للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
الأحد الجديد
+ يسمى الأحد
التالي لعيد القيامة المجيد بأحد توما أو الأحد الجديد لان الرب يسوع المسيح
القائم من بين الأموات ظهر فيه للتلاميذ ليؤكد لتوما الرسول حقيقة قيامته من بين
الأموات و يزيل شكه وحيرته وليقوى
إيمان الرسل ليكونوا شهود لموته وقيامته. ففي أحد القيامة لم يكن توما مع التلاميذ.
إن أنعزال الفرد عن جماعة الكنيسة يعرضه بالأكثر للشكوك والحيرة { فَقَالَ لَهُ
التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ
لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ
الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ». }(يو ٢٠: ٢٥). وفي
الاحد الجديد ظهر الرب للتلاميذ وكان توما معهم { ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ
إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي
وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ:
«رَبِّي وَإِلهِي!». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا
آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».} (يو ٢٠: ٢٧-٢٩). كان توما
يميل الي الشك ويريد أن يرى بعينيه ويحس بيديه والله عالم بضعفنا و شكوكنا وفشلنا
ولا يريد ان نحيا في الشك والحيرة والقلق بل يهمه سلامنا وتقويه إيماننا وازالة
شكوكنا رغم تأكيده لتلاميذه والرسل بأنه سيقوم في اليوم الثالث أحداث الصلب أضعف
إيمانهم والله يهمه أن يعلن لنا ذاته بطرق متنوعة لنختبر وجوده في حياتنا ونؤمن به
بكل قلوبنا وأرواحنا.
+ لم يصدق توما الرسول خبر القيامة بل
أراد برهان حسي عليها. فاتي إليه الرب لينقذه من شكوكه ويقوى إيمانه ليكون شاهداً
علي كلامه فهو الصادق والأمين فصرخ عندما راه "ربي والهي" . إن ما عاشه
توما يعيشه كثيرون من المتشككين وغير المؤمنين بوجود الله وسط الضغوط والشر
والمادية والظلم وقد يتهافت البعض طالبين معجزات تقوى إيمانهم. ولكن نرى السيد
المسيح يرد علي لسان ابراهيم علي الغني الذي طلب ان يرسل الله لعازر البلايا من
السماء أو واحد من الأموات ليؤمن اخوة الغني { فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي
إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ.
فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ
إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ.} (لو ١٦: ٣٠، ٣١). نحن مدعوين
للإيمان دون ان نرى لنقول مع بولس الرسول { لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ
آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ
الْيَوْمِ.}(٢ تيم ١: ١٢). ومازال الله يظهر ذاته لأمثال توما وكل أزمة نعيشها في
حياتنا تدفعنا لأن نكتشف الله كما يريد هو لا كما نريده نحن لننتقل من الشك
للإيمان. الله يكشف لنا عن ذاته بقدر ما نسعي لنقاوة قلوبنا من الخطية { طُوبَى
لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.}(مت ٥: ٨). ويعلن الله
لنا ذاته بحفظنا وطاعتنا للوصية ونعرفه ونثبت فيه بتناولنا بانسحاق من اسراره
الإلهية { فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ
وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى
عَنْهُمَا}(لو ٢٤: ٣٠، ٣١). حتى الطبيعة من حولنا تشهد لله { اَلسَّمَاوَاتُ
تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.} (مز ١٩: ١).
أننا نحتاج أن نصغي لصوت روح الله داخلنا { َأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ
الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ
شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ.} (يو١٤: ٢٦). وكلمنا طلبنا
بتواضع قلب فان الله يعلن لنا عن ذاته { اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ
بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ
الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ،
الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ،
وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ
مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ
فِي الأَعَالِي} (عبر 1: 1-3).
إيماننا بالمسيح وموته
وقيامته
+ إيماننا بمحبة الله للبشر وبالتجسد
الإلهي وبموت المسيح وقيامته من الركائز الأساسية التي قامت عليها المسيحية
وعاشتها الكنيسة عبر تاريخها الطويل { لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ
الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ
يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ }(يو 3 : 16). فموت
المسيح لخلاصنا و فدائنا وقيامته لتبريرنا ركيزة هامة في الإيمان المسيحي { وَإِنْ
لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي
خَطَايَاكُمْ!. وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ
بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ بِإِنْسَانٍ
أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ.لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ
هَكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ.} ( 1 كو 17:15-22). إن الله يرينا
ذاته ببراهين كثيرة من خلال الكتاب المقدس أو الأسرار المقدسة أو سير القديسين
أومن خلال اختباراتنا الشخصية التى نلمس فيها وجوده معنا ونراه من خلال الطبيعة
والأحداث والناس. وعلينا ان نصلي لله ليعطينا البصيرة الروحية لنؤمن { كَيْ
يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ
الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ
أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى
مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ} (أف ١: ١٧-١٨).
+ ما بين
الشك والإيمان .. أننا
نؤمن بكروية الأرض رغم أننا لم نراها كما نصدق حقائق علمية دون أن نختبرها وعلينا
ان نصدق الله في محبته وخلاصه وتجسده وفدائه كحقائق إيمانية صنعت قديسين علي مر
التاريخ. ونحن نبحث عن الحقّ نعتقد أنّنا بعقولنا
الصّغيرة المحدودة سنجده ونعانيه. الله روح ويحتاج منا البصيرة الروحية التي ترتفع
فوق الحواس ولا تتعارض معها ولن نستطيع أن نحد الله بعقولنا القاصرة لكن علينا
أن نؤمن ثم نتعقل لنفهم ونعرف محبة الله ويؤكّد لنا حضوره الحيّ. منتهى المحبّة للإنسان الضّعيف والنّاقص، وغير المدرك
للمحبّة الإلهيّة الكاملة. إنّ الله لا يتوانى عن احتضان الكيان الإنسانيّ لأنه
يريد للجميع الخلاص والحياة الأبدية. كما { طوبى للّذين آمنوا ولم يروا} لا تعني
إطلاقاً الإيمان الاعتباطي دون فهم ومثابرة على الثّبات في العلاقة مع الرّبّ.
وإنّما هذه الآية موجّهة للثّابتين في محبّة الرّبّ رغم كلّ الشّكوك والتّناقضات،
والثّقافات، والنّظريّات الإلحادية وطوبى للّذين يؤمنون فيروا الرّبّ، فيسبق
حبّهم الرّؤية. فالقلب الذي يحب الله يعلن له عن ذاته { الذي عنده وصاياي ويحفظها
فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي }(يو 14 : 21).
النّفس إذ تشتاق للمسيح تعاين مجده. لكن الشك والتردد والإيمان القليل هي أمور
طبيعية في الإنسان الذي يسعى إلى الله بفكره. حتى أن الرسل توسلوا إلى السيد لكي
يزيدهم إيماناً. فالشك هو مرض روحي خطير غير منطقي ناتج عن كبرياء أو قساوة قلب أو
خطايا رابضة في القلب تحرم الإنسان عن معرفة الله أو حياة متقلبة ومشوشة
بينما الإيمان يتخطى المنطق.
صلاة لتقوية الإيمان
+ نسأل ونطلب من صلاحك يا الله
الرحوم, محب البشر الصالح أن تقوي إيماننا وتزيد محبتنا لك وتنمي رجائنا فيك فأنت
لا تشاء هلاك أحد, بل تريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون . ونحن في
عالم الألحاد والشك نريد أن تعلن لنا ذاتك وتفتح أعين قلوبنا لنعاين مجدك ويدك
العاملة مع الناس وفي الأحداث وضابط الكون والكل فخلصنا من الشك والخطية والشر
لنؤمن بمحبتك ورحمتك وخلاصك.
+إعلن لنا أيها المسيح إلهنا عن ذاتك
وأضئ عقولنا وقلوبنا وأرواحنا بروحك القدوس، بدد شكوكنا و أعطنا سلامك الكامل الذي
يبدد الخوف والحيرة والقلق لنثق في حضورك ووجودك معنا وسط ضيقات الحياة . قود يارب
سفينة حياتنا وبلادنا وعالمنا لنسير معك حياة الإيمان العامل بالمحبة ونشهد لعمل
نعمتك المحررة والمغيرة والمطهرة التي تعمل فينا بقوة القيامة المجيدة، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق