للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
يونان النبي و سعى الله لخلاصنا..
+ يكفينا لكي نؤمن ونصدق سفر يونان وقصته ما جاء عنه في حديث السيد المسيح { حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: «يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». فَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!.} ( مت 38:12-41). ان بعض التقاليد اليهودية تعرفنا يونان بن أمتاى، من جت حافر الواقعة في سبط زبولون والتى تبعد ثلاثة أميال إلى الشمال الشرقي من مدينة الناصرة، وكلمة يونان معناه حمامه وأمتاى تعني حقيقة، وهناك تقاليد متعددة عنه، فالبعض يقول إنه ابن أرملة صرفة صيدا الذي أقامه إيليا من الموت، والبعض الآخر يقول إنه النبي الذي أرسله أليشع ليمسح ياهو بن نمشى، بينما اعتقد آخرون أنه زوج الشونمية التى كانت تضيف أليشع، وأيا كان هو، فإن الثابت أنه تنبأ فى عصر يربعام الثانى، ومن المرجح أنه بدأ نبوته فى أوائل حكم هذا الملك أو عام 785 ق.م. ويعتقد البعض أنه ذهب إلى نينوى حوالى 763 ق.م. وقد بدأ يونان رحلته وهو هارب من مدينته إلى يافا، الميناء الواقع على بعد اثنين وثلاثين ميلا جنوبي قيصرية، وإلى الشمال الغربي من أورشليم، والتى يقال إنها أقدم مدن الأراضي المقدسة وقد اتجه بالسفينة غرباً إلى ترشيش القريبة من جبل طارق فى أسبانيا، ثم رجع إلى نينوى عاصمة الدولة الآشورية العظيمة، والتى كانت من أعظم وأجمل المدن التي عرفها التاريخ القديم والتى كان محيط دائراتها، عندما ذهب إليها يونان، ستين ميلا أو يزيد، وقد بنيت على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وقد كشفت الحفريات الحديثة عما كان لها من مجد وقوة. ولقد استخدم الله يونان النبي ليتجاوز التزمت اليهودى، ويعلن عن محبة اللّه، وأبوته لليهود والأمم.
+ هذا السفر الصغير الذي لا يتجاوز ثمان وأربعين آية يكشف لنا عن قصد اللّه الثابت لتوبة وإيمان وخلاص كل أحد كما فى إنقاذ نينوى، والتى كان يبلغ عدد سكانها في أيام يونان من الرجال 120 الف وما يزيد على ستمائة ألف نسمة باضافة من بها من الأطفال والنساء وكانت مطوقة بسور عظيم يسهل على أربع عربات أن تجرى متجاوره فوقه، أما داخلها فقد كان متسعاً يذخر بالترع والقنوات والميادين، والحدائق والقصور مع البهائم. أن الله ضابط الكل يستخدم كل الأشياء لخلاصنا كما جاء فى سفر يونان لقد استخدم اللّه الريح، والحوت، واليقطينة، والدودة لإثبات قصده وتحقيق هدفه وهذا يطمئننا ويهبنا سلام ورجاء وثقة وإيمان بعمل الله لخلاصنا. فالله يسعى لخلاصنا وإيماننا أفراد وأمم ويرسل لنا دعوته بأنواع وطرق شتى لنؤمن ونخلص.
صلاة يونان النبي ..
+ لقد هرب يونان من الاستجابة لصوت الله بان يذهب الي نينوى وينادي عليها وينذرهم بالهلاك لأجل شرهم وعوضاً أن يذهب شرقا ذهب غربا من يافا في سفينة ذاهبة إلى ترشيش وهاج البحر على السفينة وتكلم معه البحارة وهو نائم ليصلي لله لينقذهم وعرفوا منه أنه هارب من وجه الرب وحاول البحارة ان يرجعوا فلم يقدروا وخففوا من حمل السفينة ولم يهدأ البحر والقوا القرعة ليعرفوا بسبب من هذا الهياج فوقعت علي يونان فألقوه في البحر وسكت البحر فأمن البحارة بإله يونان النبي أما الله فأعد حوت ضخم ليبتلع يونان وهنا صلى { وقال دعوت من ضيقي الرب فاستجابني صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي.لانك طرحتني في العمق في قلب البحار فاحاط بي نهر جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت قد طردت من امام عينيك ولكنني اعود انظر الى هيكل قدسك. قد اكتنفتني مياه الى النفس احاط بي غمر التف عشب البحر براسي. نزلت الى اسافل الجبال مغاليق الارض علي الى الابد ثم اصعدت من الوهدة حياتي ايها الرب الهي. حين اعيت في نفسي ذكرت الرب فجاءت اليك صلاتي الى هيكل قدسك.}( يو 2:2-7) لقد أدرك ضعفه الكامل وإعيائه الكامل فى بطن الحوت ولم يكن له سوى الله ملجأ في الضيق وما أكثر ما نخطئ في استخدام حريتنا فيظهر اللّه اضطراراً ليأخذها منا، حتى نرجع إلى رشدنا وكان يونان محتاجاً إلى الإعياء النفسى حتى يتعلم كيف يعود إلى إلهه. لو قضي اللّه علي يونان بالموت غرقاً لما نسب إلى اللّه أدنى لوم، بل كان اللّه عادلا لو فعل ذلك. لكن اللّه العادل رحوم بنا ولا يشاء هلاكنا وهو الذي يطلب ويخلص من قد هلك. قد أدرك يونان فى بطن الحوت أن الله هو الرحمة بعينها، والعناية التى تعلو على كل فهم أو خيال. لقد علم أن الحوت تحول بقدرة الله القادر إلى سفينة نجاة أدخله اللّه فيها لينجو من الغرق وكم يغلق اللّه علينا، ولا يتركنا للحماقة والضياع، عندما يرانا نسعى إلى حتفنا بارجلنا. والله في رحمته طيب وكريم ويظهر محبته للخطاة والعصاة. لقد كان مجئ الابن الضال إلى أبيه كافياً لأن يستبدل هوانه وجوعه وذله وحاجته بالترحيب والإكرام والعطاء السخى، دون مراجعة أو حساب عما فعل أو أساء. فلنصلي ونثق في الله ومحبته ورحمته بنا في مختلف ظروف حياتنا {اطلبوا الرب مادام يوجد ادعوه وهو قريب } ( إش 55: 6 ). لقد صرخ يونان في بطن الحوت واستمع اللّه إلى صراخه وخلصه وجعله آية ورمز ومثال لموت وقيامة ربنا يسوع المسيح.
الله الرحوم في سفر يونان
+ الله الرحوم يعلن رحمته لكل أحد, ويبحث عن البعيدين ويشمل برحمته القريبين، يريد خلاص كل نفس الله يهتم بشعبه ويتعهدهم بالرعاية والاهتمام كما يهتم بخلاص الأمم البعيدة والغارقة في الشرور و يحذرهم وينذرهم بالهلاك لكي يتوبوا { الذي يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون }(1تي 2 : 4). الله يسعى لخلاص البحارة الذين يعبدون الأوثان ويهتم بخلص نبيه الهارب من وجهه يونان. وفي محبته يستخدم النبي الهارب في عصيانه لكي يؤمن البحارة بالله وفي طاعته لصوت الله خلص به أهل نينوي مع أن مناداته كانت أنذار بالهلاك { فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ونادى وقال بعد أربعين يوما تنقلب نينوى. فآمن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم.} (يو 4:3-5).
+ الله في رحمته بنا يريدنا أن نصغي لصوته ونطيع وصاياه ونعمل أرادته لخيرنا ونجاتنا من بحر العالم ويود في بعدنا وخطايانا نرجع إليه و نتحاجج معه ليغفر ويمحو خطايانا { هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ان كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف } (إش 1 : 18). وعندما رجع أهل نينوي وتابوا رحمهم الله وغفر لهم خطاياهم ورفع غضبه عنهم { ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء. وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم. لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك. فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} (يو 7:3-10). وتنازل الله بتواضعه ورحمته وأقنع يونان برحمته وحنانه بعد أن جلس يونان شرقي نينوى منتظر هلاكها { فغم ذلك يونان غما شديدا فاغتاظ. وصلى الى الرب وقال آه يا رب أليس هذا كلامي اذ كنت بعد في ارضي لذلك بادرت الى الهرب الى ترشيش لاني علمت انك اله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. فالان يا رب خذ نفسي مني لان موتي خير من حياتي.} (يو 4-3:1). لقد أعد له يقطينة تظلل عليه من حر الشمس وسط غمه ثم أمر دودة ان تنخر جذورها فتموت اليقطينة واغتاظ يونان النبي وطلب الموت لنفسه وهنا يقنع الله يونان النبي باهمية خلاص نينوى { فقال الرب انت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. افلا اشفق انا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة} (يو 10:4-11). أن التوبة الشاملة الصادقة ميسورة لأى شعب أو فرد أو جنس أو أمه في كل زمان ومكان ، متى اتجه الإنسان إلى اللّه من كل قلبه وفكره وكانت توبته عملية بالرجوع عن الطرق الرديئة والظلم الذى يصنعه.
الله يهمه رجوعنا وتوبتنا..
+ عندما تمرد يونان على الله وبدأ السفر فى الاتجاه العكسى ليذهب غربا الي ترشيش، أرسل اللّه له الريح الشديدة العاتية، لتعيده إلى الرسالة التي يلزم أن يؤديها، ويونان كان كموسى، وإرميا، وشاول وغيرهم من رجال الله ، فكثيراً ما يرسل اللّه ريحه الشديدة على سفينة حياتنا، وقد تكون هذا الريح فشلا أو ضيقاً، أو اضطراباً أو إفلاساً، أو ما أشبه، حتى ما نعود ونرجع ونطيع صوت الله لئلا نهلك ونضيع. ومع عصيان يونان النبي إلا أن الله عامله بالرحمة، وقد أعد اللّه لذلك حوتاً عظيماً ولم يكن هذا الحوت مصادفة أو خيالا أو رمزاً، كما يزعم بعض النقاد الذين علت القصة فوق إدراكهم، فتصوروها شيئاً يصعب تصديقه، وكان يكفيهم تماماً أن يشير ربنا يسوع المسيح إلى هذه القصة كواقعة وحقيقة تعتبر صورة أو مثالا لما سيحدث معه هو فى القبر بعد الصليب { هذا الجيل شرير. يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل } (لو ٢٩:١١-٣٠). فإذا كان اليهود قد قبلوا هذه القصة مرغمين وأوردها يوسيفوس المؤرخ اليهودى كواقعة تاريخية فى كتابه الآثار، وإذا كانت توبة نينوى لم تكن مجرد خيال أو تصور بل حقيقة واقعة، فإن رجال نينوى سيقومون في اليوم الأخير ليدينوا من لم يؤمنوا بعمل المسيح الخلاصي لأنهم آمنوا برسالة يونان الذي قذف به الحوت إلى الشاطئ على النحو العجيب الذى صنعه اللّه آية لهم، ليرجعوا عن شرورهم، ويتوبوا عن خطاياهم،.. وقد أدرك يونان أنها رحمة اللّه وليس غضبه، أن يحفظه في بطن الحوت ليصلي صلاته ويرجع ليبلغ رسالته إلى أهل نينوى ويتوبوا ويقنع الله نبيه يونان بمحبته ورحمته التي خلصت يونان النبي وأهل السفينة وأهل نينوى وتسعى لخلاصنا و توبتنا ورجوعنا إليه ليكون لنا حياة أفضل وتكون لنا الحياة الأبدية.
من وحي سفر يونان..
+ يا الله الرحوم محب البشر الصالح الذى يريد أن الله يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون، يا من أرسل نبيه يونان لاهل نينوى قديما منذراً إياهم من عاقبة الشر، وداعياً اياهم للتوبة والرجوع ، ها نحن نرجع إليك و نتوب عن خطايانا و آثامنا فاقبلنا كعظيم رحمتك وأشملنا بعنايتك كصالح ومحب البشر.
+ يا الله المتأني في العقاب الجزيل الصالح، ضابط الكل الذي أستخدم الريح والبحر والشمس والحوت وحتى الدودة واليقطينة من أجل تحقيق مقاصده نحو خلاص يونان واهل السفينة وأهل نينوي، أنت أيضا يا سيدنا اجعل كل الأشياء تعمل معنا للخير والخلاص، وهبنا البصيرة الروحية والحكمة والنعمة لنستجيب لنعمتك ونطيع صوتك الحنون ونقوم برسالتنا في الحياة على أكمل وجه.
+ أيها الرب الهنا الذى يفرح برجوع الخطاة ويرحمهم، ارحم شعبك وكنيستك وبلادنا ومنطقتنا والعالم كله، وأرفع عنا الوباء وليكن جرس إنذار وتحذير للرجوع إليك وليس العكس. لنرجع اليك بالتوبة وتستجب لكل من يدعوك في الضيق ولتكن لنا قائداً ومخلصاً ومحرراً ليتمجد أسمك القدوس، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق