للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
الأغصان والثبات فى الكرمة
{ أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي
الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ وَكُلُّ مَا
يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ
أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. اُثْبُتُوا فِيَّ
وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ
ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاًإِنْ لَمْ
تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ
فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ
تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ
يُطْرَحُ خَارِجاً كَالْغُصْنِ فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي
النَّارِ فَيَحْتَرِقُ. إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كلاَمِي فِيكُمْ
تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ
تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلاَمِيذِي.كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ
كَذَلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا. اُثْبُتُوا فِي مَحَبَّتِي.إِنْ حَفِظْتُمْ
وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا
أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ} ( يو 1:15-10)
+ يدخل
بنا السيد المسيح الي عمق الحياة الروحية للثبات فيه والأتحاد به والثمر الروحي بثباتنا
في محبته ويشبه ذاته بالكرمة الحقيقية والآب السماوى بالكرام والمؤمنين به
كالأغصان المثمرة فيه. فاتحاد المؤمن بالله إتحاد وثيق، فالإبن صار يحمل المؤمنين
الذين ثبتوا فيه يعطيهم ذاته، جسده ودمه طعاماً وشراباً كعصارة تجعل الكرمة حية مثمرة
ويقدمنا لله الآب الكرام المهتم بخلاصنا كأب صالح. فالله الآب هو الذي يدعونا
لمعرفته وإلى ميراثه وقدرته وقوته وهو الذي أقام المسيح رأساً لهذه الكرمة وهو
يثبت الأعضاء. المؤمن يتحد بالمسيح بسر إلهي ليصير عضواً حياً في المسيح على مستوى
الغصن في الكرمة. والآب هو الذي أرسل إبنه ليكون سبب حياة وخلاص للمؤمنين.
+ حدثنا
الكتاب المقدس عن كرمة العهد القديم وما حدث لبيت إسرائيل ويهوذا والتي قال عنها
أشعياء النبي نشيد الكرم، كتوبيخ لهم علي خطاياهم وبعدهم عن الله فى مثل الكرم َالذى
وفرَ الله له كل أسباب النمو والخصب فجاء بثمر ردىء. ثم بين الله ماسينزله عليهم
من عقاب. والثمر الذي ينتظره الرب هو حياة التوبة والفضيلة والثمار الروحية التي
تفرح الله والناس { لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ.
كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ. فَنَقَبَهُ وَنَقَّى
حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ وَبَنَى بُرْجاً فِي وَسَطِهِ وَنَقَرَ
فِيهِ أَيْضاً مِعْصَرَةً فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً فَصَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً.«وَالآنَ
يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ
كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضاً لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟
لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً صَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً؟. فَالآنَ
أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي. أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ
لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لاَ
يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ
يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَراً». إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ
إِسْرَائِيلَ وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا. فَانْتَظَرَ حَقّاً فَإِذَا
سَفْكُ دَمٍ وَعَدْلاً فَإِذَا صُرَاخٌ.}( 1:5-7). أن هذا المثل هو تحذير لكل إنسان
خاطئ وكل أمة وشعب فى كل زمان يصنع الشر والظلم ويسفك الدم يحذرهم من الخراب
ليرجعوا الي الله بالتوبة والإيمان ليرحمهم الله القدير وينزل عليهم أمطار نعمته
ومحبته وسلامه والا يصيروا عرضه للدمار والهلاك.{ قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا
الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلاَّ أَنْ
تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاًمَعَ إِلَهِكَ}
(مي 6 :
8).
كيف نثبت في المسيح...
1- حياة
الإيمان العامل بالمحبة ...
+ أوضح لنا السيد المسيح أهمية الإيمان { مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ
يُؤْمِنْ يُدَنْ } (مر 16 : 16). وكما
تقول الحكمة { مخافة الرب اول محبته والايمان اول الاتصال به} (سير 25 : 16). بدون الإيمان لا يمكن أن نرضى الله { وَلَكِنْ
بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي
يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ
يَطْلُبُونَهُ} ( عب 6:11). الإيمان بالله يتطلب عقيدة مستقيمة تقود لحياة روحية
سليمة فيها تظهر ثمار الإيمان العامل بالمحبة فينا { من ثمارهم تعرفونهم.. كل شجرة
جيدة تصنع أثمارًا ردية. ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة. فإذن من ثمارهم
تعرفونهم}(متى 7: 16-20). وبهذا نعرف أننا قد عرفنا { إن حفظنا وصاياه، "من
قال قد عرفنه، وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه} (1يو 2: 3، 4).
بالإيمان يتغلب المؤمن على كل قوى الشر والمادية والظروف الصعبة المحيطة ويؤمن
بقول المخلص { كل شيء مستطاع للمؤمن}( مر9: 23). كما يشعر
بالضعف البشري الذى يدفعنا للاستناد المُطْلَق علي الله والاتكال علي عمله معنا. فهو
الحكمة الكاملة إزاء جهلنا، والقدرة المُطْلَقَة إزاء ضعفنا وهكذا {التصقت نفسي بك ويمينك تعضدني}
(مز63: 8(. إيماننا بالله وقدرته تدفعنا الي طاعته وحفظ وصاياه والعمل بها
لنثبت فيه ونأتي بثمار كثيرة لمجد أسمه القدوس.
+
علينا أن نثبت فى الإيمان وننمو ونتقوى في الروح فنرسخ في إيماننا ولهذا مدح الرب تلاميذه القديسين، لثباتهم معه (أنتم الذين ثبتم
معي في تجاربي) (لو 22: 28) ووعدهم بميراث ملكوت السماوات. لهذا نرى القديس
بولس الرسول، يتحدث عن أهمية الثبات في الإيمان{ أما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف
وإلا فأنت أيضًا ستقطع} (رو 11: 22). ويقول لأهل كولوسي (ليحضركم قديسين..
إن ثبتم على الإيمان، متأسسين وراسخين..) (كو 1: 22، 23). الثبات في الرب هو
اختبار لإرادتنا وسط تجارب وضيقات الحياة ، لذلك قال الكتاب (أنظروا إلى
نهاية سيرتهم وتمثلوا بايمانهم) (عب 13: 7). لكي نثبت في المسيح يجب أن نحيا
إيماننا المسيحي بالروح والحق وتستعلن حياة المسيح فينا بروحه القدوس الساكن فينا
(2كو1: 21)، ونتغذى ونثبت في كلمة الله وننمو بالأسرار المقدسة والتناول منها
بانسحاق وأستمرار ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا لتسرى فينا عصارة الكرمة ويلتهب
قلبنا بمحبة الله فنحفظ وصاياه ونطيعها ونعمل بها وتظهر ثمار الروح القدس فينا
فنلصق بالله ونتحد به ويدوم ثمره فينا.
2- ضرورة التوبة المستمرة ..
+ التوبة
هى عودة الانسان الخاطئ الى الله بعزم قلب وارادة صادقة واقلاعه عن الخطية وعدم
الرجوع اليها وتحرره من العبودية للخطية أو إبليس واعماله كما قال الإنجيل عن
الابن الضال { فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك
جوعا. اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك}(لو 15 : 17-
18). التوبة في اللغة اليونانية مأخوذة من كلمتين " ميتا" اي تغيير و"نوس" . اي العقل فمعنى التوبة تغيير الذهن والفكر والسلوك ليكون لنا فكر
وسلوك مسيحنا القدوس. قد يخطئ الانسان عن جهل او عدم حرص او تهاون او بحيل الشيطان
أومصادقة الاشرار وتفتقده النعمة ويستيقظ من غفلته وتهاونه وكسله فيعود الى الله
الذى يدعونا للتوبة كآب صالح { ارجعوا اليٌ ، ارجع اليكم } (ملا7:3) . ويبدأ
التغيير فى حياته ويعمل على اصلاح ما أفسده ويسير مع الله فى اصرار على عدم الرجوع
الى الخطية وهذا ما راينا فى حياة قديسى التوبة كداود النبي والقديس اغسطينوس
ومريم المصرية وغيرهم ، لم يعودا الى الخطية وقاوموا حتى الدم مجاهدين ضدها. هذا
التغيير عمل متبادل من الانسان بالوعى
والارادة والاصرار على الاصلاح والتغيير والندم على الخطأ وبقوة وعمل النعمة فينا
لكي نتغير ونتحرر من سلطان ابليس وقبول الله لنا واعلان محبته وسلامه فينا { لان الله
هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة }(في 2 : 13). الله يدعونا الى
التوبة ويفتقدنا بنعمة لنرجع ويمهد لنا الطريق للرجوع ثم يقبل توبتنا ويفرح برجوعنا اليه {فقال الأب
لعبيده: أخرِجوا الحُلَّة الأولى وألبِسوهُ، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في
رِجليه، وقدموا العِجل المُسَمن واذبَحوهُ فنأكُل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتا
فعاش وكان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون } (لو15: 22-24). لان الله صالح ورحوم يعد
بالغفران والقبول للراجعين اليه { فاذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها
وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا فحياة يحيا لا يموت. كل معاصيه التي فعلها لا تذكر
عليه في بره الذي عمل يحيا. هل مسرة اسر بموت الشرير يقول السيد الرب الا برجوعه
عن طرقه فيحيا. واذا رجع البار عن بره وعمل اثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها
الشرير افيحيا كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي اخطا
بها يموت} (حز 21:18-24). التوبة هي عودة بلا رجوع الى الاحضان الابوية والبنوة
لله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق