للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ مفهوم التوبة.. التوبة هى عودة الانسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة . واقلاعه عن الخطية وعدم الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية والشيطان واعماله . لغوياً فى اللغة العربية ، تاب اي عاد الى ثوابه او رشده . كما جاء فى الإنجيل عن الابن الضال { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا.اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك}(لو 15 : 17- 18). اما التوبة في اللغة اليونانية ، في مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس" . اي العقل فمعناها ( ميتانيا) اي تغيير الذهن والفكر والسلوك . انها تحولاً في فكر الانسان وسلوكه وحياته . تغيير الفكر وتجديد الذهن من اجل ان يكون لنا فكر المسيح المقدس والاعمال الصالحة . والتوبة بذلك تحمل معانى الندم على العيش بعيدا عن الله والاصرار على عدم العودة الى الخطية. قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بالوقوع فى فخاخ إبليس وحيله الرديئة ومصادقة الاشرار. وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله الذى يدعونا للتوبة { ارجعوا اليٌ ، ارجع اليكم } (ملا7:3 ). ويبدأ التغيير فى حياة التائب ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع الى الخطية وهذا ما راينا فى حياة قديسى التوبة كداود النبي والقديس اغسطينوس ومريم المصرية وغيرهم ، لم يعودا الى الخطية وقاوموا حتى النهاية مجاهدين ضدها ونمو فى الإيمان وحياة الفضيلة والبر.
+ التوبة والأعتراف لمحو الخطايا .. يقدم الله للبشرية علاج للخطية فى الايمان به وبخلاصة وعمل روحه القدوس فينا ليبكتنا على الخطية ويحثنا على عمل البر ويدفعنا الى الرجوع اليه بالتوبة : { هلم نتحاجج يقول الرب ان كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف }(اش 1 : 18). { فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تاتي اوقات الفرج من وجه الرب }(اع 3 : 19). التوبة لازمة لكل واحد وواحدة منا لانه من منا بلا خطية {الجميع زاغوا و فسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس و لا واحد }(رو 3 : 12). وعندما اخبروا السيد المسيح عن الجليليون الذين قتلهم هيرودس وهم يقدمون الذبائح لله { وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. فاجاب يسوع وقال لهم اتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم اتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم. كلا اقول لكم بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون} (لو 1:13-5). هكذا جاء القديس يوحنا المعمدان ليعد الطريق أمام الرب منادياً بالتوبة بقوة { وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي. فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة ولا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم.والان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار.وساله الجموع قائلين فماذا نفعل. فاجاب وقال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له ومن له طعام فليفعل هكذا. وجاء عشارون ايضا ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل. فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم . وساله جنديون ايضا قائلين وماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا احدا ولا تشوا باحد واكتفوا بعلائفكم} (لو7:3-14).
+ التوبة عمل النعمة واستجابة الخاطئ .. التوبة هي تغيير ورجوع لله يتم بعمل النعمة وحث روح الله القدوس للإنسان للرجوع لله { اِرجِع إليَّ لأني فدَيتُكَ} (إش22:44). وهى تحتاج لأستجابة الشخص لهذه الدعوة بارادته الحرة وندمه للبعد عن الله وحياته فى الخطية وتحرره من سلطان ابليس، ومن ثم قبول الله له { لان الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة } (في 2 : 13). الله يدعونا الى التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا. الله يريدنا أن نعود إليه، و يستقبلنا فرحا ، ويرد الخاطئ إلى مكانته الأولى {فقال الأب لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون }(لو15: 22-24). كابناء لله يريد لنا الخلاص {الذي يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون} (1تي 2 : 4) . {أنا أنا هو الماحي ذُنوبَكَ لأجل نفسي، وخطاياكَ لا أذكُرُها} (إش43: 25). لان الله صالح ورحوم يعد بالغفران والقبول للراجعين اليه { فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره الذي عمل يحيا. هل مسرة اسر بموت الشرير يقول السيد الرب الا برجوعه عن طرقه فيحيا. واذا رجع البار عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير افيحيا كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطا بها يموت} (حز 21:18-24). فالتوبة الحقيقية هي عودة من حياة الخطية والنجاسة الى الاحضان الابوية والبنوة لله.
+ التوبة اعلان لرحمة الله وقبوله للتائبين ... الله يعلن محبته لنا وسعيه لخلاص الانسان من اجل هذا قال احد القديسين : ( ان الله لا يسألنا لماذا أخطئنا ولكن يسألنا لماذا لم تتوبوا) .لقد راينا كيف ان التوبة استطاعت ان تمنع حكم الله بالهلاك على أهل مدينة نينوي قديما كتوبة جماعية { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي و قيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء. وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم. لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك.فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} (يون 5:30-19). وعلي المستوى الفردي عندما أخطأ داود النبى وتاب الي الله معترفا بخطئه فغفر له الله { فقال داود لناثان قد اخطات الى الرب فقال ناثان لداود الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك لا تموت} (2صم 12 : 13).
+ التوبة تنقذنا من الموت الأبدى .... اننا اذ ندرك نتائج الخطية المهلكة لابد ان نتوب، فالخطية عاقبتها الموت والهلاك الأبدي. ان الخطية ضعف وانهزام وعدم ضبط للنفس وهى موجهة ضد الله فهى كسر وتعدى وعصيان لوصاياه وهى موت أدبى وانفصال عن الله القدوس كما انها تفقد الانسان سلامه { اما الاشرار فكالبحر المضطرب لانه لا يستطيع ان يهدا وتقذف مياهه حماة وطينا . ليس سلام قال الهي للاشرار} (اش 57 : 20-21). كما ان الخطية تقود للحزن والكأبة والياس والانتحار ولهذا نرى أعلى نسب للامراض النفسية والانتحار فى البلاد التى يسودها الالحاد والاباحية . فالخطية تمرر حياة الانسان وتفسد وتسئ الى العلاقات بين الناس وتجلب الامراض والعار { البر يرفع شان الامة وعار الشعوب الخطية } (ام 14 : 34). وبالنظر حولنا الى مدمني الخمور والمخدرات والشهوات نتأمل كم تحط الخطية من قدرهم وتعبث بحاضرهم وتجعلهم يسيرون بلا هدف وعلاوة على ذلك ينصب عليهم غضب الله بالاضافة الى الهلاك الابدي الذى ينتظرهم ان لم يتوبوا { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء. وابدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الانسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات.لذلك اسلمهم الله ايضا في شهوات قلوبهم الى النجاسة لاهانة اجسادهم بين ذواتهم.الذين استبدلوا حق الله بالكذب واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك الى الابد امين}( رو18:1-25).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق