للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
ب التي أخذها الفرس من أورشليم فى 614م. وأعاد ذخيرة الصليب المقدس ودخل بها إلى القسطنطينية التي استقبلت الموكب باحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والابتهاج. بعدها نقل الصليب إلى أورشليم سنة 631 م. ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللامعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون : لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد.
+ ويذكر أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324 ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب). ولقد شهد علي وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم القديس كيرلس الأورشليمي فى عظة له في سنة 347 م. كما ذكرت المؤرخة ايجيريا الاسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأنه فى تذكار اكتشاف الصليب تعيد الكنائس فى الأراضي المقدسة وكنيسة القيامة وبأن العيد كان لمدة 7 أيام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعا. فهل هناك براهين تاريخية التي تدل علي حقيقة الصلب والقيامة .
الأدلة التاريخية علي صلب السيد المسيح...
نعرض هنا بعض الشهادات التاريخية للمؤرخين والكتّاب السياسيين الذين كتبوا عن الصلب من كتاب غير مؤمنين بالمسيح أو من المؤمنين ونحلّلها على ضوء معطيات العصر والعوامل السياسية الفاعلة فيه. إن الوثائق المسيحية والوثنية واليهودية التي بين أيدينا يرجع تاريخ معظمها إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين وهي تشهد لكثير من الوقائع التي جرت في حياة المسيح. ومن أبرز مؤلفي تلك الوثائق القديمة ما يلي :-
أولاً : الوثائق المسيحية...
الوثائق المسيحية دينية كانت أم أدبية أم تاريخية. هي سجل دقيق تعكس عمق إيمان آباء الكنيسة الأولى بكل ما تسلَّموه من التلاميذ من تعاليم وأخبار، إما عن طريق التواتر بالإسناد الموثق أو عن طريق الكلمة المكتوبة. وهي إثباتات قاطعة على صحّة ما ورد في الأناجيل من أحداث وعقائد ولا سيّما ما يختص بموت المسيح وقيامته. وكما أن هذين الحدثين يشغلان حيزاً كبيراً من العهد الجديد فإنهما أيضاً كانا المحور الأساسي في مؤلَّفات آباء الكنيسة الأولى. يقول الباحث جوش مكدويل وهو أحد كبار المختصين بالمخطوطات المسيحية..." لا يوجد كتاب في الدنيا تدعمه المخطوطات الكتابية القديمة كما هو الحال مع الكتاب المقدس. وقد شاءت العناية الإلهية أن يتم العثور على مخطوطات البحر الميت التي أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك صحة الكتاب المقدس وصدقه ولا سيما نصوص العهد القديم وبالأخص سفر إشعياء”. وبالطبع فإن هذه المخطوطات تنص على النبوّات المتعلقة بموت المسيح وقيامته كما هو الحال في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا. وأكثر من ذلك إذا رجعنا إلى مؤلفات آباء الكنيسة منذ العصر الأول الميلادي وجمعنا مقتبسات من العهد الجديد لوجدنا أنه يمكن إعادة كتابة العهد الجديد بكامل نصه وهذه النصوص لا تختلف عما لدينا من نصوص العهد الجديد الحالي ومن جملتها كل ما جاء عن لاهوت المسيح وموته وقيامته.
أما مؤلفات آباء الكنيسة فهي:
(1) رسالتان من تأليف أكليمنضس أسقف روما.
(2) رسائل قصيرة من تأليف أغناطيوس كان قد بعث بها إلى الأفراد والكنائس في أثناء رحلته من أنطاكية إلى روما حيث استشهد.
(3) رسالة بوليكاربوس تلميذ يوحنا إلى أهل فيلبي.
(4) تعليم الآباء الرسل وهو كتيب مبكر يدور حول أمور عملية متعلقة بالقيم المسيحية ونظام الكنيسة.
(5) رسالة عامة منسوبة إلى برنابا وفيها يهاجم بعنف ناموسية الديانة اليهودية. ويبين أن المسيح هو تتمة شريعة العهد القديم.
(6) دفاعيات جستنيان.. وقد أورد فيها طائفة من الحقائق الإنجيلية. ولا سيما ما يختص بشخص المسيح وحياته الأرضية وصلبه وقيامته. هذا فضلاً عن مؤلفات أخرى وصلتنا مقتطفات منها كدفاع كوادراتوس الذي اقتبس منه يوسابيوس الفقرة التالية: “إن منجزات مخلصنا كانت دائماً أمام ناظريك لأنها كانت معجزات حقيقية فالذين برئوا والذين أقيموا من الأموات لم يشهدهم الناس عندما برئوا أو أقيموا فقط بل كانوا دائماً موجودين (معهم). لقد عاشوا زمناً طويلاً. ليس فقط في أثناء حياة المسيح الأرضية بل حتى بعد صعوده. إن بعضاً منهم بقوا على قيد الحياة إلى وقتنا الحاضر”. وكذلك مخطوطة راعي هرمس وقد دعيت بهذا الاسم نسبة إلى أبرز شخصيات الكتاب. أما فحوى المؤلَّف فينطوي على مجموعة من الأمثال والأوامر المختصة بالعقيدة.
فن الرسم وشعار الصليب
يوفر لنا تاريخ الكنيسة أيضاً بيّنات هامة على اعتقاد مسيحيي القرون الأولى الوثيق بصلب المسيح وموته وقيامته وهو شعار الصليب، وهذا دليل مادّيّ، لا يجوز لأحد أن ينكره، لأنّ لكلّ دين شعاره كالنجمة السداسيّة لليهود، والهلال للمسلمين. وإشارة الصليب عُرِفَت من أقدم عهود المسيحيّة، وقد نقشها المسيحيّون الأوائل على أضرحة الموتى وفي السراديب التي كانوا يجتمعون فيها سرا في زمن الاضطهاد خوفاً من جواسيس الحكومة الرومانية الوثنية. لقد عمد المسيحيون إلى نقش شعار الصليب على أضرحة موتاهم تمييزاً لها عن أضرحة الوثنيين. فلو لم يكن هؤلاء المسيحيون على ثقة أكيدة من صلب المسيح لما أخذوا الصليب شعاراً لهم ولا سيما أن الصليب كان رمز عار عند اليهود والرومان على حد سواء. أما الآن بعد صلب يسوع المسيح البار عليه أصبح رمز فخر وإيمان. فلو لم يكن الصليب حقيقة متأصلة في إيمان هؤلاء المسيحيين لما تحملوا من أجله كل اضطهاد واستشهدوا في سبيله. وبعض هؤلاء كانوا شهود عيان لصلب المسيح? والبعض الآخر تسلموا هذه الحقائق من الحواريين أو مما وصل إلى أيديهم من الأناجيل والرسائل المكتوبة التي أوحى بها الروح القدس.
الممارسات العقائدية
الممارسات العقائدية وبالأخص الأفخارستيا التي مارسها السيد المسيح في الليلة التي سلم فيها ذاته فقد احتلت مكانة مرموقة في ممارسات الكنيسة على مر العصور. وترجع أهمية هذه الممارسة العقيدية إلى أنها تعني سفك دم السيد المسيح وصلبه لأجل خلاصنا. ومن الملاحظ أيضاً أن سر المعمودية يمنحنا بركات موت المسيح فداءً عنا ويعطينا ميلادا جديدا من الماء والروح وقد حض السيد المسيح تلاميذه على القيام به (مت 28: 19) لنوال هذه النعمه، قد مارسه التلاميذ أنفسهم تطبيقاً لوصية المسيح بالذات. وما برحت الكنيسة تمارسه إلى هذا اليوم.
ثانياً: الوثائق الرومانية التاريخية ...
(1) شهادة كورنيليوس تاسيتوس (55-125 م)
وهو مؤلف روماني عرف بالدقة والنزاهة وعاصر تاسيتوس ستة أباطرة ولُقب بمؤرخ روما العظيم. من أشهر كتبه على الإطلاق مصنَّفيه “الحوليات" و" التواريخ”. يضم الأول نحو 18 مجلداً والثاني نحو 12 مجلداً. أن تاسيتوس هذا كان بحكم علاقته بالحكومة الرومانية مطلعاً على تقارير حكام أقاليم الإمبراطورية وسجلات الدولة الرسمية. وقد وردت في مصنَّفيه ثلاث إشارات عن المسيح والمسيحيّة أبرزها ما جاء في حولياته: “... وبالتالي لكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيّين. ونكَّل بها أشد تنكيل. فالمسيح الذي اشتق المسيحيون منه اسمهم. كان قد تعرض لأقصى عقاب في عهد طيباريوس على يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي. وراجت خرافة من أشد الخرافات إيذاء. وإن كانت قد شُكمت لفترة قصيرة. ولكنها عادت فشاعت ليس فقط في اليهودية المصدر الأول لكل شر! بل انتشرت أيضاً في روما التي أصبحت بؤرة لكل الأشياء الخبيثة والمخزية التي شرعت ترد إليها من جميع أقطار العالم”. ويتضح من هذه الوثيقة أن المسيحية قد اشتقت اسمها من المسيح. وأن بيلاطس البنطي هو الذي حكم عليه بالموت. أما الخرافة أو الإشاعة التي ألمح إليها فهي ولا شك القيامة.
2- شهادة الوالي بيلاطس البنطي..
من المعلوم ان هذا الطاغية أرسل إلى طيباريوس قيصر تقريراً صافياً، عن صلب المسيح ودفنه وقيامته. وقد حُفظ هذا التقرير في سجلاّت رومية. وكان من الوثائق، التي استند إليها العالِم المسيحيّ ترتليانوس في دفاعه المشهور عن المسيحيّين. ونورد بعض مما قد جاء في التقرير
3- شهادة المؤرخ ثللوس (توفي 52م)
وهو من مؤرخي الرومان القدامى الذين كتبوا عن موت المسيح وقد عمد هذا إلى تصنيف تاريخ منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ الحرب الطرواديّة حتى زمانه. بيد أن هذا المصنف قد فُقد ولم يبقَ منه سوى شذرات مبعثرة في مؤلفات الآخرين ومن جملتهم يوليوس الإفريقي الذي كان مطلعاً كما يبدو على هذا التاريخ. ففي سياق حديثه عن صلب المسيح والظلام الذي خيّم على الأرض عندما استودع المسيح روحه بين يدي الآب السماوي. أشار يوليوس إلى عبارة وردت في تاريخ ثللوس تدور حول هذه الحادثة قال: “إن ثللوس في المجلد الثالث من تاريخه. يعلل ظاهرة الظلمة أنه كسوف الشمس. وهذا غير معقول كما يبدو لي”. وقد رفض يوليوس الإفريقي هذا التعليل (سنة 221 م) بناء على أن الكسوف الكامل لا يمكن أن يحدث في أثناء اكتمال القمر ولا سيما أن المسيح قد صُلب مات في فصل الاحتفال بالفصح وفيه يكون القمر بدراً مكتملاً. ولم يكن ثللوس وحده هو الذي نبَّر على حدوث هذا الظلام فقد أشار إليه كثير من القدامى كمثل فليفون الفلكي في القرن الثاني فقال: “إن الظلام الذي حدث عند صلب المسيح لم يحدث في الكون مثله من قبل”.
4- شهادة لوسيان اليوناني...
كان هذا أحد مؤرخي اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلادي. وقد علق في مقال نقدي ساخر على المسيحيين والمسيح. وإذ كان ينتمي إلى المذهب الأبيقوري فقد عجز عن استيعاب طبيعة الإيمان المسيحي واستعداد المسيحيين للاستشهاد في سبيل عقيدتهم وحسبهم شعباً مخدوعاً يتعلق بأوهام عالم ما بعد الموت بدلاً من التمتع بمباهج العالم الحاضر وملذاته وأبرز ما قاله: “إن المسيحيين كما تعلم ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجلاً - وهو شخصية متميزة استنّ لهم طقوسهم الجديدة وصُلب من أجلها… ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها (إلى المسيحية) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب? استقرّ في عرفهم أنهم إخوة”.
5- كتابات سيتونيوس (120 م)...
كان سيتونيوس رئيس أمناء سر الإمبراطور هادريان (117-138 م) ومن جملة الذين ذكروا في مؤلفاتهم ورسائلهم عن المسيح المصلوب بصورة مباشرة أو غير مباشرة الذي أتاحت له وظيفته الإطلاع على سجلات الدولة الرسمية فعلم بالأسباب التي أدت إلى اضطهاد المسيحيين ومن بينها إيمانهم بصلب المسيح وموته وقيامته.
6- بليني الأصغر حاكم بيثينيا ...
في آسيا الصغرى. وهو من رجالات الدولة الذين أهتم بشأن المسيحيين فقد ألمح في كتابه العاشر (112 م) إلى المسيح الذي يؤلّهه المسيحيون .
7- كلسوس الفيلسوف الأبيقوري ...
المولود سنة 140م الذي كان من ألد أعداء المسيحية? هذا أيَّد في كتابه (البحث الحقيقي) قضية صلب المسيح وإن سخر من الغرض منه وقال: “احتمل المسيح آلام الصلب لأجل خير البشرية” (قضية الغفران 109).
(8) مارا بار سيرابيون....
قال هذا في رسالة كتبها لابنه من السجن يعود تاريخها إلى بين القرنين الأول والثاني: ... وأية فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم? لم يمت هذا الملك الحكيم إلى الأبد لأنه عاش من خلال تعاليمه التي علم بها.. بطبيعة الحال إن مارا هذا ينظر إلى المسيح من خلال منظاره الوثني. فالمسيح في رأيه? هو حكيم من الحكماء كسقراط وأفلاطون كما نمّت عن ذلك بقية رسالته. ويتبين لنا من هذه الوثائق الوثنية أن كتّابها كانوا على ثقة تامة أن المصلوب هو المسيح وليس الشبيه كما يدّعي البعض. وهكذا سجل لنا التاريخ حقيقة دامغة على صدق الكتاب.
ثالثاً : الوثائق اليهودية...
أما الوثائق اليهودية فلها أهمية خاصة على الرغم من سلبياتها. فمن الطبيعي أن يتخذ رؤساء اليهود وقادتهم الدينيون موقفاً معادياً من المسيح وهم الذين صلبوه إذ أدركوا أن تعاليمه الثورية تهدد معظم ما استنوه من تقاليد وطقوس فريسية تعزز من مكانتهم الدينية والسياسية. ومع ذلك فإن هذه الوثائق برهان ساطع على صحة ما ورد في الإنجيل من تفاصيل قصة الصلب. وفي هذا الجزء من دراستنا سنتناول أبرز هذه الوثائق...
1- يوسيفوس المؤرخ (37-97 م) ...
هذا ذكر في كتابه “التواريخ” ما بين سنتي 90-95 م فقرة عن صلب المسيح. ويبدو أن هذه الفقرة قد أثارت حولها جدلاً بين علماء المخطوطات إذ اعتقد بعضهم أن هذه الفقرة قد تلاعبت بها أيدي بعض المسيحيين المتطرفين لما جاء فيها من تقريظ للمسيح لا يمكن أن يصدر عن يهودي. ولكن في عام 1972 نشرت مخطوطة عربية يرجح العلماء أنها ترجمة دقيقة للنص الأصلي وقد جاء فيها: “وفي ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوى فتبعه عدد غفير من بين اليهود والأمم الأخرى. غير أن بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلباً. أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له. وادعوا أنه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حيّ. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة”.إن شهادة يوسيفوس هذه قد سبقت شهادة أغلبية المؤرخين الوثنيين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن يوسيفوس قد اشتهر بين أقرانه بالموضوعية وأنه عالج هذه الواقعة التاريخية من خلال المعطيات اليهودية? تبين لنا أن هذا النص هو نص تقريري جدير بالثقة.
2- التلمود اليهودي....
التلمود كتاب مقدّس في نظر اليهود وقد جُمِع في مجلّدات ضخمة يستطيع أيّ باحث أن يطّلع عليها. يقسم التلمود إلى مجموعتين أساسيتين هما: المشنا و الجمارة.
المشنا: هي التقاليد الشفوية القديمة التي توارثتها أجيال المجتمع اليهودي المتعاقبة ثم تمَّ تدوينها في القرن الثاني الميلادي. الجمارة: هي حصيلة الشروحات والتعليقات على المشنا. والهالاخاه : إن المواد التلمودية التي تدور حول قضايا تشريعية وأسئلة قانونية والتي أثارت جدلاً بين فقهاء اليهود وعلمائهم.
الهجَّادا ...هو الجزء المختص بالأساطير والقصص والأقوال المأثورة التي استخدمت لإيضاح الأعراف التقليدية فتدعى الهجَّادا. ونقرأ في النسخة التي نشرت في أمستردام عام 1943م. وفي صفحة 42 ما يلي: “ لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. وقبل تنفيذ الحكم فيه ولمدة أربعين يوماً خرج مناد ينادي: إن (يسوع) سيُقتل لأنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على الإرتداد فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أن يتقدم. وإذ لم يتقدم أحد للدفاع من أجله في مساء الفصح. وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه ألم يكن مفسداً! وقد قيل في الأنبياء إن شخصاً مثل هذا: لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ (تث 13: 8 و9)”. فمن الواضح أن التلمود يشهد أيضاً بأن المصلوب هو يسوع من غير أن نلمح في هذه الشهادة أي شائبة شك في شخصيته.
3- مخطوطة يهودية عن خرافة جسد المسيح
وهناك مخطوطة أخرى تُدعى Toledoth Jesu وهي مخطوطة يهودية معادية للمسيحية لا تشير فقط إلى المسيح بل تروي لنا أيضاً قصة خيالية عما حدث لجسده بعد موته. فقد ادعى مؤلفها أن حواريي المسيح حاولوا أن يسرقوا جسده فعرف بذلك بستاني اسمه يهوذا. فجاء خفية ونقل جثمان المسيح من قبر يوسف الرامي إلى قبر جديد آخر حفره له. وعندما جاء الحواريون إلى القبر الأصلي وجدوه فارغاً فادعوا أنه قام من بين الأموات. ولكن حين أقبل رؤساء اليهود إلى الضريح وشاهدوه أيضاً فارغاً أخذهم البستاني إلى القبر الجديد وأراهم جثة يسوع. وهذا ما يروجون له هذه الأيام من اكتشاف قبر السيد المسيح وابنه المزعوم!. ومع أن هذا التقليد لم يُجمع قبل القرن الخامس الميلادي فإنه ولا شك يمثل تقليداً يهودياً سابقاً شاع بين الأوساط اليهودية بعد قيامة المسيح (متى 28: 11-15) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه المخطوطة على ما فيها من عداء للمسيحية هي أكبر شاهد إثبات على صلب المسيح وموته وقيامته لأنها شهادة من مقاومي المسيح. قال أيضاً يوحنا بن زكا تلميذ هليل المعلم الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري: “إن الملك وحاخامات اليهود قد حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف حين ادعى أنه ابن الله... وأنه الله”. ثم قال بعد ذلك: “ولما كان المسيح في طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه: فلتهلك كل أعدائك يا رب”.
رابعاً: الوثائق الغنوسيّة...
الغنوسيّة كلمة معربة عن اللفظة اليونانية gnosis ومعناها المعرفة. والغنوسيّة حركة دينية فلسفية تجمع تحت مظلتها فرقاً شتى تتباين في بعض مبادئها? وتتفق في بعضها الآخر. وقد جعلت هذه الحركة المعرفة الأساس الذي بنت عليه عقائدها الدينية. أن التعاليم الغنوسية كانت ترمي إلى غرض يختلف عما كان يرمي إليه آخرون. فالغنوسية أو بعض فرقها على الأقل رأت أن المسيح وهو إله متجسِّد لا يمكن أن يتعرّض للصّلب لأن جسده يغاير أجساد البشر.
لهذا يتعذر أن يكون المصلوب هو جسد المسيح. بينما الآخرون فلا ينكرون عملية الصليب ولكنهم ينكرون أن المصلوب كان المسيح، ليس على أساس طبيعة جسده إنما على أساس أن المسيح لم يصلب إطلاقاً بل رُفع إلى السماء بقدرة الله قبل أن يتمكن أعداؤه من القبض عليه وأوقع الله شبهه على آخر فحلّ محله.أن دراستنا للآثار الدينية والأدبية للحركة الغنوسية توفِّر لنا أدلة أخرى على صحة رواية الإنجيل عن صلب المسيح وقيامته ولا سيما ما ورد في المؤلفات الغنوسية الأولى كمثل إنجيل الحق (135-160 م) وإنجيل يوحنا الأبوكريفي (120-130) وإنجيل توما (140-200 م) ومع أن هذه الأناجيل غير موحى بها من الله فإنها كلها تتحدث عن الكلمة وأن المسيح هو إله وإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق