الاثنين، 1 ديسمبر 2014
حوار الأجيال (2) الحكمة والتمييز
للاب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
فابتغاء الحكمة يبلغ الى الملكوت (حك 6 : 21)
سعي فى طلب الحكمة والفهم... هو شاب طموح ومثقف ويسعى الى الحكمة وفهم الحياة من حوله ويريد ان يفهم كيف تسير الأمور ولماذا تجرى هكذا؟ لماذا يتجبر الطغاة وتسود الحروب ويقتل الأبرياء ويذداد الاثرياء ثراء ويذداد الفقراء جوع؟ ولماذا تعمي القسوة القلوب وأين هو الله من مرض الطيبين وموت الأطفال وحيرة الشباب؟ ذهب الشاب بهذه التساؤلات وغيرها الي أبيه الشيخ لعله يستريح ويجد الأجابات الشافيه وتستعيد نفسه المتعبة الصحة والعافية ..
قال له الأب الشيخ : أفهم يا أبنى ان لك حق مشروع لتتسأل وتفهم وتعرف، وهناك أشياء نفهمها وندركها حسب وعينا ومحدوديتنا وأخرى نجتهد فيها ومع الوقت نكتشفها وندرك أبعادها فنحن فى نمو دائم فى المعرفة وان أردنا ان نكون حكماء فعلينا أن نقترب من معلم الحكمة ومصدرها ..
قال الشاب: ومن هو معلم الحكمة وما هى مصادرها؟
قال الشيخ : السيد المسيح هو معلم الحكمة الأول وفيه مذخر لنا كل كنوز الحكمة والعلم {المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم} (كو 2: 3) ومعه وبه نتذوق ونعرف الحقائق الروحية ونعرف الحق ونتمتع به ونعرف خطة الله الخلاصية لنا ونحيد عن الشر ونصنع الخير دون أن نغيّر من نجاح الأشرار ولا نخاف من مؤامراتهم. من خلال الإيمان نعرف الله ونعاين وندرك ما يبدو للآخرين غير مدرك ولا مفهوم. وكلما عشنا مع الله فاننا ننمو فى المعرفة والحكمة والفهم ويهبنا هو من روحه نعمة وحكمة وفهم ورجاحه قلب.
قاطع الشاب المتطلع للحكمة أبيه الروحي قائلا: أرى داخلى صراع بين الخير والشر وبين الروح والجسد .. ورغم أنى نشأت فى بيئة مسيحية وعمل أهلى على تربيتى تربية صالحة فها أنا قلق أصارع بين أن أنساق وراء أصدقاء السوء وبين حياة الجهاد الروحي! وأبحث عن الحكمة وأريد الفهم؟
أجابة الأب الروحي قائلا.. ها أنت قد صرت شابا يا أبنى وعليك ان تعتمد على نفسك ويكون لديك الوعى والادراك الكافي لتتحمل مسئولية حياتك أمام الله والمجتمع. وعليك ان تشكر الله يا أبنى على نشأتك في بيئة صالحة وتحيا فى شكر وأمتنان لأهلك الطيبين وتربيتهم الحسنة وعليك ان تمييز بين الخير والأمور المخالفة وتقول نعم لما يوافق قيمك ومبادئك وتقول لا لما يضرك ويؤذيك ولا يبنى مستقبلك.
تسلح يا أبنى بمحبة الله وحدد ماذا تريد أن تكون عليه فى الغد القريب والبعيد؟ فسيبقى الصراع بين الخير والشر خارجك فلن تستطيع التحكم فيه وستبقى الحروب والشرور مادام هناك أناس لهم أهواء ونزوات وأطماع ومصالح وكل واحد سيحاسب على أفكاره وأقواله وأعماله. ولكن الأهم يا ولدى ان يتنهي هذا الصراع داخلك أنت وتختار الحكمة والفهم والخير وتصمم على أتباعه. وكلما سرنا فى طريق الله بهدف واضح وقلب غير منقسم خف الصراع وأنتصرت الأرادة الصالحة وتقويت بالنعمة وأدركت النجاح ونلت الحكمة.
أعمل يا أبنى على تقوية روحك بالصلاة وبكلمة الله القوية ولا تنساق وراء شهوات الجسد ولكن أضبطه وربيه ولا تنساق وراء أصدقاء السوء بل أسلك بفكر القديسين وأقتدي بهم... قد يحتاج الأمر منك الى جهاد ولكن عليك أن تعلم أنك لست وحدك فى الطريق بل ستجد الله لك معين. صلى من كل قلبك وأطلب معونة السماء وحكمة من الله. لقد طلب سليمان الحكمة من الله وأستحسن الله الطلب وأعطاها أياه. وعندما سُئل الانبا انطونيوس ما هي أعظم الفضائل؟ أجاب : انه الحكمة والأفراز، بالحكمة الروحية يميز الانسان بين الخير والشر والحق والباطل ويسلك فى الفضيلة بحكمة {فالحكيم عيناه فى راسه اما الجاهل فيسلك فى الظلام }(جا 14:2(.
+ سأل الشباب الأب الشيخ وما الفرق بين الحكمة الروحية والمعرفة والعلم يا أبى لانى أقراء كثيرا لكنى كلما أذداد علم ومعرفة فاذ بى أذداد قلق وغم ومع هذا فاني نفسي لا تشبع وأريد تلك الحكمة الروحية والسلوك فى الفضيلة وطريق الله؟
أجابه الأب الشيخ قائلا: أن الحكمة الروحية يا أبنى نحصل عليها من روح الله القدوس فهو روح الحكمة والمشورة والفهم { ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب } (اش 11 : 2). والذى يريد ان يسكن فيه روح الله لابد ان يتوب ويستجيب لعمل النعمة { ان الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر ولا تحل في الجسد المسترق للخطية} (حك 1 : 4).
الحكمة الروحية يا أبنى تنبع أولا من معرفتنا لحقيقة انفسنا ومعرفتنا لله ومشيئته فى حياتنا وهكذا تجعلنا نفكر ونتصرف حسنا في سلوك يتسم بمخافة الله ومحبته والعمل علي رضاه {من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة } (يع 13:3) الحكيم يقيم توازن بين حياته على الارض كسفير للسماء فى غربة موقته وبين حياته الابدية وان كانت تعوزنا حكمة فلنطلب من الله { ان كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له} (يع 1 : 5). الحكمة تختلف عن المعرفة فهناك أناس عندهم معرفة ومعلومات كثيرة ولكنهم لا يستخدمونها بصورة صحيحة لآنّهم يفتقرون الى الحكمة التي يهبها الروح القدس من فوق، وهناك ناس اذكياء ولكن قد ينقصهم الحكمة للفهم والتدبير والرؤية الصحيحة للأحداث، بينما الشخص الحكيم يطلب التمييز وأختيار الصواب والمشورة والتدبير وهذه نطلبها من ربنا يسوع المسيح الذى يجعلنا نتصرف بالبساطة الحكيمة الطاهرة الرحيمة والوديعة كما يليق بابناء الله القديسين فى تكامل وتوازن واتزان والتزام روحى وكما جاء فى الإنجيل { من هو حكيم وعالم بينكم فلير اعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة. ولكن ان كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هي ارضية نفسانية شيطانية. لانه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل امر رديء. واما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوة رحمة واثمارا صالحة عديمة الريب والرياء وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام}(يع 13:3-1).
+ قال الشاب .. أن الحديث معك لا يجب ان ينتهي يا أبتى ولكن لدى الكثير من التسأولات وسيطول بنا اللقاء ولكن عرفنى يا أبى كيف أقتنى هذه الحكمة وما هى مصادرها؟
أجاب الشيخ قائلا : أن أهم مصدر يا أبنى أريد أن تأخذ منه حكمة هو الروح القدس واهب الحكمة فهو نبع لا ينضب ابدا فى انساننا الداخلى.. { وقف يسوع ونادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه } (يو37:7-39 ). لهذا كان القديسين يصلون طالبين أن يملائهم الله وتلاميذهم من الروح القدس { لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي. كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته} (اف 16:1-19). بسر العماد والميرون المقدس نصبح أهلا لسكنى وعمل الروح القدس فينا ويجب علينا ان لا نحزن روح الله بخطايانا. وعلينا ان ننقاد له فى افكارنا وسلوكنا ونطلب ارشاده وهو يعلمنا كل شئ ويهبنا قوة وحكمة { فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس } (مر 13 : 11). الروح القدس يهبنا ثمار ومواهب الروح ويلهب قلوبنا بمحبة الله حتى المنتهى { لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} (رو 5 : 5(.
+ سأل الشاب الأب الروحي قائلا: وأي الكتب تنصحنى بقراءته يا أبي لأنمو فى الحكمة والفهم؟
أجابه الأب قائلا.. أقراء يا أبنى ما يبنيك وينفعك فى زمن قل فيه القراء وتباعدوا الى مصادر قد تكون ضارة للمعرفة أو مولدة للهم والقلق وتجمعوا حول التلفيزيون والدش والكمبيوتر والجرائد ولكن هذه المصادر يجب ان ننتقى منها ما نسمعه ونشاهده فيها حتى ننتفع ولا تضرنا ولكنى اوصيك أولا با أبنى بالقراءة فى الكتاب المقدس وأسفار الحكمة فهى مصدر لا ينضب من الحكمة وكتبه اناس الله القديسين مسوقين بالروح القدس ومن خلالها يتحدث الله الينا.. الكتاب المقدس هو ينبوع للحكمة { ينبوع الحكمة كلمة الله في العلى ومسالكها الوصايا الازلية} (سير 1 : 5) وبه نعرف ارادة الله الصالحة والكاملة نحونا، ان عقولنا وقلوبنا وارواحنا تستنير بكلام الله { سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي }(مز 119 : 105). كلام الله يا أبنى يهبنا قداسة ومعرفة { قدسهم في حقك كلامك هو حق }(يو 17 : 17). كما ان الجهل بكلام الله هلاك{ قد هلك شعبي من عدم المعرفة لانك انت رفضت المعرفة ارفضك انا} (هو 4 : 6). فان معرفة الكتاب حياة ابدية { وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته} (يو 17 : 3). فكلام الله لابد ان ياتى ثماره متى حفظناه وعملنا به وشهدنا له وعلمناه .
+ قال الشاب وقد طال اللقاء مع الأب الروحي : لقد تعلمت منك الكثير يا أبتى وقد رافقنا الله بروحه فى هذا اللقاء وكم نحن فى حاجة لأمثالك يا أبى ليروي حاجتنا الى الحكمة والسلوك الحسن والتفكير السليم فى حياتنا ولكي تشبع نفوسنا من المعرفة الروحية.
أجابه الأب الروحي .. نحن جميعا يا أبنى نحتاج الى التلمذة والتعلم من أناس الله القديسين الذين تعبوا وجاهدوا فى اقتناء الفضيلة والحكمة. ولدينا الكثير من القديسين الذين عاشوا وكتبوا كنوز من الحكمة وكم نحن محظوظين أذ نتعلم من أباء الكنيسة ومعلميها.. من اجل هذا يدعونا الانجيل لنتمثل بايمانهم وفضائلهم {اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم} (عب 13 : 7). لقد برع ابائنا القديسين فى اقتناء الافراز والحكمة والتمييز والتدقيق فى السلوك وكان الزائرين يأتون اليهم ليقولوا لهم كلمات قليلة ليخلصوا ويروا أعمالهم الحسنة ويقتدوا بها. ونحن نحتاج لحكمة هؤلاء القديسين والتلمذة عليها فى افراز وحكمة. نحتاج للسلوك فى الفضيلة بافراز دون تطرف او مغالاة فنعرف متى نتكلم وماذا نتكلم ومتى نصمت، ونعرف ان نفرق بين التواضع والكبرياء واحترام الذات، وبين اداء المسؤلية والأدانة، وبين الوداعة واالحزم وبين الطاعة للحق والشهادة لله والدفاع عنه. نتعلم من القديسين كيف نتصرف فى الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة وبالاسلوب اللائق فى بعد عن السطحية او التعقيد وفي اتزان والتزام لاسيما فى الامور المصيرية. عليك يا أبنى أن تتعلم من خبراتك الحياتية وبالتفكير والتأمل فى الاحداث تكون كما يريد لك الله فالعقلاء في الكلام يتممون اعمالهم بالحكمة ويفيضون الامثال السديدة (سيراخ 18:29). الحكمة يا أبنى هو عين القلب التي تفرز الأفكار والأعمال مميزة إيّاها. وهى عطية إلهية يلزمنا أن نثابر في طلبها بلجاجة من الله .
وهنا أستاذن الأب الروحي من الشاب الطموح على وعد معا للحديث وأمل باللقاء فى جلسات روحية أخرى ....
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق