" من كان ذا فضيلة لا يسقط ( بسهولة )" ( 1 ملوك 1 : 52 )
ما هى الفضيلة؟ وما معنى عبارة إنسان فاضل؟ ربما عبارة إنسان فاضل تعنى أنه إنسان خير،يحب الخير ويعمله ويحب البر. والفضيلة قد تعني النقاوة،أو السير فى طريق الله. وقد تعنى قوة فى النفس،تمكنها من الانتصار على كل نوازع الشر وإغراءاته..وتمارس الحياة البارة. وربما تعنى الفضيلة الارتفاع فوق مستوى الذات. بحيث يخرج الإنسان عن دائرة ذاته،ويعيش لغيره.. يخرج من الاهتمام بنفسه أو التركيز على نفسه للاهتمام بالاخرين..من محبته لنفسه إلى محبته لله وللناس.. نقول هذا لأن الخطيئة كثيرا ما تكون انحصارا حول الذات..إنسان يريد ان يرفع ذاته،يمنع ذاته يشبع رغبات ذاته الفضيلة أيضا هى ارتفاع فوق مستوى اللذة: لأن غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذة حسية أو لذة نفسية.. فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النفس ،وتصبح لونأ من إشباع الذات وبطريقة خاطئة فالذى يحب المال أو المقتنيات إنما يجد لذة فى المال وفى المقتنيات،وكذلك من يحب الزينة ومن يحب الطعام ..ومن يحب المناصب أو الشهرة إنما يجد لذة فى كل هذا ومن يحب الجسد يجد لذته فى الجسد ومن يحب الانتقام لنفسه يجد لذة فى ذلك. الخطيئة إذن هى سعى وراء اللذة.. والفضيلة هى ارتفاع فوق مستوى اللذة إلى أن تجد إشباعا لها فى السعادة الروحية. والسعادة غير اللذة،والفرح غير اللذة،اللذة غالبا مرتبطة بالحس ،بالجسد والمادة. أما السعادة والفرح فيرتبطان بالروح. .ولذلك الفضيلة إذن تكون ارتفاعأ فوق مستوى المادة
ولكى يحصل المرء على الفضيلة ويتحلى بها ، ينبغى أن يقتنى الآتى :
الحكمة والمعرفة السليمة : " الحكيم عيناه فى رأسه ( ويعرف طريق خلاصه ) ، أما الجاهل ( روحياً ) فيسلُك فى الظلام " ( جا 2 : 14 ) . ويقولون فى الأمثال : " فلان جاهل ، لا يعرف خيرّه من شّره ، ولا نفعه من ضرره " ( لو 23 : 34 ) ، ( 1 كو 2 : 8 ) .
تقوية الإرادة ( العزيمة ) بوسائط النعمة المجددة :
أما عدم القدرة على سلوك الفضيلة ، لأن الخاطئ مغلوب على أمره ، من عادة ضارة أو بفكرة شريرة " لأنى لستُ أفعل الصالح الذى أريده ، بل الشر الذى لستُ أريده ، فإياه أفعل " ( رو 7 : 19 ) . ويقول قداسة البابا شنودة الثالث : " إن الضعف هو بسبب الوقوع فى الخطية ، والوقوع فى الخطية ، يؤدى إلى مزيد من الضعف ، والإنسان الذى تستعبده عادة رديئة هو إنسان " ضعيف " أما الشخص " الفاضل " فهو قوى بنعمة الله ، ويتحكم فى لسانه وفى أعصابه وفى فكره ، ولا يعود للخطية . " ولا قيمة للفضائل عند الخاطئ ، مما يدفعه إلى الأستهتار واللامبالاة . ولا الوقت له قيمة عنده ، ولا المواعيد ، أو الأرتباط بالعهود والوعود ، ولا الواجبات لها قيمة فى نظره ، ولا القانون ولا التقاليد ، ولا شئ على الإطلاق " .
مخافة الله :
" بدء الحكمة مخافة الله " ( أم 9 : 10 ) ، فالفاضل يرى الرب أمامه كل حين ، ورقابته فى كل مكان ، فيسلك فى الفضيلة ، فى السر والعلانية ( يوسف الصديق ، ودانيال وأصحابه ) . ويعمل الروح القدس فى النفس المُجاهدة ، من أجل إقتناء الفضيلة : فقد اختار الرب إرمياء ، ويوحنا المعمدان لخدمته ( إر 1 : 5 ) ، ( لو 1 : 15 ) ، فهو بسابق علمه يعرف أن هؤلاء مجاهدين من أجل إقتناء الفضائل ، لذلك ملأهما – وقبل ولادتهما بالروح القدس – ويقول المثل العامى : " مالك متربى ؟! قال : من عند ربى " . فلنمارس وسائط الخلاص تقتنى وتربح ثمار الفضيلة الجميلة ، وتتمتع بها . قوة الإرادة والعزيمة: قد لايستطيع إنسان أن يسلك فى طريق الفضيلة لأنه مغلوب من نفسه لأنه ضعيف الإرادة.. وكما يقول الكتاب ( لأنى لست أفعل الصالح الذى أريد بل الشر الذى لست أريده إياه أفعل رو 19:7) ولهذا فإن كثيرين لكى يحيوا فى الفضيلة يسلكون تد اريب روحية لتقوية إرادتهم. إن الضعف يسبب الوقوع فى الخطية. والوقوع فى الخطية يؤدى إلى مزيد من الضعف، كل منهما يكون سببا ونتيجة للآخر. . ولذلك نقول عن الإنسان الفاضل إنه إنسان قوى..قوى فى الروح وفى الفكر وفى العزيمة وفى التنفيذ وفى التدريب إنه قوى فى الانتصار على الحروب الخارجية وفى الانتصار على النزعات الداخلية. الذى تستعبده عادة رديئة هو إنسان ضعيف والذى لايستطيع التحكم فى لسانه ولا التحكم فى أعصابه ولا التحكم فى فكره هو إنسان ضعيف وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيله..حتى إن تاب عن الخطية يعود إليها مرة أخرى من مصادر الفضيله أيضا: المبادىء والقيم الإنسان الروحى المتمسك بالمبادىء والقيم يحيا حياة الفضيله لأن القيم التى يؤمن بها تحصنه فلا يستطيع أن يخطى، مهما حورب بالخطية يقول لك:لا أستطيع أن أفعل هذا الشىء ولو كان السيف على رقبتى لا أستطيع أن أكسر مبادئى. أما الإنسان الخاطىء فلا قيم عنده. أى أن الفضائل لاقيمة حقيقية لها فى نظره حتى يحافظ عليها . إنه يكذب لأن الصدق لاقيمة له فى نظره ويزنى لأن العفة لاقيمة لها فى نظره ويخون لأن الأمانة لاقيمة لها فى نظره..وهكذا مع باقى الفضائل. وبسبب ضياع القيم،يقع فى الاستهتار واللامبالاة. لا الوقت له قيمة،ولا المواعيد لها قيمة ولا الواجبات لها قيمة،ولا النظام العام ولا القانون ولا التقاليد ولاشىء على الإطلاق..! من مصادر الفضيلة أيضا مخافة الله. الإنسان الذى توجد مخافة الله فى قلبه،لايخطىء..ولهذا قال الكتاب بدء الحكمة مخافة الرب أم 9 : 10 .ونجد فى هذه الآية الحكمة والمخافة معأ. الإنسان الروحى،يخاف أن يكسر وصايا الله.ويخاف اليوم الذى يقف فيه أمام الديان العادل عب. 1 : 31 ويخاف العقوبة. .بل يخاف أن يفقد طهارته،وأن يفقد الصورة الإلهية ويخاف أيضأ على سمعته ويخاف أن يكون عثرة لغيره. وبالمخافة يسلك فى طريق الفضيلة وبممارسة الفضيلة يحبها وهكذا يسلك فيها حبأ لاخوفأ. غير أن البعض من الذين لايفهمون الترتيب الطبيعى للفضائل يبعدون عن المخافة بفهم خاطىء للآية التى تقو ل لا خوف فى المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج ايو 11:4 فمن من الناس قد وصل إلى هذه المحبة الكاملة لله، التى تطرح الخوف إلى خارج؟علينا أن نبدأ بالمخافة أولا والكتاب يقول سيروا زمان غربتكم بخوف ابط 17:1 ويقول ايضا تمموا خلاصكم بخوف ورعدة فى 12:2 ولنثق أن هذه المخافة هى التى ستوصلنا إلى المحبة . مصدر آخر للفضيلة هو الموهبة الإلهية فالفضيلة على نوعين نوع يولد الإنسان به،بطبع هادىء طيب..ونوع يجاهد الإنسان لكى يصل إليه. أما عن النوع الذى يولد الإنسان به فهو كمثال يوحنا المعمدان الذى قيل عنه إنه من بطن أمه يمتلىء من الروح القدس لوا: 15 ومثال أرميا النبى الذى قال له الله قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب أرا: 5(وكما يقول المثل العامي مالك متربى قال من عند ربىي)..ومن الذين جاهدوا حتى يصلوا إلي الفضيلة القديس موسى الأسود.. والذى يجاهد ينال بلا شك أجرا سماويا على جهاده وانتصاره وهؤلاء وضعهم السيد الرب فى سفر الرؤيا تحت عنوان من يغلب رؤ 11:3 حتى الذى يولد بالفضيلة يحتاج أيضا إلى جهاد لكى يغلب. . لأن عدو الخير لايشاء أن يتركه فى راحة بل يحاربه محاولا أن يفقده فضائله، فالذى ولد بالفضيلة يلزمه أن يثبت فيها ويصمد أمام حروب العدو،وكما قال الرب لملاك كنيسة فيلادلفيا تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك رؤ 3 : 11 وأيضا الذى يجاهد حتى يصل إلى الكمال فى فضيلته. إنه جهاد للنمو وجهاد يدخل به من الباب الضيق حسب وصية الرب 13:7 من مصادر الفضيلة:النعمة: نعمة الله التى تساعد الإنسان وتقويه لكى يسلك ويثبت فى طريق الله،كما قال بولس الرسول بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لى لم تكن باطلة بل أنا تعبت اكثر من جميعهم ولكن لا أنا بل نعمة الله التى معي 1 كو 5 ا: 0 ولأهمية هذه النعمة. فإن الكنيسة المقدسة تطلبها لنا فى كل اجتماع قائلة نعمة ربنا يسوع المسيح،ومحبة الله وشركه الروح القدس،تكون مع جميعكم آمين 2 كو 4:13 على أننا يجب أن نتجاوب مع عمل النعمة ونشترك مع الروح القدس فى العمل. ذلك لأن نعمة الله العاملة معنا لا تهبنا الفضيلة إلا باشتراكنا معها وقبولنا لها ولذلك يقول الرسول النعمة العاملة معي وليست العاملة وحدها . الروح القدس يعمل فينا ونحن نعمل معه نشترك معه فى العمل.ويتحد عمل الله مع إرادة الإنسان وعمله ونصل إلى الفضيلة بالشركة مع الروح القدس. قال بعض الآباء :الفضيلة بطبيعتها مغروسة فى النفس. وهكذا تكون الخطية مجرد مقاومة لهذا الغرس الإلهى .ولهذا تجد ضمير أى إنسان أيا كان من أى دين من الأديان بوذى ،براهمى،كنفوشيوسى.. من اى دين تجد الفضيلة مغروسة فيه..إنها الشريعة الطبيعية غير المكتوبة،التى وضعها الله فينا. توضح لنا الخير وتدفعنا إليه،وتبكتنا إن لم نسلك فى طريق الفضيلة. لذلك نجد الذى يخطيء،يشعر بالخجل والخوف والارتباك. هذا هو الذى يحدث للطفل حينها يخطف شيئا ليس له أو حينها يرتكب خطأ لاتوافق عليه القيم المغروسة فيه بالفطرة.. وهذا ما يحدث للكبار أيضا لهذا يحبون أن يرتكبوا الخطية فى الخفاء فى الظلمة دون أن يلاحظهم أحد..لأنهم يقاومون شيئا مغروسا فى أعماقهم،ولذلك قيل عنهم: ،أحب الناس الظلمة أكثر من النور،لأن أعمالهم كانت شريرة يو 19:3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق