للأب
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
{ الفرس
معد ليوم الحرب اما النصرة فمن الرب }(ام
21 : 31)
السيد
المسيح وحياة النصرة ...
قدم
لنا السيد المسيح في تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والانتصار المقترن بالبذل
والوداعة كما جاء عنه { هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي
سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ.لاَ
يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً
مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ
الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ .} ( مت
18:12-21). لقد انتصر في كل كل حروب الشيطان، كما في التجربة على الجبل (مت 4)
وانتصر بالمنطق وقوة الحجة في كل حواراته مع الكتبة والفريسيين وكل قيادات اليهود
(مت 21-23). وانتصر على الصليب وأظهر قوة المحبة الغافرة حتى للصالبين وقدم
لنا الخلاص الثمين وداس على الموت بموته (عب 2: 14، 15). وأنتصر على الموت
بقيامته. وانتصر على العالم وشروره ووعدنا أنه كما غلب العالم فانه سيعطينا الغلبة
{ ثقوا أنا قد غلبت العالم} (يو 16: 33) ومن جهة البر كان منتصرًا.. فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 4: 15).
وقد تحدى اليهود قائلًا { من منكم يبكتني على خطية؟!} (يو8: 46). وانتصر في كسبه لمحبة
الناس.. فقيل عنه {هوذا العالم قد ذهب
وراءه} (يو 12: 19). ودخل أورشليم منتصرًا كملك وديع وعادل ومنتصر فارتجت
المدينة كلها (يو 21: 10). وقيل عن انتصاراته {هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط
يهوذا} (رؤ 5: 5). وأنتصر عندما صعد الي السماء وأصعد طبيعتنا معه وقد رسم لنا سر
النصرة وطريق الخلاص كما أنتصر في تلاميذه ونشروا الكرازة في كل مكان وينتصر بنا
وفينا أن تمسكنا بالإيمان المستقيم وجاهدنا الجهاد الحسن.
الله
وأهب النصرة .... الله هو سر نصرة المؤمن في حياته العملية
وحروبه الروحية وهو الذى يهبنا النعمة الحكمة والقوة وكما صنع الله خلاصاً عجيباً مع الشعب قديما في
خروجهم من مصر بذراع رفيعة فان الرب يقاتل عن شعبه فى كل جيل الشيطان وكل قواته { أَلَيْسَ
هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ
عَنَّا فَنَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ
الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ». فَقَالَ مُوسَى
لِلشَّعْبِ: «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي
يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ الْمِصْرِيِّينَ
الْيَوْمَ لاَ تَعُودُونَ تَرُونَهُمْ أَيْضاً إِلَى الأَبَدِ. الرَّبُّ يُقَاتِلُ
عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».} ( خر12:14-14). والله يطمئن كل نفس قائلا {لا
تخف لاني معك لا تتلفت لاني الهك قد ايدتك واعنتك وعضدتك بيمين بري} (اش 41 : 10). وكما أنتصر السيد المسيح فى حياته وحقق الهدف
من تجسده وأكمل لنا تدبير الخلاص وأنتصر علي كل تجارب إبليس فانه وعدنا بانه
سيكون معنا كل الأيام والي انقضاء الدهر { ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر
امين} (مت 28 : 20) {ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته
فلأي المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 :
14).
كيف
ننتصر في الحروب الروحية...
لان
لنا أعداء روحيين يحاربوننا فيجب علينا أن نتسلح باسلحة الحرب الروحية لكي ننال
الغلبة والنصرة لهذا يوصينا الكتاب أن
نخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور { قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع اعمال
الظلمة ونلبس اسلحة النور (رو 13 : 12).
أننا
نواجه أنواع من الحروب منها ما يأتي الينا من الداخل كحروب الفكر والحواس والقلب
والميول والشهوات الخاطئة ومنها الحروب الخارجية سواء من الشيطان أو ما له من أعوان الشر. أو
أغراءات العالم أو محبة المال والأتساع. وعلينا أن نطلب من الله الحكمة والمعرفة
والنعمة والقوة وأن يقودنا فى موكب نصرته .
علينا في حروبنا ومواجهتنا لتجارب إبليس والعالم
علينا أن لا نعتمد علي ذواتنا أو إرادتنا، وقوتنا، وخبرتنا، وذكائنا، لأن العدو
أكثر قوة وخبرة وحيلة، والرب نفسه قال { بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا} (يو 15:
5). فعلينا أن نثق في الله أولاَ ونطلب منه الحكمة والنصرة ويكون لدينا الأفراز
ونطلب روح الله ليقودنا ويرشدنا ونصلي ليتدخل الله ويحارب عنا وكما قال الكتاب
{الحرب للرب.. والرب قادر أن يغلب بالكثير
وبالقليل} (1صم 14: 6). وكما قال القديس
بولس الرسول {يعظم انتصارنا بالذي أحبنا} (رو 8: 37).
أسلحتنا
الروحية... هي
الصلاة بتواضع والصوم والسهر والحكمة واليقظة الروحية والأنقياد لروح الله القدوس
وكلمة الله والحق ودرع البر وكلام الله في الكتاب المقدس وترس الإيمان المستقيم
والعمل بإمانة وأخلاص والألتصاق بكل وساط النعمة من صلاة وقراءات روحية وتأملات
وتداريب لمحاسبة النفس واليقظة الروحية والألتصاق بالكنيسة وأب الاعتراف، والتناول
والاجتماعات الروحية. فإن هذه كلها توقد الحرارة في قلوبنا، وتعمق محبتنا لله ،
وتمنحنا قوة للانتصار. أما إن بعدنا عن هذه الوسائط الروحية، فما أسهل أن نفتر،
ويجد العدو مدخلًا إلينا .
ويعطينا
الكتاب المقدس أمثلة لأسلحة الحرب الروحية { الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ
لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.فَإِنَّ
مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ
السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ
أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي
الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا
مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ
أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ
تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ
الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ
الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ
فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ،
لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ} ( أف 11:6-18)
من
يستخدم سلاح الصلاة والصوم وتواضع القلب لا يعرف الهزيمة إطلاقًا فبالصلاة يأتي
بالرب ليحارب عنا لهذا قال النبي{ جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني
فلا أتزعزع} (مز 16 : 8). الانبا أنطونيوس الذي حاربته الشياطين وزلزلت
موضع سكناه ذات مرة قال للشياطين (إن كان
الله قد أعطاكم سلطانًا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟ وإن لم يكن الرب قد أعطاكم
سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبني). الحرب ليست بينك وبين الأعداء، وإنما هي
أولا وقبل كل شيء مع الله. إن صارعته حتى الفجر، وأخذت منه القوة فلن يستطيع
عدو أن يغلبك. فصلي بإيمان وثق أن الله
واقف معك، يحارب ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبي {إن يحاربني
جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن} (مز 26). وهناك أسلحة ضرورية لهذه الحروب الروحية، يجب أن
نستخدمها في الوقت المناسب، فيهرب إبليس وكل أفكاره الشريرة .
الصلوات السهمية... هي صلوات سريعة جدًا، كسرعة
"السهم" يصليها المؤمن فى كل وقت كصلاة يسوع لتقيه سهام إبليس وأفكاره وعندما يأتي العدو
بهجوم مفاجيء نرُد عليه بصلاة سهمية ة لطلب المعونة والقوة والنصرة ويمكننا أن نصليها في
كل زمان ومكان.
الإيمان
... يقول القديس
بولس الرسول {حاملين فوق الكل ترس
الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة}(أف 6: 16). فالإيمان
هو الذي يوقف سهام الشيطان الشريرة ويهلكها بالخوف من الدينونة المستقبلة،
والإيمان بملكوت السموات. علينا أن نثبت فى جهادنا الروحي ونثق أن السماء
ترقب جهادنا، وملائكة وقديسون كثيرون يشفعون فينا.
وليكن
جهادنا مسنود بالإيمان بيد الله القوية
وذراعه الحصينة، التي تغنى بها النبي قائلًا:
{
دفعت لأسقط والرب عضدني. قوتي وتسبحتي هو الرب وقد الرب وقد صار لي خلاصًا}
(مز 118 : 14).
المحبة
.... { فالمحبة تحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر
على كل شيء} (1 كو 13: 7). فأي أفكار خاصة بالغضب والحقد والضغينة لو قابلتها بالمحبة
لأهلكتها وجعلتها لا تتعمق في قلب الإنسان فتفسده، فالذي يحب الآخرين ويحب الأعداء
لا يغضب ولا يحقد.
الرجاء...
يقول القديس بولس الرسول {وأما نحن
الذين من نهار، فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة رجاء الخلاص} (1 تس 5: 8).
والخوذة هي التي تحمي الرأس. والمسيح رأسنا لذلك ينبغي علينا في التجارب أن نحمي
رأسنا برجاء الأمور الصالحة المقبلة.
كلمة
الله.... كلمة الله قوية جدًا وفعالة في
محاربة الأرواح الشريرة، لذلك استخدمها رب المجد في تجربة الشيطان لأنها {أمضى من
كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار
القلب ونياته} (عب 4: 12).
الصبر
والمثابرة.... نحن نحتاج إلى الصبر في هذه الحرب الروحية، فالمجاهد الصبور
سيحارب بالصبر كما قيل {لأنكم تحتاجون إلى الصبر، إذا صنعتم مشيئة الله تنالون
الموعد} (عب 10: 36).
أن
عمل الله معنا ليس معناه أن نكسل. بل نجاهد
بكل قوتنا . ونقاوم كل شهوة وكل رغبة خاطئة. كما قال الرسول {قاوموا إبليس فيهرب
منكم} (يع 4: 7) وأيضًا {قاوموه راسخين في الإيمان} (1بط 5: 9). إن مقاومتنا تدل
على رفضنا للخطية. وبذلك نستحق معونة النعمة.
نتذكر
فى جهادنا الروحي وعود الله وتشجيعه لأولاده { الفرس معد ليوم الحرب اما النصرة
فمن الرب} (ام 21 : 31) وقوله لزربابل { من أنت أيها الجبل
العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا} (زك 4: 7)، وقوله للقديس بولس { لا تخف.. لأني
أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك} (أع 18: 9، 10). وقوله من قبل لارمياء النبي {يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك،
يقول الرب، لأنقذك} (أر 1: 19). علينا أن نعيش دائما في محبة الله، فننتصرونستعين
في جهادنا بالصبر والثبات فى كلمة الله. وإن أخافنا عدو الخير، تذكر قول القديس
بولس {أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني}(فى 4: 13).ونثق أننا كلما نلنا
خبرة في حروبنا الروحية، سوف نزداد قوة وإيمان وننتصر وننال الغلبة بربنا يسوع
المسيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق