الثلاثاء، 8 مارس 2016
الصوم المقدس 2- الصوم فى حياة السيد المسيح والكنيسة
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ بدء السيد المسيح خدمته بالصوم .... لكي يبين لنا السيد المسيح أهمية الصوم فقد بدء خدمته العامة بعد العماد بالاختلاء والصوم مع الصلاة لمدة اربعين يوماً { ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس. فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة جاع اخيرا. فتقدم اليه المجرب وقال له ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزا. فاجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} (مت 1:4-4). الصوم يعطينا القدرة على الانتصار على تجارب الشيطان ورفض مشورته. علمنا السيد الرب كيف نشبع بكلمة الله وهو يقيت الجسد ايضا أن عمل مشيئة الله هو شبع للانسان الروحي فعندما ذهب التلاميذ ليبتاعوا طعاما فى السامرة ورجعوا { وفي اثناء ذلك ساله تلاميذه قائلين يا معلم كل. فقال لهم انا لي طعام لاكل لستم تعرفونه انتم. فقال التلاميذ بعضهم لبعض العل احدا اتاه بشيء لياكل. قال لهم يسوع طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله}(يو 31:4-34). ونحن يجب أن نشبع بكلمة الله وصنع ارادته ومحبته وهو يعتني باحتياجاتنا الجسدية والمادية ولن يعوزنا شئ.
+ تعليم السيد المسيح باهمية الصوم .... صام السيد المسيح أربعين يوما وأربعين ليلة (مت 2:4). مقدما لنا مثالا لتتبع اثر خطواته. وعندما سالوا السيد المسيح عن صوم تلاميذه قائلا أجاب بوجوب الصوم بعد صعوده للسماء { وَكَانَ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا وَالْفَرِّيسِيِّينَ وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلَكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ.} (مر 18:2-20). ولقد صام الرسل الصوم المعروف بصوم الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم وصاموا أيضا عند اختيار الخدام ورسامتهم (أع3:13،27:14). أما عن الصوم الخاص نرى القديس بولس الرسول يصوم في وقت الخطر خلال رحلة بولس الرسول لروما (أع 21:27). أما قول البعض أن السيد المسيح لم يحتم الصوم بل تركه للظروف بقوله "متى صمتم". فلماذا نصوم في أوقات ثابتة "سنويا"؟. فان كلمة متى تفيد التحقيق والتأكيد وليس الشك، بحيث يكون في حكم الواقع المحتم مثل قول الرب: { متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه} (مت31:25). أن كلمة "متى" تقرر حقائق مقررة ووقوعها محتم وقد حدد الرب أوقاتًا معينة للصوم (لا 29:16، زك 19:8، لو 12:18). وحدد الرب يسوع له المجد موعد بدء صوم الرسل بعد صعوده عنهم إلى السماء (مت 15:9) وهذا ما تم فعلا (أع 13،14،27). وعلينا ويجب الخضوع للترتيب الكنسي الذي وضعه الرسل والكنيسة لما فى الصوم الجماعي من فؤائد تقودنا الي وحدانية الروح في العبادة وفي التقرب لله.
+ الصوم قوة ننتصر بها فى الحروب الروحية... بالصوم والصلاة نستطيع ان ننتصر على ابليس وهذا ما أكد عليه السيد المسيح عندما اتوا اليه بشاب عليه ارواح نجسة ولم يستطيع التلاميذ ان يخرجوها وشفاه السيد المسيح وعندما ساله التلاميذ لماذا لم نقدر نحن أن نخرج الشياطين؟ { ولما دخل بيتا ساله تلاميذه على انفراد لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه. فقال لهم هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة والصوم} (مر28:9-29). وما سمعنا عن أحد من القديسين أنتصر فى حروبه علي إبليس الا وكان الصوم والصلاة من الأسلحة الروحية التي أنتصر بها وتغلب على حيل الشيطان.
+ الأصوام الكنسية الجماعية... هى التى يصومها المؤمنين حسب طقس كل كنيسة، لقد صام المسيح لنتعلم من ونتبع خطواته لهذا نصوم الاربعين المقدسة كل عام مع صوم اسبوع الآلام ونصوم يومي الاربعاء والجمعة من ايام الاسبوع ماعدا فى أيام الخماسين المقدسة منذ العصر الرسولى. كما نصوم صوم الميلاد استعدادا لاستقبال الله الكلمة المتجسد كما صام موسي النبى قديما اربعين يوما ليستقبل لوحى العهد. بالاضافة الى الصوم المعروف لدينا بصوم العذراء الذى صامه المتبتلين اولا ثم عامة الشعب وراينا مثال له فى الانجيل { وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط اشير وهي متقدمة في ايام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي ارملة نحو اربع و ثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة باصوام وطلبات ليلا ونهارا. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم}(لو36:2-38).
+ أهتمام السيد المسيح بروحانية الصوم... أهتم السيد المسيح بروحانية الصوم والعبادة وبالبعد عن المظهرية فى الصوم والصلاة والصدقة بصفة عامة { ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية}(مت 16:6-18). ويقول القديس باسليوس الكبير ( لاتكونوا عابسين وأنتم تستعيدون صحتكم. فإنه لا بدّ لنا أن نتهلل لصحة أنفسنا، ولا مجال للحزن بسبب تبدّل الطعام وكأننا نؤثر ملذّات البطن على منفعة أنفسنا، لأن الشبع يقف إحسانه عند حدود البطن، أما الربح الناتج عن الصوم فهو يَنفذ إلى النفس. كن فرحاً لأنك أعطيت من قبل طبيبك دواء ينزع الخطايا. لا تبدّل وجهك كما يفعل المراؤون. إن الوجه يتبدل عندما يظلم الداخل مع التظاهر الخارجي، وكأنه مخفي وراء ستار كاذب. المرائي هو الذي يكون له على المسرح وجه آخر. يرتدي قناع السيّد وهو في الحقيقة عبد. يلبس قناع الملك وهو بالحقيقة من عامة الناس. هكذا أيضاً في الحياة الحاضرة، كثيرون يتظاهرون وكأنهم على المسرح. يكونون على كل شيء في عمق القلب ويتظاهرون بوجه آخر أمام الناس. أما أنت فلا تبدّل وجهك. كما أنت هكذا أظهر للآخرين. لا تبدّل مظهرك عابساً ساعياً وراء الشهرة عن طريق التظاهر بالصوم والإمساك، لأنه لا نفع للإحسان الذي يطبَّل له، ولا ثمر للصوم الذي يشهّر أمام الناس، أي كل ما يقوم به الإنسان بغية التظاهر أمام الآخرين لا ينفذ إلى الدهر ولا يتخطى حدّه مدح الناس. أسرع بفرح إلى هبات الصوم. إنّه هبة قديمة العهد لا تعتق ولا تشيخ، بل تتجدد وتزهر على الدوام).
+ الصوم والتوبة والمصالحة .... الصوم لكى يكون مقبولا يجب ان يكون مقرونا بالتوبة والتواضع والمصالحة مع الخير { ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم، واياي يطلبون يوما فيوما ويسرون بمعرفة طرقي كامة عملت برا ولم تترك قضاء الهها يسالونني عن احكام البر يسرون بالتقرب الى الله. يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا انفسنا ولم تلاحظ ها انكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل اشغالكم تسخرون،ها انكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الانسان فيه نفسه يحني كالاسلة راسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب.اليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك اذا رايت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك.حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك.حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هانذا ان نزعت من وسطك النير والايماء بالاصبع وكلام الاثم.وانفقت نفسك للجائع واشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر. ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه.ومنك تبنى الخرب القديمة تقيم اساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى} (اش1:58-12).
+ الصوم فى حياة الأباء واقوالهم.... لقد اختبر ابائنا القديسين الصوم وفائدته ومارسوه بمحبة وبه سمت ارواحهم وتهذبت نفوسهم وقويت ارواحهم وقالوا فيه الكثير حسب خبرتهم . الصوم عند الاباء هو صوم الجسد عن الطعام وصوم اللسان عن الكلام البطال وصوم القلب عن الشهوات ونقاوته من الخطايا كما قال مار اسحق (الذى يصوم عن الغذاء ولايصوم قلبه عن الحنق والحقد ولسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم وصوم القلب أخير من الاثنين). وقال القديس مكسيموس (من غلب الحنجرة فقد غلب كل الأوجاع) شيخ حدثته أفكاره من جهة الصوم قائلة (كل اليوم وتنسك غدا فقال لن أفعل ذلك. لكنى أصوم اليوم وتتم ارادة الله غدا. ويقول القديس باسيلوس الكبير ( أن الصوم الحقيقى هو سجن الراذئل أعنى ضبط اللسان وامساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة). ونجد ان المقدرة على الصوم تأتى بالتدريج فقد قال أنبا أولوجيوس لتلميذه (يا بنى عود نفسك اضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا لأن بطن الانسان أنما تشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته كذلك الأحشاء التى تحشى بالأطعمة الكثيرة ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل) . الصوم عند الاباء هو الحصن الذى نحتمى فيه والصلاة هى السلاح (حصن الانسان الروحي هو الصوم وسلاحه هو الصلاة فمن ليس له صوم دائم فلا يوجد حصن يمنع عنه العدو ومن ليست له صلاة نقية فليس له سلاح يقاتل به الأعداء). الصوم انتصار على اوجاع الجسد الروحية ، قال القديس يوحنا القصير (اذا أراد ملك أن يأخد مدينة الأعداء فقبل كل شئ يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له هكذا أوجاع الجسد اذ ضيق الانسان على نفسه بالجوع والعطش ازاءها فانها تضعف). القصد الالهى من الصوم هو الجهاد المستمر بإيمان ضد الذات واغراءات العالم والجسد حتى نصل إلى نقاوة القلب التى بها نعاين الله ونشبع به .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق