للأب القمص أفرايم الأورشليمي
قدوم مشتهى الأجيال ...
فى عيد الميلاد المجيد والأحتفال باقتراب الله الينا وأعلان محبته وخلاصه للبشرية فاننا نقدم للرب الكلمة المتجسد شكرنا وصلواتنا ونقابل محبته لنا بالمحبه " نحن نحبه لانه هو احبنا اولا " (1يو 4 : 19). فالتجسد الإلهى مشتهى الأجيال وفرحها ورجائها منذ القديم فلقد أشتهى أب الاباء أبراهيم ان يري ذلك اليوم " ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي فراى و فرح" (يو 8 : 56) وعن هذا الميلاد العجيب تنبأ اشعيا النبى قائلا "و لكن يعطيكم السيد نفسه اية ها العذراء تحبل و تلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل" (اش 7 : 14). وعن طبيعة هذا المولود وعمله تنبأ قائلا "الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما الجالسون في ارض ظلال الموت اشرق عليهم نور. لانه يولد لنا ولد و نعطى ابنا و تكون الرياسة على كتفه و يدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام لنمو رياسته و للسلام لا نهاية على كرسي داود و على مملكته ليثبتها و يعضدها بالحق و البر من الان الى الابد غيرة رب الجنود تصنع هذا " اش (2:9،-7،6). واما عن مكان ولادته فتنبا ميخا النبى قائلا " اما انت يا بيت لحم افراتة و انت صغيرة ان تكوني بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل و مخارجه منذ القديم منذ ايام الازل" (مي 5 : 2). انه المخلص الذى اعلنت رئيس الملائكه بشري الحبل به للعذراء مريم " فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" لو35:1 وبشر به الملاك الرعاة يوم مولده " فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" لو10:2-11. وسُمى يسوع من السماء لانه يخلص شعبه من خطاياهم .
الميلاد بين الأمس واليوم ...
- فى بدء هذه السنة الميلادية وفى هجوم أرهابى دموي على المصلين فى كنيسة القديسين مارمرقص والانبا بطرس البطريرك الشهيد، فقدت الكنيسة ثلاثة وعشرين من خيرة أبنائها شهداء على مذبح الحب الإلهى، علاوة لجرح ما يذيد عن المئة بمن فيهم الحالات الخطرة ، والعام الماضى وفى ليلة العيد أستشهد ثمانية من ابناء كنيستنا فى نجع حمادى بهجوم ارهابى أخر وقبلها وفى بدء عام 2000 قام الغوغاء بالهجوم على قرية الكشح فى صعيد مصر وأحرقوا مايذيد عن مائتين منزل واستشهد 21 من ابناء القرية ولكن العدالة العرجاء والظلم الذى يعانى منه أبنائنا لم يقتص من الجناة بما يردع المتطرفين والارهابيين من مهاجمة كنائسنا والمسيحيين فى مصر وتذايدت الاحداث الأرهابية التى يتعرض لها المسيحيين فى السنوات الأخيرة ، ونحن مع مطالبتنا بعدالة السماء فاننا ندين بكل الطرق المشروعة القتل على الهوية الدينية للمسيحيين فى وطننا مصر أو العراق الشقيق ونطالب النظام الحاكم فى الدولتين بتصحيح الأوضاع الخاطئة التى تؤدى الى أهراق ان نقطة دم أو اي اضطهاد لاى مواطن مهما كان دينه او لونه او جنسيته او معتقده السياسى .
- أن الشر عندما يرى النور قد أقبل يعمل جاهداً لأطفائه أو حجبه او حتى التخلص منه ولكن ان كان الله معنا فمن علينا ، لن يقوى الظلم والظلمة من التغلب على النور والحق والحياة عندما ولد السيد المسيح له المجد كانت الاراضى المقدسة محتلة من قبل الرومان وقد أقاموا عليها هيرودس الكبير حاكما وكان له ما يقرب من 37 وهو يحكم بالحديد والنار والقتل والارهاب وعندما جاء المجوس من الشرق ليقدموا هداياهم للمولود الملك ظن هيروس ان المسيح سيأخذ منه ملكه الأرضى فارسل وأمر بقتل كل أطفال بيت لحم وما حولها من ابن سنتين فما دون ليتخلص من الرب يسوع " حينئذ لما راى هيرودس ان المجوس سخروا به غضب جدا فارسل و قتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم و في كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس." مت 16:2-17. ولقد قُتل هؤلاء الأطفال العزل الابرياء دون ذنب أو جريرة ومازالت دمائهم تصرخ شاهدة على ظلم الأنسان لأخيه ومعلنة ان حياتنا القصيرة على الأرض ستنتهى لنحيا ملائكة فى السماء نُسبح الرب الإله " و سمعت صوتا من السماء كصوت مياه كثيرة و كصوت رعد عظيم و سمعت صوتا كصوت ضاربين بالقيثارة يضربون بقيثاراتهم.
و هم يترنمون كترنيمة جديدة امام العرش و امام الاربعة الحيوانات و الشيوخ و لم يستطع احد ان يتعلم الترنيمة الا المئة و الاربعة و الاربعون الفا الذين اشتروا من الارض هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لانهم اطهار هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب هؤلاء اشتروا من بين الناس باكورة لله و للخروف. و في افواههم لم يوجد غش لانهم بلا عيب قدام عرش الله " رؤ 2:14-5. ها نحن أمام تسبحة النصرة فى السماء ينشدها شهدائنا مع أطفال بيت لحم الابرياء ومع هذا فان السماء لن تنسى صراخ الابرياء وتعاقب كل ظالم وقاتل بما أقترفت يداه .
هدايا الميلاد ...
وعلى الجانب الأخر نرى فى ميلاد الطفل الإلهى المجوس الحكماء ياتون فى رحلة طويلة من الشرق والنجم الهادى دليل لهم الي الاراضى المقدسة ليرشدهم فى الطريق حتى جاوا الى اوشليم " حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا و تحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم ارسلهم الى بيت لحم و قال اذهبوا و افحصوا بالتدقيق عن الصبي و متى وجدتموه فاخبروني لكي اتي انا ايضا و اسجد له. فلما سمعوا من الملك ذهبوا و اذا النجم الذي راوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء و وقف فوق حيث كان الصبي. فلما راوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا و اتوا الى البيت و راوا الصبي مع مريم امه فخروا و سجدوا له ثم فتحوا كنوزهم و قدموا له هدايا ذهبا و لبانا و مرا " مت 7:2-11. نعم قدم المجوس للطفل المولود اثمن ما عندهم ذهبا ليعلنوا انه المسيح الملك الازلى الابدى الى تجسد وأفتقر ليغنينا وقدموا لباناً اشارة إلى كونه رئيس الكهنة قابل الصلوات النقية ، وقدموا مراً شهادتة على الآمه وتقديمه ذاته على الصليب من أجل خلاصنا .
ونحن ماذا نقدم فى هذا العيد للمسيح المخلص...
ربما ليس لدينا الذهب لنقدمه ولكن لنا العديد من الهدايا التى هى أثمن من الذهب لدى الله ..
- ان حياتنا على الارض كلها لو قِيست بالأبدية فهى كبخار ماء يظهر قليلاً ثم يضمحل ومع هذا فهى أثمن الهدايا لدى الله " لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه (مت 16 : 26). فنحن نقدم حياتنا لله رخيصة لابينا السماوى ، نشهد له فيها باعمالنا وقوالنا وبدمنا وهكذا بذل أجدادنا الشهداء حياتهم بفرح وهم يُساقون الى الأستشهاد .
قلوبنا التى هى أثمن من الذهب المصفى بالنار نقدمها مسكنا ومحلاً لربنا الذى يريد ان نحبه من كل القلب والفكر والنفس " و محبته من كل القلب و من كل الفهم و من كل النفس و من كل القدرة و محبة القريب كالنفس هي افضل من جميع المحرقات و الذبائح (مر 12 : 33). والقلب كمركز للحياة الروحية يقصد به الأنسان الداخلى بعواطفه وميوله وأفكاره واخلاصه لله " مياه كثيرة لا تستطيع ان تطفئ المحبة و السيول لا تغمرها ان اعطى الانسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقارا (نش 8 : 7)"
بالعطاء حتى من الأعواز نقدم ما هو أثمن من الذهب لربنا فقد مدح المخلص المرأة التى أعطت القليل فى الهيكل قائلا" لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله و اما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها (لو 21 : 4). وما نقدمة للفقراء من طعام وشرب وملبس ومشرب وضيافة فاننا نقدمه لمسيحنا القدوس" ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني.عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. و متى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. و متى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك و يقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم. أن دفاعنا عن المظلومين وتعزيتنا للحزانى وزيارتنا للمرضى والمنكسري القلوب كذهب ثمين يقدم للمسيح الملك فى عيد ميلاده المجيد.
- قدم المجوس لبانا يشير الى تقديم الصلوات النقية كرائحة بخور مقبولة أمام العرش الإلهى ، فما أجمل الصلوات النقية من قلب متضع أمام الله وأمامنا العشار وقبول الله لصلواته دون الفريسى المتكبر " و اما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ. اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع و من يضع نفسه يرتفع" لو13:18-14. صلواتنا من أجل كنيستنا وسلامها واخوتنا وتقوية أيمانهم ومن أجل العالم المحتاج للحب ثمينة ومقبولة أمام الله "صالحة الصلاة مع الصوم و الصدقة خير من ادخار كنوز الذهب" (طوبيا 12 : 8) . " لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة و الدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله (في 4 : 6) .نحن اذاً يا أحبائي نحتاج الى ايدى مرفوعة وركب منحنية وكتاب مقدس مفتوح وقلوب محبة بها نصنع المعجزات بهذه الصلاة الطاهرة أستجاب الله لزكريا الكاهن وأعطاه يوحنا المعمدان " فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور (لو 1 : 11) وبهذه الصلوات نقلت الكنيسة جبل المقطم فى القرن العاشر فى عهد البابا أبرام . وبهذه الصلاة يترأف الرب علينا ويرحمنا .
- قدم المجوس لربنا يسوع المسيح كلمة الله المتجسد مراً ، والمر هو نوع من العطور تستخلص من الورود بالعصر قديما، ويشير الى ان المولود هو حمل الله حامل خطية العالم ، والى الآلام التى يحتملها عن خطايانا والتى تنبأ عنها اشعياء النبى قديما ( اش 4:53-5) ونحن فى كل ما يقابلنا من التجارب والضيقات ونحتملها بصبر وشكر فاننا نقدمها لمسيحنا حباً وبذلاً وبها يقوى ايماننا وتفيح رائحتة العطرة .
فليعطنا ميلاد المسيح القوة والتواضع والوداعه لنحيا حياة التسبيح للرب الإله القدوس ونحتفل مع المجوس بتقديم هدايانا له مرنمين مع الملائكة ( المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق