للأب القمص أفرايم الأورشليمى
الأنتفاضات الشعبيه فى مصر...
ان كان التاريخ لا يذكر بالضبط متي كانت أول مظاهرة أو احتجاج ضد الظلم والفساد لكن الذى وصل الينا من قصة احتجاج الفلاح الفصيح ورسائله للفرعون الذي اعتصم ببابه سبعة أيام يشكو الظلم.. ويتباطأ الفرعون عن الاستجابة ويكتب له الفلاح شكواه بادب وبلاغة ويعيد الشكوي وينمق أسلوب العرض وألفاظه كما سجلتها أوراق البردي لتصل إلينا عبر آلاف السنين.وقد اكتشف الآثاريون المخطوطات التي تثبت أن مجموعة من العمال تظاهروا في عصر رمسيس الثالث لعدم تقاضيهم حقوقهم،وكانوا يتقاضون مقابل العمل الحبوب والزيت وكل ما يمكن العيش به وظلوا سته عشر يوما حاملين المشاعل ليلا حتي ينتبه الفرعون لهم، وقد أكد العالم الراحل سليم حسن ما جاء فى البرديات فى كتابه عن تاريخ مصر القديمة .
كانت وستبقى المظاهرات وسيلة للتعبير عن السخط وعدم الرضاء والضغط لتحقيق مطالب المتظاهرين .ومنذ أن هتف المصريون يا عزيز يا عزيز كبه تاخد الإنجليز. والاستقلال التام أو الموت الزؤام ، يا حرية فينك فينك أمن الدولة بينا وبينك.. وغلوا السكر غلوا الزيت خلونا بعنا عفش البيت والمظاهرات تعلو وتهبط سواء كظاهرة عامة أو لجماعة معينة لها مطالب خاصة واخر هذه المظاهرات واقواها هى مظاهرات يوم الغضب التى بدات يوم 25/1/2011
لكن يتدخل النظام الحاكم فما إن تشتعل الحناجر بالهتافات حتي تسقط فوق الرءوس الهراوات وقنابل الدخان وتصوب فوهات المدافع إلا أن عام2007 شهد لونا جديدا من حقوق المتظاهرين فبدلا من قطف رءوس المتظاهرين والزج بهم إلي غياهب السجون أصبحت مصر تعيش المظاهرات الإيجابية يعني تستجيب الحكومة لحل مشاكلهم حتي أصبحت المظاهرات هي الحل.. بدأ من ثورة العطش التي قطع لأجلها بسطاء منطقة الحامول وبلطيم والرياض في كفر الشيخ الطريق.. وانتهاء بإضراب ومظاهرات موظفي الضرائب العقارية أمام مجلس الوزراء
وقد سجلت أوراق التاريخ الحديث أن المصريين عرفوا المظاهرات مع غزو المحتل لبلادهم وكانت المظاهرات أولي وسائل المقاومة، وقد ظهر ذلك جليا في ثورة القاهرة الأولي ضد المحتل الفرنساوي الفرنسيس بلغة ذاك الزمان وكان ذلك في عام1798 وقادها عمر مكرم ثم ثورة القاهرة الثانية في عام1800 في منطقة بولاق والتي قادها مصطفي البشتيلي نسبة إلي بلدته بشتيل. أيضا عرفت مصر مظاهرات شعبية تؤيد تولية عمر مكرم لمحمد علي باشا لاعتلاء عرش مصر وتلك واقعة غريبة لم يذكر التاريخ خباياها وأسرارها فقد كان البلد يعاني فراغا دستوريا وكانت فرصة مواتية ليتولي حكم مصر أحد أبناء البلد.
ولعل أول مظاهرة شعبية سلمية تلك التي حدثت في سبتمبر1881 وهي مظاهرة عابدين بقيادة أحمد عرابي باشا أمام خديوي مصر وقد أطلق عليها المغرضون هوجة عرابي وطالب أصحاب المصالح وهم في كل مكان وزمان برأس عرابي وليس نفيه فقط.
وفى مظاهرات 1919 ضد الأستعمار الانجليزى تظاهر الرجال والنساء معاً ، وهذا ليس بغريب فقد أورد عبد الرحمن الجبرتي في كتابه الشهير عجائب الآثار في التراجم والأخبار والشهير بتاريخ الجبرتي أول مظاهرة نسائية في وجه قرار نابليون بونابرت( بونابرته) بتحريم سكن القبور وإبعاد المساكن عنها.. وثار الناس وغضبوا ولكن العجيب في ذلك أن سكن القبور قديم جدا رغم اتساع الأرض والصحراء حول القاهرة حينذاك.
يقول الجبرتي:ذهب جماعة من القواسة ـ يعني الجنود المصريين, الذين يخدمون الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية علي المقابر بتربة الأزبكية وتمهيدها بالأرض فشاع الخبر بذلك وتسامح أصحاب الترب بتلك البقعة فخرجوا من كل حدب وصوب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارة المدابغ وباب اللوق وكوم الشيخ سلامة والغوالة والمناصرة وقنطرة الأمير حسن وقلعة الكلاب إلي أن صاروا كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا في الأزبكية ووقفوا تحت بيت صاري عسكر نابليون فمنزل لهم المترجمون واعتذروا بأن صاري عسكر لا علم له بذلك الهدم ولم يأمر به وإنما أمر بمنع الدفن فقط، فرجعوا إلي أماكنهم ورفع الهدم عنهم.
طرق أنتقال السلطة والأنتفاضات الشعبيه ...
لانتقال السلطة السياسية فى عالم اليوم طرق متعدده أشهرها الانتقال السلمى للسلطة عن طريق الأنتخاب الحر فى صناديق الأقتراع سواء مباشرة باختيار رئيس الجمهوريه او أختيار ممثلى السلطة التشريعية كاغلبية تشكل الوزارة او بائتلافها مع احزاب اخرى لتحوز الأغلبية فى البرلمان او بالوراثة فى النظم الملكية ، كما ان الكثير من الأنظمة فى العالم الثالث قد تغير بالأنقلابات العسكرية .الا اننا لاحظنا فى العصر الحديث حدوث تغيير السلطة بالأنتفاضات الشعبية التى يحركها السخط الشعبى وعدم الرضاء ودكتاتورية النظم القائمة وعدم تلبيتها لمطالب الشعب أو مصالحه
مع وجود الأنظمة القمعية قامت العديد من الثورات بالتغيير ، صحيح حدث في التاريخ الغربي الكثير من الفوضي، ففي بداية الثورة الفرنسية حطمت المظاهرات سجن الباستيل وأيضا الثورة الأمريكية التي تحولت إلي حرب أهلية بين الشمال والجنوب، لكن الحال تغير الآن وأصبحنا نشاهد المظاهرات الحضارية التي تخاطب العقل وهذا يتطلب عندنا مناخا تتاح فيه حرية التعبير بطريقة حضارية لا يعتدي فيها المتظاهر علي المنشآت ولا يستخدم فيها البوليس الهراوات والعنف أو يبدأ به ضد المتظاهرين تلك وقفة حضارية لابد منها لنقف في مصاف الدول المتحضرة.
فى أثيوبيا ... صباح أحد أيام 1974 في أديس أبابا، ملأ سائق (تاكسي) خزان سيارته بالوقود، ودفع الثمن لعامل محطة المحروقات، فطلب منه هذا ضعف المبلغ المعهود، ولما استفسر السائق عن سبب مضاعفة السعر، أبلغه أن الحكومة ضاعفت الأسعار ليلاً، فأصيب السائق بنوية هيسترية، وأخذ يصرخ في الشارع ويمزق ثيابه ويشكو كيف يمكن أن يعيل أسرته أمام هذا الغلاء، وقبل أن تنتهي نوبته الهيسترية كان عدد المنظاهرين الذين يتبعونه تجاوز الآلاف ثم عشرات الآلاف، ولم يكن يقودهم حزب أو فئة أو تنظيم، ودامت المظاهرات عشرة أيام حتى استغل العسكر الانتفاضة فاستولوا على السلطة وأعدموا الإمبراطور هيلا سيلاسي.
الأنتفاضة الفلسطينة الأولى .. وعام 1987 صدمت سيارة يقودها مستوطن إسرائيلي عدداً من مواطني غزة، فاشتعلت الانتفاضة الأولى في جميع مدن وقرى فلسطين، وأربكت سلطات الاحتلال، حتى أن إسحق رابين تمنى أن يستيقظ يوما ًويجد غزة قد غرقت في البحر، وبقيت الانتفاضة مشتعلة دون حزب أو تنظيم أو قيادة، إلى أن تدخلت القيادة الفلسطينية وتوصلت مع العدو الإسرائيلي إلى اتفاقية أوسلو، فخمدت الانتفاضة الأولى وطويت صفحتها.
الثورة ضد الظلم فى رومانيا ... وفي عام 1989، دعا الرئيس الروماني تشاوشيسكو (الجماهير) بواسطة حزبه وأجهزة أمنه والمنظمات النقابية والشعبية التابعة للنظام، فجمع عشرات الألوف كما هي العادة، وبدأ الرئيس يلقي كلمة حماسية في الجموع، وما أن وصل إلى منتصف كلمته حتى صرخ أحد المتجمهرين بهتاف ضد الرئيس وسياساته، فانقلبت (الجماهير) المتلقية خلال دقائق وبدأت انتفاضة عنيفة دون حزب يقودها، أو تنظيم سياسي، لا سري ولا علني، وما أن جاء المساء حتى سقط النظام ثم أعدم الرئيس وزوجته، وبعدها قرر الشعب الروماني أن يتبنى نظاماً جديداً، وأسس أحزاباً وتكتلات سياسية جديدة، وقفز على السلطة بعض قادة الحزب الحاكم، ومغامرون وصيادو الفرص
الثورة الشعبية فى تشيكوسوفاكيا ... وعام 1989 أيضاً خرج عشرات المواطنين في براغ (تشيكوسلوفاكيا) متظاهرين ضد النظام فأطلق جندي النار عليهم وقتل أحدهم فالتهبت المدينة، وخلال ساعات بلغ عدد المتظاهرين عشرات الألوف، دون حزب أو تنظيم يقودهم، ثم استعاروا بعض المقاعد والطاولات من المحلات التجارية المجاورة، وبنوا (منصة للخطابة) وأخذوا يهاجمون النظام، وصدرت عن أحد الخطباء عبارة (نحن حزب المنصة) وما لبثوا أن اسقطوا النظام واستلم (حزب المنصة) الحكم، ثم تدبروا أمورهم فيما بعد وشكلوا أحزاباً وأسسوا نظاماً سياسياً جديداً.
الثورة ضد حكم الشاه فى أيران ..
عام 1979 في إيران، كان نظام الشاهنشاه يملك المال والسلاح (كان جيشه أقوى قوة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل) كما كان يعتمد على السافاك (الجهاز الأمني سيء الصيت)، ثم انتفضت جماهير الشعوب الإيرانية عزلاء بدون سلاح، وما هي إلا أيام حتى رحل الشاه هارباً، تاركاً بلاده لجماهير لا يقودها حزب ولا تنظيم، إلى أن سد الخميني ورجال الدين الفراغ وتولوا السلطة
ثورة الياسمين فى تونس ... في الشهر الحالي انتفض التونسيون نتيجة للبطالة والغلاء والفساد بعد ان قام أحد الشباب بشعال النيران فى نفسة أحتجاجاً على الاوضاع المعيشية التى يحياها ،وحاول الرئيس التونسى المخلوع أن يمتص غضب الغاضبين والتضحية بوزير الداخلية ولكن الثائرين لم يهدأ لهم بال الا برحيل وأنهيار النظام وهروب زين العابدين .
هناك عشرات الأمثلة عن مثل هذه الانتفاضات في دول العالم المختلفة، التي استطاعت الجماهير الشعبية العزلاء من خلالها، أن تسقط الأنظمة، دون أن تكون لها أحزابها أو قياداتها أو برامجها.
أسباب وأهداف ومفاهيم مشتركه ..
المؤشر الأول هو أن هذه الأنظمة التي جرى الانتفاض ضدها وسقطت تتقاسم عوامل مشتركة، على رأسها أنها لم تستطع أن تعالج قضايا الغلاء والفقر والجوع في مجتمعاتها، ولم تشغل نفسها باحتياجات الناس وهمومهم، كما أنها جميعها أنظمة قمعية صادرت الحريات واستسهلت الاعتقال، وغابت عنها الديموقراطية وألغت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كما تجاهلت المساواة وتكافؤ الفرص، ورفضت تداول السلطة، وقبل هذا وبعده استشرى الفساد في جسم هذه الأنظمة وإداراتها وسلطاتها ومسؤوليها، حتى كأن مهمتهم هي جمع المال وحماية النهابين من أقربائهم وأصدقائهم، وبالتالي نضجت الظروف الموضوعية للهبات الشعبية التي لم تكن تنتظر سوى شرارة للاشتعال، ولذلك كانت جميعها انتفاضات مفاجئة للأنظمة وللناس وللعالم الخارجي على حد سواء
أما المؤشرالثاني فهو أن مثل هذه الأنظمة استبعدت أحزاب المعارضة، وعزلتها، وسجنت ناشطيها وقادتها وحرمتها من النشاط في وسطها الشعبي، وعندما قامت الانتفاضات لم تجد من يقودها، كما لم تجد الأنظمة القائمة من تتفاوض معه، لأن الانتفاضات بدون قيادات، وأحزاب المعارضة محاصرة أو ملاحقة، مما ترك فراغاً أدى إلى عمليات عنفية من جهة وقفز فئات أخرى على السلطة .
أما المؤشر الثالث فهو الظاهرة الجديدة التي يتصف بها عصرنا وأعني ثورة الاتصال، فقد كان (الفيسبوك وإلإيميل والأنترنيت) وغيرها وسيلة فعالة لنقل المعلومة بين المنتفضين وتوجيههم والقيام بدور الأحزاب الغائبة، ولعل هذا المؤشر يفتح أعين بعض الأنظمة التي تقمع الحريات الصحفية والإعلامية، ويقنعها أن عملها هو عبث لا يفيد، لأن وهم الأنظمة بجدوى حجب المواقع الإلكترونية أو التضييق على حرية وسائل الإعلام هو مجرد وهم وعمل بدون فعالية، فمثلما يحجبون بسهولة يستطيع المتلقي إلغاء الحجب بسهولة أيضاً.
إن ما جرى في تونس، وفي البلدان الأخرى التي أشرت إليها، جدير بالدراسة وأخذ العبر، ليس فقط من قبل المنظرين السياسيين والأيديولوجيين، وإنما أيضاً وأساساً من الأنظمة السياسية في عالمنا النامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق