نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

الغفران كطريق لشفاء النفس - ٢١

 الغفران كطريق لشفاء النفس - ٢١

الغفران ليس مجرّد فعل خارجي أو قرار عقلي، بل هو خبرة روحية عميقة تُحرّر النفس من أثقال الغضب والمرارة والانتقام. الإنسان الذي يقتدى بالله ويتعلم منه ويستجيب لوصيته، إذ أن "الله محبة" (1يو 4: 8)، والمسيح علّمنا أن نصلي قائلين: «واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا» (مت 6: 12). من هنا، يُصبح الغفران علاجاً روحياً ونفسياً، ليس فقط للآخر، بل بالدرجة الأولى للإنسان الغافر نفسه، إذ يختبر شفاء الجراح الداخلية وتحرير القلب من سجن الكراهية.

+ الغفران قوة إلهية تمنح للمؤمن تحرره من المرارة والألم وتمنحه سلام داخلي يشفي جراح نفسه، لمضى قدما في توازن والتزام ولا يعني الغفران تبرير اخطاء الأخرين، بل كقرار شخصى لانهاء سلطان وقيود الماضى علي حاضرنا، والصفح عن اخطاء الغير لكى لا تضر بشخصتنا او تفقدنا سلامنا او تجعلنا فريسة للكراهية والقلق وتسلط الشر. قد يجد كثيراً من الناس صعوبة في ممارسة الغفران والصفح او النسيان، فالنفس المجروحة تفضل التمسك بالأنتقام والغضب واخد الحق باليد والايذاء ولهذا نشدد علي الصفح والمسامحة والغفران كوسيلة لشفاء النفس والروح وذلك بالصلاة لله وتذكر صفح الله عن خطايانا وصبره علي ضعفاتنا وستره علي ضعفنا ملتمسين منه النعمة وقوة المحبة التي بها غفر السيد المسيح لصالبيه علي الصليب { يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ.} (لو ٢٣: ٣٤)

أولاً: البعد الكتابي للغفران وارتباطه بشفاء النفس

+ دعوة المسيح للغفران اللامحدود

عندما سال بطرس الرسول السيد المسيح كم مرة يغفر لأخيه المخطى في حقه { حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟»  قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. }(مت ١٨: ٢١، ٢٢).  أي أن الغفران ليس بعددا بل كاسلوب حياة دائم.

والغفران هنا ليس مجرد تنازل عن حق، بل هو تشبه وأقتداء بقلب الله، الذي غفر حتى لصالبيه قائلاً: { يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون} (لو 23: 34).

+ الغفران شرط للغفران الإلهي

وضع السيد المسيح غفراننا للغير وصفحنا عن المسيئين كشرط لكي يغفر لنا خطايانا ويقول لنا : { إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم} (مت 6: 15). هنا يظهر البعد العلاجي فالنفس التي ترفض الغفران تبقى سجينة الماضي، بينما النفس التي تغفر تدخل في حرية أولاد الله. { وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ.  وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.}(مر ١١: ٢٥، ٢٦). الروح القدس بعمله فينا ويقودنا الي الايمان العامل بالمحبة لنصلي في محبة من أجل كل أحد، الأعداء والأحباء، والقريبين والبعيدين ونكون بالله متشبهين وللخير صانعين لننال من الله الغفران والسلام ونكون علي خلاص أنفسنا ساهرين.

+ الغفران والسلام داخلي

الرسول بولس يربط بين الغفران والسلام: { احتملوا بعضكم بعضاً، وإن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً} (كو 3: 13). فالإنسان الذي يغفر يشترك في سلام المسيح الذي يفوق كل عقل (في 4: 7). إن حياة يوسف الصديق ترينا كيف يشفي الغفران النفس ويهب السلام الداخلي ويجعلنا نغفر لأخوتنا { فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟  أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا. فَالآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ». فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ. }(تك ٥٠: ١٩-٢١)

ثانياً: الغفران في فكر الآباء كطريق شفاء روحي

+ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:  «لا يوجد دواء للنفس أقوى من الغفران، فهو يقتلع شوكة الكراهية من القلب ويزرع فيه المحبة الإلهية». فيرى أن من يغفر يحرر نفسه من سجن الانتقام ويصير شبيهاً بالله.

+ ويربط القديس أثناسيوس الرسولي بين الغفران والتجسد  الإلهي قائلاً: «كما أن المسيح حمل خطايانا وغفرها على الصليب، هكذا نحن مدعوون أن نغفر لننال نحن أيضاً غفراناً».

+ ويشبه القديس مقاريوس الكبير الغفران بالنور الذي يطرد الظلمة: «القلب الذي يغفر يمتلئ نوراً، وأما الذي يحقد فيسكنه ظلام».

+ ويقول القديس أغسطينوس: «من لا يغفر لأخيه يغلق على نفسه باب الرحمة». فهو يؤكد أن الغفران ليس مجرد إحسان للآخر، بل شرط أساسي لدخول رحمة الله وشفاء القلب.

ثالثاً: المنظور النفسي للغفران كعلاج داخلي

+ علم النفس الحديث يرى أن الغفران عملية علاجية تعيد التوازن للنفس، وتشفى من الصدمات النفسية فالدراسات النفسية تشير إلي أن الغفران يساعد في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب الناتج عن صدمات الماضي. ويحسن من الصحة الجسدية فاظهرت الابحاث أن الأشخاص الذين يمارسون الغفران لديهم ضغط دم أقل ونوم أفضل.

+ التسامح والغفران يعزز من العلاقات الإنسانية ويكسر دائرة العداء والمرارة، ويعيد بناء الجسور بين الناس. فالنمو النفسي والروحي بحسب علم النفس الإيجابي يُعتبر من أعمدة "المرونة النفسية" التي تعين الإنسان على مواجهة الصعوبات بروح رجاء.

رابعاً: خطوات عملية للغفران وشفاء النفس

* الصلاة من أجل من أساء إلينا { وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،  لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. }(متى ٥: ٤٤، ٤٥، ٤٨).

* التأمل في غفران المسيح لنا { لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ.) (أف ٤: ٣١، ٣٢).

* الاعتراف بالمشاعر السلبية وعدم إنكارها، بل تقديمها لله ليشفيها. { إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. }(١ يو ١: ٩)

* ممارسة فعل الغفران بقرار واعٍ، حتى لو لم تختفِ المشاعر السلبية فوراً. { اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.} (يع ٥: ١٦-١٨)

* اننا نصلي ونطلب نعمة وعمل الروح القدس فينا لأنه وحده يعطي القلب القدرة على الغفران الحقيقي ويهب المحبة التي بلا رياء { وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً،  وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.} (رو ٥: ٣-٥)

+ إن الغفران ليس ضعف ولا تنازل عن العدالة، بل هو قوة داخلية نابعة من نعمة الله التي تشفي الجراح وتمنح سلاماً أبدياً. من يغفر يختبر شفاء نفسه أولاً، ويصير شريكاً للمسيح الذي غفر على الصليب لصالبيه. وكما يقول القديس مقاريوس: «القلب الذي يغفر يذوق عربون الملكوت منذ الآن».

القمص أفرايم الانبا بيشوى

 المراجع

* الكتاب المقدس (العهد الجديد).

* يوحنا الذهبي الفم، عظات على إنجيل متى.

* أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة.

* مقاريوس الكبير، العظات الروحية.

* أغسطينوس، الاعترافات.

* Enright, R. D. (2001). Forgiveness Is a Choice: A Step-by-Step Process for Resolving Anger and Restoring Hope.

* Worthington, E. L. (2006). Forgiveness and Reconciliation.

ليست هناك تعليقات: