للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
مجمع أورشليم بشأن قبول الأمم في الإيمان
+ انعقد مجمع أورشليم الرسولي في سنة 50 م. بسبب مشكلة التهود التي ظهرت في أنطاكية والتي طالب فيها بعض اليهود الذين آمنوا بضرورة التزام الأمم الذين يؤمنوا بالمسيح أن يتهود ويختتنوا ويلتزموا بالطقوس اليهودية وقد شارك فيه القديسين بولس وبرنابا وخاطبوا المجمع بدخول الأمم للإيمان وعمل نعمة الله معهما. وقد تمسك البعض من اليهود المتنصرين بالختان والطقوس الموسوية علي أنها فرائض إلهية وأن السيد المسيح جاء ليكمل الناموس لا لينقضه أما المعتدلون فلا ينكرون ذلك لكنهم يروا أنهما لا يتعارضان مع تحقيق الختان الروحي الذي للحواس، وممارسة الطقوس بفكرٍ روحي لا حرفي قاتل. أن غاية الناموس هو أن يقودنا إلى ربنا يسوع المسيح الذي يبرر المؤمنين به من اليهود والأمم بالإيمان. فالعودة إلى الناموس حرفيًا هو نكوص وانحراف عن غاية الناموس ذاته. وأذ كان هذا الموضوع هام لمستقبل الكنيسة شعر الرسول بولس أن جهود الكنيسة تضيع في مباحثات ومنازعات عوض الانشغال بالكرازة وسط الأمم. وتزايدت المنازعات وأخذ بعض اليهود موقفًا متشددًا مما سبب عثرة للداخلين حديثًا إلى الإيمان في أنطاكيا والمدن التي يبشر فيها القديس بولس للأمم وأخذ الموضوع اتجاه جماعي لذا صارت الحاجة ملحة إلى قرار مجمعي رسولي في أورشليم كمصدر سلطة كنسية، حيث هناك تحققت أحداث الخلاص، ومنها انطلقت بذار الخدمة والكرازة إلى كل العالم. وهي ضم المجمع أغلب الرسل والمسيحيين أصحاب الخبرة، لذا فأورشليم أفضل موقع لأخذ قرار فيما لم يستقر الأمر فيه بعد، حتى تنتهي كل المنازعات الخاصة بقرار بشأن الأمم وإيمانهم و أُعطيت الفرصة في المجمع للفريقين أن يناقشوا الأمر بكل صراحة وانفتاح، في جوٍ من الحب. ولم تؤخذ القرارات بطريقة تعسفية ولا بتسرعٍ. بل جرت مباحثات ليست بقليلةٍ بين الفريقين، وكان بطرس وبولس وبرنابا يمثلان قيادة الفكر الذي يراه البعض متحررًا، وبعض المؤمنين الذين من مذهب الفريسيين يمثلون الفريق المتعصب.
+ كشف القديس بطرس بكل صراحة أن المسيح جاء ليرفع عنا نير حرفية الناموس غير المحتمل ليهبنا نيره الهين أو الحلو (مت 11: 30). وطالب القديس بطرس أن نترفق بالآخرين ولا نكون كالذين يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، فالمسيح جاء ليحررنا كقول القديس بولس { ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حرّ، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع} (غل 3: 28). وسكت الجمهور كله، وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدّثان بجميع ما صنع اللَّه من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم. (أع 12:15) وقدم القديس بطرس خدمته في بيت كرنيليوس كمثالٍ حي لعمل الروح القدس الذي لم يطالب بختان الأمم القابلين للإيمان.
+ ومن ثم تكلم يعقوب البار أسقف أورشليم المعروف في الأوساط اليهودية، إذ اتسم بالنسك الشديد والحكمة قبل إيمانه بالسيد المسيح، هذا مع تمسكه الشديد بالناموس والطقوس اليهودية. وكان له تقديره الخاص بعد أن قبول الإيمان بين اليهود المتنصرين المتعصبين لناموس موسى حرفيًا. وقد سمع القديس يعقوب من القديسين برنابا وبولس عن عمل الله بين الأمم. وفي المجمع لم يقاطعهما، بل تركهما يتحدثان بكل ما في قلبيهما حتى صمتا. وتحدث بروح الأخوة ثم قال ما رأى الروح القدس والرسل من قرارات لصالح قبول الأمم فى الإيمان. لم يشير القديس يعقوب إلى الرؤيا التي شاهدها القديس بطرس ولا إلى الآيات والعجائب التي تحدث عنها القديسان برنابا وبولس، لكنه أشار إلى أقوال الأنبياء، فإن هذه هي الشهادة التي لن يقدر اليهودي أن يقاومها. فما حدث في ذلك العصر ليس بجديدٍ عنهم، بل سبق فرآه الأنبياء بروح النبوة. من يقدر أن يقاوم إتمام النبوات؟ لقد تنبأوا عن دعوة الأمم (رو 10: 19)، وقد نادى اليهود الأتقياء بأن المسيا قادم نورًا يشرق على الأمم (لو2: 32). { لكي يطلب الباقون من الناس الرب، وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب الصانع هذا كله} (أع 17:15). يؤكد هذا الوعد الإلهي على لسان النبي دخول الأمم إلى التمتع بميزات أولاد الله. يقصد بالباقين من الناس، أي الذين هم غير يهود، أو الأمم. في الأصل العبري "أدوم"، وهي تشير إلى البشر أو البشرية أو الشعب.
قرار مجمع أورشليم الرسولي ...
لذلك كان قرار المجمع الذى ارسل لكنائس الأمم { حِينَئِذٍ رَأَى الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ الْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا وَسِيلاَ رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الإِخْوَةِ. وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هَكَذَا: «اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَماً إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الْأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاساً خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَالٍ مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ، الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ الأُمُورِ شِفَاهاً. لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ غَيْرَ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ وَعَنِ الدَّمِ وَالْمَخْنُوقِ وَالزِّنَا الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ».} (أع 22:15-29). الإيمان ليس نيرًا ثقيلًا يلتزم به الشخص، لكنه هبة إلهية تعطي النفس راحة وسلامًا داخليًا. قدم القديس يعقوب كرئيس للمجمع القرار الذي به فصل في القضية، فلم يعد بعد هناك مجال للمناقشة والمنازعة، ثم رفعت جلسة المجمع. وقدم المجمع أربع توصيات تمس الحياة السلوكية التي يلتزم بها الأممي الداخل الإيمان.
1- الامتناع عن نجاسات الأصنام مثل أكل اللحوم وشرب الخمر المقدمة ذبائح للأوثان، فهي نجسة في نظر اليهودي. كان أكل هذه اللحوم يعتبر نوعًا من الشركة في العبادة الوثنية. لهذا كان اليهود يرفضونها تمامًا. هذا لا يعني أن هذه اللحوم في ذاتها نجسة، لكن من أجل نية الوثنيين أنها جزء من العبادة، ويمتنع المؤمن عن أكلها حتى وإن كان ضميره قويًا، متطلعًا إلى أن كل الخليقة طاهرة. فمن أجل محبته لأخيه صاحب الضمير الضعيف يرفض هذه الأطعمة متى علم أنها كانت مُقدمة للأوثان. وقد عالج الرسول هذه النقطة في شيء من التوسع (1 كو 8: 1؛ رو 14).
2. الامتناع عن الزنا، فقد عُرف كثير من الوثنيين بالإباحية الخلقية، وكانت تمارسه بعض النذيرات استرضاء للإله، ولجمع مال لحساب هيكل الوثن. وممارسة الزنا كنوع من العبادة في الأعياد الرسمية للآلهة. كانت هذه الرذيلة شائعة بين الأمم على مستوى العالم، تمارس دون خجل أو حياء، إذ لم يكن يوجد أي قانون بين الوثنيين يمنعها. لذلك كان لا بُد للمسيحية أن تأخذ موقفًا واضحًا وصريحًا لمقاومتها.
3. الامتناع عن أكل المخنوق من الحيوانات والطيور، إذ تحسب كجثة ميتة رميمة نجسة (لا 17: 10؛ تك 9: 4).
4- الامتناع عن شرب الدم، وهي تكملة للوصية السابقة، ذلك لأنه يحسب أن الدم هو الحياة، فيه النفس (لا 17: 11). هذا وكان من عادات بعض الوثنيين حين ينتقمون من شخص يقتلونه ويشربون دمه. وكان شرب الدم شائعًا بين الأمم، يشربونه أثناء تقديم الذبائح وفي إقامة عهود وفي الاحتفالات. ربّما يتساءل البعض لماذا لم يشر المجمع إلى امتناع الأمم عن الخطايا والجرائم مثل السرقة والقتل، مكتفيًا بالإشارة إلى ضرورة امتناعهم عن عبادة الأوثان وأكل المخنوق والدم والزنا. لان المجمع أشار فقط إلى ما كان الأمم يحسبونه مباحًا ولا تعاقب عليه القوانين المدنيّة والجنائيّة للدول. فإن هذه الجرائم كانت واضحة ويعاقب عليها القضاة في العالم أيضا. القديس يعقوب يعلل التوصيات السابقة بأنها لازمة، لأنها تمس حياة اليهودي والأممي الروحية، وتستند على أسفار الناموس المقروءة دومًا في المجامع. لهذا يليق بالأممي أن يحمل هذه السمات ذاتها وهي لا تمس طقسًا تعبديًا بل سلوكًا روحيًا. ورأى المجمع أن يرسل ممثلين عنه للكنيسة في أنطاكيا لابلاغهم قرارات المجمع مع بولس وبرنابا { حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة،أن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى إنطاكية، مع بولس وبرنابا، يهوذا الملقّب برسابا وسيلا، رجلين متقدّمين في الإخوة} (أع 22:15). بهذا القرار أعطت الكنيسة الفرصة للقديسين بولس وبرنابا للعمل في الكرازة والتبشير بين الأمم بحرية عوض إضاعة الوقت في منازعاتٍ لا تنتهي.
نصلي من أجل وحدانية المحبة والايمان
+ أيها الرب الهنا العامل فى الأنبياء والرسل، مخلص كل أحد الذي قاد الكنيسة عبر تاريخها الطويل أنعم علينا بوحدانية القلب التي للمحبة واهدنا الي وحدانية الإيمان الذي إليه دعينا، وأعطنا أن نسلك كما يحق للدعوة التي دُعينا إليها بكل تواضع القلب، مسرعين الي حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل.
+ أنظر يارب الى كنيستك التي اقتنيتها لك بالدم الكريم، وكما طلبت أن نكون واحداً فيك. فاعمل فى الكنيسة وقادتها ورعاتها لكي يكون لنا الإيمان المستقيم و العامل بالمحبة ونسعى معاً بروح البذل والاحترام والتفهم التاريخي لأسباب انقسامنا والرجوع الي الإيمان الأقدس الذى حافظ عليه أبنائنا بدمائهم لمجد اسمك القدوس من أجل خلاص نفوسنا ولكي نثمر ويدوم ثمرنا.
+ ياروح الله العامل في الناموس والآباء والأنبياء والرسل، أعمل فينا وبنا وانهض قلوبنا من التراخي والكسل. أعطنا أن نكون حارين فى الروح، نامين في المحبة والمعرفة، ثابتين في الإيمان المستقيم، لكي يتمجد اسمك القدوس، امين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق