (مز 35 : 13). وهكذا يطلب الله منا فى كل زمان أن نتسلح بالصوم والصلاة والتوبة { ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح } (يؤ 2 : 12). الصوم إذا وسيلة لضبط النفس وتقوية الإرادة ومساعد قوى للتوبة المقبولة المصحوبة بالتذلل والرجوع الشر والإقلاع عن الخطية وفعل البر واستمطار مراحم الله والحصول على الغفران والشبع بكلام الله والصلاة ومحبة الله وفعل الخير ومحبة الجميع محبة روحية فى بذل وعطاء من النفس والوقت والمال.
+ نصوم ونصلي لله
* أيها الرب الهنا، الإله الرحوم محب البشر الصالح الداعي الكل لمعرفة الحق، الذي أوصانا بالصوم والصلاة. أقبل إليك توبتنا وصومنا و صلواتنا وقوى إيماننا وهبنا أن نحبك من كل قلوبنا وفكرنا وإرادتنا لنرضيك كل أيام حياتنا ونعمل إرادتك الصالحة كل حين.
* أيها المسيح إلهنا الذى صام عنا أربعين يوم وأربعين ليلةً بسر لا ينطق به وأوصانا بالصوم لكي ننتصر على أعدائنا الروحيين ونشبع بالبر وبكلامك المقدس، أعنا لكي نصوم عن كل شر بطهارة وبر ونشبع بمحبتك وكلامك ونثمر في صومنا ثمر البر وننمو في الفضيلة والكمال المسيحي الذي دعوتنا اليه.
* ياروح الله القدوس، روح القداسة والحكمة، العامل في الناموس والأنبياء والرسل ، أعمل فينا لنتوب ونرجع إلى الله بكل قلوبنا ونصلي بالروح والحق ونصوم عن كل خطية وتعمل فينا لنثمر ويدوم ثمرنا، ليتمجد اسمك القدوس أيها الثالوث القدوس الإله الواحد، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق