للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
أهنئكم أحبائنا بعيد الميلاد المجيد الذى نحتفل فيه بتجسد الله الكلمة وحلوله بيننا معلناُ محبة الله الآب ومقدماً للبشرية بشرى الخلاص والسلام والإيمان والرجاء والفرح { وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً} (يو 14:1). في هذه الأيام يتردد صدى صوت الملاك المبشر للرعاة في آذاننا وقلوبنا { فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ.} (لو 10.2-11). لقد جاء الملاك ليعلن للرعاة البشرى السارة التي نحتاجها جميعاً لاسيما فى عالم اليوم الذي يعاني من الوباء والغلاء والجفاء والانقسام وعدم السلام وويلات الحروب. أننا نصلي ليخلصنا الله من كل خوف وضعف وقلق ويحل بسلامه فى قلوبنا وبيوتنا وبلادنا ومنطقتنا وفي العالم أجمع لنسمع من جديد تسبحة الملائكة بميلاد المسيح { وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».} (لو 13:2-14).
عيد الميلاد بشرى خلاص ... تطلعت البشرية للمخلص والمنقذ والفادي من إبليس والعبودية والشر والموت فقال موسى النبي للشعب قديماً { لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ} (خر 14 : 13). وداود النبي يتعزى بخلاص الله { لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ} (مز 42 : 5). أشعياء النبي يتنبأ قائلاُ { قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا } (اش 52 : 10) . وهذا ما بشر بتحقيقه الرسل القديسين { لأَنْ هَكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً لِلْأُمَمِ لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.} ( أع 47:13-14). ويتنبأ أشعياء النبي عن المسيح المخلص صانع الفداء العظيم { مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. «أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ»} (اش 63 : 1). ونقترب من زمن الميلاد فيعلن زكريا الكاهن عند ميلاد يوحنا المعمدان { مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ. وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ. خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ.} ( لو 68:1-72). وعندما حمل سمعان الشيخ يسوع المسيح طفلاً من القديسة مريم أمه عند دخوله الهيكل فرح ببشرى الخلاص { الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ. لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ. الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.لا تنبأ قائلاً } لو 29:2-31). لقد جاء مولود بيت لحم ليقدم لنا الخلاص العظيم وعلينا أن نؤمن بخلاصه كما أوصى تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها { وَقَالَ لَهُمُ: « أذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.} ( مر15:16-16) بهذا الإيمان بالخلاص من الخطية والموت بشر الرسل { فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا} (عب 2 : 3). فلنسبح الرب مخلصنا مع القديسة مريم العذراء قائلين { تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ. وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي.} ( لو 46:1-47).
الميلاد بشرى سلام ...
يوم ميلاد المسيح تهللت الملائكة معطية المجد لله في الأعالي ومعلنة سلام الله على الأرض و المسرة والفرح بين البشر وكانت رسالة المسيح رسالةُ محبة وسلام فقد جاء المسيح ليضئ لنا الظلمة لنؤمن ونسير على هدى تعاليمه ودعوته { لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ} (لو 1 : 79) كما قال داود النبي { إني أسمع ما يتكلم به الله الرب لأنه يتكلم بالسلام لشعبه } (مز 85 : 8). وقد تنبأ أشعياء من هوية المولود في مذود بيت لحم قائلاً { لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّا رئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا.} ( أش 9:6-7). وقد وعدنا السيد المسيح بعطية السلام { سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ}(يو 14 : 27) (مت 5 : 9). وأرسى بتعاليمه دعائِمَ السلامِ الحقيقي بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان وعملِ مصالحة بين السماءِ والأرض، وفَتْحِ باب الملكوت أمام المحرَّرين من الخطيّة، وابتدأ بميلادِهِ عهدُ النعمةِ والرحمةِ والحنان، عهدُ الحقِّ والمغفرةِ والقداسة ليحل سلام الله فى قلوبنا { وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ }(في 4 : 7).
إن صنع السلام من صفات الإنسان الذي يمتلئ قلبه بالمحبة واحترام وقبول الجميع ويسعى في تعاون من أجل الخير والبناء والتقدم لتمتلئ حياة الإنسان بالسلام الداخليّ الذي يُشع وينتشر بعكس الأشرار {لا سلام قال الرب للأشرار }(اش 48 : 22). الذين في اضطراب دائم يثيروا النزاع والخصام والحرب مثلما حدث مع قايين حين قتل أخاه وظل هائمًا على وجهه فاقدًا السلام جميع أيام حياته. علينا أن نسعى للسلام والمصالحة لنتمتع بالسلام، أمّا الكراهية والحسد والظلم فلا يجلُبان سوى القلق وفقدان السلام والحرب والموت والدمار. أننا نصلي لملك السلام ليحل سلامه فى قلوبنا وبيوتنا وبلادنا ومنطقتنا وعلينا أن لا ندخر جهداً قادة ومسئولين ومواطنين نحو تحقيق دعوة الله لنا { طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ} (مت 5 : 9). بناء السلام الحقيقي يحتاج إلى عمل دؤوب للمصالحة مع الله والنفس والغير وجَهد صادق لضبط النفس ونزع فتيل الخصام والكراهية من القلوب والسعي بانفتاح نحو الآخر و المصالحة والمسامحة وزرع السلام والمحبة فى المجتمع.
الميلاد وبشري الفرح...
بشر الملاك الرعاة يوم ميلاد المسيح بخلاص عظيم يكون لجميع الشعب { لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب.}( لو2 : 10 – 11 ). الإنجيل هو بشرى مفرحة بقبول الله وغفرانه للخطاة { لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ } (يو 3 : 16). ان مجئ السيد المسيح إلى العالم كان شهوة الاباء والانبياء وهكذا قبل ميلاد المسيح بما يقرب من ألف وتسعمائة عام اشتهى إبراهيم أن يرى الكلمة المتجسد { ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي فرأى و فرح }(يو 8 : 56). ويفرح داود النبي مع محبو خلاص الرب { يبتهج ويفرح بك جميع طالبيك ليقل ابدا محبو خلاصك يتعظم الرب }(مز 40 : 16). الفرح بميلاد المسيح يحل فى قلوبنا عندما يحل المسيح بالإيمان ويسكن فيها فيملأها سلاماُ وفرحاُ ونعيماً { سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ} (يو 16 : 22). وما أحوجنا اليوم جميعا فى زمن ميلاد المخلّص أن نفتح عيوننا جيدا لنملأها من نور المسيح ومحبته وبذله ونقتدي به. ونختار لحياتنا ما هو صالح وجيد وافضل لنا ولمجتمعاتنا ولا ننقاد إلى الشر الذي يقتل حياة الله فينا. علينا أن نسرع مع الرعاة والمجوس فرحين لنلتقي بطفل المذود ونقدم له قلوبنا ليحل بالإيمان فيها ونتعلم منه التواضع والوداعة والمحبة لنتمتع بالخلاص ويشع سلامه ومحبته وفرحه فى قلوبنا ومن حولنا.
نصلي لله في زمن الميلاد ...
+ اليك يالله نرفع صلواتنا من أجل بلادنا مصر قيادة وشعب ونصلي من أجل كنيستنا رعاة ورعية. تطلع إلينا وإلى العالم كله بعين الرحمة والرأفات وأرفع عنا الوباء والغلاء والخصام والحروب وكل شر واعطي الجميع حكمة ونعمة وبركة لنتمتع بخلاصك وسلامك ورحمتك ونتعاون معاً من أجل حياة كريمة ومستقبل أفضل في مجتمع يسوده السلام والتعاون والمساواة من أجل مصلحة الجميع.
+ اليك يا ملك السلام نطلب أن تحل بسلامك الكامل فى قلوبنا لنحيا فى وئام ومحبة ونبتعد عن الأنانية والطمع والرياء نتعلم كيف نحيا كما ينبغي للدعوة التي دعوتنا إليها بكل تواضع القلب وطول الأناة محتملين بعضنا بعضا بالمحبة مسرعين إلى حفظ وحدانية القلب ونفرح فى الرجاء بخلاصك العجيب.
+أرسل يارب روح قدسك ليخلق ويجدد وجه الأرض ويمحو منها الكراهية والبغض وينشر ثماره الحلوة من محبة وفرح وسلام وطول أناة وصلاح وتعفف وصبر وإيمان. هب حكمة ونعمة وفهم قلب للجميع وأعمل فينا من أجل أن نتوب ونرجع بكل القلوب إلى الله وأنفسنا لنجول نصنع خير، أمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق