الاثنين، 14 أغسطس 2017
التوبة والرجوع إلي الله
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
التوبة وأهميتها ..
+ مفهوم التوبة.. التوبة هى عودة الإنسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة. وأقلاعه عن الخطية وعدم الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية والشيطان وأعماله. لغوياً فى اللغة العربية، تاب اي عاد الى ثوابه او رشده. فالابن الضال ليتوب قيل عنه { رجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا. اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك} (لو 15 : 17- 18) اما التوبة في اللغة اليونانية، في مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس". اي العقل فمعناها ( ميتانيا) اي تغيير الذهن والفكر والسلوك اي التغيير في فكر الانسان وسلوكه وحياته. من اجل ان يكون لنا فكر المسيح المقدس والاعمال الصالحة. والتوبة بذلك تحمل معانى الندم على العيش بعيدا عن الله والاصرار على عدم العودة الى الخطية . قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بحيل الشيطان ومصادقة الاشرار وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله الذى يدعونا للتوبة كأب صالح {ارجعوا اليٌ ، ارجع اليكم } (ملا7:3 ). التغيير يبدأ فى حياة التائب برفض المشاعر والسلوك والعلاقات الخاطئة ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع الى الخطية، وهذا ما راينا فى حياة قدّيسي التوبة كداود النبي والقديس اغسطينوس ومريم المصرية وغيرهم ، الذين تابوا ولم يعودا الى الخطية مرة اخري وقاوموا حتى الدم مجاهدين ضدّها.
+ التوبة تمحو الخطايا .. يقدم الله العلاج للخطية فى الايمان به وخلاصة وعمل روحه القدوس فينا الذى يبكّتنا على الخطية ويحثنا على عمل البر ويدفعنا الى الرجوع اليه بالتوبة :{ هلم نتحاجج يقول الرب ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف }(اش 1 : 18). { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). التوبة لازمة لكل واحد وواحدة منا لانه من منا بلا خطية ولو كانت حياته ايام قليلة على الارض {الجميع زاغوا و فسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد }(رو 3 : 12). وعندما اخبروا السيد المسيح عن الجليليون الذين قتلهم بيلاطس وهم يقدمون الذبائح لله { فاجاب يسوع وقال لهم اتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم اتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} (لو 1:13-5).
+ التوبة تغيير يتم بعمل النعمة واستجابة الخاطئ .. وهذا التغيير يحصل منا بالوعي والارادة والاصرار على الاصلاح والتغيير والندم على الخطأ وبقوة وعمل النعمة فينا لكي نتغير ونتحرر من سلطان ابليس { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2:13). الله يدعونا الى التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا . الله يريدنا أن نعود إليه، و يستقبلنا فرحا ، ويرد الخاطئ إلى مكانته الأولى {فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح}(لو15: 22-23). كابناء لله يريد لنا الخلاص {الذي يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4) . {أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها} (إش43: 25). {قد مَحَوتُ كغَيمٍ ذُنوبَكَ وكسحابة خطاياكَ. اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ} (إش22:44). لان الله صالح ورحوم يعد بالغفران للراجعين اليه { فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في برّه الذي عمل يحيا. هل مسرة اسر بموت الشرير يقول السيد الرب الا برجوعه عن طرقه فيحيا. واذا رجع البارّ عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير افيحيا كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطا بها يموت} (حز 21:18-24). فالتوبة الحقيقية هي عودة من خدمة الشيطان وحياة الخطية والنجاسة الى الاحضان الابوية والبنوّة لله.
+ التوبة أعلان لرحمة الله .. التوبة تظهر محبة الله للخطاة وسعيه لخلاص الانسان من اجل هذا قال احد القديسين : ( ان الله لا يسألنا لماذا أخطئنا ولكن يسألنا لماذا لم تتوبوا). لقد راينا كيف ان التوبة استطاعت ان تمنع حكم الله بالهلاك على أهل مدينة نينوى قديما { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي و قيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء. وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم. لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك.فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} (يون 5:30-19). وعندما أخطأ داود النبي وتاب الله الله معترفًا بخطئه غفر له الله { فقال داود لناثان قد اخطات الى الرب فقال ناثان لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت} (2صم 12 : 13).
+ نتائج الخطية المهلكة.. عندما ندرك نتيجة الخطية المهلكة لابد ان نتوب ولا نعود نخطئ بعد. ان الخطية ضعف وانهزام وعدم ضبط للنفس وهى موجهة ضد الله فهي كسر وتعدً وعصيان لوصاياه وهى موت أدبي وانفصال عن الله القدوس كما انها تفقد الانسان سلامه { اما الاشرار فكالبحر المضطرب لانه لا يستطيع ان يهدا و تقذف مياهه حماة وطينا. ليس سلام قال الهي للاشرار} (اش 57 : 20-21). ان الخطية تقود للحزن والكأبة والياس وسوء العلاقات بين الناس وتجلب الامراض والعار { البر يرفع شان الامة وعار الشعوب الخطية }(ام 14 : 34). وبالنظر الى مدمني الخمور والمخدرات والشهوات حولنا وكم تحط الخطية من قدرهم وتعبث بحاضرهم ومستقبلهم بالاضافة الى الهلاك الابدي فاننا ندرك اى نتائج سيئة تقود اليها الخطية .
السيد المسيح ودعوته الى التوبة ..
+ جاء السيد المسيح يدعو الى الإيمان والتوبة.. { ابتدا يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات} (مت 17:4).{ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل } (مر1 : 15). لقد وجه اليه الكتبة والفريسيين النقد لموقفه المترفق والقابل للخطاة والعشارين ، كان رده {فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى.فاذهبوا وتعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 12:9-13). وعندما دخل الى بيت زكا العشار ليبيت تذمّر الكتبة والفريسيون علية فكان ردّه عليهم انه جاء ليطلب ويُخلّص ما قد هلك {فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع ونزل وقبله فرحا.فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف.فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك}( لو 5:19-10).
+ السيد المسيح قابل الخطاة .. لقد تجسد كلمة الله بالحقيقة وجاء الى العالم وصلب وقام من اجل خلاص البشرية الخاطئة واعلان محبة الله لهم وسعيه لرجوعهم اليه وضرب لنا الامثال عن قبول الله للخطاه وخلاصهم واهمّ هذه الامثال ما جاء فى إنجيل لوقا البشير الاصحاح الخامس عشر عن الخروف الضالّ والدرهم المفقود والابن الضالّ وترينا هذه الامثال كيف يفرح الله برجوع الخطاة سواء ضلوا عن جهل او لعدم سهر واهتمام الراعي او الاسرة او بدافع الطيش والتهوّر، وفى كل الحالات يسعى الله الى خلاصنا . لقد حمَّل السيد المسيح الرعاة مسئولية إضاعة الخروف الضال. وحمَّل الكنيسة مسئولية إضاعة الدرهم المفقود، أما في مثل الابن الضال فكان الإنسان هو المسئول عن ضياع نفسه. وفي كل الأحوال كان باب التوبة مفتوحًا، والعودة المفرحة مطلوبة، وسعي الله والكنيسة لعودة الخطاة موجود، ويبقى دور الإنسان الخاطئ نفسه فى التوبة والرجوع. ان الله يبحث عن الضالّ بين الأشواك، وفوق الجبال، وفي البراري القفرة. والكنيسة توقد له سراج الروح القدس وتصلّي من اجله وتفرح لرجوعه، وتفتش باجتهاد عن الخاطئ بروح الرعاية الحانية حتى تجده، أما الخاطئ فمطلوب منه أن يرجع ويقوم سريعًا ويذهب إلى أبيه، ويعترف أمامه بخطاياه، ويفرّح الله وملائكة السماء والقديسين بعودته سالما { اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة}( لو 7:15).
+ السيد المسيح يدافع عن الخطاة ويحرِّرهم .. راينا كيف دافع الرب يسوع المسيح عن المرأة الخاطئة فهو المحبة الحانية والرحمة الغافرة المحررة { وقدم اليه الكتبة والفريسيون امراة امسكت في زنا ولما اقاموها في الوسط. قالوا له يا معلم هذه المراة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول انت.قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض.ولما استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر.ثم انحنى ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض. واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الاخرين وبقي يسوع وحده والمراة واقفة في الوسط.فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المراة قال لها يا امراة اين هم اولئك المشتكون عليك اما دانك احد. فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك اذهبي ولا تخطئي ايضا}( يو 3:8-11). نعم من منا بلا خطية لهذا يجب ان نترفق بالخطاة ونتأنى ونعلن لهم محبة الله ليتوبوا ويرجعوا وتمحي خطاياهم . السيد المسيح هو الرحمة المعلنه لنا ودمه الثمين الذى سفك على الصليب كفارة لخطايانا { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2) . {في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا }(1يو 4 : 10).
+ بحث السيد المسيح عن الخطاة ليخلصهم.. كان يجول يصنع خير ويشفي المرضى ويقيم الساقطين ويبحث عن الضالين. راينا كيف سار من الصباح الباكر حتى الظهيرة ليخلص المرأة السامرية ويقودها للاعتراف الحسن والتوبة مبيناً ان من يشرب من ماء الشهوة والخطية لا يرتوي { اجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضا. ولكن من يشرب من الماء الذي اعطيه انا فلن يعطش الى الابد بل الماء الذي اعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة ابدية} (يو 13:4-14). وعلى الصليب رايناه يحقق نبؤة اشعياء النبي { احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل اثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا. ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه }( أش 4:53-7). ونبؤة القديس يوحنا المعمدان { وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم }(يو 1 : 29). راينا الرب على الصليب يقدم ذاته فداءً عنا ويغفر حتى لصالبيه { يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون } (لو 23 : 34).
+ الرسل وكرازتهم بالإيمان والتوبة .. ولقد اوصى السيد المسيح تلاميذه الاباء الرسل بعد القيامة ان يكرزوا باسمه للتوبة { وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في اليوم الثالث.وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم}( لو 44:24-47) وهكذا راينا الرسل بعد صعود السيد المسيح وحلول الروح القدس عليهم يبشرون بالتوبة والايمان وبعظة واحدة للقديس بطرس آمن ثلاثة الاف نفس { فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع ايها الرجال الاخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس}( أع 37:2-38). وبعد شفاء المقعد عند باب الهيكل راينا الرسل ينادوا بالتوبة {فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل} (اع 17 : 30). وهكذا لخص القديس بولس أمام رعاة الكنيسة حياته انها قضاها {شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة الى الله والايمان الذي بربنا يسوع المسيح }(اع 20 : 21) . هكذا لخص القديس بولس أمام اغريباس الملك كيف ظهر له السيد المسيح وغيره من شاول مضطهد الكنيسة الى بولس الرسول المجاهد من أجل نشر بشارة التوبة والخلاص { فقلت انا من انت يا سيد فقال انا يسوع الذي انت تضطهده. ولكن قم و قف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما و شاهدا بما رايت و بما ساظهر لك به. منقذا اياك من الشعب ومن الامم الذين انا الان ارسلك اليهم. لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين. من ثم ايها الملك اغريباس لم اكن معاندا للرؤيا السماوية.بل اخبرت اولا الذين في دمشق و في اورشليم حتى جميع كورة اليهودية ثم الامم ان يتوبوا ويرجعوا الى الله عاملين اعمالا تليق بالتوبة}( أع 15:26-20). من اجل هذا رايناه فى تواضع ودموع يقول { صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء الى العالم ليخلص الخطاة الذين اولهم انا (1تي 1 : 15). وينبهنا أن لا نستهين بغنى لطف الله وامهاله علينا بل يجب ان نسرع الى التوبة {ام تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم ان لطف الله انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4). من اجل هذا يقول القديس باسليوس : (جيد ان لا تخطئ وان اخطأت فجيد ان لا تؤخر التوبة وان تبت فجيد ان لا تعود للخطية وان لم تعد فاعرف ان ذلك بمعونة الله وان عرفت ذلك فجيد ان تشكر الله).
+ الله يدعونا الى عدم اليأس او قطع الرجاء.. فباب مراحمه مفتوح دائما للراجعين اليه { يخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} (مت 18:12-21). فهو الذي جاء ليطلب ويخلِّص من قد هلك. الشيطان يعمل باستماتة ان يوقعنا فى اليأس من جهة أمكانية بعدنا عن الخطية لنستمر فيها أو من جهة قبول الله لنا، لكن علينا ان نتمسك بالرجاء وبرحمة الله ونقوم ونرجع الى الله ونقول { لا تشمتي بي يا عدوتي اذا سقطت اقوم اذا جلست في الظلمة فالرب نور لي }(مي 7 : 8). فلا تيأس من نفسك بل أطلب من الرب ان يهبك القوة والقدرة والتوبة { توبني فاتوب لانك انت الرب الهي} (ار 31 : 18). والله هو معين من ليس له معين ورجاء من ليس له رجاء وهو كالسامريّ الرحيم يبحث عن الانسان الذى جرحته الخطية ليضمد جراحاته ويعالجه ويضمه الى كنيسته لتعتني به وهو كراعٍ صالح يتكلَّف بكل نفقات خلاصنا. لقد غفر لبطرس نكرانه وجحوده وردّه الى رتبته مرة اخرى كما غفر لهارون رئيس الكهنة قديما اشتراكه فى صنع العجل الذهبي وعبادته بدلا من عبادة الله الحيّ { الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة.لا يحاكم الى الابد ولا يحقد الى الدهر.لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا. لانه مثل ارتفاع السماوات فوق الارض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يتراف الاب على البنين يتراف الرب على خائفيه.لانه يعرف جبلتنا يذكر اننا تراب نحن} (مز 8:103-14).
كيف أتوب ؟
+ محاسبة الذات .. ان حساب الذات ومعرفة اننا مخطئون تجاه الله بخطايانا هو بداية التوبة { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). هكذا فعل الابن الضالّ بعد ان أخذ نصيبة من ميراث ابيه وبدّده فى ارض الخطية وجاع ولم يجد ما يشبعه حتى من أكل الخنازير كرمز للخطية، يجب ان نفكر فيما حصدناه فى البعد عن الله ونصارح أنفسنا والله ونقف أمامه فى خشوع ودموع ونقول له ( اخطأت يا ابتاه فى السماء وقدامك ولست مستحقاً ان ادعى لك ابناً) ومن ثم نبدأ بالعمل على البعد عن الخطية والعثرات ونجاهد فى الصلاة وضبط النفس واكتساب الفضائل الروحيّة. كما لا يجب علينا ان نؤجّل التوبة من يوم الى اخر لاننا قد نعتاد الخطية وتبرد حرارة التوبة فينا وقد يباغتنا الموت فجأة { لا تؤخر التوبة إلى الرب ولا تتباطأ من يوم إلى يوم} (سي 8:5).
+ الاعتراف الحسن .. نحن فى حاجة للأعتراف الأمين لكى يخلصنا من الكبت والتعب النفسي الناتج عن ثقل الخطية ، كما نحتاج للارشاد من اب الاعتراف عن كيفية مقاومة الخطايا والتغلب على الضعفات ونحتاج لعلاج الخطية وآثارها واصلاح نتائجها {ويل لمن هو وحده ان وقع اذ ليس ثان ليقيمه }(جا 4 : 10). والكاهن كخادم أمين فيما لله يسمعنا صوت الله ويصف لنا العلاج المناسب كطبيب روحي {اعترف لك بخطيتي ولا اكتم اثمي قلت اعترف للرب بذنبي وانت رفعت اثام خطيتي } (مز 32 : 5) . أليست الخطية مرضا روحياً يحتاج الى طبيب روحيّ. وكما ان الله هو الذي يشفي امراضنا الجسدية على يد الطبيب كذلك الله هو الشافي امراضنا الروحية عبر الكاهن. مهمة الكاهن مثل مهمة الطبيب لذلك الكاهن لا يعالج عوارض الامراض بل اصل المرض ، لذلك الاعتراف هو ارشاد روحي لكي يساعد المعترف على التخلص من امراضه الروحية. ويطلب للمعترف المغفرة من الله ويطلب عن نفسه ايضا ( نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر عن عبدك وعن ضعفى نحن المنحنين برؤوسنا أمام مجدك القدوس، ارزقنا رحمتك واقطع كل رباطات خطايانا . ان كنا قد أخطائنا اليك بعلم او بغير علم او بجزع القلب، بالقول او بالفعل او بصغر النفس او بجميع الحواس، انت كصالح ومحب البشر انعم لنا بمغفرة خطايانا، باركنا، حاللنا وحالل كل شعبك، املأنا من خوفك ،قومنا الى ارادتك المقدسة ..). عندما يرى الله صدق توبتنا نسمع منه على فم الكاهن مغفورةً لك خطاياك {فلما راى يسوع ايمانهم قال للمفلوج يا بني مغفورة لك خطاياك} (مر 2 : 5). من اجل ذلك يقول القديس اغريغوريوس النيصى (خذوا خادم الكنيسة شريكاً أميناً لكم في أحزانكم وأباً روحياً وأكشفوا له أسراركم بجسارة أعظم وأكشفوا له أسرار نفوسكم فتنالوا الشفاء ).
+ علاج نتائج الخطية .. ينبغى علينا ان نعالج نتائج خطايانا السابقة لننعم بالغفران والسلام مع الله والناس . يجب ان نبادر بالمصالحة وعلى قدر طاقتنا نسالم جميع الناس { فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك.كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن} (مت 23:5-25). وكما فعل زكا العشار بعد توبته {فوقف زكا و قال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم.لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك} (لو 8:19-10). يجب ان نجاهد لتقديس أفكارنا ونبعد عن العثرات ومسببيها لنا ولا نتذكر تفاصيل الخطايا حتى نتخلص من تذكار الشرّ الملبس الموت .
+ النمو فى الفضيلة .. التوبة هى بداية طريق غايته ليس الأمتناع عن الشرّ بل فعل الخير{حد عن الشر واصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها }(مز 34 : 14). نسعى للوصول لا للبعد عن الخطية بل لكراهيتها وانتزاعها من الفكر والقلب لانها خيانة لله المحب {فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة }(مت 3 : 8). اننا نسعى للوصول الى القداسة والكمال {اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب } (عب 12 : 14). اننا نسعى الى محبة الرب من كل القلب والفكر والنفس والارادة وقريبنا كانفسنا ونعوض ما فاتنا من سنين أكلها الجراد وكانت بلا ثمر . حتى نصل فى نهاية الرحلة الى السماء لنكون مع الله كل حين.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق