للأب
القمص أفرايم الانبا بيشوى
المحبة والصداقة الإلهية ..
+ قدم لنا
الانجيل الرب يسوع المسيح صديقا للبشرية يخرج من سمائه ويقترب اليها ويقدم لها
ذاته على مذبح الحب فوق الصليب . لا لفضل لنا أو لاستحقاق فينا بل بمقتضى نعمته
ومحبته. ان هذه الصداقة لا تطلب منك شئ الا ان تطلبها وان تسأله يوما فيوم ماذا
تريد يارب ان افعل؟ وهو يقودك ويكون فردوسا لنفسك وصديقا شخصيا لك وفرح
لنفسك الباحثة عن الحب والحياه والفرح .هناك قصة سمعتها عن أحد المؤمنين الذين
إنتقلوا فى عشرة صداقة مع الله تقول: ان احد الاشخاص المؤمنين عاش زمانا بعيدا عن
الله وتاب ورجع الى الله واراد ان يعوض السنين التي اكلها الجراد ولم يكن فيها له
ثمر روحي . ونصحه اب اعترافه ان يتحدث مع الله كصديق ومحب، ولانه يريد صديق قريب
لقلبه ويحس بالأمه فقد أتى بايقونة للسيد المسيح ووضعها على كرسي فى
صالونه وكان يحيا وحيدا بعد وفاة زوجته وزواج ابنائه وبنته الوحيدة وبعدهم عنه، اخذ
يحكى مع الرب الاله المتجسد، ويقراء فى الإنجيل ويشبع بالعشرة مع الله،
واصبح له الله هو الصديق والرفيق والمحب المشبع، وكم كانت صداقته بالله مصدر إشعاع
روحي للكثيرين وعندما اسلم روحه الطاهرة وجدوه راكعا واضعا يديه على الكرسي الذى
يجلس عليه صديقه الإلهي ولاشك ان الله جاء مع قديسيه لياخذ روحه للسماء ليكون معه
كما أعلن قبل وفاته لأبيه الروحي . انه يذكرنا باخنوخ البار الذى سار مع
الله ولم يوجد لان الله نقله {وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله
اخذه }(تك 5 : 24).
+ لقد
انفتح لنا باب الصداقة الالهية على مصراعيه واصبح الله قريبا منا ودعانا احباء
" انتم احبائي ان فعلتم ما اوصيتكم به . لا اعود ان اسميكم عبيدا لان العبد
لا يعرف ما يعمل سيده لكن سميتكم احباء لانى اعلمتكم بكل ما سمعته من أبى "
يو 15 : 14 – 15 .ان الله الاب فى المسيح يسوع يريد ان يجمع الكل من كل الامم
والقبائل والالسنة والشعوب كابناء له ويجعل من كل واحد وواحدة منا موضع مسرته
ومحبته . وهكذا راينا فى كل جيل رجالا ونساء نموا فى معرفة الله ومحبته لتكون لهم
عشره وصداقة واتحاد بالله . اصبح كل واحد منهم يحس بالحضور الالهي والحديث
المتبادل حتى فى العمل اليومي البسيط فيكون الله العامل معنا والمشارك
لنا والمبارك لتحركاتنا وقائد مسيرتنا ليس فى الاعمال العظيمة الكبيرة، بل وفى
ابسط واصغر الامور. انا الله يعطينا ان نكون ابناء له ونبوح له بمكنونات قلوبنا
ويكشف لنا عن اسرار محبته، ويهبنا نعمة روحه القدوس ليكون ملازم لنا ومعلما ومرشدا وقائدا فى
الطريق. ويحل السيد المسيح بالإيمان فى قلوبنا لنتأصل فى المحبة وندرك عمق محبة
الله لنا ونكون بحق أصدقاء واحباء {لكي يعطيكم بحسب غنى مجده ان تتأيدوا بالقوة
بروحه في الانسان الباطن.ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم. وانتم متاصلون ومتاسسون في
المحبة حتى تستطيعوا ان تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق
والعلو. وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا الى كل ملء الله} اف
16:3-19
+ عاش ابونا ادم قديما فى جنه عدن ومعه امنا
حواء فى عشرة وصداقة مع الله ، ومع بعضهم البعض فى محبه وتفاهم وكان
الله يتحدث معهما ويدعوهما لتسمية الاشياء باسمائها . ودعاهما ان يتسلطا على طيور
السماء وحيوانات الارض وان ينموا ويكثروا .ومع غواية الحية جاء السقوط والخوف
والاختباء من الله والقاء اللوم على الاخر وبهتت الصداقة الالهية . فالخطية تمثل فاصل
بيننا وبين الله المحب. ومع هذا وجدنا فى العهد القديم امثله طيبة للصداقة الالهية
والمحبة المتبادلة بين الله والبشر . فاخنوخ المنادى للبر سار فى صداقة
وعشرة مع الله ولم يوجد لان الله نقله. وابراهيم ابو الاباء صار صديقا لله عندما
دعاه ان يخرج من ارضه وعشيرته وبيت ابيه فخرج وهو لا يعلم الى اين يذهب
وقال له الله { انا هو الله القدير سر امامي وكن كاملا } وكان الله لا يخفى عليه
امر ما ويقول هل اخفى عن ابراهيم ما انا فاعله ؟ فكان يتناقش معه كما يحدث الرجل
صاحبه . وموسى النبي كان يكلم الله كما يكلم الرجل صاحبه ايضا ولهذا اخذ من الله
حكمة ووداعة واستطاع ان يقود الشعب فى البرية القفره .
وهكذا تمضى السنين ويرسل الله الانبياء ليرشدوا
البشرية ويدعوهم الى الرجوع اليه ويعاتب الله البشرية على عدم طاعتها {ربيت بنين
ونشاتهم اما هم فعلى قد عصوا} بل ومن تحنن احشائه على شعبه يعتبر بعدهم عنه
كابتعاد الزوجة عن زوجها وخيانتها له .
السير مع الله فى محبة صادقه ...
+ المحبة
والرفقة الإلهية .. ان
الله ليس عنا ببعيد بل به نحيا ونتحرك ونوجد وهو بالايمان يحل فى قلوبنا ويصيرها
مسكنا له ولان الله محبة، فانه لا يسكن الا فى القلب المحب ويريدنا ان نتحدث معه
حديث الحب نكشف له عن مكنونات نفوسنا، نشكره على ما نقدمه له من خير، نشكوى له همومنا واحزاننا وشكوكنا.
نقدم له طلباتنا ونشبع به جوع قلوبنا، نسمع كلامه ونحفظ وصاياه. ان الذى لا يدعنا
نحس بهذه الصداقة والحب هي قساوة القلب وبعده عن الله او هروبنا من وجهه واتباعنا
لشهواتنا وخداع ابليس. قد تكون هموم ومشاغل العالم وملذاته سبب فى عدم إحساسنا
بمحبة الله الذى لازال ينتظر بل ويطلب صداقتنا له ويفرح بحبنا له كفرح العريس
بالعروس ويناجى انفسنا قائلا ها انا واقف على الباب، انه يريد ان نكون له أصدقاء ونجد
منه الرفقة والراحة والعزاء، فهل نقبل ان يكون الله صديقنا اما ندعى يمضى عنا
ويعبر على غير رجعه ونحن نكون خاسرين بلا اله او رجاء؟ { هنذا واقف على الباب واقرع ان سمع احد
صوتي و فتح الباب ادخل اليه و اتعشى معه وهو معي} (رؤ 3 : 20).ان الله يدعونا لمحبته وصداقته فهل نلبى الدعوة والنداء؟
+ الطاعة
وحفظ الوصية ... ان
الله يريد منا الطاعة كابناء، فالتمرد عليه وعصيانه هو جحود لمحبته ورفض لصداقته
{الذى عنده وصاياي ويحفظها فهو الذى يحبني والذى يحبني يحبه ابى وانا احبه واظهر
له ذاتي} (يو 14 : 21) ونحن
لا نحب باللسان والكلام بل بالعمل والحق . انت مدعو اذن لطاعة الله وحفظ وصاياه
والعمل بها ومدعوين ان
ننكر ذاتواتنا وحمل
الصليب كل يوم ونتبعه. انسى اذن ما وراء وامتد الى ما هو قدام طالبا منه ان يجذبك
بربط المحبة وقل له ياصديقى الالهي
اريد ان احس بحضورك ويا اله المحبة اريد
ان احبك اكثر . اطلب منه ليعلن لك ارادته وانتظر الرب وليتشدد قلبك . ان التقوى
والطاعة لله تجعلنا نحصل على صداقة الله وتجعلنا نعاشر اصدقاء صالحين وتجعلنا
نافعين لغيرنا {من يتقي الرب يحصل على صداقة صالحة لان صديقه يكون نظيره }(سير 6 : 17)
+ السير مع الله ... انت لست وحيدا فى هذه الحياه فلك
المسيح قائدا وهو يبحث عن الخروف الضال ليحمله على منكبيه ويدعو الاصدقاء ليفرحوا
معه برجوع الضالين . ان الله يسير معك فى رحله الحياه ويحملك وقت التعب ويرويك وقت
العطش الروحي والعاطفي والنفسي ، هو يفرح بنا اذ نتخذه صديق محب ويفرح بقيادته لنا
فهو الراعي الصالح . اجعل الله سيدا لحياتك وصديقا فى رحلة عمرك وان لم تكن لك
الخبرة الروحية الكافية تعلم
من سير الاباء القديسين الذين ساروا معه قبلك وكيف كانت كلمة الله حياتهم والصلاة وسيلتهم واسم الرب برج حصين لهم
والروح القدس مرشدا ومعزيا فى مسيرة الحياه .
عوائق الصداقة الإلهية ..
+ الخطية والبعد عن الله .. ان الخطية والبعد عن الله تمثل
عائقا لقبولنا لصداقة الله، فالانسان الخاطئ يهرب من الله ولا يريد ان يلتقى به،
بعض الناس لديهم قناعات خاطئة ان الله وعبادته وصداقته تمثل عائقا امام تحقيق ذواتهم
أو نيل رغباتهم وكما فعل الابن الضال فى طلبه نصيبه من ثروته ابيه ليذهب الى
الكورة البعيدة ليبذره فى عيش مسرف فتخلى عنه اصدقاء السوء وعندما شعر بالاحتياج
ولم يعطيه احد { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك
جوعا. اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطأت الى السماء وقدامك. ولست مستحقا
بعد ان ادعى لك ابنا اجعلني كاحد
اجراك. فقام وجاء الى ابيه واذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن وركض ووقع على
عنقه وقبله}( لو 17:15-20).يجب ان نعلم ان آبار العالم المشققة لا تضبط ماء ولا
تعطى شبع أو ارتوا. وان الله يبقى أمينا وصادق وصديق يستقبل الخاطئ بالاحضان
الأبوية دون توبيخ أو تعنيف او لوم ويريد ان يملأ قلوبنا فرحا وهو يدعونا ان
نستريح فيه { تعالوا الي يا جميع المتعبين و الثقيلي الاحمال وانا اريحكم} (مت 11 : 28). يجب ان نعلم ان الله
هو المبادر الى المصالحة والمصارحة مع البشر ويجب ان نثق فى سعيه لخلاصنا ونرجع
اليه { لانه ان كنا ونحن اعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالاولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص
بحياته. وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الان
المصالحة} (رو 10:5-11).
+ عدم
الثقة وهموم الحياة .. هناك من
لا يثقون فى الله ويفتر إيمانهم مع الزمن، وقد تلعب البيئة الخاطئة والذات
والانشغال بالملذات والانشغال بهموم الله اليومية اسبابا للبعد عن الله والابتعاد
عن الصداقة والعشرة معه، وكثيرين قادتهم المعاشرات الرديئة الى حياة اللهو
والبعد عن الله هكذا يرفض الكثيرين الدعوة الإلهية { وجعل يسوع يكلمهم ايضا بامثال
قائلا. يشبه ملكوت السماوات انسانا ملكا صنع عرسا لابنه. وارسل عبيده ليدعوا
المدعوين الى العرس فلم يريدوا ان ياتوا. فارسل ايضا عبيدا اخرين قائلا قولوا
للمدعوين هوذا غذائي اعددته ثيراني ومسمناتي قد ذبحت وكل شيء معد تعالوا الى العرس. ولكنهم تهاونوا
ومضوا واحد الى حقله واخر الى تجارته. والباقون امسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم} (مت
1:22-6). ولكن يجب ان نعلم ان كل إهتمامات العالم وشهواته وامجاده لا تغنى عن الله
الغنى والمشبع وان حاجتنا فى النهاية الى الله الواحد كما قال الرب لمرثا { فيما
هم سائرون دخل قرية فقبلته امراة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه اخت تدعى مريم
التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه. واما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة
فوقفت وقالت يا رب اما تبالي بان اختي قد تركتني اخدم وحدي فقل لها ان تعينني.
فاجاب يسوع و قال لها مرثا مرثا انت تهتمين و تضطربين لاجل امور كثيرة. ولكن
الحاجة الى واحد فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها} (لو38:10-42).
+
حروب الشيطان .. اننا
نعلم ان الشيطان يصنع حروبا مع ابناء الله ويريد ان يشغلنا عن الله ويلهينا عن
خلاص نفوسنا ومصدر سعادتنا،ثم يتمادى الانسان فى طاعة ابليس والعمل وفقا لشهواته
وأهوائه ليكون الشيطان ابا للشرير ومشيرا وصديقا يقوده الى الهلاك وهذا ما يحزرنا
عنه السيد الرب {انتم من اب هو ابليس وشهوات ابيكم تريدون ان تعملوا ذاك كان قتالا
للناس من البدء ولم يثبت في الحق لانه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما
له لانه كذاب وابو الكذاب} (يو 8 : 44).ان الشيطان يعلم ان الصلاة هي
الصلة التي تربطنا بالله، وان الصداقة بالله تجعلنا نثبت فى الحق ونثمر فلهذا
يلهينا بكل مشاغل العالم وصراعاته، ونحن محاصرون بسيل من الاخبار والاحداث والميديا وعالم الكمبيوتر والنت والدش والجرائد والاحداث بالاضافة
الى العمل على تأمين الحياة الكريمة والمستقبل الافضل وكل ذلك ليس خطية فى حد ذاته
بل الخطية هو ان كل هذه الامور تسيطر على فكر وعواطف الانسان وتبعده عن رفع القلب
لله بالصلاة، وايجاد الحلول الأمثل لدي الله لمشاكلنا وهمومنا. اننا نعلم ان الله
انتصر على إبليس وكل قواته الشريرة، واعطانا امكانية النصرة ووهبنا اسلحة الحرب
الروحية فهل نشرك الله كصديق قوى نحتمى فيه ونتقوى بالإيمان{ اخيرا يا اخوتي تقووا
في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد
ابليس. فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم
على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات. من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير
وبعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق ولابسين درع البر. وحاذين ارجلكم باستعداد انجيل السلام. حاملين
فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا
خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله} (أفس 10:6-17).
+ اننا اذ نجد ان الله يطلب محبتنا ويريد منا
ان نكون صادقين فى المحبة لننمو فى المعرفة والاتحاد والشركة لنصل الى حياة
القداسة ويهبنا كل الامكانيات اللازمة للفضيلة والتقوى فيجب ان نأتي اليه ونتعلم
منه ونكون
أوفياء له ونتعلم من مسيرة الاباء القديسين معه كيف نسير مع الله ؟ ويكون
لنا الطريق والحق والحياة ونجد معه التعزية والصداقة والشبع الروحي والنفسى، فيكون
لنا الصديق الدائم ولا تعد تستهوينا الاشياء ولا الاغراء بل نحيا معه وله اصدقاء
واحباء ويرفعنا من مرتبة العبيد الفقراء الى الابناء الاعزاء والمحبوبين من الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق