للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ الصبر يعني المثابرة، الأناة، التأني، التسامح، التجلّد،
المجالدة، ضبط النفس، تمالك النفس والأعصاب، كظم الغيظ ، سعة الصدر، التروي . والصبر
ثمرة من ثمار الروح القدس التي تحتاج إلى جهاد ومعرفة في أقتنائها، كما أنه لا
تعني عدم العمل أو الركون لتدخل الله في حل المشكلات دون البحث في حلها واتخاذ
أفضل الوسائل للوصول لحل وعلاج وإنهاء المشكلات التي نواجهها في حكمة وقوة
وجهاد وعمل بتأنى. الصبر يعني أنه يجب أن نفكر قبل كلّ عمل نُقدم عليه. نفكر أولا
ثمّ نعمل بحكمة وضبط للنفس ليفهم الإنسان ما يدور حوله ويعرف ما الذي يساعده وما
الذي يعيقه، ما الربح وما الخسارة من وراء كلّ عمل يقوم به. قد نجد البعض يستعجل
في الردّ على كلّ كلمة أو نظرة أو حركة من الغير. وردّهم هذا يمكن أن يكون وبالاً
عليهم. وبالصبر نتروى ونفكّر قبل القيام بأي عمل ونتعوّد على ضبط أعصابنا وكبح
جماح أنفسنا فيكون تعاملنا بروح التسامح وسعة الصدر.
+ الطبيعة حولنا تعلمنا الصبر فنحن نغرس البذور وعلينا ان نتعهدها لتنمو و تأتي بالثمر؛ قد نصبر على البذرة شهور حتى تنمو وتأتى بالثمر وقد نصبر عليها سنين كما فى بعض الأشجار المعمرة حتى تثمر. لهذا علينا أذن ان نتحلي بالصبر وضبط النفس واللطف { انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ } (مز 37 : 7) والصبر وطولة البال والمثابرة تكتسب بالتمرن والممارسة.
+ أننا نتعلم الصبر من الله الذي يصبر علينا مانحا إيانا فرصة للتوبة وعمل الخير. ويدعونا أن نتعلم منه الصبر. لقد أحتمل السيد المسيح وصبر حتى على أحتمال الآلام والصليب من أجل خلاصنا { نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ} (عب 12 : 2 ) . وقد طوب الله الصابرين كما فعل مع ايوب البار {هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ } (يع 5 : 11) والكتاب المقدس يعلمنا الصبر والمثابرة على رجاء { لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ} (رو 15 : 4).
+ يجب أن نصبر على أنفسنا ونسعى الى خلاصها. بالصبر نربح و نقتنى أنفسنا. وبالصبر على من حولنا فى محبة وأحتمال نربحهم ونكسب محبتهم متذكرين صبر الله علينا. فدقائق وساعات من الصبر تقينا من شر الندم ايام وشهور، أننا سنحصل على فراخ الطير متى صبرنا على البيض حتى يفقس لا أن نكسر البيض لتموت صغاره أو تخرج غير مكتملة النمو. الحليم خير من القوى ومالك نفسه خير من من يملك مدينة. نعم علينا بالصبر والجهاد حتى ننال ونرث المواعيد { لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ }(عب 10 : 36).
+ ان الله يطيل أناته ويصبر على أخطائنا فهل نطيل أناتنا ونصبر على أخطاء الآخرين ألينا. ان الله يُطيل أناته على الخطاة والجاحدين ، ومن أجل طول أناته لم يهلك البشر ولم يفنى العالم بكثرة شره بل ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا وفتح ذراعيه قائلاً { تعالوا إلى يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم} لقد قاد الله بصبرة وطول أناته كثيرين إلى التوبة ومن أجل طول أناته يشرق شمسه على الأبرار والأشرار. وأنت عندما تواجه البعض مما يتصرفوا معك بدون لياقة أو بعدم احترام فاضبط نفسك ولا تفقد رجاءك فيهم، بل بطول أناتك أكسبهم وأعلم أن رابح النفوس حكيم، والمثل يقول "أن قطرات من العسل تصيد من الذباب أكثر مما يصطاده برميل من العلقم" فليكن لك الروح الوديع وسعة الصدر ولا تتبرم وتتذمر وأصبر. عندما كان داود النبى مطارداً من أمام ابنه أبشالوم أخذ أحد العامة يسبه وهو يلقى عليه بالأحجار فقال قائد جيش داود : دعني أقتله فرفض داود فى صبر وتواضع قائلاً : لا.. دعه لينظر الله إلى أتضاعى وينقذني. ومن أجل تواضع داود رده الله إلى مملكته. وأنت أعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء فالنار لا تطفأ بالنيران بل بالماء. أحتمل الافتراءات ولا تنتقم لنفسك والتمس الأعذار للناس كضعف بشرى يحتاج إلى العلاج والوقوف مع من يسئ إليك في خندق المحبة والتأني والترفق به ولا تفقد الأمل في الإصلاح وسيأتى اليوم وستجني ثمار صبرك خير.
+ أيها الرب الرحوم، طويل البال وكثير الرحمة والتحنن، يا من تصبر علينا وتتأني لنتوب و نأتي بثمر علمنا أن نصبر ونتأني على من حولنا ونلتمس لهم الأعزار، علمنا أن نضبط أنفسنا لاسيما في وقت الضيق والغضب ونصمت حتى تعبر ريح الغضب بسلام ولا نخسر أنفسنا أو غيرنا .
ايها الاله الرحوم نشكرك على صبرك وحلمك ونعمتك التي تهبنا حياة ونجاة وخلاص. ليعطينا روحك القدوس حكمة بها نصبر على تقلبات الناس والأحداث لتبحر سفينة حياتنا بسلام ونصل الي شاطئ الأبدية ونحن رابحين أنفسنا وننال النصيب الصالح مع أبائنا القديسين، أمين.