{ وَلَمَّا كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى إِلَى بَيْتِهِ}
(لو 1 : 23)
عندما أتكلم عن سيدنا وأبينا مثلث الرحمات الأنبا أبراهام، تعجز الكلمات أن تصف ذلك القامة الروحية الشامخة، رجل الصلاة وإنسان الله والخادم الأمين، والراعي المثالي، والعالم التقي، الراهب الناسك، الأب المحب والمتواضع، الذى خدم الله بمحبة وأمانة وأخلاص وكان خير سفير للسماء والكنيسة والوطن.
كان بحق سفير السماء الينا سواء فى خدمته كخادم وأمين خدمة فى الجيزة، أو راهب تقي نشيط فى الدير، أو كحبر جليل ومطران موقر فى الأراضي المقدسة حيث خدمت معه ستة عشر عام. كل من تقابل مع سيدنا كان يتعلم من فضائله ويتعرف عليه فيري فيه الإنسان الروحي والقديس العابد محب الله والدعي الي محبة الله من كل القلب وخدمة الغير وصنع الخير، كان من دعاة المحبة والسلام والأهتمام بخلاص النفس عملا بقول القديس بولس الرسول { إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ }(2كو 5 : 20). كان لنا عظة وواعظ وقدوة وقامة وقيمة، نتعلم من نسكه وصبره وأبوته وأمانته وروحانيته.
مثل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية خير تمثيل بين كنائس القدس بعمق روحانيتها وعلمها ونسكها، وكان أيقونة متحركة لمسيحه القدوس لكل من زارنا من أهل الأراضي المقدسة وكل بلاد العالم. قدم صورة بهية للكنيسة القبطية بقديسيها وتاريخها الطويل. وأهتم بابناء الكنيسة وبأوقافنا وكنائسنا القبطية فى الأراضي المقدسة وفى كل بلاد الشرق الأدنى. بني وجدد الكنائس والأديرة ورسم الرهبان والراهبات والكهنة وعمل بكل طاقته حتى فى تجربة مرضه الذى أحتمله بشكر وصبر. فاستحق أن يسمع الصوت المفرح القائل { نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ } (مت 25 : 21).
كان سفير فوق العادة لبلادنا العزيزة مصر فى القدس وكل البلاد التابعة له، فكان رجلاً وطنياً غيور على رفعة أسم بلاده، بحضارتها العريقة، كان يتكلم عن مصر المعطاءة كالنيل والخالدة كالأهرام والشامخة بعلمائها وعلمها وسماحتها والتي سبقت العالم كله فى كل مجالات الحياة منذ القدم. رايته يمسك بالورقة والقلم ويتكلم مع زوارنا الأجانب عن اللغة الهيروغليفة والقبطية القديمة وعن نبوغ أجدادنا فى الطب والفلك والهندسة والأدب، وكان يحمل تاريخ مصر الطويل بين جنبات قلبه وفكره وليس ذلك فقط بل بعلمه الغزير وذوقه الرفيع وعلاقته الطيبة مع الله يخدم الناس من كل عرق وجنس ودين. فكسب ود المسيحيين من كل الطوائف كما أنفتح على ابناء فلسطين وحمل همهم أينما حل ومثل قضيتهم مناديا بالسلام العادل والدائم والشامل، ومن أجل حكمته وقوله الحق أحترمه الجميع من مسيحيين ومسلمين ويهود.
هنئيا لك يا سيدنا وأبينا وحبيبنا رجوعك الي السماء التي كنت سفيرا لها، ولتذكر الكنيسة وشعبها والقدس وأهلها والأراضي المقدسة وكل ساكنيها وكل الشعب الذى خدمته بامانة وأخلاص وشعب كنيستنا وبلادنا ومنطقتنا لنواصل مسيرتك ونقتدى بسيرتك حتى نلقاك هناك فى السماء مع القديسين، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق