للاب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
القديسة مريم
خادمة الخلاص..
+ القديسة مريم
العذراء هى مثال وقدوة لنا في حياتها وفضائلها وخدمتها للبشرية، فهي التي تطلع
الآب من السماء فلم يجد من يشبهها، فأرسل أبنه الوحيد، أتي وتجسد منها. ففى ملء
الزمان ولدت لنا العذراء مخلص العالم { ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه
مولودا من امراة مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.} (غل
4:4-5) ولهذا تلقبها الكنيسة بألقاب كثيرة فهى القديسة مريم أم الخلاص، وأم النور
ووالدة الاله ، وتابوت العهد الجديد والدائمة البتولية والسماء الثانية والكرمة
الحقيقة وغير ذلك من الألقاب ذات المعاني الروحية. أن الكتاب المقدّس يبدأ
في سفر التكوين بخلق السموات والأرض وخلق الإنسان وسقوطه ثم يبشرنا بوعد الله
لخلاصنا بنسل المرأة التى هى مريم العذراء { واضع عداوة بينك وبين المراة وبين
نسلك ونسلها هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه} (تك 3 : 15). وتشير كثيرا
من الرموز والنبؤات فى الكتاب المقدس الى القديسة مريم فيتكلم أشعياء النبى
عن ميلاد الرب يسوع المسيح منها قائلا { وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ
آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ
عِمَّانُوئِيلَ} (أش 14:7). حتي يصل بنا الي سفر الرؤيا فيشير الي العذراء بانها
المرأة الملتحفة بالشمس { وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ:
امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى
رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً}(رؤ12 :1). فإن كان ابوينا ادم
وحواء قد سقطا بالخطية ودخل الموت إلى العالم فإن العذراء مريم هي حواء الثانية
والجديدة التي تجاوبت مع نعمة الله فى محبة وبذل وتسليم كامل ووجد الله الآب فى
القديسة مريم، الانسانة التي يتجسد منها الأبن الكلمة ويحل عليها الروح القدوس
وتجاوبت مع نعمة الله لتحقيق وعد الله بخلاصنا بابنها يسوع المسيح مخلص العالم.
+ لقد خدمت العذراء خلاص البشرية جمعاء اذ قبلت أن تكون أم ربنا
يسوع المسيح عندما بشرها الملاك { فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا
مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وهَا أَنْتِ
سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ
عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ
دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ
يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ
هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ:
«اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ،
فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.
وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا،وَهَذَا
هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً،لأَنَّهُ لَيْسَ
شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ
الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.}( لو
1:30-38). وبقبول العذراء مريم أن تكون ام الله حملت في احشائها رب المجد يسوع
المسيح, وأهدت البشرية الخلاص الثمين و خدمت البشرية كحواء الجديدة التي انجبت
بالإيمان بالمسيح أبناء وبنات كثيرين للملكوت وخدمت جنسنا بميلاد المُخلص منها.
القديسة
مريم فى الهيكل وفى بيت يوسف..
+ لقد تربت القديسة مريم على محبة الله ومحبة الخدمة منذ
نعومة أظافرها فهي التي ولدت من القديسة حنة ويواقيم البار الذين داوموا على
الصلاة حتى رزقهما الله بالقديسة مريم بعد الكبر، وقد نذراها وقدماها للهيكل فى
عمر ثلاث سنوات كما صموئيل النبى، وأقامت فهى الهيكل حتى بلوغها تخدم مع العذارى
والأرامل وتساعد في تنظيف واعداد وخدمة بيت الله، فى وقت كان يحج الى الهيكل فى
المناسبات الهامة كعيد الفصح وعيد الحصاد والمظال ما يزيد عن المليون شخص، ولقد
وجدت فى الأرامل كحنة النبية مربية فاضلة وربما أهتم بها زكريا الكاهن أبو يوحنا
المعمدان كانت تمت بقرابة زوجته اليصابات، فمن هؤلاء وغيرهم تعلمت البذل والصلاة
ومحبة الصمت وحفظت ووعت الصلوات فى الهيكل متفكرة بها فى قلبها.
وعندما وصلت سن البلوغ
كان اباها وامها قد أنتقلنا من هذا العالم فتشاور الكهنة ان يودعوها عند من
يتعهدها بالرعاية ويهتم بشئونها واختاروا يوسف النجار وكان رجلا بارا وقد ذهبت معه
الى الناصرة وهناك خدمته بامانة واخلاص كربة بيت أمينة فيما لله فى الصلاة والعمل
حتى جاء اليها رئيس الملائكة غبريال المبشر يبشرها بالتجسد الالهي واذ كان يوسف
رجلا بارا وقد رأى أنها حبلي فاراد ان يتخلى عنها سرا وتحملت العذراء ذلك فى تسلم
الامر لله فدافع عنا الرب وأعلن ليوسف خبر ميلاد مخلص العالم من أحشائها { أَمَّا
وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ
مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ
الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ
يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي
هَذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً:
«يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ،
لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ
ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ
خَطَايَاهُمْ} (مت 18:1-21). كانت العذراء وستبقى مثالا فى العفة والطهارة والتأمل
فى عمل الله ودفاعه عن المظلومين، وعلينا أن نتعلم من أمنا العذراء كيف نحتمل فى
صمت وصلاة والرب يدافع عنا ونحن صامتون.
القديسة
مريم مع اليصابات..
عندما أعلن الملاك
للقديسة مريم أن الله افتقد نسيبتها أليصابات، وهى حبلى أسرعت فى محبة لتكون فى
خدمة اليصابات قاطعة نحو 160كم من الناصرة حتى غربي القدس وهنا نرى لقاء من أعظم
اللقاءات التي سجلها الكتاب المقدس بين القديسات. ونرى كيف انه بسلام امنا العذراء
ركض يوحنا الجنين فرحا فى بطن أمه وأمتلات اليصابات بالروح القدس معلنه تحقيق
النبؤات وهى تبشر بامومة العذراء للرب يسوع { فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ
الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا،
وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ
أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا،وَامْتَلَأَتْ
أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ:
«مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ
أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ
صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي.
فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»}
(لو 39:1-45). لقد اتخذت اليصابات المكان المتواضع أمام تلك التي ستصبح أماً للرب
وقد جاءت العذراء لتخدم وتبذل ووجدت الإكرام والاحترام من القديسة أليصابات وليت
هذا التعليم يتغلغل بعمق في قلوبنا. فمتى كان روح الله عاملاً في نفوسنا فإن
الحسد والخصام يختفى ونقدم بعضنا بعض فى الكرامة وتنساب المحبة بلا عائق بين
الأحباء وكذلك التواضع الذي هو ثمرة المحبة ومعهما يستعلن الإيمان الذي يتخطى
المصاعب ويثق فى وعود الله الأمينة والصادقة. لقد كانت ثمرة البذل
والخدمة فى هذا اللقاء التاريخي هو تسبحة الله العميقة التى سبحت الله بها أمنا
العذراء مريم { فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ
رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ.
فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،لأَنَّ الْقَدِيرَ
صَنَعَ بِي عَظَائِمَ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ
بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ
الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ
فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ
آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ
عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.} (لو
46:1-56). لقد قدمت العذراء مريم التسبيح والشكر لله مبتهجة بخلاصه العجيب فى
تواضع قلب لتحقق الرجاء العظيم بخلاص الله الذى نظر الى أتضاعها و كرمها بأن تكون
أم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. العذراء تنسب كل شيء إلى الله، وتتخذ مكاناً
باعتبارها أمة الرب فاستحقت ان تطوبها جميع الاجيال. ولهؤلاء المتضعين يكرز
بالإنجيل دائماً ويرفعهم الله والجياع يملأهم بالخيرات. وهذا ما أعلنه السيد
المسيح فى العظة على الجبل. لقد استمرت مريم ثلاثة أشهر مع نسيبتها العجوز
ثم عادت إلى بيتها ولا شك أنهما كانتا مشجعتين لبعضهما في الإيمان والفرح بالرب.
وانتهت الزيارة وعادت مريم إلى بيتها لتواصل طريقها بكل تواضع لتتميم مقاصد الله.
ميلاد السيد المسيح والأم الخادمة ..
لقد تنبأ ميخا النبي عن
ميلاد المسيح في بيت لحم: { أما أنت يا بيت لحم افراتة وانت صغيرة ان تكوني بين
الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل و مخارجه منذ القديم منذ
ايام الازل} (مي 5 : 2) وعندما أمر أوغسطس قيصر بالتعداد العام فى
ارجاء الامبراطورية وكان الوقت يقترب لميلاد القدوس، جاء يوسف ومريم العذراء الي
بيت لحم لكون يوسف من بيت داود وعشيرته وهنا نرى تواضع الرب يسوع المسيح وخطة الله
لتتميم النبؤات فيوسف كان عليه أن يأخذ مريم امرأته إلى بيت لحم، ويحرك الله
الإمبراطور ليدفع إمبراطوريته للاكتتاب فيصعد يوسف إلى بيت لحم. أن الله يمسك
بزمام الحكم في يديه والمؤمن يعرف ذلك وهو يستريح بسلام إزاء كل أعمال الناس،
وإزاء كل ما يراه من قرارات وصراعات تجري من حوله ولدت العذراء مريم الرب يسوع في
مذود اذ لم يكن لهما موضع في البيت. إنها المحبة الإلهية التي تجعل الابن الكلمة
يلد في مذود ويصلب ويقدم لنا مثالا في بذل الذات عن حياة العالم، فليس بغريب
ان تسير العذراء مريم على ذات الدرب وتعلمنا ان نخدم الله والآخرين من كل
القلب ونتعب من أجل ان نريح الغير، وبكل خشوع وتعبد في حضرة إلهنا نتأمل فى
الميلاد العجيب ثم نتبين من تقدمه مريم الأم فى الهيكل ظروف يوسف ومريم المادية
البسيطة من الحادثة العرضية عندما قربوا ذبيحتهم عند تقديم يسوع للهيكل بتقديم
فرخي يمام . فنقرأ في اللاويين بخصوص تطهير المرأة عند ولادتها: { وإن لم تنل يدها
كفاية لشاة تاخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها
الكاهن فتطهر} (لا 18: 8). لم يكن ليوسف ومريم أن يحضرا شاة . فأي أم لا
تريد أن تحيط طفلها بكل وسائل الراحة والترف طالما تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولكن كل
شيء يتحدد بحكمة إلهية، إذ نرى ليس فقط ظروف ولادة ربنا بل أيضا كل حياته في هذا
العالم الذي لم يجد فيه أين يسند رأسه. لقد عاش المخلص في الجليل بالناصرة
يمارس أعماله اليومية، ويختلي بالآب في الصلاة وتحتمل العذراء مريم كل
ذلك التعب والضيق بصبر وشكر وهي ترى الابن الكلمة ينمو بين جنبات بيتها في سر لا
يحتمله إلا في صبر القديسين وإيمانهم.
العذراء
خادمة الطفولة ...
كانت العذراء الأم
والخادمة والمحبوبة والمحبة للرب يسوع تحمل الطفل يسوع يرضع من لبنها وتقدمه إلى
الهيكل فى طاعة للناموس وتختن الصبى وتقدمه إلى الهيكل قدسا للرب وهي تدرك عظمة
المولود منها فى صمت متفكرة فى قلبها بكلمات الرعاة و سمعان الشيخ وحنة النبية،
فلم تندهش كثيراً عندما رأت المجوس يخرون ساجدين له وفتحوا كنوزهم وقدموا له
هداياهم ذهباً ولباناً ومراً، لقد كانت العذراء مريم فرحة لكونها الإناء المختار
لولادته، ولكن كان عليها أن تتعلم أنه بحكم هذا الارتباط والاندماج بمسيح الله أنه
لابد أن يلاقيها الاضطهاد من إبليس وقواته ولهذا قام هيرودس مزمعا ان يقتل المولود
الملك وتحت الحماية الإلهية والإرشاد جاء الرب مع مريم ويوسف إلى مصر وكانت مريم
العذراء هي السحابة الخفيفة التي تحمل الرب إلى بلادنا وتتنقل به من مدينة إلى
أخرى ومن قرية لأخرى وتتبارك ارضنا بقدوم الزائر الإلهي العجيب حتى تعود بعد رحلة
استمرت ثلاثة سنوات ونصف الى الاراضى المقدسة لتسكن فى الناصرة وتحرص مع يوسف
النجار على زيارة الهيكل في القدس في الأعياد الكبرى.
لقد أختار الرب يسوع يوسف النجار الرجل البار ليكون راعي
للعذراء كامرأة له أمام الناس ودون أن يعرفها، ليحميها من الرجم أذا وجدها اليهود
حبلي بدون زواج، ولكي يرافقها وفي الميلاد فى بيت لحم وفي الهروب لأرض مصر ويتعهد
الطفل وأمه حتى يكبر الصبي فى حياتهما فى الناصرة وانقضت اثنتا عشرة سنة،
ولم يذكر طيلة هذه الفترة غير شيئين أولهما: {وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح
ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه}. كما كانت الأسرة تواظب على الحضور للمجمع كل
سبت وحضور الاعياد الكبرى فى الهيكل باورشليم {وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى
أورشليم في عيد الفصح. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في
أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما}. ومن السجلات اليهودية نعلم أن عمر الثانية عشر بين
الشباب اليهودي يعتبر السن الكافي للنضج وتحمل المسئولية الفردية أمام الله
والالتزام بالشريعة فالصبي الذي يبلغ هذا العمر يعتبر ابناً للشريعة ويطالب أيضاً
بمتطلبات الناموس. كان "الصبي يسوع" يتمم إرادة أبيه فقد كان يجب ألا
يتعطل عن عمله. وفي نهاية المدة {وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين
يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته}. فقالت له القديسة مريم
بقلب أم متأثرة {يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين}.
أما إجابة يسوع لأمه فكانت إعلاناً عن إدراكه لتلك العلاقة الفريدة بينه وبين الآب
القدوس بالإضافة إلى إعلانه أنه قد جاء ليفعل إرادة أبيه. قالت مريم ليسوع عن يوسف
أنه "أبوك"، وكانت إجابته {ينبغي أن أكون فيما لأبي} كانت إرادة الآب
السماوي هى هم الطفل الإلهي. وان كان قد رجع معهما الناصرة وكان خاضعا لهما إلى ان
غادر يوسف البار العالم وكان يسوع على ما يظن ابن ستة عشر سنة. وبقى مع العذراء
حتى بدء خدمته فى عمر الثلاثين يتعهدها بالرعاية وتتأمل فى أعماله وخدمته وتفرح
بوجوده معها وترافقه كام أمينة وابن بار بأمه يتعهدها بالرعاية حتى على الصليب.
خدمة
القديسة مريم من عرس قانا حتى الصليب..
العذراء الأم تفرح معنا
فى أفرحنا وتشاركنا أحزاننا همومنا وتصلى من أجلنا نراها فى عرس قانا مع ربها
وابنها الوحيد وتلاميذه وعندما فرغت الخمر كرمز لغياب البهجة تدخلت القديسة مريم
وقالت للخدام { مهما قال لكم فافعلوه} ورغم أن السيد الرب أعلن أن ساعته لم تأتى
بعد، لكنه صنع المعجزة وقال للخدام املأوا الاجران ماء ثم باركها وقالوا وحولها
الى خمر كرمز للفرح بوجود الرب يسوع المسيح بيننا هو سبب فرحنا وسر قوتنا
ومازالت القديسة مريم تطلب من الرب ان يهب السلام والفرح لنا وتوصينا أن نطيعه
ونصنع كل حين ما يرضيه. لقد رافقت العذراء مريم من النسوة القديسات السيد المسيح
فى خدمته ورأت معجزاته وكان لها الإيمان بالوهيته وتبعته حتى الصليب حيث جاز
فى نفسها سيف الآلم وهى تشاهد الاهانات والمحاكمة الظالمة لابنها وربها وهى
تتأمل وداعته وصبره وأتضاعه وخدمة وبذله ونرى أهتمام المخلص بامه القديسة مريم
{ وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ
مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ
أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا
امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ».
وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.}
(يو25:19-27). وإن كان سيف الألم و ساعات الظلمة قد كانت قاسية على قلب الأم فقد
عبرت سريعا وتبعتها أفراح القيامة التى أكتملت برؤية الرب القائم من الأموات
ووجدنا العذراء تواظب على الصلاة مع الرسل وخدمة العذارى فى بيت يوحنا الحبيب حتى
انتقالها الي السماء. لقد أعطت العذراء حياتها بطولها وعرضها لخدمة الله وتم فيها
أكثر من الجميع قول الرب: { فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من
أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها} (مر 8 : 35). فطوبى لي يا عذراء يا
أم الله والأم الروحية جميع القديسين.
العذراء
وشفاعتها في المؤمنين...
العذراء هى أم يسوع
المسيح ربنا وتلقبها الكنيسة بوالدة الإله وتعطيها كرامة تفوق الملائكة ورؤساء
الملائكة وهى التى قال عنها الرب يسوع المسيح ليوحنا { هوذا أمك} فهي أم للرسل
بمكانتها العالية وفضائلها وأمومتها للأبن الكلمة المتجسد فهى ايضا بحق أم لنا
وبقربها لابنها وربها تشفع فينا و تخدمنا وكم من المعجزات تحدث مع المؤمنين
بطلباتها وشفاعتها والذى لا يؤمن بشفاعة القديسين يخسر أصدقاء له فى السماء يصلوا
عنا كأعضاء فى الجسد الواحد الذي للكنيسة، جسد المسيح السري الذي رأسه المسيح
رب المجد. ولهذا تتمسك الكنيسة بالتقليد الكنسي والنصوص التي حفظتها الكنيسة
كميراث روحي عن آباء العصور الأولى بإكرام القديسين الذين انتقلوا سواء بالتسبيح
أو تذكار أعيادهم أو بطلب صلواتهم وتوطيد للعلاقة الحية والعميقة الكائنة
بالفعل بين أعضاء الجسد الواحد لحساب الرأس الواحد الذى هو المسيح الرب. فهذه
العلاقات مع القديسين لا تكون على حساب علاقتنا بالله بل تزيد إيماننا وارتباطنا
بالله لأن أي عمل ينمي أعضاء الجسد الواحد معاً انما يزيد من محبة وخلاص الأعضاء
وخدمتهم جميعا لحساب المسيح رأس الكنيسة ومخلصها. لذلك فكل حب وكل كرامة نقدمه
لأشخاص القديسين الذين سبقونا إنمـا يبهج قلب السيد المسيح و يمنحنا ثقة ورجاء
حينما نشخص دائما الى نفس النصيب الذي صاروا إليه لأننا نحن ايضا صرنا أعضاء فى
جسد واحد والكنيسة المنتصرة تصلي من أجلنا لنكمل جهادنا ونصل اليهم ونحن نطلب
صلواتهم فى وحدانية القلب والإيمان والمحبة ويستجيب الله لصلوات قديسيه ويتمجد
فيهم وبهم. أمين.
اشفعي
فينا يا عذراء ...
+ أيها القديسة مريم الشفيعة الأمينة لجنس البشر، أشفعي فى ضعفنا
واطلبى من ابنك الحبيب ان يرحمنا ويغفر خطايانا و يقبل صلواتنا ويزيل أحزاننا
ويفرج كروبنا ويريح قلوبنا ويحول حزننا الى فرح قلب ويشفى أمراض نفوسنا وأجسادنا
وأرواحنا.
+ يا قديسة مريم يا امنا الحنونة اطلبى من أجل الأسر المفككة والتي
تعاني من المشكلات والتى غاب عنها السلام وضعفت بينها المحبة أو انعدم الفرح
وانقطع الرجاء فأنت أمنا ومثقلة بهمنا، فاطلبى من الرب ليعيد البسمة للشفاه ويعطي
للبائسين الرجاء ويملأ القلوب والبيوت بالمحبة والسلام والفرح والرجاء.
+ يا أمنا الطاهرة ذات القلب الرحيم، يا من ولدتي على أرض فلسطين
وتنقلتى في ربوعها وشرفتي أرضنا مصر بزيارتها. يا عذراء الشرق، ان شرقنا الاوسط بل
والعالم يعاني ويلات الوباء والحروب والكراهية والعنصرية والتعصب فهل تصمتي وتسكتى
أم تصلى عنا وترفعي صلواتنا الضعيفة مع آنات قلبك الشفوق لربنا ومخلصنا ؟. أننا
واثقين فى طلباتك وصلواتك ونثق في محبة الله لنا واستجابته لشفاعتك عن
كنيستنا وشعبنا وبلادنا وشرقنا وعالمنا، أمين.