نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الخميس، 20 نوفمبر 2025

الصبر واهميته - ٤٠

 الصبر واهميته - ٤٠


يُعتبر الصبر والاحتمال من أهم الفضائل المسيحية التي تُثبّت وتقوى النفس في مواجهة التجارب والشدائد. فهما ليسا مجرد قدرة على التحمّل السلبي، بل قوة داخلية تفيض من الإيمان بالله، وتمنح الإنسان ثباتًا، سلامًا، ونضجًا نفسيًا وروحيًا. الصبر هو التجلد وحسن الأحتمال وطول الأناة والتماسك وضبط النفس في مواجهة الظلم والأستفزار والمعارضة وهو موقف إيجابي أرادي نابع من محبة الله التي تحتمل وتصبر علي الغير، الصبر يعنى أيضاً التفكير المتأني قبل كل قول أو عمل نقوم به وأدراك نتائجه.

 الصبر فضيلة لها بُعد كتابي واضح، وتجذّرت في فكر آباء الكنيسة وسير القديسين، كما أيّدها علم النفس الحديث وأكّد أثرها الاجتماعي والإنساني.

أولاً: الصبر في الكتاب المقدس

+ يصف الكتاب المقدس الله بانه إله رحيم، صبور، بطئ الغضب { فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ.} (خر ٣٤: ٦). ويتجلي صبر الله في تعامله مع الإنسان الخاطئ، كما مع أهل نينوى الذين صبر عليهم ورحمهم ويحثنا الكتاب في العهد الجديد أن نتمثل بصبر المسيح الذي قال لنا { بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ.} (لو ٢١: ١٩). فالذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلص. حتى الأرض الجيدة تثمر بالصبر كذلك الإنسان الصالح { وَالَّذِي فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، هُوَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ. }(لو ٨: ١٥)

+ يقول أيوب في محنته: { الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا} (أيوب 1: 21). لقد أيوب صار نموذجًا عالميًا للصبر حتى قال الكتاب {خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.} (يع ٥: ١٠، ١١). وتذخر المزامير بالصلاة مع الرجاء: { أنتظر الرب. ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب} (مز 27: 14). فانبياء وأبرار كثيرين كأرميا وحزقيال عانوا وصبروا طويلًا على رفض الشعب واضطهادهم.

+ ربنا يسوع المسيح نفسه هو المثال الأسمى في الصبر والأحتمال والرحمة حتى بمقاوميه ومن أرادوا أن يصطادوا بالكلام والفعل وهو يطيل صبره عليهم { وَالرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ، وَإِلَى صَبْرِ الْمَسِيحِ. }(٢ تس ٣: ٥) { الذي إذ شُتِم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلّم لمن يقضي بعدل} (1بط 2: 23).  فليعطينا إله الصبر، صبراً كاملا ورجاء صالح { وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ.}(رو ١٥: ٥)

+ والقديس بولس يشدد علي الصبر كفضيلة تذكى الإنسان أمام الله { مفتخرين أيضًا في الضيقات، عالمين أن الضيق ينشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء" (رو 5: 3–4). وفي رسالة يعقوب تدعو إلى الاقتداء بالأنبياء: { خذوا يا إخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب}(يع 5: 10).

الصبر بحسب الكتاب المقدس ليس مجرد تحمّل، بل هو مدرسة للتزكية والنضج.

ثانياً: الصبر في فكر الآباء وسير القديسين

1. أقوال الآباء

* يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "ليس شيء يجعل الإنسان أكثر شبهًا بالله مثل طول الأناة."

* والصبر رفيق الإيمان لدى القديس أغسطينوس: "الصبر هو رفيق الإيمان. من لا يصبر لا يستطيع أن يحيا الإيمان إلى النهاية."

* اما القديس الأنبا  أنطونيوس الكبير فيصف الصبر بالسور المنيع أمام حروب الشيطان : "لا تخف من كثرة الحروب، فإن صبرك سيصير لك سورًا منيعًا."

2. أمثلة من سير القديسين

* الشهيد مارجرجس: احتمل عذابات شديدة دون أن يتذمر، وصبره قاد إلى ثبات آلاف على الإيمان.

* القديسة دميانة: صبرت على التهديد والتعذيب ورفضت عبادة الأوثان وأستشهدت والعذارى معها في صبر وإيمان عجيب.

* الأنبا أنطونيوس: عاش صبرًا طويلاً في البرية وسط الحروب الروحية حتى صار أب الرهبان.

الصبر في حياة القديسين لم يكن سكون او سكوت سلبي في مواجهة تجارب الحياة بل قوة بنّاءة تجذب آخرين للإيمان.

ثالثاً: الصبر في علم النفس

+ علماء النفس يعرفونه كقدرة على تأجيل الإشباع وضبط النفس أمام الضغوط. وفي دراسة "Walter Mischel"  أكدت أن الأطفال الذين مارسوا الصبر نجحوا لاحقًا أكاديميًا واجتماعيًا. فللصبر فوائده نفسية منها تقليل القلق والاكتئاب. وزيادة المرونة النفسية وتعزز القدرة على حل المشكلات والتفكير الإيجابي.

+ أما البعد الاجتماعي للصبر فهو  يقوّي الروابط الأسرية بالتسامح، الاحتمال بين الأفراد ويخفف من حدة الصراعات الاجتماعية. ويخلق بيئة تعاونية مبنية على الاحترام.

رابعاً: أهمية الصبر والاحتمال وكيف نقتنيه..

* روحياً: يقود الصبر  إلى القداسة والاتحاد بالمسيح.

* نفسياً: يحمي من الاضطرابات ويمنح سلامًا داخليًا.

* اجتماعياً: يبني جسور الثقة والتفاهم.

* وجودياً: يعطي معنى للآلام والشدائد.

فكيف نقتني الصبر عمليًا؟

* التأمل في الكتاب المقدس: قراءة سير إبطال الإيمان مثل أيوب وبولس.

* الصلاة المستمرة: طلب نعمة الروح القدس المعزي.

* التمرين التدريجي: ضبط اللسان، السيطرة على ردود الفعل.

* الاقتداء بالقديسين: قراءة سيرهم تزرع الثبات.

* البُعد النفسي: ممارسة تقنيات التنفس العميق، إعادة التقييم المعرفي للأحداث.

* الخدمة الاجتماعية: العطاء يساعد النفس على التحمل وعدم الانغلاق على الألم.

+ ألصبر ليس ضعف بل قوة إيمانية ونفسية واجتماعية تجعل الإنسان ناضج وقادر على مواجهة ضغوط الحياة، وسائر في طريق القداسة. هو تاج الفضائل الذي به يربح المؤمن "إكليل الحياة" (يع 1: 12). والكنيسة عبر الكتاب المقدس وفكر الآباء وسير القديسين تؤكد أن الصبر عطية إلهية تُمارَس وتُقتنى في شركة الجهاد مع الروح القدس.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع 

* الكتاب المقدس 

* القديس يوحنا الذهبي الفم، العظات.

* القديس أغسطينوس، الاعترافات.

* البابا شنودة الثالث، الصبر في حياة المسيحي.

* الأنبا يوأنس، فضيلة الصبر في أقوال الآباء.

* Thomas Aquinas, Summa Theologica.

* Walter Mischel, The Marshmallow Test.

* Viktor Frankl, Man's Search for Meaning.

* William Barclay, The Letters of James and Peter.

* Lawrence J. Crabb, Understanding People.

ليست هناك تعليقات: