للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ عيد حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة
* عيد حلول الروح القدس هو عيد تأسيس الكنيسة الأولي، الروح القدس هو الذى يقود الكنيسة عبر العصور كوعد الرب يسوع المسيح { لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ} (اع 1 : 8). الروح القدس هو روح الله الذى يعلم ويقود ويقدس ويعزى المؤمنين ويهبهم الحياة ويقيم الخدام ويعلمنا ويدبر أمورنا ويدافع عنا وهو الذى يقيم أجسادنا فى اليوم الأخير، فهو روح الله الذي نرفع إليه الصلاة قائلين: ( أيها الملك السمائي، روح الحق الحاضر فى كل مكان، والمالي الكل، كنز الصالحات ومعطى الحياة، هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس وخلص نفوسنا). الروح القدس هو {روح الحق}(يو 14: 17 ). الذى يرشدنا الي معرفة الحق فلا نضل أو نهلك بعدم المعرفة {قد هلك شعبي من عدم المعرفة} (هو 4: 6). إبليس يقوى على الناس لأنه المضل الكذاب (يو 8: 44) ولكن السيد المسيح يقول لنا {تعرفون الحق والحق يحرركم} (يو 8: 32). الروح القدس هو الذي يعلن لنا الحق ويكشفه ويجسده لأذهاننا وأرواحنا وقلوبنا.
* الروح القدس يقدم لنا شركة فائقة مع الآب فى أبنه ويشهد للأبن { وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي} (يو 15 : 26). الروح يعمل فينا لنؤمن بالإله الواحد، الله الآب ضابط الكل وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، كلمة الآب الأزلي، الذي تجسد وتأنس من الروح القدس ومن القديسة العذراء مريم ولم يحد التجسد من لاهوته وصلب عنا وقام ليقيمنا معه وصعد إلى السموات جسديا ليصعد طبيعتنا إلى السماء وأرسل لنا الروح القدس. الروح القدس يعمل فينا لنؤمن بالله ونعمل وصاياه وهو الذي يمنحنا الاستنارة والقداسة والقوة.
* الروح القدس هو الذي يهبنا حياة روحية مقدسة كوعد الرب شعبه {إني أنا حي فأنتم ستحيون} (يو 14: 19). نحن نحيا بروح الله ، الروح المحيي، روح الحياة والقداسة الذي أحيا الكثيرين من الخطية بالتوبة وهو يقودنا من الشك و الإلحاد الي الإيمان ومن الجهل للمعرفة ومن الألم والحزن الي الفرح ومن القلق والاكتئاب الي السلام والثقة فى الله. وهو الذى يعمل فى الكنيسة وأعضائها ليتمجد المسيح فينا وبنا فى عيون الناس.
+ الروح القدس وثماره فينا ...
* الروح القدس مصدر لكل العطايا الصالحة والثمار المقدسة فهو نبع المحبة {لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا} (رو 5 : 5). وهو مصدر الفرح ونبع الرجاء وكلما كان لنا شركة مع روح الله وكان لنا الإيمان العامل بالمحبة عمل روح النعمة فينا كما هو مكتوب { ثمر الروح محبة فرح سلام} (غل5: 22). الروح القدس يعمل فى الخليقة كلها ليخلق ويجدد وجه الأرض { ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض } (مز 104 : 30). فهو روح التجديد الدائم والذي يدعو ويحث للإيمان ويغفر خطايا الراجعين إلى الله. الروح القدس يحل ويتمم الأسرار المقدسة لكي يهبنا نعمة البنوة فى المعمودية و يبكتنا على الخطية ويحثنا على التوبة ويغفر الخطايا فى سر التوبة والاعتراف ويقدس ويثبت المؤمنين بالمسحة المقدسة وهكذا فى كل الاسرار. الروح القدس يفضح الخطايا أمام بصيرة المؤمن الداخلية فنكتشف حاجتنا للغفران المستمر بقدر ما نحتمل، ويعطينا رجاء فى التوبة وفرح وعزاء بقبول الله للتائبين. وهو الذي يعطينا روح الصلاة والتضرع { وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا لاننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها} (رو 8 : 26). الروح القدس كما قال عنه الرب يسوع {ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى برّ، وعلى دينونة} (يو 8:16) فهو وحده يقدر أن يدخل القلب ويفضح الخطية لنرجع إلى عذوبة الشركة مع الله. إنه قادر أن يقنع أعماق الإنسان أن سعادته وسلامه وفرحة وخلوده وعدم فساده يكمن في الالتصاق بالمخلص لا بالخطية، لذلك دعى بالباركليت، وهي كلمة يونانية قديمة "بارا" تعني الملازمة، و"كليت" تعني للمعونة أو الدفاع، فهو الملازم المعين، أو القائد المعزي، الشفيع المدافع. إنه ينخس قلب الإنسان قبل أن يؤمن ويسكن فيه مغيرا طبيعته، ليعطيه الإيمان، ويهيئه لقبول عطية الروح القدس، وذلك ما حدث يوم الخمسين { فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل... توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس} (أع 37:2-39).
* الروح القدس يهبنا سلام الله الذى يفوق كل عقل ويحفظ أفكارنا وقلوبنا وأرواحنا فى المسيح يسوع.{ وَلْيَمْلَأْكُمْ إِلَهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ }(رو 15 : 13). الروح القدس يهبنا الفرح فى كل ظروف الحياة ويحوِّل النوح إلى فرح ويعزينا في حزننا {أحول نوحهم إلى طرب وأعزيهم وأفرحهم من حزنهم} (إر 31: 13). بفرح الروح القدس تعيش الكنيسة وتثمر لمجد الله، وهذا هو اختبار التلاميذ في الكنيسة الأولى { وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ} (اع 9 : 31). فبالرغم من الاضطهاد كانت تعزية الروح هي سبب لتكاثر الكنيسة ونموها. الروح مروي ومنعش وهو الذى يعطي التجديد والنمو والقداسة للمؤمنين {أسكب ماء على العطشان وسيولاً على اليابسة، أسكب روحي على نسلك} (إش 44: 3)، فالروح يروي يبوسة حياتنا ويعيد لها الحيوية، بل الصحراء الجرداء مع الرب تتفجر فيها ينابيع مياه. الروح القدس هو الذى يبدل حالة الفتور الداخلي فنستطيع أن نسترد قوتنا وحيويتنا {وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةًكَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ (اش 40 : 31).
* الروح القدس هو القائد والمعلم الذى يقودنا الي الحق والإيمان بالمسيح رباً ومخلصاً { وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ} (1كو 12 : 3). وهو يعلمنا ويذكرنا بكل تعاليم المسيح { وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ (يو 14 : 26). ولان الله روح فهو بالإيمان يحل فينا ويحول الحقائق الكتابية من مجرد معرفة عقلية إلى إدراك واختبار لقوة هذه الحقائق، فالله يريد أن يعلن لنا عن نفسه، ويفهمنا أسرار الملكوت، ويفتح عيوننا فنفهم فكره لحياتنا وإرادته من نحونا، ويكون لنا فكر المسيح المقدس ويفتح عيون أذهاننا وقلوبنا لنحيا حياة روحية مقدسة { بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ : «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ} (1كو2: 9، 10). بالروح القدس ندرك خطورة الخطية و يبكتنا الروح علي الخطية ويحثنا على التوبة وعمل البر وبالروح ندرك أن الخطية تعدي على وصايا الله بل كخيانه لمحبة الله فالخطية {خاطئة جداً} (رو 7: 13) فندرك حجم التشويه الذي شوهت به الإنسان، ونبتعد عن الخطية ونشفق على الخطاة ولا نغير من فاعلي الإثم. الروح القدس هو الذي يجعلنا نشهد لإيماننا وهو الذى يهبنا الحكمة والعلم في الحياة لنكون مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا.
الانقياد للروح القدس ...
* ابناء الله عليهم أن ينقادوا فى حياتهم بروحه القدوس { لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ} (رو 8 : 14). الروح القدس الذى يرشدنا الي الحق { وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ }(يو 16 : 13). فهو القائد والمشير الحكيم الذي يشير علينا بما يجب علينا أن نفعله، ويقود خطواتنا ويخبرنا بما يجب أن نختاره، فهو لا يقف عند حد تعليم الحق والتذكير به، بل يمسك بأيدينا ليرشدنا ماذا وكيف نفعل. نستطيع أن نرى في سفر الأعمال كيف قاد الروح القدس بطرس وبولس وبرنابا وفيلبس وغيرهم، بل والكنيسة الملهمة بالروح القدس. ودورنا أن ننقاد لروح الله ونطيعه ليحقق بنا عمله كما تنبأ يوئيل النبي قديما {أسكب روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلاماً، ويرى شبابكم رؤى} (يؤ 2: 28، أع 2: 17) هو يخبرنا بأمور آتية، فهو يعد الكنيسة لأحداث قادمة مثلما أعد الكنيسة للمجاعة عن طريق أغابوس النبي (أع 11: 27، 28). عندما ننقاد بالروح القدس ننجح وتظهر في حياتنا ثمار الروح.
* الأنقياد للروح القدس يجعل المؤمن يتعزي كما قال الرب يسوع المسيح { لا أترككم يتامى} (يو 14: 18)، فنحن بدون المسيح يتامى، ولكنه وعد أنه سيرسل لنا المعزي، فيكون حضور الله مجيداً بوجود الروح القدس معنا ليعزينا ويرافقنا ويعطينا ما نحتاج له ويجعلنا نعزي ونروى غيرنا{ وَفِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْعِيدِ وَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَى: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هَذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ} (يو 37:7-39). الروح القدس هو المعزي الذي يقف بجانبنا ليعين ضعفنا فى الضيقات والتجارب والوحدة {وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا} (رو 8: 26) الروح القدس عمل مع القديس بولس الرسول فقال له الرب {تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل} (2كو 12: 9). هكذا راينا الأباء القديسين لاسيما المتوحدين والسواح الذين عاشوا فى البراري والقفار كان الروح القدس ينبوع ماء حي يشبعهم ويرويهم ويفرح قلوبهم ويعلمهم بالمستقبل ويفيض عليهم بالفهم والحكمة والتعليم المستقيم.