للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
الزواج سر مقدس يسعي إليه الكثير من الشباب، أو يعرض عنه البعض الأخر فى وسط الظروف الصعبة التي تقابلهم أو لعدم أكتشاف الشريك المناسب أو لخبرات شبابية تترك الأثر السئ فيهم نحو الطرف الأخر. وعلي الأسرة يقع العبء الأكبر في تنشئة ابنائهم وبناتهم فى جو أسرى صالح، يحترم ويقدس الزواج وينظر بالتقدير والمسؤولية والاحترام لشريك الحياة، وينمي روح المحبة والتفاهم والحوار بين أفراد الأسرة وجيد أن الكنيسة تقوم بإعداد الشباب المقبلين على الزواج لمعرفة الشريك المناسب وطباعهم وتعدهم لتحمل مسؤولية الحياة الأسرية ومعرفة أهدافها لتحقيق حياة أسرية موفقة تشهد للمسيح وتساهم فى بناء المجتمع وتقدم أبناء نافعين للكنيسة والمجتمع والسماء.
1- الاتحاد المقدس والشركة مع المسيح..
+ عندما خلق الله آدم قال {ليس جيدا أن يبقى آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيره} (تك 2: 18) فالله يريد للإنسان أن يجد من يعينه في الحياة ويشاركه رحلتها، بأفراحها وأحزانها، فى وحدة طاهرة مقدسة في المسيح على مثال اتحاد المسيح بالكنيسة تكون فيها شركة حب وانفتاح واتحاد بالأخر. ولكي يكون الزواج ناجحاً يجب أن يكون لكلا الطرفين قبل الزواج وبعده علاقة حية وإتحاد وفرح بالمسيح. الله يريد أن يفرح كل نفس كعروس له كما أقتني الكنيسة لتكون مقدسة بلا عيب ولا دنس وهذا ما قاله الله علي لسان هوشع النبي {أخطبك لنفسي إلى الأبد بالعدل والحق والإحسان والمراحم} (هو 2: 19). وهكذا يصف القديس بولس الرسول العلاقة بين النفس البشرية والمسيح { فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ }(2كو 11 : 2). المسيح اقتنى الكنيسة واقتنى النفس البشرية بدمه فهو سر الوحدة والتقديس والمحبة والفرح في الزواج المسيحي بين الرجل بالمرأة. المسيح يقتنى ويتحد بالنفس من خلال الكنيسة والكنيسة تقدم المسيح سر الشبع والمحبة والسعادة لكل نفس. لذلك فنحن نحتفل بعرس قانا الجليل كعيد سيدى لأنه يذكرنا باستعلان وحضور ومباركة الله للأسرة كما فى العهد القديم عندما بدأ باستعلان الله وسط أدم وحواء كأسرة هكذا بدأ العهد الجديد باستعلان الله وسط العرس. وكلما نما أتحاد المؤمن بالمسيح إنما وتوثق ارتباطه بالمحبة والإخلاص والبذل والتقدير والأحتمال لشريك حياته لتحقيق حياة الشركة والمحبة والوحدة في المسيح {لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ} (مت 19: 6).
+ الرب يسوع المسيح هو الذى يمد الزواج بروح المحبة والقوة والبركة التي تنمي سعادته وتحفظه والبيت البعيد عن المسيح يعاني من الفراغ وعرضة للأنقسام وعدم الثبات والخراب، فالزواج الناجح والدائم هو إنجاز عظيم، وليس من السهل أن يعيش رجل وامرأة كل أيام حياتهما تحت سقف واحد بمحبة وتفاهم وانسجام بدون وجود مخافة ومحبة الله في قلبيهما{ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ}(1يو 7:4-8 ).} فالحب الحقيقي يأتي من الله، وعندما يحب الزوجين الله فإن محبته تظهر في حياة كل واحد منهما. فالمحبة الحقيقية بين الزوجين لا تكون مجرد محبة بشرية، ولكن الرب يسوع المسيح يمد الزوجين بالقدرة على المحبة التي لا تتأثر بعوامل الزمن والمرض أو المشاكل{أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا} (أف 25:5). المسيح أحب الكنيسة كأعضاء ونحن بعد خطاة بالرغم من كل آثامنا ليقدسنا ويفرح قلوبنا. وعلى مثال هذه المحبة يحب الزوجين بعضهما محبة لا تعتمد فقط على المشاعر التي تتقلب وتتغير كل يوم، بل محبة إلهية فياضة من نعمة الله التي لا تنضب.
+ الأسرة هي نواة المجتمع والكنيسة، والأسرة المسيحية تقوم باتحاد الرجل والمرأة فى سر الزيجة المقدس الذي يكون النضج والتقارب الروحي والعاطفي والاجتماعي ضرورى لنجاحه ويباركه السيد المسيح وينمي المحبة فيه ومن ثم يأتي الأولاد كثمرة لهذا الحب ولكي ينمو الأطفال في بيئة اسرية صالحة يجب أن تنشأ الأسرة كجسد واحد فى تناغم وتفاهم واحترام وطاعة وشعور بالمسؤولية وفي عصر الانفتاح على الميديا بكل صورها يجب أن يعرف الآباء والأمهات أسس التربية وعلم النفس ويتفقا على الأسلوب السليم في التعامل والتربية السليمة للأبناء لتنمو المحبة ويشع التقارب والدف العاطفي والروحي وتزول الحواجز النفسية وتقوي علاقات المحبة وتنتفي مشاعر العزلة وتنمو روح الشركة والمحبة. وكما ان اعضاء الجسد الواحد تعمل معا لديمومة الحياة فى تكامل هكذا يجب علينا ان نكون داخل الأسرة الواحدة .
+ الحياة الأسرية تحتاج إلى التفاهم والحوار الودي واللقاء المشبع في الأسرة والذي يجب يقوم على المحبة والرغبة في اقتناء فهم عميق للأخر من أجل تعميق الشركة بين الأطراف بدون عزلة أو انطواء ويكون هناك توازن بين الحياة الخاصة لكل فرد والحياة الاسرية المشتركة وتقديم الدعم وإنماء الشخصية والوصول الى تحقيق الأهداف مشتركة للحياة. اننا ننزعج عندما نرى الحوارات فى الاعلام فيها الكثير من الحدة والالفاظ الخارجة عن الذوق الرقيق ومحاولة كل طرف هزيمة الآخر وإثبات وجهة نظره مع ان الاختلاف والتنوع سنة الحياة فلا توجد بصمة شخص فى العالم تتطابق مع أخر، فلا يجب أن توجد هذه الروح في الأسرة بل يجب أن تسود داخلها روح المحبة والبذل{ وادين بعضكم بعضا بالمحبة الاخوية مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة}(رو 12 : 10). الحديث الودود والتفاهم يثري ويسعد وينمي السعادة الزوجية.
2- الاشتراك مع الله في الخلق
يشترك الزوجان معا فى إنجاب أبناء صالحين { باركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها و تسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض} (تك 1 : 28). كما بارك الله نوح وبنيه بعد الطوفان{بارك الله نوحا وبنيه وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض} (تك 9 : 1). أنه دور هام ومجد عظيم للإنسان أن يشترك مع الله الخلق وحفظ النوع الإنساني. لقد أوجد الله في الإنسان الأبوة والأمومة، كقبس منه، لكي يستمر البشر على الأرض، ويزداد أولاد الله المتمتعين بمحبة الله في العدد {الْمَرْأَةَ.. سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ} (1تي2: 15). أن الإنجاب ثمرة مقدسة وهدف مقدس ومبارك، ليستمر من خلاله النوع الإنساني، ويعي الفرد أعمال الله في الكون والتاريخ والأحداث ويتعاون أعضاء الأسرة معًا على الخير، والآخر الإنساني هو بالضرورة مخلوق مثلي على صورة الله ومثاله. يشترك الزوجان في إنجاب قديسين للسماء وهكذا تكون عملية الإنجاب ليست مجرد أمر جسدي، بل تتحول إلى أمر روحي، ويسعد هؤلاء جميعًا بفاديهم ومخلصهم، وبشركة حيّة، خالدة وسعيدة، في أورشليم السمائية. لذلك تحرص الأسرة المسيحية على التربية الروحية الأمينة لأولادها، وليس فقط التربية الجسدية أو الذهنية أو الاجتماعية.{أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ} (يش24: 15). والهدف النهائي أن يقف الزوجان أمام الله ليرددوا قول الرسول بولس{هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ} (عب2: 13). ولكن أن حالت الظروف دون إنجاب الأولاد فالأسرة يجب أن نقدمها لمن حولنا في أبوة وأمومة روحية تتسامى بالنفس لتجعلنا ننمو فى المحبة ولمن حولنا بسمو ينجب أبناء روحيين وقديسين.
3- طريق خلاص والإشباع...
الزواج سر مقدس وهو طريق للخلاص لغالبية البشر، ويجد كل طرف شريك لحياته يشاركه الحياة والرباط المقدس والمحبة في تقديس للعواطف واستخدام مقدس للغرائز في إطار الطهارة والعفة والانضباط المسيحي. الزواج المقدس يحرر الإنسان من الشهوات ويشبع حاجته للمحبة والتقدير والأمان والبقاء فى زيجة مقدسة يباركها الله {وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. وَلَكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ.. وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ فَلْيَتَزَوَّجُوا لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ} (1كو7: 1-9). هناك البعض الذين {أعطى لهم} (مت 19: 11) أن يحيوا حياة البتولية كطريق أفضل للكمال المسيحي وخدمة الله والسمو بالغرائز والعواطف في تكريس كلي الله بكل كيانهم وهم مدعوون لهذا، ولا فضل لأحد على الآخر، البتولية هي ثمرة زواج مقدس ولا خلاص بدون المسيح للفريقين، وان كانت البتولية تعطى فرصة أكبر للانطلاق الروحي والكرازي، إلا أنها دعوة خاصة يتقبلها المؤمن من الرب كموهبة وعليه أن يحافظ عليها بالجهاد القانوني الذي تسنده النعمة {لأني أريد إن يكون جميع الناس كما أنا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله. الواحد هكذا والآخر هكذا} (1كو7: 7) وعلينا أن نجاهد في استثمار الوزنات المعطاة لنا من أجل مجد الله ونمو كنيسته المقدسة في زواج مقدس أو بتولية مكرسة لله. ولهذا يجب أن يكون للاسرة صلوات مشتركة تقدم فيها الأسرة شكرها وطلباتها وتطرح مشكلاتها والتحديات التي تواجهها أمام الله وتقراء الكتاب المقدس معا كوسيلة للترابط الفكري والروحي للأسرة، وتلتف حول مائدة الأغابي والتناول من الأسرار المقدسة ليكون للأسرة روح الوحدة والمحبة والشركة.
نصلي لله من أجل حياة أسرية مقدسة ...
+ إليك أيها الآب السماوى نقدم صلواتنا و تضرعاتنا من أجل حياة أسرية مقدسة، تنمو فيها كل أسرة في مخافتك ومعرفتك وينشئ فيها كل عضو فى حياة سليمة تشهد لك ويخلص أعضائها لبعض بروح المحبة والتفاهم والمشاركة فى حياة مقدسة سعيدة ترضيك.
+ أيها المسيح إلهنا الذى بارك عرس قانا الجليل، أنت الراعي الصالح الذي يبارك ويقود ويرعى كل نفس حتى وأن كنا نحب غير أمناء ستبقى أنت أمين. أنظر بعين الرحمة لكل الأسر التي تعاني التفكك والبعد والخصام، ورمم ما بداخلها من أنقسام، وبارك وقدس بيوتنا وبلادنا واحفظنا فى اسمك القدوس الي التمام.
+ ياروح الله القدوس، أعمل فى كل نفس لتتوب وترجع إليك ونعترف بخطايانا وتقصيرنا نحوك ونحو بعضنا البعض، ونعالج أثار وجراح الماضي ونبدأ كل يوم بروح التجديد والمحبة والعطاء ونسلك كما يحق للدعوة التي دعينا اليها بروح واحد ليسود بيننا التعاون والتكامل والانسجام لتثمر فينا المحبة فرح وبر وسلام، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق