للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوي
دعوة السيد المسيح للتوبة ...
كانت رسالة المسيح الخلاصية هي دعوة
الجميع للتوبة والإيمان { ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت
السماوات} (مت 17:4). وكان يكرز ويقول للجميع { قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله
فتوبوا وآمنوا بالإنجيل } (مر 1 : 15). كلنا نحتاج الي التوبة لانه من منا بلا
خطية. كما نحتاج للإيمان بالله ومحبته
المعلنة في المسيح يسوع وعمله الخلاصي المقدم علي الصليب وموته المحيي وقيامته
ليقيمنا من موت الخطية ويعطينا حياة أبدية. علينا أن نؤمن بعمل الروح القدس
في الكنيسة وأسرارها لتقديس المؤمنين . لقد ترفق الرب يسوع المسيح بالخطاة
وعندما وجه اليه الكتبة والفريسيين النقد لموقفه المترفق والقابل الخطاة
والعشارين، أجابهم بقوله { لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلموا
ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت
12:9-13). وعندما دخل الى بيت زكا العشار تذمّر الكتبة والفريسيون عليه فكان
ردّه عليهم أنه جاء ليطلب ويُخلّص ما قد هلك {فلما جاء يسوع الى المكان نظر إلى
فوق فراه و قال له يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فأسرع
ونزل وقبله فرحا. فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ.
فوقف زكا وقال للرب ها أنا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد
ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.
لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك}( لو 5:19-10).
+ أمثال التوبة فى تعاليم السيد المسيح
+ بالحقيقة تجسد كلمة الله وصلب وقام من
أجل خلاص البشرية الخاطئة واعلان محبة الله وقبوله للجميع لاسيما الخطاة
وضرب لنا الأمثال عن قبول الله للخطاة وخلاصهم وأهمّ هذه الأمثال ما جاء فى
إنجيل لوقا البشير الاصحاح الخامس عشر عن الخروف الضالّ والدرهم المفقود والابن
الضالّ وترينا هذه الأمثال كيف يفرح الله برجوع الخطاة سواء ضلوا عن جهل أو لعدم السهر
والحرص علي خلاص النفس أو عدم اهتمام
الرعاة او الاسرة او بدافع الطيش والتهوّر، وفى كل الحالات يسعى الله الى خلاصنا. لقد حمَّل السيد المسيح الرعاة مسئولية إضاعة الخروف الضال. وحمَّل
الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو
المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال جعل الله باب التوبة مفتوح للجميع . ويبقى دور الخاطئ
نفسه للتوبة والرجوع. ان الله يبحث عن الضالّ بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي
البراري المقفرة. والكنيسة تعظ وتعلم وتدعو الي التوبة وتصلّي من أجل الخطاة
ورجوعهم لله، وتفتش باجتهاد عن الخاطئ بروح الرعاية الحانية حتى تجده، أما
الخاطئ فالمطلوب منه أن يرجع ويقوم سريعًا ويذهب إلى أبيه، ويعترف أمامه
بخطاياه، ويفرّح الله وملائكة السماء والقديسين بعودته سالما { اقول لكم انه هكذا
يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى
توبة}( لو 7:15).
+ السيد المسيح يدافع عن الخطاة
ويحرِّرهم .. دافع الرب يسوع المسيح الخطاة والتمس لهم الأعذار وفي قصة المرأة
الخاطئة رأينا محبة الله الحانية
والرحيمة والغافرة { وقدم اليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا ولما اقاموها
في الوسط. قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في
الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت. قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم
ما يشتكون به عليه واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض.ولما
استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر. ثم انحنى
ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض. واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم
خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الآخرين وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة
في الوسط. فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المراة قال لها يا امراة اين هم
اولئك المشتكون عليك اما دانك احد. فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا
ادينك اذهبي ولا تخطئي ايضا}( يو 3:8-11). وعلينا أن نتعلم من السيد المسيح أن نترفق بالخطاة ونعلن لهم محبة الله ليتوبوا
ويرجعوا وتمحي خطاياهم .
+ بحث السيد المسيح عن الخطاة . كان وسيبقي السيد
المسيح يجول يصنع خيرا ويشفي المرضى ويقيم الساقطين ويبحث عن الضالين. رأيناه
كيف سار من باكر اليوم حتى الظهيرة ليخلص المرأة السامرية ويقودها للاعتراف الحسن
والتوبة مبيناً ان من يشرب من ماء الشهوة والخطية لا يرتوي { أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء
يعطش ايضا. ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء
الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية} (يو 13:4-14). وعلى الصليب رأيناه
تحقيق نبؤة اشعياء النبي { احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا
مضروبا من الله و مذلولا. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا
عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم
جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام
جازيها فلم يفتح فاه } ( إش 4:53-7). وعندما رأى يوحنا المعمدان السيد
المسيح قال عنه { هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم }(يو 1 : 29). على الصليب
يقدم ذاته فداءً عنا ويغفر حتى لصالبيه { يا أبتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا
يفعلون } (لو 23 : 34).
+ الرسل و كرازتهم بالإيمان
والتوبة .. اوصى السيد المسيح تلاميذه الآباء الرسل بعد القيامة ان يكرز
باسمه للتوبة { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد ان
يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم
ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من
الاموات في اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم
مبتدا من اورشليم}( لو 44:24-47) وهكذا رأينا الرسل بعد صعود السيد المسيح وحلول
الروح القدس عليهم يبشرون بالتوبة والإيمان وبعظة واحدة للقديس بطرس آمن ثلاثة
آلاف نفس { فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع ايها
الرجال الاخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح
لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس}( أع 37:2-38). وبعد شفاء المقعد عند باب
الهيكل رأينا الرسل ينادوا بالتوبة { فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان
يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل} (اع 17 : 30). وهكذا لخص القديس بولس
أمام رعاة الكنيسة حياته انها قضاها { شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة إلى الله
والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح }(اع 20 : 21) . هكذا لخص القديس بولس أمام
أغريباس الملك كيف ظهر له السيد المسيح وغيره من شاول مضطهد الكنيسة الى بولس
الرسول المجاهد من أجل نشر بشارة التوبة والخلاص { فقلت انا من انت يا سيد فقال
انا يسوع الذي أنت تضطهده. ولكن قم وقف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما
وشاهدا بما رأيت وبما سأظهر لك به. منقذا إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن
أرسلك إليهم. لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله
حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين. من ثم ايها الملك
اغريباس لم اكن معاندا للرؤيا السماوية. بل اخبرت اولا الذين في دمشق و في اورشليم
حتى جميع كورة اليهودية ثم الامم ان يتوبوا ويرجعوا الى الله عاملين اعمالا تليق
بالتوبة}( أع 15:26-20). من أجل هذا رأيناه فى تواضع ودموع يقول { صادقة هي الكلمة
ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا } (1تي
1 : 15). و ينبهنا الكتاب أن لا نستهين بغنى لطف الله وامهاله علينا بل يجب ان
نسرع الى التوبة {ام تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم ان لطف الله
انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4). من أجل هذا يقول القديس باسيليوس : (جيد ان
لا تخطئ وإن أخطأت فجيد ألا تؤخر التوبة فإن تبت فجيد ان لا تعود للخطية وان لم
تعد فاعرف ان ذلك بمعونة الله وان عرفت ذلك فجيد ان تشكر الله).
+ الرجاء في الله وعدم اليأس ..
+ علينا أن نتمسك بالرجاء ولا نيأس لا من
توبتنا وخلاصنا ولا من توبة البعيدين عن الله فباب مراحمه مفتوح دائما للراجعين
اليه فهو الذي جاء ليطلب ويخلِّص من قد هلك. الشيطان يعمل باستماتة ان يوقعنا فى
اليأس من جهة أمكانية تحررنا من الخطية لنستمر فيها أو من جهة قبول الله لنا، لكن علينا ان نتمسك بالرجاء في رحمة الله ونقوم
ونرجع الى الله ونقول { لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم اذا جلست في الظلمة
فالرب نور لي } (مي 7 : 8). نطلب من الرب ان يهبنا القوة والقدرة للرجوع والتوبة
إلي الله { توبني فأتوب لأنك أنت الرب الهي} (ار 31 : 18).
+ الله معين من ليس له معين ورجاء من ليس
له رجاء فهو كالسامريّ الرحيم يبحث عن الانسان الذى جرحته الخطية ليضمد جراحاته
ويعالجه ويضمه الى كنيسته لتعتني به وهو كراعٍ صالح يتكلَّف بكل نفقات خلاصنا. لقد
غفر لبطرس نكرانه وجحوده وردّه إلى رتبته مرة أخرى كما غفر لهارون رئيس الكهنة
قديما اشتراكه فى صنع العجل الذهبي وعبادته بدلا من عبادة الله الحيّ { الرب رحيم
ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد الى الدهر. لم يصنع
معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت
رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا. كما يترأف الأب على
البنين يترأف الرب على خائفيه. لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن} (مز
8:103-14).
هكذا أحب الله العالم ...
+ نقدم الشكر والسجود والإكرام لله الذي
أحبنا وبمحبته أراد ان يخلصنا من الهلاك الأبدي فأرسل لنا أبنه الوحيد ربنا يسوع
المسيح ليعلن لنا محبته القوية ورحمته الغنية ونعمته المحررة وعلمنا طرق الخلاص وبذل
ذاته علي الصليب لخلاصنا وقام لتبريرنا وسيظل يدعونا الي الإيمان والتوبة والرجوع
إليه كل حين.
+ يا مسيح الخطاة الذي جاء ليرد
الضالين ويسترد المطرودين ويجبر المنكسرى القلوب ويعصب المجروحين وينادي للمسبيين
بالعتق و للمأسورين بالإطلاق. حررنا من الخطية والضعف والجهل والخوف ومن إبليس
وحيله الرديئة والمضله وعلمنا أن نسير في النور لكي نكون بني النور ونحيا كما يحق
لأناس الله القديسين.
+ يا روح الله القدوس، كلي الحكمة والمعرفة، العارف قلوب وخفايا البشر، أعمل فينا لنتوب ونرجع من كل القلوب. اغسلنا من ذنوبنا وأمحو كصالح ومحب البشر خطايانا وذنوبنا. وساعدنا لنعمل إرادتك كل حين ونثمربثمر صالح ونكون بالروح منقادين، أمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق