القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح
(24) المسيحى والحياة الهادفة
للأب القمص أفرايم الأورشليمى
حياتنا الهادفة ورسالتنا السامية ..
لقد خلقنا لاعمال صالحة .. ان حياتنا ثمينة فى فكر الله ولديه ويجب ان تكون ثمينة فى أنفسنا وقد اعطانا نعمة الحياة كهبة بها نحقق أهداف وخطة الله الخلاصية لنا ونقوم برسالة سامية علينا ان نؤديها بامانة واخلاص لا كمن يرضى الناس بل كمن يرضى الله الذين يعلم خفايا القلوب وبضمير صالح وإيمان بلا رياء ومحبة كاملة {لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10).
الانسان هو تاج الخليقة وسيدها ودعى للاثمار والاكثار وخلق لمجد الله { ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته} (اش 43 : 7). وقد اراد لنا الله السعادة فى الفردوس ولما سقط الانسان وبعدَ عن الله ارسل لنا الله الاباء والانبياء عونا وفى ملء الزمان اتى الينا الابن الكلمة، أقنوم الحكمة أوعقل الله الناطق دون ان يحد التجسد من لاهوته، تجسد ليعرفنا محبته لنا ويردنا الى الفردوس مرة اخرى ويرينا كيف نسلك كإناس الله القديسين ويعيد الانسان الذى سقط الى رتبته الاولى ، لقد جاء لتكون لنا الحياة الافضل . ولكى تكون لنا الحياة الهادفة ذات الرسالة السامية على الارض ثم لنرجع الى الفردوس السمائى والحياة الابدية ونحيا كملائكة الله فى السماء بعد الانتقال من هذا العالم .
+ لا يستهين أحد منا بقدراته وأمكانياته ..
اننا فى يد الله نستطيع ان نكون قوة وبركة فخمسة ارغفة صغيرة لدى فتى قدمها ليد الرب القدير أشبعت خمسة الاف رجل ماعدا النساء والأطفال ورجل غريب فى بلد بعيد قديما هو يونان النبى الهارب قاد نينوى كلها للخلاص { واختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء واختار الله ادنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود (1كو 1 : 27-28) . لقد تعلل موسى النبى عندما كلمة الله ان يذهب الى مصر لاخراج الشعب من العبودية بانه ثقيل الفم واللسان ورفض المهمة وعاد الله يلح عليه ويقدم له البراهين حتى أقنعه وهل كان الله عاجز عن أخراج الشعب بغير موسى ؟ كلا طبعاً ! ولكن الله يريد ان يشركنا معه فى العمل . كما رفض أرميا النبى الدعوة محتجاً بصغر سنه {فكانت كلمة الرب الي قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب. فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد. فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب و تتكلم بكل ما امرك به. لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب. ومد الرب يده و لمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس} ار4:1-10. ولقد استخدمه الله بقوة لينادى فى الشعب بالرجوع الى الله و نادى بالتوبة بالدموع والكلمة والحكمة والمثل . وانت ايضا مدعو للأشتراك مع الله فى كل عمل صالح .هكذا يستطيع الله ان يعمل بكل واحد وواحدة منا عملاً مجيداً بالنعمة الغنية اذا نكتشف ما بداخلنا من أمكانيات وما لدينا من مواهب ووزنات ونستخدمها لخيرنا ولخدمة غيرنا .
+ ان لكل منا رسالة فى الحياة يجب ان يؤديها ..
يجب ان نكون رساله المسيح المقرؤة من جميع الناس { ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية}(2كو 3 : 3). كما انه يجب ان تفوح منا رائحة المسيح الذكية وسيرته المقدسة كسفراء للسماء { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان . لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون و في الذين يهلكون . لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الامور (2كو 2 : 14- 16). ان لكل واحد وواحدة منا مهام يجب ان يقوم بها وان نتاجر بالوزنات المعطاة لنا من الله ونربح لنسمع الصوت الحلو { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 21). يجب ان يكون ناخد من نور السيد المسيح ونستنير وننير الطريق للغير وان نكون ملحاً جيداً يعطى مذاقة روحية لغيرنا ويكون كلامنا واعمالنا شهادة حسنة على اننا اناس الله القديسين { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16. فلنختبر أنفسنا وهل نحن نسير فى الطريق الصحيح للتوبة والحياة مع الله والنمو فى حياة الفضيلة والإيمان للوصول الى القداسة والاتحاد بالله {جربوا انفسكم هل انتم في الايمان امتحنوا انفسكم ام لستم تعرفون انفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين }(2كو 13 : 5). ولنبنى أنفسنا على ايماننا الاقدس {واما انتم ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20).
السيد المسيح قدوة ومثال ..
رسالَةُ السيد المسيح الخلاصية ..
لقد جاء السيد المسيح برسالة سامية بها يريد ان يعلمنا مدى محبة الله الاب لنا ويريد ان يوحدنا فيه وبه ومعه بالمحبة الروحية {عرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} (يو 17 : 26). وبهذه المحبة بذل ذاته عنا خلاصا بعد ان جال يصنع خيرا ويشفى جميع المتسلط عليهم أبليس { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة} يو16:3-19. ولقد كان السيد المسيح عالماً برسالته وطبيعتها منذ البدء. وعندما ترك القديسة مريم ويوسف النجار فى عمر الثانية عشر وبقي فى الهيكل يجادل الكهنة والكتبة ورجعوا يطلبونه قال للعذراء مريم { الأ تعلمان أننى لابد ان أكون فيما لأبى} (لو 49:2). كان بهذا يعنى انه منشغل ومهتم بالرسالة السامية التى تختص بأبيه السماوى وتعليم وتقديس البشرية وقيادتها الى الاحضان الإلهية . وهذا ما اعلنه الملاك للعذراء فى البشارة بمولده { وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا. فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو 31:1-35. انه ابن الله ليس بتناسل جسدى ولا بالمعنى المجازى بل ولاده روحية كانبثاق النور من الشمس والفكر من العقل دون ان ينفصل عنه .
ولقد اعلن الملاك ليوسف عن اسمه ورسالته { فستلد ابنا و تدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم} مت 21:1. وهذا ما بشر به الملاك الرعاة يوم مولد المخلص { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب} لو 8:2-11. وهذا ما صرح به المخلص الصالح فى العديد من المناسبات { انما جاء ليسعى ويطلب ويخلص من قد هلك } لو 10:19. وهذا ما شهد به ايضا تلاميذه بعد القيامة { ليس بأحد غيره الخلاص} يو 12:4.
مثابرة السيد المسيح على أنجاز رسالته ..
كانت حياة السيد المسيح منذ بدأ خدمته حتى الصلب والقيامة هى حياة مثابرة وكفاح بغير كلل وباصرار دون ملل على انجاز مهمته التى من اجلها جاء الى العالم . جال الاراضي المقدسى وما حولها يبشر ويعلم ويعزى ويصنع المعجزات ويشفى الامراض فى المدن والقري والبيوت والشوارع والمجامع والهيكل ويقضى الليل فى الاختلاء مع ابيه الصالح وكانت الجموع تبحث عنه كطبيب لارواحهم ونفوسهم واجسادهم وذات مرة بحثوا عنه لئلا يذهب عنهم فقال لهم انه يجب ان يبشر المدن الاخرى ايضا { ولما صار النهار خرج وذهب الى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه فجاءوا اليه وامسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم انه يبنغي لي ان ابشر المدن الاخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد ارسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل} لو 42:4-44. وفى مجمع الناصرة لخص لهم دعوته كما جاءت فى نبوة اشعياء النبى {وجاء الى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرا. فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية.واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم} لو 14:4-21. وهو يدعونا امس واليوم والى الابد للتعلم منه والاقتداء به ويقول لنا {احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11 : 29).
مهمة محفوفة بالآلام والمخاطر ..
كان السيد المسيح يدرك ويعلم ان مهمته على الارض ليست سهلة بل شاقة وصعبة وسيواجه فيها الحروب والالام والمتاعب والمضايقات والاتهامات وسينتظره فى نهايتها موت الصليب حيث يسيل دمه كذبيحة وفداء وتكفير عن أثامنا ولقد اعلم تلاميذه بذلك وصمم على المضى قدما فى رسالته ولتحقيق اهدافه ليُعلم ويرعى ويقدس شعبه ويقدم محبته الصادقة لكل أحد وعندما جاء اليه الفريسيين وقالوا له ان يخرج من عندهم ويمضى لان هيردوس يريد ان يقتله كان رده قويا ومؤيدا الهدف من مجئيه { في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجا عن اورشليم. يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة اردت ان اجمع اولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا والحق اقول لكم انكم لا ترونني حتى ياتي وقت تقولون فيه مبارك الاتي باسم الرب} لو 31:13-35. وأكد لتلاميذه ماذا ينتظره { من ذلك الوقت ابتدا يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتالم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم} مت 21:16.
أكمال العمل الخلاصى والقيامة المجيدة ..
لقد تقدم السيد المسيح الى الصليب وفى لحظات القبض عليه تركه خوفاً غالبية تلاميذه أو ضعفاً ومنهم من خانه وارشد عليه ومنهم من انكر انه من اتباعه وجاز المعصرة وحده حاملا عقاب خطايانا كشاة تساق الى الذبح وهو القدوس والبار كما تنبأ اشعياء النبى {احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله و مذلولا.وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا} اش 4:53-6. ولقد أكمل العمل الذى جاء لاجله وقال للاب السماوى { العمل الذى أعطيتنى لأعمل قد أكملته} يو 30:19. وقام فى اليوم الثالث كما أعلم تلاميذه واهبا اياهم السلام والفرح وأسس بهم كنيسة العهد الجديد ليعلموا ويتلمذوا جميع الامم {وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير.حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك} لو 44:24-48.
وكما كان الاباء الرسل شهوداً وجالوا يدعوا الناس للتوبة وقبول الخلاص والايمان وان يثمروا ثمر الروح ، وقد وصلت الينا نحن ايضاً هذه الرسالة ونحمل داخلنا نور الإيمان المسيحى فعلينا ان نحيا إيماننا الاقدس ونجول نصنع خيرا فى نكران للذات وحمل للصليب واثقين ان الله سيقودنا فى موكب نصرته ويعمل لخلاصنا ونجاتنا من الغضب التى وهو رب الكنيسة وقائدها وقد وعد ان أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
نظرة عميقة فاحصة لحياتنا
+ اننا يجب ان نجلس مع أنفسنا ونتأمل فى ماضينا وهل نحن راضون عما صنعنا فيه، وهل لو عاد بنا الزمان للوراء فهل سنختار نفس النمط من الحياة أو هل كنا نعمل على تغيير نمط وأهداف حياتنا ؟ اننا يجب ان نتعلم من دروس النجاح أو التعثر فى الماضى ونأخذ دروس منه للحاضر ونبنى عليها للمستقبل الأفضل سواء على المستوى الشخصى أو الاسرى او الكنسي او حتى على المستوى العام . ولهذا يجب ان لا نحيا على ذكريات الماضى ونتعلم كيف نصفح وننسى لمن يسئ الينا ولا ننشغل بالمعارك الجانبية او نهدر وقتنا فيما لا فائدة منه حتى نواصل الحياة بنفسية سوية وان نكون مسرعين الى الاستماع لنتعلم من خبرات الاخرين ونكون مبطئين فى التكلم او الغضب لنتجنب الكثير من الاخطاء { اذا يا اخوتي الاحباء ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب. لان غضب الانسان لا يصنع بر الله} يع 19:1-20.
+ ان اليوم واللحظة الحاضرة هى الفرصة المتاحة أمامنا للتفكير والتغيير والاصلاح . ويجب ان نشمر عن سواعدنا للبناء والتجديد الروحى والفكرى والاجتماعى . يجب ان نقدم فى يومنا توبة عن أخطاء الماضى ونعمل على معرفة ارادة الله وصنعها {ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). يجب ان نعمل على ان نحيا سعداء بعطايا ونعم الله المتنوعة وحتى وان كانت محدودة فالحكيم من لا يطمح الى الامساك بالنجوم ولا يعيش الاحزان خوفاً من عدم الأمان او يعتصره الحزن على ما يعانى من حرمان بل الحكيم من يعيش راضاً بما هو فيه وساعيا للوصول الى الأفضل ، نافضا عنه ذيول الخيبة واليأس والخوف من المستقبل . عاملا على أسعاد من حوله فى الاسرة والمجتمع. ومع انه قد نتعرض الى ضيقات او اتعاب او اضطهادات او حتى الاستشهاد من أجل أسم المسيح الحسن لكن ينبغى ان نثق ان حياتنا فى ايدى أمينة وان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت، فاننا من اجل إيماننا نمات طول النهار ولكن فى كل هذا نحيا فى سلام وعلى رجاء القيامة كما قال لنا السيد الرب {قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق و لكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33).
+ ومادام امامنا المستقبل فيجب علينا ان نفكر فيه وكيف وماذا نريد ان نكون عليه {ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام} (في 3 : 13). علينا ان نخطط ماذا نريد ان نكون بعد سنه وعشرة سنوات وعشرون سنه ان منحنا الرب العمر. فعلى مستوى الفرد والمجتمع ان لم يكن لدينا تخطيط سليم ومتابعة صادقة وأمانة فى الوصول الى أهداف استراتيجية لن نتقدم او ننمو فى حياتنا . فهل يمكن لسائق مركبة ان يصل الى مدينة معينة فى زمن محدد ان لم يسلك فى طريق الوصول اليها بدقة ؟ ان حياتنا هكذا لا يمكن ان ننجح فيها ونصل الى ما نريد ان لم تكون حياة هادفة فتصبح حياة ذات قيمة ومعنى ونصل فيها الى العيش السعيد والحياة الابدية . ومع التخطيط والمتابعة والتقييم والتوبة عن الاخطاء فاننا نحيا حياة التسليم لله واثقين ان الله ضابط الكل وقادر ان يحفظ حياتنا ويقوى إيماننا ونحيا معه فى عشرة محبة صادقة.
ألاهداف المرحليه فى الحياة ..
+ الاهداف المرحلية فى حياتنا هى أهداف تؤدى وتخدم الاهداف الاساسية وتقود للوصول اليها . نحن نسعى الى النجاح فى الدراسة أو العمل . أو نسعى الى تطوير أنفسنا أو الى التقدم فى مجال عملنا ، او حتى علاج المشكلات التى نواجهها وحلها والتغلب على الأزمات التى نتعرض اليها ، وقد نسعى الى تقوية علاقاتنا القائمة او ايجاد علاقات ومجالات جديده . او قد نسعى الى جمع المال أو الترقى فى العمل وخدمة الاخرين فى مجال عملنا وان نحيا حياة كريمة . وقد يسعى البعض الى تكوين أسرة سعيدة أو مساعدة الابناء فى حياتهم ونجاحهم وقد يكون هدف البعض منا النمو فى المال الروحى أو العملى أو الأجتماعى او الوطنى . نسعى لتأمين مستقبل أفضل لنا ولمن هم حولنا . ويجب ان تكون غاياتنا وأهدافنا المرحلية واقعية وقابلة للتحقيق ونعمل لأمتلاك الامكانيات والمهارات اللازمة للوصول اليها كما يجب ان تكون وسائلنا سليمة غير خاطئة حتى نصل الى الاهداف الاساسية .
+ ان نجاحنا فى تحقيق اهدافنا فى الحياة يتأتى من تحديدنا لهذه الاهداف ،ولهذا يجب ان تكون اهدافنا واضحة ومحدده ومخططه ثم نخضعها للمتابعة والمراجعة والتصحيح فليس من العيب التراجع عن قرار خاطئ او طريق لا نجد فيه أنفسنا بل العيب هو ان نعاند أنفسنا ونكون ما يريد البعض منا ان نكون . يجب ان نكون ايجابيين لا ندع الايام تقودنا كيفما يشاء القدر بل نصنع حياتنا بانفسنا على قدر طاقتنا . ونجاحنا يبدا من الداخل ومن معرفة الانسان لذاته وأمكانياته وتطويرها . يجب ان نكون ذواتنا وليس مقلدين لاحد ولا نتظاهر بما ليس فينا ، فانت الوحيد الذى يستطيع ان يحرر نفسه من القيود بمعونة الله وقوته . يجب ان نعمل ما نراه فى الاتجاه السليم لتحقيق غاياتنا والسير حسب ارادة الله لنا بما يوافق طبيعتنا ويناسب ظروفنا . ويجب ان لا ننهزم امام الخطية والشر أو الفشل والتعثر فى بعض محطات الطريق وان يكون لدينا الاصرار على بلوغ وتحقيق أهدافنا ونناضل من اجلها ولنسعى ان نكون ناجحين فى كل شئ {ايها الحبيب في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا كما ان نفسك ناجحة} (3يو 1 : 2). ان السعادة فى الحياة تاتى من حياة الرضا عن النفس والقناعه بما نحن فيه والعمل على النمو وعدم الاكتفاء او التقوقع والتوازن بين حياة العمق الداخلى والمشاركة الفاعلة فى الاسرة والكنيسة والمجتمع والاحساس بالسلام الداخلى الناتج عن علاقة طيبة بالله والاخرين .
+ فى علاقاتنا بالاخرين يجب ايضا ان نكون هادفين ويجب ان يكون لنا أهدف نسعى لتحقيقها ومنها خلاص نفوسنا ومن حولنا فالخدمات او الحوارات او اللقاءات تكون لها هدف سامى دون جدل عقيم أو نميمة منفرة . المحبة الحقيقة لا تحسد ولا تتفاخر ولا تحتد او تقبح او تظن السوء ، المحبة تحتمل وتصبر حتى ان تعرضت للتجريح أو الأساءة أو الظلم بل تدافع عن الحق فى أدب وتواضع لا بهدف كسب الجدال بل بهدف كسب القلوب والنفوس . نحن نعلم انه قد لا نستطيع ان نغير الإخرين لاسيما المعاندين والكارهين ولكن يجب ان نعمل على ان لا نذيد العداوة معهم وفى نفس الوقت نقدم لهم محبة الله الصادقة والأمنية ونبنى مع الغير جسور المحبة والتواصل ، ونصلي من أجلهم ونعمل على قدر أستطاعتنا على مسالمة جميع الناس وتغييرهم وتحويلهم الى اصدقاء متى أمكن ذلك . المسيحى لا يكره او يعادى أحد عالمين ان لنا عدو واحد هو الشيطان { فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات} (اف 6 : 12). وكما يعلمنا الكتاب المقدس { فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لانك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على راسه }(رو 12 : 20). وليست ذلك يعنى انك تريد أحراق عدوك ولكن عندما تعمل معه الخير فانه سيشعر بالذنب ويرجع عن خطئه فقديما كان المذنب او حتى القاتل ياتى بثياب كفنه ووعاء فيه نار على راسه ويذهب الى اهل المعتدى عليه طالبا المغفرة والصفح وكانه يقول انى استحق الموت والحرق ولكننى جئت طالبا المغفرة والسماح فيصفح عنه . وهكذا علمنا السيد المسيح ان نمتد بالمحبة حتى للاعداء وقال لنا احبوا اعدائكم، باركوا لاعنيكم ، واحسنوا الى مبغضيكم ، لكى نتشبه بابينا السماوى الذى يشرق شمسه على الصالحين والطالحين ويمطر على الابرار والاشرار .
الاهداف الاساسية المراد بلوغها ..
يجب ان نمتد وننمو فى محبة الله وتعميقها فى النفس ويقاس ذلك بمدى حرصنا على ارضاء الله وعدم خيانته بالانحياز الى الشيطان وحيله وأفعاله الشريرة. والحرص على الايجابية المسيحية من صلاة وصوم وخدمة ومحبة للاخرين وسعى الى خلاص النفس وصداقتها لله وارتباطها به وبإنجيله والعمل بوصاياه {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21).
+ فى سعينا نحو الاهداف الأساسية يجب ان نسعى الى حياة القداسة {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب }(عب 12 : 14) ونحرص ان يكون لنا نصيباً وميراثاً مع القديسين فى ملكوت الله . فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه {لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه (مت 16 : 26). وفى هذا نسعى الى معرفة الله والنمو فى محبته {وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو 17 : 3).
+ مع حرصنا على ان نحيا حياة كريمه ونسعى لتوفيرها لمن هم فى نطاق مسئوليتنا فيجب ان نهتم بخلاصنا الابدى عالمين ان ملكوت الله ليس أكلا وشرب {لان ليس ملكوت الله اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس} (رو 14 : 17) . ان ملكوت الله ليس عنا ببعيد بل ان أقتراب الله الينا بالتجسد الإلهي وحلول المسيح بالإيمان فى قلوبنا يجعلنا نحيا مذاقة الملكوت من الان { ملكوت الله داخلكم }(لو 17 : 21). ونحيا على الرجاء المبارك بميراث الملكوت السمائى { ينبغي لنا ان نشكر الله كل حين من جهتكم ايها الاخوة كما يحق لان ايمانكم ينمو كثيرا ومحبة كل واحد منكم جميعا بعضكم لبعض تزداد. حتى اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها. بينة على قضاء الله العادل انكم تؤهلون لملكوت الله الذي لاجله تتالمون ايضا.اذ هو عادل عند الله ان الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقا. واياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته. في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الله والذين لا يطيعون انجيل ربنا يسوع المسيح. الذين سيعاقبون بهلاك ابدي من وجه الرب ومن مجد قوته. متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين لان شهادتنا عندكم صدقت في ذلك اليوم. الامر الذي لاجله نصلي ايضا كل حين من جهتكم ان يؤهلكم الهنا للدعوة ويكمل كل مسرة الصلاح وعمل الايمان بقوة. لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيكم وانتم فيه بنعمة الهنا والرب يسوع المسيح} 2تس 3:1-12.
+ حياتنا فرصة عظيمة كل يوم لتنمية نفوسك وعلاقاتنا بالإخرين سواء فى محيط الأسرة الصغيرة أو العائلة او الكنيسة او العمل او المجتمع الذى تنتمى اليه ، نحبهم ونخدمهم ويكون لدينا فرصة للنمو فى محبة الله ومعرفتة الى ان نصل الى الشركة والاتحاد الروحى بالله والشبع الروحى والصداقة الدائمة معه . عالمين اننا ابناء الله وهو جاء ليهبنا الحياة الفاضلة على الارض والابدية السعيدة فى السماء {وانا اعطيها حياة ابدية و لن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} (يو 10 : 28) فلنقل اذن كما قال القديس بولس الرسول { لان لي الحياة هي المسيح و الموت هو ربح }(في 1 : 21). { الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليات ومن يرد فلياخذ ماء حياة مجانا} (رؤ 22 : 17).
+ أحبائى داخل كل منا فراغ كبير لا يملأه الا الله ، قد يكون من الاهداف المرحلية ان نحصل على السعادة والحياة الفاضلة الكريمة ، وقد يخطأ البعض فى اهدافهم نحو أشباع هذا الفراغ بالماديات والمراكز او اللذات او اشباع غرور الذات بالمناصب والشهوات ويظل الجوع الانسانى والحاجة الى الواحد الذى هو الله فى حاجة الى الاشباع . لقد خلقت نفوسنا على شبه الله ومثاله ولن تجد راحتها ولا سعادتها الا فيه وعندما نستريح معه ونكتشف من جديد الغنى الروحى والجوهرة الكثيرة الثمن داخلنا نكون على استعداد للجهاد والعمل الدؤوب وعدم التوقف لتحقيق ارادة الله بنا ومعنا .
طريق الكمال
من رسالة القديس باسليوس
إلى صديقه إيوستاثيوس في سباستيا
أنا أضعت وقتا كثيرا، وكرست معظم أيام شبابي في اقتناء العلوم الأرضية، التي تظهر لي الآن أنها مثل حماقة أمام الله. وفجأة في يوم استيقظت وكأني كنت في نوم عميق، ورأيت النور الشديد للحقيقة السمائية، وأدركت أن كل الحكمة التي تعلمتها من معلمي هذا العالم كانت باطلة، فبكيت بدموع كثيرة لأسفي على حياتي، وصليت ليعطيني الله بعض الإرشادات التي توصلني إلى حياة الإيمان.
أول كل شيء فعلته لأصلح مساري القديم في الحياة هو: إنني أختلط بالفقراء، وأمكث أقرأ في الكتاب المقدس.
فكرت أن أفضل طريقة للبدء في طريق الكمال هو أن أعتني باحتياجات هؤلاء الأخوة والأخوات المعدومين، وأن أشترى أطعمه وأوزعها عليهم، ونحّيت جانبا كل متعلقات ومشاكل هذا العالم بعيدا عن عقلي بالكلية، وبحثت عن الذين يشاركونني هذا العمل ويسيرون معي في هذا الطريق، حتى وجدت من أبحر معه في محيط هذا العالم.
ووجدت كثيرين في الإسكندرية ومصر وآخرين في فلسطين وسوريا والعراق، وتأثرت كثيراً بطريقة اعتدالهم في تناول الطعام، ومثابرتهم في الأعمال، وطريقتهم في أن يقاوموا النوم بالصلاة والتسبيح. حقاً أنهم يبدون كأنهم قادرين على مقاومة أي قوة في الطبيعة، ودائما يعطون لأرواحهم السهر بالكمال حتى ولو كانوا يعانون من الجوع والعطش والبرد والعرى. لم يستسلموا لأهواء أجسادهم أو حتى يعطوه أي اهتمام، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، ويظهرون بأعمالهم أنهم حقا غرباء عن هذه الأرض وموطنهم الحقيقي هو المملكة السمائية.
حياة هؤلاء الناس ملأتني بالسعادة والتعجب، لأنهم أظهروا أنهم حاملون في داخلهم جسد المسيح، ولهذا قررت – طالما أنا أستطيع – أن أحاول إتباع مثال حياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق