للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ نظرة لما حولنا
من حوارات ..
أ- كنت
أتابع القنوات الفضائية لمتابعة ما يجرى من أحداث ساخنة فى عالمنا العربى
وفتحت على احدى القنوات الفضائية وكان فيها حوارأ تلفزيونى بين اثنين يفصل بينهما
مقدم البرنامج ولقد صدمنى كم الكلمات القاسية والمقاطعة فى الحديث بين المتحاورين
ولم يتبقى الا ان يتشاجرا وكأنهما فى حلبة الملاكمة، ان هذة المناظرة هى صورة
مصغرة لما يجرى فى البيت والشارع والمجتمع العربى والذى تستخدم فيها شتى أشكال
العنف اللفظي والمادي والمقاطعة وعدم الانصات وحوار الطرشان والاستهزاء وتقليل
قيمة الرأى الاخر وكأننا لسنا أهل رقى وحضارة وأدب راقى. وقد يتطور الأمر وسوء
الفهم الي الأقتتال القبلي والعشائري والديني ويهيج المتعصبين والمتطرفين
ويستخدموا النزعة القبلية والدينية والطائفية ليصل الأمر لأستخدام السلام والقتل
علي الهوية وهذا ما يقود في دول عربية كثيرة الي الأنقسام والتشرزم والتدخل
الخارجي فى شئون الدول.
ب - ان الحوار والإحترام واستخدام المنطق والأقناع هى
سمة التحضر والرقى ولم يعد أسلوب إصدار الأوامر والنواهى الا لغة الجهلة والضعفاء،
اننا نحتاج لمن يحترم الإخرين ويقنعهم فى عصر تتاح فيه المعرفة للصغير قبل الكبير،
وللشباب قبل الشيوخ ويجب علينا ان نكون مقُنعين ومقتنعين باهمية الحوار المتمدن،
حتى لا نصل بالأخر الى التمرد والرفض والعناد والأصرار ثم الثورة وان كان الله لا
يفرض علينا الإيمان بل يستخدم الأقناع والنصح فكيف للبعض ان ينصبوا انفسهم فوق
مستوى الله بدكتاتورية كاذبة. حتى فى مجال التعليم الديني لا يجب ان نرهب الاخرين
بل نرغبهم فى الله ونجذبهم اليه بربط المحبة والأقناع. ومن أهم الاداب التى علينا
تعلميها لاولادنا منذ الصغر هى اداب الحوار، فعندما نتحاور مع بعضنا البعض هناك آداب
عامة علينا اتباعها حتى يكون الحوار راقى ومفيد وصحى وسليم ووفق للاخلاق والذوق
والأصول.
ج- اننا
نحتاج للتذكير اننا فى عالم يموج بالأفكار والأراء والاحزاب والاديان والاعراق وكل
واحد منا يريد ان يكسب مؤيدين لفكره ونحن لهذا نحتاج للحوار اما لتوصيل فكرنا او
لتأييد موقفنا او للوصول لقاسم مشترك من الأفكار والاراء ولا يمكننا الغاء الراى
الأخر او تهميشه بل يجب ان نحترم الأخرين وارائهم ان اردنا ان يكون لنا الأحترام
والقبول، أننا يجب أن ندخل الي الحوار لا لكي نهمش أونهزم أو نفحم الرأي الأخر بل
لنصل الي الحقيقة والفهم المشترك والتعاون وزيادة صلات المحبة وكسب القلوب. أن
الله يريد ان يتحاور حتى مع الخطاة لا ليفضحهم أو يبكتهم أو يدينهم ولكن ليكسبهم
ويغفر خطاياهم ويقبل توبتهم { هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ
خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ
كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ} (اش 1
: 18). وهذه أهم القواعد التي يجب أن
نراعيها ونطبقها لكي نصل الي حوار راقي يريحنا ويقودنا الي التوفيق والأحترام
المتبادل فى الأسرة والعمل والمجتمع.
آداب الحوار الراقي...
أ- كن مستمعاً طيباً ان اردت ان تكون متحدثاً لبقاً
..
لقد خلق الله لنا أذنين وفم واحد لنتكلم أقل مما
نسمع وهذا يثرى فكرنا ويغذى عقولنا ويكسبنا أحترام الأخرين. ان اردت ان تكون
متحدثاً لبقاً ، فكن مستمعاً جيداً . استمع لاراء الاخرين وأفكارهم حتى وأنت
مقتنعاً بصحة فكرك فلكل إنسان قناعته الشخصية التى ليس من اللأئق ان نسفه منها ،
قد يكون فكرك صحيح قابل للخطأ وقد يكون فكر الاخر هكذا ايضاً فنحن بشر ولسنا
معصومين من الأخطاء فى عصر ليس كل المعطيات أوالاسباب معروفة لنا أو فى أمكاننا،
وحتى ان كسبت جدالاً فلا تخسر قلب محدثك وتظهر بمظهر المنتصر فقد تبرهن لك الأيام
خطأ رايك أو صحته وتكون كسبت صديقاً قد تجده وقت الشدة. لهذا يقول لنا الكتاب أن رابح
النفوس حكيم { هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب هوذا
الاستماع افضل من الذبيحة والاصغاء افضل من شحم الكباش} (1صم 15
: 22). كن حسن الاستماع وانصت جيداً وتفهم وأقبل الراي الأخرولا تقاطع الأخرين فى
الحديث مهما كان سنهم أو مركزهم فعندما يتحدث الطرف الاخر علينا الانتظار حتى يفرغ
تماما من حديثه وننتظر حتى ينتهى حديثه ثم نبدء الرد علي.
.
ب- عليك
باللطف واللين والتقدير...
كان شخص يسير يوما وهو يلبس معطفا ثقيلاً وتحاورتا
الشمس والريح على من يستطيع ان يجعل الرجل ينزع معطفه، زمجرت الريح بكل قوتها
والرجل يتمسك أكثر بالمعطف وفشلت الريح بقوتها ، تقدمت الشمس باشعتها الدافئه تشرق
بلطف على الرجل فما كان منه الإ ان نزع المعطف واستمتع بدفء الشمس. هكذا انت يا
عزيزى ان اردت ان تجنى العسل لا ينبغى ان تحطم خلية النحل، كن لطيفاً فى حوارك،
رقيقاً فى كلماتك، طيب المعشر {الجواب اللين يصرف الغضب والكلام
الموجع يهيج السخط} (ام 15 : 1). فليس بالقوة وعلو الصوت تكسب حواراً بل
بالإقناع والوداعة والمنطق لقد جاء عن السيد المسيح انه وديع متواضع القلب
وبالوداعة كان يكسب القلوب وبالتواضع والمحبة كان يجذب الناس الى محبته حتى شهد له
الأعداء قبل الإتباع والاصدقاء بقولة الصدق فى تواضع ورقة ولهذا دعانا ان نتعلم
منه {تعلموا مني لاني وديع و متواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11
: 29). علينا بالتواضع والوداعة ، والأبتعاد عن الكبرياء والتعالى الذى ينفر
الغير ويخسرهم.
ج- الحوار لا
يعنى توافق الاراء الالغاء .. ان حواراتنا مع الإخرين لا يعنى وصولنا الى تطابق او توافق الاراء ،
قد نحتاج الى وقت لكى ينضج الفكر او من خلال تبادل الحوار تتولد فكرة جديده أفضل،
اننا لا يجب ان نتعصب لفكرة ما بقدر أنحيازنا الى الحقيقة في اسلوب حضارى، وليس
عدم قبولي برايك معناه انى ضدك ودون ان نلجأ لشريعة الغاب والعنف اللفظى او
الايذاء ولكن مجرد النقاش نفسه وعرض الأفكار على الغير بصدر رحب ونفسية إيجابية
فهذا بحد ذاته غاية توفّر التعددية المطلوبة في المجتمعات التي تكفل الحرية فيها
للجميع، وترفقنا
بالإخر يبعد عنا الضغينة والأحقاد ويجبر الناس على إحترامنا وقبولنا . فى اى
مناقشة يكون لكل طرف رأيه الخاص الذى يحاول ان يثبت صحته بكل قوته الا ان من اداب
الحوار احترام الطرف الاخر وعدم التشبس بالرأى والا فلما المناقضة والحوار من
الاساس. أن الاختلاف في الرأى لا يفسد
للود قضية، فإذا انتهت المناقشة وكل طرف متمسك برأيه الخاص فلا نغضب من بعضنا
البعض بل نحترم بعضنا.
د- التنوع فى الطبيعة
والحياة ..
اننا اذ ننظر حولنا للحقول
والزهور والبيوت وحتى فى جسم الانسان نرى التنوع من سنن الحياة وهذا ما يثرى
الحياة ويغنيها ويذيدها جمالاً وبهاء، لايوجد انسان على ظهر الإرض تماثل بصمته
بصمة الإخر، نحن فى العالم العربى حضارتنا تتميز بالتنوع الفكرى والثقافى والدينى
والعرقى والمذهبى ولقد تسبب عدم قبول الإخر والمختلف عبر التاريخ فى كوارث
وانشقاقات كنا ومازلنا نعاني منها. نحتاج الى فكر راقي وقلوب متسعه وروح متضعه
وفهم وأحترام تتسع لقبول المختلف عنا فى الرأي او المعتقد او الفكر او العرق او
الدين، نحتاج لكل يد تبنى فى المجتمع، كلنا لنا ألسنة وعقول ونستطيع ان نعرض
ارائنا دون تهديد او وعيد للمختلف عنا والاسلوب الراقى واحترام الإخر نحتاجه فى
وسائل الإعلام من صحف واذاعة وتلفزيون لما لها من دور فى توجيه الذوق والراى العام،
نحتاج للأحترام والمنطق والقبول فى الجوامع والكنائس، فى المدارس وكتب التعليم،
والا نجد أنفسنا نتخلف ونتراجع ليست عن روح العصر والروح الإنسانية التي خلقنا
الله عليها ونرجع لشريعة الغاب أو عواء الذئاب. نصلى ليقودنا الله ويحفظ بلادنا
ومنطقتنا من الدمار والخراب، ويهبنا حكمة ونعمة ويقودنا لبناء مجتمع راقي يحترم
كرامة الإنسان ويحفظ له إنسانيته وكرامته
فى حضوره أو فى الغياب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق