للأب القمص / أفرايم الأنبا بيشوي
مفهوم الرياء واسبابه ..
الرياء مرض روحي ونفسي واجتماعي يصيب الإنسان ويجعله يظهر للناس بصورة غير حقيقية ليخدع الغير فى نفاق وكذب ربما ليكسب ود الغير أو ليظهر بصورة التقوى والمحافظة على القيم لينال المديح والتبجيل والمجد الباطل. والرياء من أخطر أنواع الكذب لان المرائى يكذب ليخدع الغير ويتقمص شخصية غير شخصيته ويخدع البسطاء وقد يصدق نفسه ويحيا فى ازدواجية لا تعطي فرصة للتوبة والرجوع الى الله. وقد أدان السيد المسيح المرائيين، وأعلن ان الرياء لابد أن ينكشف والخفي لا بد إن يظهر { وفي اثناء ذلك اذ اجتمع ربوات الشعب حتى كان بعضهم يدوس بعضا ابتدا يقول لتلاميذه اولا تحرزوا لانفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء. فليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف.لذلك كل ما قلتموه في الظلمة يسمع في النور وما كلمتم به الاذن في المخادع ينادى به على السطوح.}( لو1:12-3). فالمرائي لابد أن ينكشف ويفقد ثقة الناس وأحترامهم وقد يستطيع المرائى ان يخدع غيره بعض الوقت لكنه لن يستطيع ان يخدع كل الناس أو كل الوقت، ولن يستطيع ان يهرب من حكم الله الديان العادل والذى كل شئ مكشوف أمامه. الرياء لابد ان ينكشف سريعا وكما قال الشاعر قديما:
ثَوْبُ الرِّيَاءِ يَشِـفُّ عَمَّـا تَحْتَـهُ ... فَـإِذَا الْتَحَفْتَ بِـهِ فَإِنَّـكَ عَارِ
+ اعطي السيد المسيح له المجد الويل للمراؤون قديما بسبب ريائهم ونتائجه الخطيرة { لكن ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل ولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تاخذون دينونة اعظم. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا.} (مت 13:23-15 ). الرياء يهلك صاحبه ان لم يقدم عنه توبة ويعالج نتائج ريائه على الآخرين.
+ ياخذ الرياء مظاهر وأشكال شتى كالكذب على الغير، ونعلم ان الكذبة نصيبهم الهلاك{ واما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان و جميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني}(رؤ 21 : 8). وقد ياخذ الرياء شكل النفاق للبعض لتملقهم وكسب ودهم أو ياتي فى صورة الذم والنميمة والادانة والكراهية فى حضور الناس أو غيابهم. الرياء حتى فى العبادة يقود الى شكليتها فتكون العبادة بلا روح وفى حرفية وفريسية قاتلة{ فاجاب وقال لهم حسنا تنبا اشعياء عنكم انتم المرائين كما هو مكتوب هذا الشعب يكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا }(مر 7 : 6). ومن خطورة الرياء ان المرائى يسقط عيوبه على غيره وينتقد الناس ويدينهم بدون رحمة أو معرفة ويتسبب فى العثرات للغير ويطلب المرائى المتكأ الاول فى المجالس. ولهذا نرى الرب فى الغظة على الجبل يدعونا الى عدم الادانة والنظر الى عيوبنا وعلاجها { لا تدينوا لكي لا تدانوا. لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لاخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك.} (1:7-4) فهنا نرى شخص في عينه خشبة ويريد أن يُخرج القذى من عين أخيه ويقول لأخيه دعني أخرج القذى من عينك، أي أنه لا يستحي أن يجرح مشاعر أخيه لسبب ضعفات يسقط هو في ضعفات أكبر منها.
+ من أسباب الرياء الشعور بالنقص أو الكبرياء أو الاهتمام بالمظهر دون الاهتمام بالجوهر مثل الفريسيين الذين كانوا يهتمون بأن تكون أياديهم نظيفة قبل الأكل مع أن قلوبهم مملوءة بالنجاسة فهم يشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة (مت 23: 27(. وقد يرتئى الإنسان فوق ما ينبغى بدون تعقل فى كبرياء وهذا يحتاج منا الى النظرة السليمة والحكيمة للنفس. ومن أسباب الرياء الاهتمام بالمظهر اكثر من الجوهر وحب الظهور والمظاهر الكاذبة، قد يرجع الرياء الي أهتمام الإنسان براي الناس أكثر من وصايا الله فى أخفاء لحقيقة الانسان عن الغير. وقد يكون الخوف من انكشاف سر أو امر معين هو الدافع للرياء، لقد خاف داود النبى قديما من من لخيش ملك جت فغير عقله فى اعينهم وتظاهر بالجنون من ايديهم واخذ يخربش على مصاريع الباب ويسيل ريقه على لحيته (1صم 21 : 13).
علاج الرياء ...
+ حياة الإيمان .. إيماننا بالله ومحبته ورحمته ومعرفته بكل ما فى قلوبنا من عواطف وما فى عقولنا من أفكار وما فى نفوسنا من دوافع وميول يجعلنا نحيا فى صدق مع الله ومع الناس ونحيا حياة الإيمان العامل بالمحبة فى صدق وأمانة وإيمان. إيماننا بان الله أمين وعادل يحاسب كل واحد كنحو أعماله وتصرفاته يجعلنا نتوب عن ضعفاتنا ونحيا حياة البر والتقوى كما ان ايماننا بان كل شئ مكشوف وعريان لدى الله يجعلنا لا نكذب ونحيا فى مخافة الله، المؤمن يثق فى أبوة الله له ويتشبه بسيده ويقتدى بمعله الصالح يجول يصنع خير ويحيا حياة البر والتقوى ويلاحظ نفسه والتعليم مداوما على ذلك حتى النفس الاخير فان غاية الوصية هى { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء }(1تي 1 : 5). علينا ان ندرب أنفسنا في حياة الإيمان بان الله حاضر معنا فنحيا فى مخافته وأنه قادر ان يعيننا لنسلك فى وصاياه بلا لوم ولا عيب.
+ المحبة الروحية .. المحبة الروحية الحقيقية هى محبة من الله وتسعى الي بناء الغير وخلاصهم فى بذل وعطاء. بالمحبة للغير نعلن تبعيتنا للسيد المسيح { بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض }(يو 13 : 35). المحبة المسيحية هى محبة بغير رياء { المحبة فلتكن بلا رياء كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير} (رو 12 : 9). والمحبة رباط الكمال المسيحي {وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال} (كو 3 : 14). ولهذا يشدد الكتاب على محبتنا لبعضنا البعض {واما المحبة الاخوية فلا حاجة لكم ان اكتب اليكم عنها لانكم انفسكم متعلمون من الله ان يحب بعضكم بعضا }(1تس 4 : 9). المحبة الحقيقة تسعي لسعادة الغير وبناء النفس فى تواضع قلب ورحمة للغير وعمل لربح الاخرين لله وراحتهم.
+ الصلاة والحكمة .. الصلاة بالروح والحق تقتدر كثيرا فى فعلها. وكل شئ مستطاع للمؤمن. ان وجود الرغبة الصادقة فى ترك الرياء وحياة الخطية والحياة مع الله قى صدق وأمانة يجعلنا لا نشاكل أهل هذا الدهر بل نتغير عن شكلنا بتجديد أذهاننا ونعرف ارادة الله الصالحة المرضية والكاملة ونسلك فيها. علينا أن نطلب الحكمة من الله فى ثقة وسيعطي لنا ان نضبط ذواتنا وأفكارنا وأقوالنا ونقول الصدق والحق فى محبة { واما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوة رحمة واثمارا صالحة عديمة الريب والرياء}(يع 3 : 17).
الروح القدس هو روح الحكمة والقداسة وهو الذى يرشدنا الى الحق ويهبنا القوة والنعمة لنسلك كما يليق ويحق لإنجيل المسيح {واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان. وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس. ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء و الشهوات. ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح.لا نكن معجبين نغاضب بعضنا بعضا ونحسد بعضنا بعضا} (غلا 22:5-26).
+ القدوة الصالحة .. علينا ان نتعلم من ابائنا القديسين وسيرتهم وإيمانهم وأعمالهم وأقوالهم ونقتدى بهم. ان طريق القداسة والكمال المسيحي قد رسمه لنا الرب يسوع المسيح وسار فيه الكثيرين من القديسين. لقد استطاع الله بعمل نعمته ان يحرر ويغير ويقود الخطاة الى التوبة والنمو والقداسة وقد جاء ليدعو الخطاة الى التوبة { فاذهبوا و تعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 9 : 13). والله يعرف ضعفنا وأمكانياتنا ويستطيع ان يعمل بنا ومعنا لمجد أسمه القدوس محررا ايانا من الرياء والنفاق والكذب لنحيا حياة الصدق والمحبة والإيمان فى رجاء راسخ بعمل نعمة الله معنا { ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مراة نتغير الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد كما من الرب الروح }(2كو 3 : 18).
فيك رجائي وحكمتي ...
+ ربي والهي ..أنت تعرف ضعف طبيعتى كخالق لجبلتي يا سيدي، وتدرك قوة أعدائى وميلي للمجد الباطل، فارحمنى يا سيدي وهبني حكمة لاسلك كما يليق لابناء الله القديسين وأعطني قوة لعمل ارادتك الصالحة والكاملة وأمنحني نعمة لضبط ذاتي وفقا لوصاياك لاسير كما يحق للإنجيل فى محبة كاملة لك وللغير ولصنع الخير.
+ لقد دعوتنا يارب أن نسلك كما يليق بالدعوة بابناء الله القديسين بكل تواضع القلب وطول الاناة، محتملين بعضنا بعضا فى المحبة، مقدمين بعضنا بعض فى الكرامة، مسرعين الى حفظ وحدانية الروح برباط الصالح الكامل، فهبنا يا رب من روحك القدوس الحكمة لنتبعك بكل قلوبنا ونسلك فى مخافتك كل الأيام ونحب الكل محبة روحية صادقة تسعي لبناء النفس والغير على حياة الفضيلة والتقوى الى النفس الأخير.
+ نصلى اليك فى الروح لتعين ضعف الضعفاء، وتقيم الساقطين وتهبنا توبة مقدسة ترضيك وحياة صالحة وترفع البائسين وتعطي عزاء لصغيري القلوب والمحزونين، خلص شعبك وبارك ميراثك لكي لا يقوى علينا مرض الخطية ولا على كل شعبك، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق