معرفة النفس البشرية وتنميتها
(1) أعرف نفسك
(1) أعرف نفسك
أعرف نفسك ..
"أعرف نفسك" أنها عبارة نادى بها سقراط الفيلسوف قديما ،
فمعرفة الذات هى البداية الحقيقية للانطلاق والعمل الخلاق والنجاح والإبداع نعرف
ذواتنا بقدراتها وما وهبها الله من إمكانيات خلاقة . لكى لا نتخبط بين القيام
والسقوط ، بين النجاح والفشل ، من عرف ذاته وقوم أخطائها وسلك بالحكمة يستطيع أن
يقول (الآن فقط أبدأ في الطريق الصحيح) لقد عرفت ذاتى وقدراتها وأركض للنمو
والامتداد للأمام إلى الكمال الإنسانى الذى يريده الله لى .
لقد انفق العالم الكثير فى كل مجالات البحث
ومازال ونحن نبحث عن العلم والمعرفة ونتعلم فى المدارس والجامعات الكثير وفى مختلف
المجالات لكننا لا نهتم بان نعرف أنفسنا
على حقيقتها أو نكتشف انفسنا دون هروب منها. نحتاج الى مصادقة ذواتنا والمصداقية معها
وقبولها بضعفاتها. يجب ان نعالج ونصحح ما
يمكن أصلاحه، وننمى عوامل القوة فى النفس ونتميز فيها ونقبل نفوسنا فى الامور التى
لا نستطيع تغييرها. يجب ان نعرف دوافعنا وميولنا
وكيف نوجهها التوجيه السليم دون ان ننساق كقطيع وراء أحد، ودون كبرياء او غرور
يقود الى التسلط على الغير . ودون صغر نفس يجعل الانسان يفشل فى عمله أو ينطوى على
ذاته أو ينسحب من مجتمعه. يجب ان نفكر
بالمنطق والحكمة ونتخذ من القرارات والتصرفات ما يتناسب مع اخلاقنا ومبادئنا فى
أحترام للذات والغير .
ان عملية بناء الانسان الناضج تحتاج الى
الشخصية المتكاملة التى تتبنى القيم والمبادئ الروحية والاخلاقية السليمة والتى
تبنى النفس وتساعد الغير على النمو والنجاح، ونحتاج الى الواقعية فى فهم انفسنا
ووزناتنا ومواهبنا وتنميتها فلن أستطيع ان أعيش فى جلباب أبى، ذات مره رايت طفلة
صغيرة تحب أمها كثيراً وتريد ان تتشبه بها ورايتها تلبس حذاء أمها وتقوم وتقع بها
ولما نظرت سالتها قالت فى براءة الأطفال انها تريد ان تكون كامها . فقلت لها انها
تحتاج الى مذيد من الوقت والنضج . فقالت وهى تبتسم أحاول الان !. صعب علينا ان نكون مقلدين للغير بل من الضرورى ان
نكون أنفسنا ونكون كالنحلة الى تأخذ من الازهار المتنوعة الرحيق الذى يروقها وتصنع
داخلها منه عسلاً طيب المذاق .
حدثنى احد الاصدقاء عن الحاجة الى الحكمة وعدم التسرع ودراسة
الامور لحل وحسم المشكلات قائلا: عندما
كنت حدث يافع حدثت احدى المشكلات مع قريب لى وقد دفعتى الحماسة الزائدة بالتحريض
من والدة قريبى الى التدخل وتفاقمت المشكلة وبدلاً من حل المشكلة تفاقمت الأمور
وكان الاصلح عدم التسرع والانسياق وراء دوافع مغرضه وسؤال الأكثر خبرة ومعرفة وسن،
غير أنى تعلمت من المشكلة ان لا أنساق وراء تحريض من أحد وما أكثر المحرضين
والمغرضين والمنساقين ورائهم كقطيع من الغنم فى أيامنا هذه، ونظرة واحده الى ما
حولنا من وسائل أعلام ترينا كيف يدسون السم فى العسل ويقدمون المعلومات المغرضة
التى تؤدى الى كوارث وما أكثر الشائعات الكاذبة فى ايامنا هذه. فلنكن حكماء فى
أنفسنا ولا نأخذ الامور على ظواهرها بل نبحث عن الحقيقة وما وراء ما نقرأ ونسمع
ونرى. فلا تصدقوا كل ما يقال أو ينشر بل يجب ان نعرف ان هناك أعلام موجه ودوافع قد
تكون صادقة أو كاذبة ولا يجب ان ننساق وراء الشائعات بل نتصرف بالعقل والمنطق فى
حكمة وتروى حتى لا نؤذى أنفسنا وغيرنا بتصرفات رعناء نندم ونحاسب عليها أمام الله والناس.
أنت صورة الله ..
خلقنا الله صورته ومثاله { نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ، فخلق الله
الإنسان على صورته ، على صورته خلقه}(تك 1 : 26،27) . لقد خلقنا الله بروح خالدة
لا تفنى ومنحنا نعمة العقل الحر المميز
الحكيم ، المبتكر، أعطانا الله قوة الشخصية ، قوة الروح والفكر والإرادة والاحتمال
. القوة في الحروب الروحية ، القوة المعنوية، قوة مواجهة الصعاب، قوة الابتكار
لمواجهة الصعاب وتسخير الطبيعة في خدمتنا فهل نقوم باستغلال هذه القوى.
يقول قداسة البابا شنودة الثالث
"أن رسالة أولاد الله هى أن يحملوا صورة الله في أشخاصهم إلى العالم كل من
يراهم يحبه الله ويعرفه ، لأنه أحب صورته فيهم ، كل من يراهم في محبتهم وهدوئهم
وشخصياتهم المتكاملة وأمثلتهم الحية ، يمجد أباهم الذى في السموات". فهل
نتصرف كاولاد لله واسمى مخلوقاته أم نسير فى الحياة كقشة فى مهب الريح هائمة ، لا
تستقر على حال من القلق؟.
قد نجد البعض يتصرف فى بعض الاحيان بمنطق الغرائز والدونية تصرفات لا تليق
بكرامة الانسان أسمى مخلوقات الله وفى عدم حكمة
{ انسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد} (مز 49 : 20). ذات مره
رايت احدهم وقد بلغ ما فوق السبعين عاما يتصرف تصرفات من هم فى سن المراهقة فى سلوكه ومظهرة وكان ذلك مستهجنا من كثيرين! ولكننا
نجد الكثير من السلوكيات الخاطئة حولنا ويجب علينا تلافيها وأصلاح أنفسنا أولاً
مما فيها من اخطاء . يجب علينا ان نزن تصرفاتنا بمنطق العقل والحكمة والتصرف الحسن
من اجل ذلك يوصى القديس بولس الرسول تلميذه تيموثاؤس قائلا: { لا يستهن احد
بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الايمان
في الطهارة }(1تي 4 : 12). يجب ان نكون قدوة باعمالنا وتعليما { مقدما نفسك في كل
شيء قدوة للاعمال الحسنة ومقدما في التعليم نقاوة ووقارا واخلاصا} (تي 2 : 7). انها
دعوة للتفكير والاحتكام الى المنطق والعقل والمبادئ فى حياتنا وتعاملاتنا للنهوض
بالنفس والمجتمع الذى يرزح تحت وطأة المشكلات الاخلاقية والصحية والنفسية .
ليكن لنا إيمان بالله وبانفسنا ..
ليكن لنا ثقة فى الله وان لنا منه القوة التى تؤهلنا لأن نكون ناجحين. ويجب ان
نجاهد للتخلص من أخطاء النفس وبنائها السليم وتقدمها . والجهاد ضد النفس وشهواتها أسمى أنواع الجهاد .
والانسان قادر بنعمة الله على ضبط نفسه ومعرفة ذاته متى أراد وسعى { وكل من يجاهد
يضبط نفسه في كل شيء اما اولئك فلكي ياخذوا اكليلا يفنى واما نحن فاكليلا لا يفنى}
(1كو 9 : 25). الكواكب سيخبو بريقها ، والشمس سوف يظلم نورها ولكن أنا كانسان خلقت
لكى أكون من موطنى السماء وأن مت سأحيا بطاقات ليس لها أفول، وبجسم روحانى لا
يعتريه زبول، وبأفكار سمائيه نوراً من نور، فلماذا ندع الصغائر تجعل قوانا تخور أو
ندع شهواتنا تحركنا لما فيه الضياع أو كاننا عجول بغير عقول!. ولماذا الفشل أو
الخوف من المجهول!. ليكن لنا قلب أسد شجاع جسور، ليس للتسلط على الغير بل لضبط الذات
والصبر فى التجارب يا ذوى العقول . ولنقل مع المرنم {أن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى،
أن قام على قتال ففى هذا أنا مطمئن} (مز 27 : 3).
يجب ان يكون لنا الثقة فى نفوسنا أيضا فنحن
نستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينا والذى اعطانا كل ما هو لازم للتقوى والفضيلة { لكي يكون انسان الله كاملا متاهبا
لكل عمل صالح} (2تي 3 : 17). فلا يقل أحد انى ضعيف بل ليقل الضعيف بقوة الايمان
بطلا انا { واما منتظروا الرب فيجددون قوة يرفعون اجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون
يمشون ولا يعيون }(اش 40 : 31). الله يفجر فينا الطاقات الكامنة متى عملنا معه
وكنا أمناء فى اداء رسالتنا .
لقد ظن جدعون قديما انه لا شئ رغم
القوة الكامنة فيه، ليس هو فقط بل استصغر أمر اسرته وبيت ابيه لكن بهذا الشاب عمل الله المعجزات وهكذا يستطيع
ان يصنع مع كل واحد وواحدة منا { واتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عفرة
التي ليواش الابيعزري وابنه جدعون كان يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من
المديانيين. فظهر له ملاك الرب وقال له الرب معك يا جبار الباس. فقال له جدعون
اسالك يا سيدي اذا كان الرب معنا فلماذا اصابتنا كل هذه واين كل عجائبه التي
اخبرنا بها اباؤنا قائلين الم يصعدنا الرب من مصر والان قد رفضنا الرب وجعلنا في
كف مديان. فالتفت اليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلص اسرائيل من كف مديان اما
ارسلتك. فقال له اسالك يا سيدي بماذا اخلص اسرائيل ها عشيرتي هي الذلى في منسى وانا
الاصغر في بيت ابي. فقال له الرب اني اكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد} قض
11:6-16. لقد صنع الله خلاصا بجدعون وقلة معه قديما وانت يجب ان تشرك الله فى
العمل معك وستجد انك قادر على النجاح والتميز .
أستغلال الطاقات وتكامل الشخصية ..
ان داخل كل منا قدرات وأمكانيات عظيمة يجب ان
نعمل على أكتشافها وتنميتها ، لقد حبانا الله بعقل يتوارد عليه ما يذيد عن خمسين
الف فكرة فى اليوم الواحد ، وحبانا الله باجساد بها قدرات عجيبه فى الخدمة والعطاء
بل وكل واحد منا مع تشابهه مع الآخرين فى كثير من الصفات البشرية التى تدعوه
للتعاون والتفاهم فيه من الصفات الفريدة ما يجعله متميز عن كل البشر حوله ومعه
ليستطيع ان يبرز ويتفوق ويشعر بانه مكمل للغير فى صنع الخير .
ودعينا من الله الكمال "كونوا كاملين
كما أن أباكم الذى في السموات هو كامل" (مت 5 : 48). فهل تسعى نحو الكمال المرجو منا والمتاح والمتاح
لنا أم نتهاون ونتكاسل أن نكون على الصورة الجميلة التى أرادها الله لنا . يجب ان نهتم
بارواحنا ونموها وكما قال القديس بولس الرسول {ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني
قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام} (في
3 : 13). ونهتم باجسادنا وتغذيتها دون تسيب او أهمال { فانه لم يبغض احد جسده قط
بل يقوته ويربيه كما الرب ايضا للكنيسة} (اف 5 : 29). ونهتم بعقولنا وتربيتها
وتهذيبها {فتشوا الكتب لانكم تظنون ان لكم فيها حياة ابدية وهي التي تشهد لي} (يو
5 : 39). ونهتم بعلاقتنا الاسرية والاجتماعية والعملية وحسنا قيل عن السيد المسيح
فى بشريته وتجسده { واما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس}
(لو 2 : 52). فالحكمة تشمل النمو العقلى والنفسى، والقامة تشمل النمو الجسدى،
والنعمة النمو الروحى، ولدى الله تشمل علاقتنا بالآب السماوى، والناس تشمل النمو
فى العلاقات الاجتماعية . والتقدم يحتاج الى الوقت الكافى فالشجرة لن تصير شجرة فى
يوم وليلة بل هناك اشجار تحتاج لعدة سنين لكى تثمر ولهذا فنحن فى حاجة الى أستغلال الوقت الاستغلال الأمثل {لذلك
يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون
بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا
تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17.
نحن بالإيمان بلله قوة جبارة وما هولاء المخترعين والمبتكرين الا أناس
عملوا وجاهدوا وفشلوا مرات ولكن لم ييأسوا ابداً حتى وصلوا الى ما يبنيهم ويفيد
البشرية معهم وهو ليسوا أكثر ذكاءاً منك بل قد يكونوا أكثر تصميما أو أكثر جهدا
وعرقاً ومحاولات للوصول رغم المعوقات، وبالاتكال على الله ونعمة الموهوبة لنا تتحول
إلى الفاعلية والمقدرة فلا نكف عن الحركة والعطاء والحب. في ذلك يقول أحد علماء
النفس (إن في داخل الإنسان مستودعاً جباراً لقوى معطلة لا تعمل ، وأما الذى يعمل
فينا أو نعيشه منها هو بمثابة القناة أو المسقاة إذا ما قورنت بالنهر الكبير !). ولنا
أن نكتشف ونفجر ينابيع السعادة والسلام والنجاح فينا. فلا يكون في أرضك بئر بترول أو منجم ذهب ولا
تستخدمه لغناك وتحيا على ما لا يسد الرمق أن الإيمان الحقيقى يغير الضعيف ليصير
قوياً، والمنحرف يجعله سوى، والعقول الخاملة يجعلها عقول حكيمة فتية، ويجعل
الانسان يستطيع كل شئ، فالله هو قوتنا وإرادة هى قداستك وفرحة هو فى نجاحنا ونمونا
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق