الخميس، 16 مارس 2017
البابا شنودة الثالث الراهب الحكيم فى ذكراه
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
فى الذكرى الخامسة لانتقال ابينا طيب الذكر مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث فاننا نتذكر إيمانه المستقيم وجهاده الدائم وأعماله الكثيرة وصلواته واهتمامه وسعيه لخلاص كل أحد. انها وصية الكتاب المقدس ان نذكر بالفضل ابائنا القديسين الذين كلمونا بكلمة الله { اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم } (عب 13 : 7). وسيخلد التاريخ على صفحات من نور اسم قداسة البابا شنودة الثالث كمدبر حكيم ومحب للرهبنة وباعث نهضتها فى القرن العشرين وكمعلم وواعظ لاهوتي قدير ترك لنا ما يزيد عن مائة واربعين كتاب فى مختلف انواع المعرفة الروحية والايمان الارثوذكسي وكمدبر وبابا وبطريرك يهتم بالرعاية وخدمة الكنيسة وابنائها داخل مصر وخارجها. وكأب محب لاولاده يحمل قلبا طيبا رقيقا يحنو على الجميع. الصغير والكبير، الغنى والفقير، القريب والبعيد داخل مصر أو فى مختلف بلاد المهجر. حقا يا أحبائي لقد دخل قداسة البابا شنوده قلوبنا واحببناه لانه سار على نهج معلمه رئيس الكهنة الأعظم رئيس ايماننا ومكمله الرب يسوع المسيح. وستبقي ذكراك يا ابينا القديس للبركة على مر السنين {ذكر الصديق للبركة} (ام 10 : 7). ان الكنيسة تعلمنا ان نعيد للقديسين فى يوم انتقالهم الى السماء، فهذا هو الميلاد الحقيقي يوم نتحرر من قيود الجسد المادي وتنطلق الروح الى السماء وتكون مع الله كل حين. وهكذا نعيد بذكري لانتقال أبينا قداسة البابا شنوده للسماء وقداسته مؤلف كتاب إنطلاق الروح كباكورة لكتبه واشعاره فقد عاش يعد نفسه وشعبه معه ليحيوا حياة صالحة ويرثوا السماء وامجادها.
الراهب أنطونيوس الزاهد الحكيم ..
كان البابا يحمل قلب راهب محب لله يسعى لاقتناء الحكمة الروحية ويحيا حياة الفضيلة على خطي الاباء القديسين حتى قبل مجيئه للدير فقد كتب فى اشتياق ووعي القصص والاشعار الرهبانية وهو شاب كما ان الانبا ثوفيلس اسقف دير السريان دعاه ان يحاضر عن الرهبنة للاباء قبل ان تتم رهبنه. وعندما تمت رسامة قداسة البابا رهباً فى 18 يوليو 1954م وكان فى قمة النضج الفكري فى عمر الحادية والثلاثين، أختار اسم أب ومؤسس الرهبة فى العالم كله القديس أنطونيوس الكبير، وقد احب ان يقتدى به ويتتلمذ على حياته وكما كتب لنا القديس اثناسيوس الرسولي حياة الانبا أنطونيوس فقد عاش البابا يحمل فكر وزهد القديس الانبا أنطونيوس كما كتب لنا كتابا عن حياة الانبا أنطونيوس كان إنعكاسا لحياة البابا الراهب الشخصية . والرهبنة هي موت عن شهوات العالم ليحيا الانسان فيما لله وقد كانت حياة مثلث الرحمات البابا شنودة حتى أنتقاله عملا بقول القديس بولس الرسول { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي} (غل 2 : 20). كان قداسته كما قال يود ان يحيا ويموت راهبا ولكن السماء كانت تعده لشئ آخر، ليقود الكنيسة طيلة ما يزيد عن اربعين عاما وعندما أختير اسقفا للتعليم فى 1962م. فقد ذهب لمقابلة قداسة المتنيح البابا كيرلس السادس مع الانبا ثاوفيلس اسقف دير السريان العامر مساء بناء على طلب قداسة البابا كيرلس وقد وضع قداسته يده عليا اسقفا للتعليم فى المقابلة بالرغم من عدم رغبته وزهده فى العالم والخدمة وكان لسان حاله قول ارميا النبي {عرفت يا رب انه ليس للانسان طريقه ليس لانسان يمشي ان يهدي خطواته }(ار 10 : 23). ثم وقعت عليه القرعة ليرسم بطريرك فى 14 نوفمبر 1971م. بقي قداسته حتى انتقاله للسماء فى 17 /12/2012م. يحمل فكر الراهب أنطونيوس السرياني ويقضى نصف الاسبوع فى رحاب دير الانبا بيشوى العامر حتى ابعدته موقتا سنوات مرضه الاخيرة. وعندما جاء فى احداث عام 1981م الى الدير ليقضى فترة العزل فى عصر الرئيس السادات ظن البعض انها ستكون فترة نفي لقداسته لكنه قال مقولته الشهيرة ( لقد رجعت الى الفردوس مرة اخرى) ورغم صعوبة تلك الأيام فى حياته وحياة الكنيسة الا انه كان كرجل صلاة يحيا فى سلام وثقة ان الله يعمل للخير ولقد حفظ الله حياته لنا بابعاده للدير فلو كان لم يستبعده السادات وحضر حادث المنصة الشهير فى 6 أكتوبر 1981م. لكان قد ذهب شهيداً كما أنتقل فى هذا الحادث نيافة الانبا صموئيل اسقف الخدمات وكأنه قدم ذاته فدءاً عن ابيه البطريرك. وكانت فترة الدير هذا فترة خصبة وعميقة للصلاة ان يرفع الله غضبه عنا كما كانت غنية بالعظات الرهبانية والتأليف الروحي فى حياة قداسته.
الرهبنة فى فكر قداسة البابا ...
الرهبنة فى حياة قداسة البابا شنوده الثالث لايمكن نلخصها فى كلمات لكن يٌكتب عنها كتب وقد احسن دير البراموس العامر عندما اصدر كتاب عظات رهبانية لقداسة البابا شنودة فى ما يزيد عن 650 صفحة من الحجم الكبير ومع سي دي لعظاته الرهبانية لمن يريد ان يقراء ويسمع ويعي فكره الرهباني الذى هو تعبير صادق عن حياته وإنعكاس لها يقول قداسة ( ان الرهبنة هي حياة الفضيلة، ياليت كل واحد فينا يسأل نفسه ما هي الفضيلة التي أقتنيتها طوال هذا الزمان كله الذى قضيته فى الرهبنة؟). هكذا عاش قداسته يجاهد ويعلم عن الإيمان بمعلم الفضيلة ربنا يسوع المسيح ودعوته لنا لنحيا حياة الفضيلة التي علم وعمل بها. الرهبنة فى فكر البابا هي حياة الصلاة الدائمة والتواضع يقول قداسته ( تمسك بالله وكن معه دائما وقل له لا اتركك حتى تباركنى واذا وجدت نفسك تسير فى الطريق الصحيح وصححت من أخطائك ونميت فى النعمة فلا يكبر قلبك. تذكر الدٌرجات الكبيرة جدا التي وصل لها القديسين وقل أين انا والي اين ذاهب بالنسبة لهولاء؟.. هل انا وصلت لصلب الفكر الذى وصل اليه القديس مكاريوس السكندرى؟ وهل وصلت للصلاة الدائمة التى سار هو فيها؟ وهل وصلت للعمق الذى عاش فيه القديسون؟ مازال أمامي الكثير والكثير.) لقد علق قداسة البابا شنوده وهو فى قلايته فى الوحدة كما ذكر نيافة الانبا صرابامون رئيس دير الانبا بيشوى الذى تتلمذ علي قداسته البابا منذ عام 1959م ورقه مكتوب عليها ( لسه بدري عليك) لكي ما تكون أمامه فى جهاده مقارناً نفسه بالقديسين العظماء ليسير على نهجهم.
لم يعتمد البابا الراهب فى حياته على جهاده الشخصي بل وثق فى نعمة الله الغنية العاملة معه وفيه لهذا قال قداسته: ( الانسان محتاج فى حياته الروحية الى سهر دائم على خلاص نفسه، لكن فى نفس الوقت سهر الإنسان وحده لا يكفي وإنما لابد من تدخل الله في حياة الانسان، لان مجهود الانسان كله بدون عمل الله لا يفيد شئياً، ليست الحياة الروحية مجرد اعتماد على ذراع بشري، لكن الحياة الروحية هي عمل الله مع الانسان، أو هي عمل الانسان مع الله، أو هي شركة الروح القدس.)
الهدف المستقيم من الرهبنة أمر هام جداً يقول قداسته ( لماذا خرج الانسان من العالم وجاء للرهبنة؟ هذا يحدد مسيره داخل الرهبنة. لابد ان يوجد هدف ولابد ان يكون الهدف مستقيم. طبعا الهدف الوحيد هو محبة الله، من أجل الله خرج الانسان من العالم.. لو كان له هدف آخر أذاً هدفه غير صالح ونحن نقول فى القداس الإلهي عن الرهبان " سكنوا فى الجبال والبراري وشقوق الارض من أجل عظم محبتهم للملك المسيح". أي إنسان من محبته لله ترك العالم لكي يتخصص فى ما لله. واذا كان الهدف هو هذا فلابد ان تكون الوسيلة مناسبة للهدف.. الذى اراه فى الراهب الذى يأتي للدير ربما لشئ من الثلاثة الاتية ولو غير هذه الثلاثة فهو مخطئ.. اما حياة الوحدة والسكون والهدوء والنمو فى ذلك.. وامٌا حياة الخدمة سواء داخل الدير أو خارج الدير فى أسلوب الرهبنة .. أمٌا نقاوة القلب والسلوك فى حياة التوبة والسلوك فى الفضائل مثل التواضع والوداعة والاحتمال والهدوء والطاعة.. الخ) ولقد جمع البابا شنوده بين هذه الاهداف معا بين الرهبنة والخدمة، والفضيلة والنمو فى محبة الله حتى انتقل الى الأمجاد السمائية.
الراهب وتنفيذ مشيئة اللة...
الراهب البطريرك كان يرى أهمية خاصة لسعى الراهب نحو تنفيذ مشيئة وارادة الله فى حياته وهو يصلى دائما قائلا لتكن مشيئتك يقول قداسته ( حياتنا الروحية ليست استقلالا عن الله أنما نحن جزء من مملكة الله .. ملكوت الله .. ليس لنا مشيئة خاصة.. إنما مشيئة الله هي التى تنفذ فى ملكوته، لذلك نقول " ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك" أي عندما تملك علينا يا الله فاننا عندئذ مشيئتك. وعندما نقول لتكن مشيئتك اذا لتكن مشيئتك لا مشيئتي انا ولا مشيئة الناس.. بل مشيئة الله فى حياتنا... وعندما نقول يارب لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الارض" معناها ان تتحول الارض الى شبه السماء والناس الذين فيها كشبه ملائكته ينفذون مشيئة الله على الارض كما هي منفذة فى السماء.. فليعطينا الرب باستمرار أن ننفذ مشيئته ولينفذ الله مشيئته فى حياتنا). لقد كانت حياة قداسة البابا نمو فى محبة الله وعمل مشيئته الله فى حياته ودعوة لنا ايضا لتنفيذ أرادة الله فى حياتنا.
أنتقل قداسة البابا شنودة الثالث الي السماء بعد ان قضى من العمر ما يقرب من التسعة والثمانين عام فى خدمة باذله ومحبة لله والغير وعمل الخير وسعى فى طريق الكمال النسبي بمقدار ما هو ممكن لانسان تقى محب خائف الله، واستحق ان يرقد بسلام بين جنبات دير القديس الانبا بيشوى حسب وصيته كتعبير أخر عن محبة قداسته للرهبنة واشتياقه ان يكون مستقر جسده الطاهر بين جنبات أديرتها العامرة لتنطلق روحه بسلام لتكون مع الاباء القديسين، ومازال حي بعد بيننا بعظاته وكتبه وحياته الغنية وصلواته المقبولة فليكن ذكره خالداً كقدوة صالحة لنا جميعا فى دروب القداسة والخدمة والعطاء، أمين.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق