للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
القديس يوحنا الحبيب ..
القديس يوحنا لقب بالإنجيلى واللإهوتى والرسول والتلميذ الذى كان يسوع يحبه، ومعنى اسمه (يهوه حنون). وقد لقب فى الكتاب المقدس بالتلميذ الذى كان يسوع يحبه { فلما راى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امراة هوذا ابنك} (يو 19 : 26)،(يو 20 : 2). وهو ابن زبدى الاصغر ويعقوب اخاه الاكبر وقد كان ابيهم من الجليل وامه سالومي من بين النسوة اللواتى تبعن المخلص وسالته مرة أن يجعل ابنيها عن يمينه وشماله فى ملكوته { حينئذ تقدمت اليه ام ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئا. فقال لها ماذا تريدين قالت له قل ان يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والاخر عن اليسار في ملكوتك. فاجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان ان تشربا الكاس التي سوف اشربها انا وان تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها انا قالا له نستطيع. فقال لهما اما كاسي فتشربانها وبالصبغة التي اصطبغ بها انا تصطبغان واما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي ان اعطيه الا للذين اعد لهم من ابي.} ( مت 20:20-23) وقد كان يوحنا صيادا للسمك مع زبدى اباه وكان التلمود يوصى بضرورة ان يتعلم الابناء حرفة منذ الصغر وقد كان اباه غنى ويعمل لدية بعض الاجراء فى الصيد. ويقول ذهبي الفم انه تتلمذ أولا ليوحنا المعمدان مع القديس يعقوب الكبير أخاه الذي قتله هيرودس بالسيف. حتى دعاهما السيد المسيح ان يتبعاه { فدعاهما للوقت فتركا اباهما زبدي في السفينة مع الاجرى وذهبا وراءه} (مر1 : 20). وبقى يوحنا الحبيب مع السيد المسيح حتى فى ساعات المحاكمة الصعبة وتحت الصليب فالمحبة اقوى حتى من الموت ومن على الصليب عهد الرب يسوع المسيح ليوحنا برعاية القديسة مريم { فلما راى يسوع امه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لامه يا امراة هوذا ابنك. ثم قال للتلميذ هوذا امك ومن تلك الساعة اخذها التلميذ الى خاصته.} (يو 26:19-27).
من الغيرة النارية الى المحبة المتناهيه
دعاه المخلص مع أخيه يعقوب (بوانرجس) أي ابني الرعد، لشدة غيرتهما وعظيم إيمانهما. وعندما لم يقبل بعض من أهل السامرة السيد المسيح فى قريتهم فى زيارته لها طلب منه القديس يوحنا ان يهلك الرافضين له { فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا. فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من اي روح انتما.لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى.} ( لو 54:9-56). وقد تعلم وتغير طبعه من الغيرة النارية الى المحبة المتاهية بتلمذته للسيد المسيح حتى انه دعى رسول المحبة. جاء عنه أنه لما شاخ ولم يعد قادرا على الوعظ، كان يحمل إلى الكنيسة ويقف بين المؤمنين مرددًا عبارة "يا أولادي حبوا بعضكم بعضًا" فلما تسألوا عن سبب تكرار نفس العبارة فكان جوابه لأنها هي وصية الرب وهي وحدها كافية لخلاصنا لو أتممناها " احبوا بعضكم بعض" فلقد اوصى السيد تلاميذه قائلا: { بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض} (يو 13 : 35). وقد بقى القديس يوحنا فى اورشليم يكرز ببشارة الملكوت فى اورشليم واليهودية والسامرة حتى رقاد القديسة مريم وأنطلق بعدها الى اسيا الصغري يبشر (تركيا الان) واسس العديد من الكنائس الى وبسبب نشاطه الكرازي قُبِض عليه في حكم الإمبراطور دومتيان (81-96م) وعذبه والقاه أُلقي في زيت مغلي، فلم يؤثر عليه بل خرج منه أكثر نضرة، مما أثار ثائرة الإمبراطور فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس، وهي إحدى جزر بحر إيجه وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة أفسس وتعرف الآن باسم باتوما أو بالموسا ومازال بالجزيرة بعض معالم أثرية عن سكنى القديس يوحنا بها. وقد مكث بالجزيرة حوالي سنة ونصف كتب أثناءها رؤياه حوالي سنة 95م. ثم أُفرِج عنه في زمن الإمبراطور نرفا (96-98م) الذي خلف دومتيان، عندما أصدر مجلس الشيوخ الروماني قرارًا بعودة جميع المنفيين إلى أوطانهم. وبالإفراج عنه عاد إلى أفسس ليمارس نشاطه التبشيري. وقد تبع الرب وكان عمره يقترب من الخمسة وعشرين عاما وعاش حتى بداية القرن الثاني ومن محبته للسيد المسيح نراه فى داله يتكأ على صدره في العشاء الأخير ويسأله عن منسيسلمه { فاتكا ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو. اجاب يسوع هو ذاك الذي اغمس انا اللقمة واعطيه فغمس اللقمة واعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي.} (يو 13 : 25-26). وقد جمع القديس يوحنا الرسول في شخصه بين حب البتولية والعظمة الحقيقية، والبساطة القلبية، مع المحبة الفائقة العجيبة.
من أعمدة الكنيسة الأولي.. كان القديس يوحنا مع اندراوس أول من تبع الرب يسوع في بشارته (يو 1: 40)وبقى معه حتى وقت المحاكمة والصلب وذهب مع بطرس للقبر فجر باكر الاحد ودخل للقبر اولا. هو الذي سجل لنا الخطاب الرائع عن الافخارستيا (يو 6) وهو الذي انفرد بين الإنجيليين بذكر لقاء الرب مع السامرية(يو 4) وموقفه مع المرأة الزانية التي أمسكت في ذات الفعل (يو8) وشفاء المولود اعمي (يو 9) وإقامة اليعازر من الموت (يو 11) وصلاة السيد السيد الوداعية (يو 17). والقديس يوحنا هو واحد من التلاميذ الثلاثة الذين صحبوه في إقامة ابنه يايروس من الموت وفي حادث التجلي وفي جثيماني ليلة آلامه. وبكر مع بطرس وذهب إلى قبر المخلص فجر أحد قيامته وكان حماسه وحبه ظاهرين. حتى أنه سبق بطرس ووصل أولًا إلى القبر وهو الوحيد بين التلاميذ الذي استطاع أن يتعرف على الرب يسوع عندما أظهر ذاته على بحر طبرية عقب قيامته وقال لبطرس هو الرب (يو 21: 7). وقد كان له وضع بارز في الكنيسة الأولي وقد ذكره القديس بولس كاحد أعمدة الكنيسة الأولي { فاذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون انهم اعمدة اعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للامم واما هم فللختان} (غل 2 : 9). ونراه يلازم القديس بطرس أكبر الرسل سنا في الكرازة وفى معجزة شفاء المقعد عند باب الهيكل (اع 3) وأمام محكمة اليهود العليا السنهدرين يشهد المسيح (اع 4) وفي السامرية يضعان أيديهما على أهلها ليقبلا الروح القدس (اع 8).
صاحب الأسفار الخمسة.. كتب القديس يوحنا الحبيب خمسة أسفار من العهد الجديد وهي إنجيل يوحنا،و رسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا ويذكر القديس يوحنا ان غاية إنجيله {لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللَّه، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه} (31:20). فالرب يسوع المسيح هذا هو موضوع كل النبوات القديمة، وهو ابن اللَّه الواحد معه في ذات الجوهر، والإيمان به قادر على تقديم الخلاص وتجديد الخلقة. وقد لاحظ الدارسون أن كلمة "المسيا" قدمت في هذا الإنجيل وحده دون ترجمة بل كما هي، وكأن القديس يوحنا أراد أن يؤكد أن اللقب هنا إنما عني ما فهمه اليهود. لذا نجده يقدم لنا حديث فيلبس لنثنائيل: "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء" (45:1)؛ ودعوة أندراوس لأخيه سمعان بطرس: "قد وجدنا مسيا، الذي تفسيره المسيح" (41:1). هذه هي الصورة المسيانية لربنا يسوع نراها منذ بداية إنجيل يوحنا. فهو المسيا الملك الذي طال انتظار اليهود لمجيئه ففي دخول السيد أورشليم "كانوا يصرخون: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. هذا الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً؛ ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه" (13:12-16). وأمام بيلاطس اعترف السيد بمملكته (33:18-37)؛ وقد دين كملكٍ لليهود (3:19، 12-15، 19، 20). القديس يوحنا وحده هو الذي أخبرنا أن الجموع طلبته لتقيمه ملكًا فانسحب من وسطهم (15:6)، لأن فهمهم للملك المسياني كملك روحي على المؤمنين يختلف عن فهمهم المادي والسياسي لشخصه المبارك.
ويرى بعض الدارسين أن الإنجيلي قصد مواجهة مقاومة بعض الحركات الغنوسية الهرطوقية الذين نادوا باستحالة أن يأخذ الكلمة الإلهي جسدًا حقيقيًا، لأن المادة في نظرهم شرّ. لذلك أكد الرسول في إنجيله أن يسوع ابن اللَّه بالحقيقة قد تجسد أيضًا حقيقة، ولم يكن خيالاً، إذ يقول: {الكلمة صار جسدًا}. فما كان يمكننا أن نتمتع بالخلاص ما لم يحمل طبيعتنا فيه، ويشاركنا حياتنا الواقعية. لقد أبرز الإنجيلي السيد المسيح في عرس قانا الجليل وهو يقوم بدور خادم الجماعة. لقد حوَّل الماء خمرًا، وهو عمل فيه خلق، لكنه قام به خلال الخدمة المتواضعة غير منتظرٍ أن يأخذ المتكأ الأول. وعلى بئر سوخار ظهر متعبًا وعطشانًا، وعند قبر لعازر تأثر جدًا بعمقٍ وبكى، وفي العلية غسل أقدام التلاميذ، وعلى الصليب عطش. غاية هذا السفر الربط بين يسوع التاريخي والمسيح الحاضر في كنيسته. محولاً الأحداث التي تمت في حياة ربنا يسوع للإعلان عن شخصه بكونه رب المجد العامل في كنيسته.
ومن أهداف القديس يوحنا أيضا تأكيد لاهوت السيد المسيح. فكتب قول السيد الرب "أنا هو نور العالم"، "أنا هو الطريق والحق والحياة"، "أنا هو القيامة والحياة "، "أنا هو الباب"، "أنا هو الراعي الصالح"،" أنا هو نور العالم"،" انا هو خبز الحياة" وفي الرؤيا: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر". فقدم لنا هذا السفر علاقة الابن الأزلية مع الآب، ومعنى هذه العلاقة الفريدة في حياة المؤمنين، ودورها في خلاصهم. أراد الإنجيلي بالكشف عن شخصية السيد المسيح كابن اللَّه الوحيد أن نؤمن به فنخلص بكونه ابن اللَّه الوحيد الجنس وإيماننا بلاهوت السيد المسيح يمس حياتنا وخلاصنا نفسه، لذلك جاء فى اول رسائله تاكيده على لاهوت الرب يسوع والتجسد الالهي والإيمان به ليكون لنا الحياة الابدية { الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رايناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة اظهرت وقد راينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب واظهرت لنا. الذي رايناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم ايضا شركة معنا واما شركتنا نحن فهي مع الاب ومع ابنه يسوع المسيح.}( 1يو 1-3). واعلن لنا ان الله محبة ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه. واوصى بمحبة اخوتنا { ايها الاحباء لنحب بعضنا بعضا لان المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. ومن لا يحب لم يعرف الله لان الله محبة.}( 1يو7:4-8). ثم كتب لنا سفر الرؤيا والذى فيه نعاين السماء المفتوحة ونعرف عمل الله العجيب وسط كنيسته عبر التاريخ وحتى المجئ الثاني وأنقضاء الدهر وسكنى السماء لهذا قال القديس يوحنا ذهبى الفم ( ألا ترون أنه ليس بدون سبب أقول إن هذا الإنجيلي يتحدث إلينا من السماء؟ انظروا فقط في البداية عينها كيف يسحب بها النفس، ويهبها أجنحة، ويرفع معه ذهن السامعين. فيقيمها فوق كل الأشياء المحسوسة، أعلى من الأرض والسماء، ويمسك بيدها، ويقودها إلى أعلى من الملائكة أنفسهم والشاروبيم والسيرافيم والعروش والسلاطين والقوات، ويحثها على القيام برحلة تسمو فوق كل المخلوقات.)
محبة القديس لخلاص الخطاة .. من القصص التي تروي عن القديس يوحنا، حبه الشديد لخلاص الخطاة، تلك القصة التي تروي أنه قاد أحد الشبان إلى الايمان وسلمه إلى راعي المكان كوديعة وأوصاه به كثيرًا. لكن ذلك ما لبث أن عاد إلى سيرته الأولى وصار رئيسا لعصابة قطاع الطرق.
وعاد يوحنا بعد مده إلى الراعي وسأله، عن الوديعة واستخبره عن ذلك الشاب تنهد وقال (لقد مات). ولما استفسر عن كيفية موته روي له خبر ارتداده. حزن يوحنا واستحضر دابة ركبها على الرغم من كبر سنه، وأخذ يجوب الجبل الذي قيل أن هذا الشاب كان يكمن فيه. وأمسكه اللصوص وقادوه إلى زعيمهم، الذي لم يكن سوي ذلك الشاب. فتعرف الشاب على القديس يوحنا، وللحال فرَّ من وجهه وأسرع يوحنا خلفه وهو يناشده أن يقف ويسمع له رحمة بشيخوخته. فوقف الشاب وجاء وسجد بين يديه، فأقامه ووعظه فتاب عن إثمه ورجع إلى الله.
حرصه على استقامة الإيمان.. كان يحذر من الهرطقة جدًا، ويظهر هذا الأمر واضحًا في كتاباته المليئة بالتحذير من الهراطقة. ذُكِر عنه أنه دخل يومًا حمامًا فلما وجد فيه كيرنثوس الهرطوقي الغنوسي الذي أنكر تجسد الرب، صاح في المؤمنين: "لا تدخلوا حيث عدو المسيح لئلا يهبط عليكم الحمام!" قال ذلك وخرج يعدو أمامهم فخرجوا وراءه مذعورين! وقد روى هذه القصة إيريناوس على أنه سمعها من بوليكاربوس تلميذ يوحنا الرسول نفسه. ويذكر بوليكاربوس أسقف أفسس أواخر القرن الثاني أن يوحنا كان يضع على جبهته صفيحة من الذهب كالتي كان يحملها رئيس الكهنة كتب عليها " قدس للرب"
رقاده فى الرب ... ولما شعر بقرب انتقاله من هذا العالم دعا إليه الشعب وناوله من جسد الرب ودمه الأقدسين، ثم وعظهم وأوصاهم ان يثبتوا علي الإيمان ثم خرج قليلا من مدينة أفسس وأمر تلميذه وآخرين معه فحفروا له حفرة هناك. فنزل ورفع يديه وصلي ثم ودعهم وأمرهم ان يعودوا إلى المدينة ويثبتوا الاخوة علي الإيمان بالسيد المسيح قائلا لهم: إنني برئ الآن من دمكم، لأني لم اترك وصية من وصايا الرب إلا وقد أعلمتكم بها. والآن اعلموا أنكم لا ترون وجهي بعد. وان الله سيجازي كل واحد حسب أعماله. ولما قال هذا رقد فى الرب فلما علم الشعب بذلك خرجوا جميعهم وبكوه بحزن عميق وكانوا يتحدثون بعجائبه ووداعته وانه وان لم يكن قد مات بالسيف كبقية الرسل إلا انه قد تساوي معهم في الأمجاد السماوية لبتوليته وقداسته وكرازته وجهاده ومحبته. عاش القديس يوحنا حتى نهاية القرن الأول، كآخر من رقد بين تلاميذ السيد المسيح ورسله. وقد عاصر الجيل الجديد من المسيحيين، فكان حلقة الوصل بين العصر الرسولي وبدء عصر ما بعد الرسل. لقد أراد أن يقدم الكلمة الرسولية النهائية عن شخص المسيا، وأن يحفظ الكنيسة من تسلل بعض الأفكار الخاطئة. وقد تنيح بسلام حوالى سنة 100م فى عهد تراجان قيصر كما يذكر لنا المؤرخ يوسابيوس القيصرى فى كتابه تاريخ الكنيسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق