نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

النفس البشرية وحياة الشكر -٢٥

 النفس البشرية وحياة الشكر -٢٥

+ تتأثر النفس البشرية بكل خبرات الحياة وتختبر الفرح والحزن، القلق والرجاء. ومن الأمور المهمة التي تغذي وتعزى النفس أو الأخرين حياة الشكر والأمتنان لله والغير، مما يريح النفس ويمنحها التوازن الروحي والنفسي ويعكس الشكر  إدراك الإنسان لعمل الله المستمر في حياته، فالكتاب المقدس والآباء شدّدوا على أن الشكر ليس مجرد كلمات منطوقة، بل هو حالة قلبية وذهنية وروحية تُغيّر النفس وتوجّهها نحو الله. أما علم النفس الحديث فيؤكد أن الامتنان من أعظم الأمور التي تساعد على الصحة النفسية والرضا في الحياة. فنقدم الشكر والأمتنان لله علي عطاياه او حتى عندما يؤجل أو يبدل أو يعدل لاننا نثق في خيريته ورحمته. نشكر الله في سائر الأحوال علي ما يقدمه لنا من الخير عالمين ان كل الاشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، فكل شئ يؤول لخيرنا كما قال يوسف الصديق لأخوته { أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا.} (تك ٥٠: ٢٠). علينا أن نقوم بواجباتنا بأمانته ونتكل علي الله ونسلم له حياتنا واثقين في رعايته الأمينة ورحمته الغنية ونعمته القوية ونقدم له الشكر الدائم.



النفس بحسب الكتاب المقدس هي مركز الحياة الداخلية للإنسان. يقول سفر التكوين: { وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ، فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً} (تك 2: 7).والنفس هي عطية إلهية تجعل الإنسان متميزًا عن بقية الخليقة. وتُعبر النفس عن العواطف والقرارات والاختيارات { تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ} (مت 22: 37). ولا تكتمل صحة النفس إلا إذا دخلت في علاقة دائمة مع الله المانح للحياة وواهب الرحمة والحكمة والنعمة والمواعيد مما يستدعي تقدم الشكر الدائم لله { اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ. } (١ تس ٥: ١٨)

اولاً: الشكر في الفكر الكتابي وفكر الأباء 

+ الشكر في الكتاب المقدس ليس رد فعل ظرفي على الخير الظاهر فقط، بل هو موقف دائم للمؤمن لهذا راينا داود النبي يقدم الشكر لله ويعدد نعمه { بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ.اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ. }(مز ١٠٣: ١-٦) والقديس بولس يوصينا { لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.} (في ٤: ٦، ٧).

+ الشكر علامة الحياة المملوءة بالروح القدس لكن البعض يرى قدرة الله واحساناته ولكن لا يمجدوه او يشكروه ويعيشوا في الجهل والخطية { لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ الْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ.} (رو ١: ٢٠-٢٢) 

+ ركز الآباء على أن الشكر هو جوهر العبادة فيقول القديس يوحنا ذهبي الفم: «ليس شيء يقيد الشياطين مثل شكر القلب في كل حين» (العظة 19 على أفسس).

والقديس باسيليوس الكبير يقول: «إذا نظرنا إلى عطايا الله التي لا تُحصى، نجد أن أفضل رد فعل هو أن نشكره باستمرار». أما القديس مقاريوس الكبير فيقول «النفس الشاكرة تمتلئ نورًا، لأنها تعرف أن كل شيء هو من الله». ومار اسحاق السرياني يقول " لا موهبة بلا زيادة الأ التي بلا شكر"  إن حياة الشكر تجعل النفس منفتحة على النعمة وتتحرر من التذمر واليأس ونكران الجميل. أن عدم الشكر شئ غير مرغوب وحتى الرب يسوع المسيح عندما شفي العشرة البُرْصِ مدح السامري الذي أتي ليقدم له الشكر { وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ  وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: «يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!». فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ». وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا.  فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟» ثُمَّ قَالَ لَهُ: «قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ».} (لو ١٧: ١٢-١٩). فينبغي لىّ أن اشكر الله علي نعمته ورحمته وعلي وجودكم في حياتي أصدقاء وأحباء وأشكركم علي حسن متابعتكم وتجاوبكم وأصلي لينمو إيمانكم وتذداد محبتكم  { يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ كَمَا يَحِقُّ، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيرًا، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعًا بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ} (٢ تس ١: ٣). وهكذا تعلمنا الكنيسة أن نبدأ صلواتنا الصلاة الربية ثم صلاة الشكر لله صانع الخيرات الرحوم. فالشكر لله يعطى فرح للقلب ويمتعنا برحمة الله { حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَالتَّرَنُّمُ لاسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ، وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ،  عَلَى ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى الرَّبَابِ، عَلَى عَزْفِ الْعُودِ. لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ.  مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! وَأَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ} ( مز ٩٢: ١-٥).

ثانياً : المنظور النفسي للشكر

+ علم النفس الإيجابي يرى أن الامتنان (Gratitude) من أهم العوامل التي تزيد الصحة النفسية فقد أظهرت دراسات (Emmons & McCullough, 2003) أن الأشخاص الذين يمارسون كتابة مذكرات الامتنان يشعرون بمستويات أعلى من السعادة والرضا. فالشكر يساعد على تقليل الاكتئاب والقلق، لأنه يغيّر تركيز الإنسان من النقص إلى الامتلاء ومن التذمر الي الرضا ومن النقد الي المدح والتقدير لما يقدمه لهم الله والغير.

+ في العلاج المعرفي السلوكي يُستخدم تدريب الامتنان كأداة لإعادة صياغة للأفكار السلبية وتحويلها للايجابية وبذلك يلتقي الفكر الآبائي مع علم النفس الحديث في التأكيد على قوة الشكر في شفاء النفس وإعطائها الرجاء.

ثالثاً: التكامل بين الشكر والحياة الروحية والنفسية

+ روحياً نجد أن الشكر يقود النفس إلى النمو في الإيمان والاتحاد بالله، ويحوّل التجارب إلى بركات. ونفسياً يمنح الشكر  الصحة النفسية والتوازن الداخلي. أما عملياً فنمارس الشكر في الصلاة اليومية، وكتابة بركات الله، والتعبير عن الامتنان للآخرين.

+ النفس البشرية لا تزدهر إلا في جو من الشكر الدائم، حيث تعترف لله بالفضل في كل صغيرة وكبيرة. الشكر يحرر الإنسان من الأنانية والتذمر، ويمنحه قلبًا منفتحًا على النعمة. الكتاب المقدس والآباء وعلم النفس يؤكدوا أن الشكر هو مفتاح الحياة الروحية والنفسية السليمة. { شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ.} (١ كو ١٥: ٥٧، ٥٨).

القمص أفرايم الأنبا بيشوى 

المراجع

* الكتاب المقدس.

* يوحنا ذهبي الفم، العظات على رسالة أفسس.

* باسيليوس الكبير، العظة عن الشكر.

* مقاريوس الكبير، العظات الروحية.

* Emmons, R. A., & McCullough, M. E. (2003). Counting Blessings Versus Burdens: An Experimental Investigation of Gratitude and Subjective Well-Being in Daily Life. Journal of Personality and Social Psychology, 84(2), 377–389.

* Seligman, M. E. P. (2004). Authentic Happiness: Using the New Positive Psychology to Realize Your Potential for Lasting Fulfillment. Free Press.

حياة الفرح الروحي - ٢٤

 حياة الفرح الروحي - ٢٤


الفرح الروحي ليس مجرد شعور عابر بالبهجة، بل هو حالة وجودية عميقة تعكس حضور الله في حياة الإنسان. ويُعتبر الفرح عطية إلهية نابعة من الروح القدس { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ} (غل ٥: ٢٢). الفرح الروحي يرتبط بالحياة الجديدة في المسيح ومن علاقة المؤمن وعشرته مع الله التي تمنحه ثقة وثبات حتي في مواجهة الظروف الصعبة والمشقات. بينما ينظر علم النفس إلى الفرح كجزء من الصحة النفسية والرفاهية الإنسانية والعلاقات الأجتماعية السوية وسعي الإنسان الإيجابي ليحيا حياة الرضا والشكر والقناعة ومواجهة الحياة بايجابية.

أولاً: الفرح الروحي في الكتاب المقدس

+ المصدر الإلهي للفرح .. الله هو مصدر فرحنا وخلاصنا فشخصه المبارك ومحبته ووعوده واحساناته المتجددة واتكالنا عليه يهبنا الفرح { لأَنَّهُ بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لأَنَّنَا عَلَى اسْمِهِ الْقُدُّوسِ اتَّكَلْنَا.} (مز ٣٣: ٢١).{ أَمَّا نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِالرَّبِّ وَتَبْتَهِجُ بِخَلاَصِهِ.} (مز ٣٥: ٩). لقد فرح التلاميذ بنجاحهم في ارساليتهم وان السيد المسيح اعطاهم السلطان لأخراج الشياطين فقال لهم الرب عندما رجعوا اليه أن يفرحوا بالحري بأن اسمائهم كتبت في السماء { هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. وَلكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ».} (لو ١٠: ١٩، ٢٠)

+ يقول الرسول بولس: { افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا} (في 4: 4). هنا يرتبط الفرح بالرب، لا بالظروف وجود الله معنا مصدر للفرح الروحى، الذي ينزع عنا القلق والخوف ويمنحنا سلام ويجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله حتى وسط المرض والتجارب نجد سلام وتعزية من الله

{ مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ.} (٢ كو ١: ٣، ٤). هكذا راينا حبقوق النبي ينشد ترنيمة الفرح وسط الظروف المحيطة به من أعداء وظروف اقتصادية صعبة { فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي.} (حب ٣: ١٧-١٩)

+ لقد وعد السيد المسيح تلاميذه بانه يعطيهم الفرح { لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم} (يو 15: 11). الله يستجيب لطلباتنا ليكون فرحنا كاملاً { وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ  إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. }(يو ١٦: ٢٢، ٢٤). الفرح نطلبه بايمان من الله كثمرة لعمل الروح القدس فينا وياتي من علاقة عميقة بالله، وليس مجرد انفعال نفسي. وفي تسبحة القديسة مريم العذراء نراها تبتهج بالله مخلصها في سيمفونية تسبيح وشكر لله { فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ}(لو ١: ٤٦-٤٩). فهل نحن نفرح بخلاص الله وعمله معنا ونتأمل محبته العاملة في الأحداث من اجلنا ونفرح حتى بنجاح وعمل الله مع اخوتنا {فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ.} (١ كو ١٢: ٢٦).

+ الله لا يشاء هلاك أحد بل يفرح بخاطئ واحد يتوب فعلينا ان نتوب عن كل شر وخطية ونصلي وندعو بمحبة لتوبة البعيدين لنفرح ونفرح الله وملائكته وقديسيه { أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ. }(لو١٥: ٧). وفي عودة الأبن الضال ورجعوه لأبيه قال ألأب لأبنه الأكبر المتذمر { وَلكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالُا فَوُجِدَ».} (لو ١٥: ٣٢). لنسعى أذاً لتوبة الجميع لنفرح الله والسمائيين.

ثانياً: الفرح الروحي في فكر آباء الكنيسة ..

+ القديس أثناسيوس الرسولي يؤكد أن الفرح الحقيقي هو نتيجة اتحاد النفس بالمسيح، وأن الانتصار على الخطية يهب الإنسان سلامًا وفرحًا داخليًا.

+ أما القديس مقاريوس الكبير فيرى أن الفرح هو علامة سكنى الروح القدس في القلب، إذ قال: "حيثما يوجد الروح القدس، يكون الفرح والراحة الحقيقية. ويشدد ألقديس أبولو علي أهمية الفرح كعلامة للبنوة لله والتمتع بمحبته الله وابوته وبوعده لنا بملكوته السماوي.

+ ويشدد القديس يوحنا ذهبي الفم علي أن الفرح الروحي لا يعتمد على الظروف الخارجية، بل ينبع من القلب الذي يتحد بالرب، حتى وسط الألم والاضطهاد.

+ يرى القديس اغسطينوس ان الفرح هو في الارتباط بالله ويقول "إن شئت أن يكون فرحك ثابتاً باقياً التصق بالله السرمدي ذاك الذي لا يعتريه تغيير" ويرجع القديس اغسطينوس الفرح الي عطية الروح القدس المعزى الذي يعطى الرجاء في محبة الله وإيمان بغفرانه لخطايانا ويعطى فهم عميق للألم حتى أن القديسين يفرحون بالألم { اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا.  وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.} (يع ١: ٢-٤).

+ يكتب قداسة البابا شنوده الثالث عن الفرح الروحي باعتباره ثمرة حياة التوبة، إذ قال: "الإنسان التائب يعيش فرح الغفران، وفرح الشركة مع الله، وفرح النصرة على الذات".

ثالثاً: الفرح من منظور علم النفس

+ في علم النفس الإيجابي، يعرّف الفرح كحالة من المشاعر الإيجابية المرتبطة بالرضا والقبول والامتنان ويرتبط بالمشاعر الإيجابية والادراك الذاتي والأنجازات (Seligman, 2002). يُعتبر الفرح مؤشرًا على الصحة النفسية، ومصدرًا للتوازن العاطفي. 

+ العلاقة بين الروح والنفس.. إن الفرح الروحي يُسهم في تعزيز المناعة النفسية ضد الاكتئاب والقلق. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الممارسات الروحية (مثل الصلاة، التسبيح، التأمل) ترتبط بارتفاع مستوى المشاعر الإيجابية (Koenig, 2012). فالفرح يرفع قدرة الإنسان على مواجهة الضغوط، وينشط الجهاز العصبي الإيجابي، ويزيد من إفراز هرمونات السعادة مثل السيروتونين والدوبامين.

رابعاً: تكامل الرؤية الروحية والنفسية

الفرح الروحي يتجاوز الفرح النفسي لأنه متجذر في خبرة الاتحاد بالله. ومع ذلك، يتكامل الاثنان في حياة الإنسان فالفرح الروحي يعمّق الفرح النفسي ويمنحه معنى أبدي والممارسات النفسية كالتفكير الإيجابي وإدارة الضغوط تهيئ النفس لقبول عطية الفرح الروحي.

والكنيسة القبطية تعلّم المؤمن أن الفرح لا ينفصل عن الصليب، فوسط الألم يوجد رجاء وفرح، وهذا ينسجم مع رؤية علم النفس لمفهوم النمو بعد الصدمات.

+ إن الفرح الروحي هو عطية إلهية تثمر الشركة مع المسيح، وهو في فكر الكنيسة القبطية علامة أساسية لحياة الإنسان الجديد. بينما ينظر علم النفس إلى الفرح كعامل من عوامل الصحة النفسية، فإن التكامل بين النظرتين يكشف أن الفرح الروحي يعلو فوق الظروف، ويحوّل الألم إلى رجاء. إنه الفرح الذي يختبره المؤمن يعمق إيمانه بخلاص الله ومحبته وسلامه، فيكون شهادة للعالم عن حضور الله في النفس البشرية.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس: العهد الجديد.

* أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة.

* مقاريوس الكبير، العظات الروحية.

* يوحنا ذهبي الفم، العظات على رسالة فيلبي.

* شنوده الثالث، الفرح الروحي. القاهرة: مكتبة الأنبا رويس.

* Seligman, M. E. P. (2002). Authentic Happiness. New York: Free Press.

* Koenig, H. G. (2012). Religion, Spirituality, and Health: The Research and Clinical Implications. ISRN Psychiatry.

حياة الصلاة وأهميتها - ٢٣

 حياة الصلاة وأهميتها - ٢٣

تُعد الصلاة من أهم الممارسات الروحي، إذ تُشكل الصلة الحيّة بين الله والإنسان، ومصدر التجديد الداخلي والقوة والبركات الروحية والتعزية. فهي ليست مجرد طقوس او فرض بل هي خبرة حياة وعلاقة شخصية عميقة، تغذي الروح وتجعل المؤمن يتقوى وينسجم مع نفسة ومع الله. وقد شدد الكتاب المقدس وآباء الكنيسة على أن الصلاة هي قوة للنفس وغذاء الروح، وهي الوسيلة المتاحة لنا للاتصال بالله، فهي ينبوع النعم الروحية والنصرة علي حيل إبليس وأغراءات العالم، الصلاة تقدس المؤمن والوقت وتعطي توبة وخشوع واتضاع. وللصلاة أنواع منها كالصلوات الفردية من الأجبية كصلوات الساعات والصلوات السهمية والتاملية والصلوات الأسرية او الجماعية في الكنيسة من تسبحة وصلوات باكر  وعشية وصلوات ليتروجية كالقداس والاعياد والمناسبات الكنسية المختلفة وكلمنا نما المؤمن في حياته الروحية تحولت حياته الي صلاة دائمة {أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ.} (مز ١٠٩: ٤). وقد علمنا السيد المسيح أن نصلي بلجاجة كما في مثل قاضي الظلم وصديق نصف الليل لكى نصلي كل حين ولا نمل {أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ}(لو ١٨: ١). ويؤكد علم النفس الحديث دور الصلاة في تحقيق التوازن النفسي والطمأنينة الداخلية.


أولاً: الصلاة في الكتاب المقدس

+ الصلاة كوصية إلهية

ألله يطلب منا ان نصلي ونطلب وجهه ونرجع عن طرقنا الردية ليسمع لنا ويقبل توبتنا ويستجيب لصلواتنا { فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ. }( ٢أخ ٧: ١٤). كما طلب منا الرب يسوع المسيح أن نسهر ونصلي لكي لا ندخل في تجربة { اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ.} (مت ٢٦: ٤١) ويأمرنا الكتاب { صلّوا بلا انقطاع}(1 تس 5: 17). فالصلاة أمر جوهري يرافق حياتنا اليومية.

+ الصلاة علاقة شخصية مع الله

علّمنا المسيح نفسه أن الصلاة هي دخول في عمق العلاقة مع الآب { وأمّا أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء} (مت 6: 6). والصلاة وسيلتنا لنوال الغفران بشرط أن نغفر للغير {لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ.}(مر ١١: ٢٤، ٢٥)

+ الصلاة مصدر لحياة النصرة والسلام

يربط الكتاب المقدس الصلاة بالقوة الروحية والنصرة 

وهكذا صلي يهوشفاط لله وانتصر { يَا إِلهَنَا أَمَا تَقْضِي عَلَيْهِمْ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا». }( ٢أخ ٢٠: ١٢). وكما علما السيد المسيح له المجد ان النصرة علي إبليس تعتمد علي الصلاة والصوم 

{ فَقَالَ لَهُمْ: «هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ». }(مر ٩: ٢٩). والصلاة مصدر للسلام الداخلي { لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع} (في 4: 6-7).

ثانياً: الصلاة في فكر آباء الكنيسة

+ يصف القديس أثناسيوس الرسولي الصلاة بأنها "ارتفاع القلب والعقل نحو الله"، مؤكداً أنها تجعل المؤمن يثبت في المسيح. اما القديس مقاريوس الكبير فيرى أن الصلاة الحقيقية ليست مجرد كلمات، بل هي انفتاح القلب على عمل الروح القدس في الداخل، لتصير النفس مسكنًا لله.

+ والقديس أغسطينوس يربط بين الصلاة والرغبة العميقة في الله، فقال: "إن صلاتنا هي تعبير عن شوق القلب إلى الله الذي لا يرتاح المؤمن إلا فيه". ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم " الصلاة سلاح عظيم، و كنز لا يفرغ، وغنى لا يسقط ابدا، ميناء هادىء وسكون ليس فيه اضطراب. هي مصدر واساس لبركات لا تحصى، فعندما تشرق نور الشمس تهرب الوحوش الضاربة وتختبىء فى اوجرتها و هكذا حينما نبتدىء فى الصلاة. فهى شعاع يشرق علينا فيستضىء العقل بنورها وحينئذ تهرب كل الشهوات الجاهلة وتتبدد. فقط علينا ان نصلى بشجاعة و فكر مضبوط فاذا كان الشيطان قريبا منا يطرد. وتهرب الارواح الشريرة.

+  يقول القديس مار أفرام السرياني " أتريد أن تقني الصلاة الدائمة؟ اجتهد في الصلاة ، وحينما يرى الرب غيرتك وهمتك وسعيك في الصلاة يعطيك إياها". اما القديس باسليوس الكبير فيرى أن الصلاة هي عمل مرتفع متعالي على جميع الفضائل ويقول " لا تشته أن تصلي إلا عندما تنقي نفسك من طياشة الأفكار، بل أعلم أن من مداومتك في الصلاة وكثرة التعب فيها تبطل الطياشة وتنقطع من القلب". ويرى ان  الصلاة التصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها، فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب. 

ثالثا: علم النفس والتكامل الروحي والنفسي

+ الصلاة كوسيلة للتوازن النفسي فتُشير أبحاث علم النفس الإيجابي إلى أن الصلاة تمثل وسيلة فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية، إذ تُقلل من القلق والاكتئاب وتزيد من مشاعر الطمأنينة (Koenig, 2012). ويرى فيكتور فرانكل، رائد العلاج بالمعنى، أن الصلاة تساعد الإنسان على إيجاد معنى أعمق لحياة المؤمن وسط الألم والضغوط، لأنها تربطه بمصدر متجاوز لذاته. والصلاة المشتركة داخل الأسرة أو الجماعة تعزز من الروابط الاجتماعية والتعاطف (Pargament, 2007).

+ الصلاة بحسب الرؤية الكتابية والآبائية لا تقتصر على الجانب الروحي فحسب، بل تمتد إلى الجانب النفسي. فهي تهب سلام القلب وسط الاضطراب. وتمنح قوة الإرادة لمواجهة التجارب. وتحقق انسجامًا داخليًا بين العقل والنفس والروح. وتزرع الرجاء وسط الألم واليأس.

+ إن الصلاة هي سر الحياة المسيحية الحقيقية، فهي لقاء شخصي مع الله، ومصدر لقوة النفس وتجديد الروح. وتُعد الصلاة جوهر الوجود المسيحي، وفي علم النفس الحديث تُعتبر وسيلة فعّالة لتحقيق الصحة النفسية والتوازن الداخلي، وبالتالي يمكن القول إن الصلاة تمثل جسرًا بين الروحي والنفسي، بين ما هو أبدي وما هو زمني، فتقود الإنسان إلى حياة متكاملة في المسيح.

رابعاً: استجابة الله لصلواتنا 

إن السؤال الذي يتكرر من كثيرين هو: هل يستجيب الله حقًا لصلواتنا؟ وكيف ومتى؟. يقدّم لنا الكتاب المقدس إجابة واضحة عن أمانة الله في الإصغاء لصلوات شعبه، كما يؤكد آباء الكنيسة أن استجابة الله تُفهم في ضوء مشيئته الصالحة والخلاصية للإنسان. الله يسمع لصلواتنا { الرب قريب من كل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق} (مز 145: 18). ويؤكد في إشعياء النبي: { ويكون أني قبلما يدعون أنا أُجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع} (إش 65: 24). لكن نحتاج للإيمان بعمل الله معنا وأن نقبل توقيت الله وحكمته فقد يستجيب الله فورًا كما في شفاء بطرس للأعرج (أع 3: 6-8)، او كما في اخراج بطرس من السجن او بقوله هذا المرض صالح لأجل خلاصك { مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. }(٢ كو ١٢: ٨، ٩). أو يري الله أن تأجيل الاستجابة لمصلحة أعمق، كما في أقامة لعازر: { هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله} (يو 11: 4). وأحيانًا تكون الاستجابة بـ«لا»، إذا كان ما يطلبه الإنسان لا يتفق مع خطة الله لخلاصه (2كو 12: 8-9). فالله، كأب محب، يعرف ما هو خير لأولاده أكثر مما يعرفوا هم لأنفسهم. والقديس مار إفرام السرياني يشير إلى أن الصلاة تغيّر قلب المصلّي أكثر مما تغيّر الظروف: «الصلاة الحقيقية ليست تغيير فكر الله، بل تغيير قلب الإنسان». وعلينا أن ندرك أن استجابة الله سواء بالإيجاب أو الانتظار يجب أن نقبله ليهب الإنسان سلام داخلي (في 4: 6-7). وثقة في محبة الله رغم عدم فهمنا أحياناً لكن علينا قبول أرادة الله بشكر وأن ننمو في الإيمان حيث يتعلم الإنسان أن يتكل على الله لا على ذاته. ويقبل إرادة الله الصالحة التي تهدف إلى خلاصه الأبدي. سواء كانت الاستجابة بنعم أو "لا" أو "انتظر" كتعبير عن محبة الله الفائقة وحكمته غير المحدودة.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس.

* أثناسيوس الرسولي، "رسائل ضد الأريوسيين".

* يوحنا ذهبي الفم، "العظات على الصلاة".

* مقاريوس الكبير، "العظات الروحية".

* أغسطينوس، "الاعترافات".

* Koenig, H. G. (2012). Religion, Spirituality, and Health: The Research and Clinical Implications. ISRN Psychiatry.

* Pargament, K. I. (2007). Spiritually Integrated Psychotherapy: Understanding and Addressing the Sacred. Guilford Press.

* Frankl, V. (1985). Man’s Search for Meaning. Beacon Press.

سلام النفس في عالم مضطرب - ٢٢

 سلام النفس في عالم مضطرب - ٢٢



يعيش الإنسان المعاصر في عالم متسارع مضطرب، نتعرض فيه للعديد من الضغوط الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية، مما يذيد الصراعات الداخلية الناتجة عن الخوف، القلق، والشعور بعدم الأمان. وفي وسط هذه العواصف تتذايد الحاجة إلى "سلام النفس"، ذلك السلام الداخلي العميق لا يعتمد في الحقيقة على الظروف الخارجية، بل ينبع من علاقة روحية حية بالله، ويتكامل مع الصحة النفسية ويطرح الكتاب المقدس، وفكر الآباء، وكذلك علم النفس المسيحي، رؤية متكاملة لتحقيق هذا السلام كطريق للنضج الروحي والإنساني.

أولاً: سلام النفس في الكتاب وفكر الآباء

+ الله هو مصدر السلام الحقيقي ومنه ناخذ سلامنا لنعيش في هدوء وتعزية وسط مختلف الظروف، يقول الرب يسوع: { سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.} (يو١٤: ٢٧). هنا يوضح المسيح أن سلامه ليس مجرّد هدوء ظاهري، بل عطية إلهية قادرة أن تملأ القلب وسط الضيق: { وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.} (في ٤: ٧). أي أن سلام الله يتجاوز إدراك الإنسان، لأنه مرتبط بحضور الله في الداخل وليس فقط بغياب المشاكل.

+ إن سلام النفس هو ثمرة من ثمار الروح القدس

السلام يُعد إحدى ثمار الروح { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ  وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ.} (غل ٥: ٢٢، ٢٣ ). فالإنسان لا يستطيع أن يصنعه بنفسه، لكنه يقبله كعمل إلهي في داخله حين يسلك في الإيمان والمحبة. حتى في العهد القديم نجد داود يقول: { بالسلام أضطجع بل أيضاً أنام، لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني} (مز 4: 8). هذا يوضح أن السلام ليس انعدام خطر خارجي، بل ثقة في الله الذي يحفظ ويريح كل متعب.

+ سلام النفس في فكر الآباء

+ يعرّف القديس أغسطينوس السلام بأنه "سكون النظام" أي أن النفس تدخل في انسجام داخلي حين تتوجّه بكليتها نحو الله، مصدر الطمأنينة. أما القديس أثناسيوس الرسولي فيربط بين الاتحاد بالمسيح والسلام قائلاً: "من يلتصق بالكلمة الإلهي، لا تزعزعه اضطرابات العالم، لأنه يتقوى بالحق غير المتغير."

ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أن السلام ليس في الغنى أو السلطة بل في الضمير المستقيم: "لا شيء يقدر أن يزعج النفس الطاهرة، حتى لو تلاطمت عليها أمواج العالم." ويعلّمنا القديس الأنبا أنطونيوس الكبير أن السلام الداخلي ثمرة الجهاد الروحي ونعمة الله قائلاً: "الإنسان إذا حفظ قلبه من الأفكار المضطربة، وجد فيه الملكوت."

ثانياً: سلام النفس في علم النفس 

+ يفسّر علماء النفس الرؤية النفسية للسلام الداخلي  بأنه حالة من التوازن النفسي-العاطفي تنشأ من التكيّف الإيجابي مع الضغوط. في نظرية فيكتور فرانكل (Logotherapy)، السلام يأتي من إيجاد معنى للحياة حتى وسط الألم. ويشير علم النفس الإيجابي إلى أن الامتنان، الغفران، والتأمل، من أهم الممارسات التي تعزز سلام النفس. وهي متوافقة مع دعوة الكتاب المقدس: «اشكروا في كل شيء» (1 تس 5: 18).

+ إن الاضطرابات النفسية كالقلق والأكتئاب تهدد  سلامنا النفسي وهنا يتقاطع العلاج النفسي مع العلاج الروحي، حيث يساعد الإيمان والتسليم لله على تقليل القلق المرضي.

ثالثا : وسائل عملية لتحقيق سلام النفس

+ الصلاة والتأمل .. الصلاة العميقة والهدوء الروحي يفتحان القلب لحضور الله. يجب أن نخصص وقت يومي لصلاة المزامير والصلاة يسوع الدائمة.

+ القراءة الروحية.. قراءة الكتاب المقدس وسير القديسين تغذي النفس بالرجاء وتعطى سلام للنفس.

+ المحاسبة اليومية تجعل المؤمن لا يتمادى في البعد عن الله ويتوب ويسترجع سلامه المفقود ويتقدم وينمو روحياً. لهذا يوصي الآباء بمراجعة النفس يومياً لتصحيح المسار، مما يمنع تراكم القلق والشعور بالذنب.

+ المساندة المجتمعية .. يبرز علم النفس أهمية العلاقات الداعمة. كما يؤكد أباء الكنيسة اهمية الشركة الأخوية كضمانة للسلام: { احملوا بعضكم أثقال بعض} (غل 6: 2).

+ ممارسات علاجية حديثة.. مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لمواجهة الأفكار السلبية مع الإيمان المسيحي الذي يدعو إلى «تجديد الذهن» (رو 12: 2).

+ سلام النفس ليس رفاهية أو حالة شعورية عابرة، بل هو عطية إلهية وثمار جهاد روحي ونفسي متكامل. ويقدم الكتاب المقدس أساس هذا السلام في شخص المسيح، ويعمّقه الآباء في خبراتهم النسكية، ويدعمه علم النفس بوسائل عملية. وفي عالم يزداد اضطراباً، يبقى المؤمن مدعوّاً لأن يكون شاهداً لهذا السلام، كما قال الرب: { طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون}(مت 5: 9).

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس

* القديس أغسطينوس، مدينة الله.

* القديس يوحنا ذهبي الفم، العظات على إنجيل متى.

* أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة.

* الأنبا أنطونيوس، أقوال الآباء 

* فيكتور فرانكل، الإنسان يبحث عن معنى (Man’s Search for Meaning).

* Martin Seligman, Authentic Happiness.

* Aaron T. Beck, Cognitive Therapy of Depression.

الغفران كطريق لشفاء النفس - ٢١

 الغفران كطريق لشفاء النفس - ٢١

الغفران ليس مجرّد فعل خارجي أو قرار عقلي، بل هو خبرة روحية عميقة تُحرّر النفس من أثقال الغضب والمرارة والانتقام. الإنسان الذي يقتدى بالله ويتعلم منه ويستجيب لوصيته، إذ أن "الله محبة" (1يو 4: 8)، والمسيح علّمنا أن نصلي قائلين: «واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا» (مت 6: 12). من هنا، يُصبح الغفران علاجاً روحياً ونفسياً، ليس فقط للآخر، بل بالدرجة الأولى للإنسان الغافر نفسه، إذ يختبر شفاء الجراح الداخلية وتحرير القلب من سجن الكراهية.

+ الغفران قوة إلهية تمنح للمؤمن تحرره من المرارة والألم وتمنحه سلام داخلي يشفي جراح نفسه، لمضى قدما في توازن والتزام ولا يعني الغفران تبرير اخطاء الأخرين، بل كقرار شخصى لانهاء سلطان وقيود الماضى علي حاضرنا، والصفح عن اخطاء الغير لكى لا تضر بشخصتنا او تفقدنا سلامنا او تجعلنا فريسة للكراهية والقلق وتسلط الشر. قد يجد كثيراً من الناس صعوبة في ممارسة الغفران والصفح او النسيان، فالنفس المجروحة تفضل التمسك بالأنتقام والغضب واخد الحق باليد والايذاء ولهذا نشدد علي الصفح والمسامحة والغفران كوسيلة لشفاء النفس والروح وذلك بالصلاة لله وتذكر صفح الله عن خطايانا وصبره علي ضعفاتنا وستره علي ضعفنا ملتمسين منه النعمة وقوة المحبة التي بها غفر السيد المسيح لصالبيه علي الصليب { يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ.} (لو ٢٣: ٣٤)

أولاً: البعد الكتابي للغفران وارتباطه بشفاء النفس

+ دعوة المسيح للغفران اللامحدود

عندما سال بطرس الرسول السيد المسيح كم مرة يغفر لأخيه المخطى في حقه { حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟»  قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. }(مت ١٨: ٢١، ٢٢).  أي أن الغفران ليس بعددا بل كاسلوب حياة دائم.

والغفران هنا ليس مجرد تنازل عن حق، بل هو تشبه وأقتداء بقلب الله، الذي غفر حتى لصالبيه قائلاً: { يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون} (لو 23: 34).

+ الغفران شرط للغفران الإلهي

وضع السيد المسيح غفراننا للغير وصفحنا عن المسيئين كشرط لكي يغفر لنا خطايانا ويقول لنا : { إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم} (مت 6: 15). هنا يظهر البعد العلاجي فالنفس التي ترفض الغفران تبقى سجينة الماضي، بينما النفس التي تغفر تدخل في حرية أولاد الله. { وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ.  وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.}(مر ١١: ٢٥، ٢٦). الروح القدس بعمله فينا ويقودنا الي الايمان العامل بالمحبة لنصلي في محبة من أجل كل أحد، الأعداء والأحباء، والقريبين والبعيدين ونكون بالله متشبهين وللخير صانعين لننال من الله الغفران والسلام ونكون علي خلاص أنفسنا ساهرين.

+ الغفران والسلام داخلي

الرسول بولس يربط بين الغفران والسلام: { احتملوا بعضكم بعضاً، وإن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً} (كو 3: 13). فالإنسان الذي يغفر يشترك في سلام المسيح الذي يفوق كل عقل (في 4: 7). إن حياة يوسف الصديق ترينا كيف يشفي الغفران النفس ويهب السلام الداخلي ويجعلنا نغفر لأخوتنا { فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟  أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا. فَالآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ». فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ. }(تك ٥٠: ١٩-٢١)

ثانياً: الغفران في فكر الآباء كطريق شفاء روحي

+ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:  «لا يوجد دواء للنفس أقوى من الغفران، فهو يقتلع شوكة الكراهية من القلب ويزرع فيه المحبة الإلهية». فيرى أن من يغفر يحرر نفسه من سجن الانتقام ويصير شبيهاً بالله.

+ ويربط القديس أثناسيوس الرسولي بين الغفران والتجسد  الإلهي قائلاً: «كما أن المسيح حمل خطايانا وغفرها على الصليب، هكذا نحن مدعوون أن نغفر لننال نحن أيضاً غفراناً».

+ ويشبه القديس مقاريوس الكبير الغفران بالنور الذي يطرد الظلمة: «القلب الذي يغفر يمتلئ نوراً، وأما الذي يحقد فيسكنه ظلام».

+ ويقول القديس أغسطينوس: «من لا يغفر لأخيه يغلق على نفسه باب الرحمة». فهو يؤكد أن الغفران ليس مجرد إحسان للآخر، بل شرط أساسي لدخول رحمة الله وشفاء القلب.

ثالثاً: المنظور النفسي للغفران كعلاج داخلي

+ علم النفس الحديث يرى أن الغفران عملية علاجية تعيد التوازن للنفس، وتشفى من الصدمات النفسية فالدراسات النفسية تشير إلي أن الغفران يساعد في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب الناتج عن صدمات الماضي. ويحسن من الصحة الجسدية فاظهرت الابحاث أن الأشخاص الذين يمارسون الغفران لديهم ضغط دم أقل ونوم أفضل.

+ التسامح والغفران يعزز من العلاقات الإنسانية ويكسر دائرة العداء والمرارة، ويعيد بناء الجسور بين الناس. فالنمو النفسي والروحي بحسب علم النفس الإيجابي يُعتبر من أعمدة "المرونة النفسية" التي تعين الإنسان على مواجهة الصعوبات بروح رجاء.

رابعاً: خطوات عملية للغفران وشفاء النفس

* الصلاة من أجل من أساء إلينا { وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،  لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. }(متى ٥: ٤٤، ٤٥، ٤٨).

* التأمل في غفران المسيح لنا { لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ.) (أف ٤: ٣١، ٣٢).

* الاعتراف بالمشاعر السلبية وعدم إنكارها، بل تقديمها لله ليشفيها. { إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. }(١ يو ١: ٩)

* ممارسة فعل الغفران بقرار واعٍ، حتى لو لم تختفِ المشاعر السلبية فوراً. { اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.} (يع ٥: ١٦-١٨)

* اننا نصلي ونطلب نعمة وعمل الروح القدس فينا لأنه وحده يعطي القلب القدرة على الغفران الحقيقي ويهب المحبة التي بلا رياء { وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً،  وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.} (رو ٥: ٣-٥)

+ إن الغفران ليس ضعف ولا تنازل عن العدالة، بل هو قوة داخلية نابعة من نعمة الله التي تشفي الجراح وتمنح سلاماً أبدياً. من يغفر يختبر شفاء نفسه أولاً، ويصير شريكاً للمسيح الذي غفر على الصليب لصالبيه. وكما يقول القديس مقاريوس: «القلب الذي يغفر يذوق عربون الملكوت منذ الآن».

القمص أفرايم الانبا بيشوى

 المراجع

* الكتاب المقدس (العهد الجديد).

* يوحنا الذهبي الفم، عظات على إنجيل متى.

* أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة.

* مقاريوس الكبير، العظات الروحية.

* أغسطينوس، الاعترافات.

* Enright, R. D. (2001). Forgiveness Is a Choice: A Step-by-Step Process for Resolving Anger and Restoring Hope.

* Worthington, E. L. (2006). Forgiveness and Reconciliation.