(2) القبول الإلهي وقبول الذات والغير
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
قبول الله لنا...
لقد خلقنا الله على صورته ومثاله، منحنا نعمة العقل والحرية والمسئولية والارادة ، فلماذا قام قايين على هابيل وقتله ؟ لقد كانت الأرض خالية وكانوا إخوان؟ لقد كان الحسد والغيرة والكراهية هى الأسباب الذي يجعل الأخ يرفض وجود أخيه، ويريد ان ينفيه أويقوم عليه ويقتله، ولماذا قام إخوة يوسف عليه وباعوه عبداً ؟ إنها نفس الأسباب. وماذا نقول على ما نراه في الأرض من صراع وقتل وحروب وقد زاد الكون ليصل تعداده إلى حوالي سبعة مليار ونصف إنسان لهم أعراق وأديان ودول وأمم والسنة مختلفة .
هل يمكن أن نتعاون معاً في مواجهة الأخطار التي تواجه كوكبنا ؟. أننا فى التعاون معا من مختلف الأديان والحضارات والاجناس نثري الحضارة الإنسانية بتنوعنا، ونعمل على مواجهة الأمراض والأخطار التي تواجه العالم من فقر وجهل وتخلف ؟ وعلينا ان نقبل الغير والمختلفين عنا بروح الأحترام والتقدير. بل علينا ان نتعلم ان نحب الآخرين ونقبلهم كما هم لا كما نريد ان يكونوا وهذه هى القاعدة الذهبية في التعامل كما أمرنا السيد المسيح له المجد قائلا : { وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا }(لو 6 : 31). لقد جاء السيد المسيح ليهبنا الحياة في ملئها ويشبع نفوسنا ويهبنا حياة أفضل ولكي يكون لدينا التوافق والانسجام النفسي والاجتماعي والروحي.
نعمة الغفران....
إن الله يغفر الخطايا التي تورث الكآبة والإحباط والشعور بالذنب والصراع النفسي والذي قد يصيب الفرد عندما ينقسم على نفسه أو يجد انه لا يستطيع تحقيق أهدافه. الله عندما يغفر للخاطئ التائب المعترف خطاياه ينساها ولا يعود يذكرها له. وهو يريد منا إن نرجع اليه ونتوب { هلم نتحاجج يقول الرب كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف } (أش 1 : 18). من رحمة الله انه يمنحنا القبول والغفران { أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أعود اذكرها } (أش 43: 25.(لقد رجع الابن الضال الذي بدد نصيبه من ثروة أبيه تائباً نادماً، فقبله أبيه فرحاً { السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب } وها هو ينتظر رجوع كل خاطئ فاتحاً ذراعيه ليقبله فرحاً ويعيد له سلامه المفقود. وكما ان الله يغفر خطايانا ويقبلنا علينا أن نسامح ونغفر للأخرين أخطائهم. إن الله يريدنا أن نغفر للآخرين أخطائهم إلينا ونقبلهم كما نصلي ونقول { اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين ألينا}.
لقد مارس الرب يسوع الغفران للمسيئين إليه على الصليب فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون }(لو 23 : 34). وعلى مثال سيده غفر شهيد المسيحية الأول استفانوس لراجمه قائلاً { يا رب لا تقم لهم هذه خطية } (أع 7 : 8 ). إن الله لا يمكن أن يأمرنا بشيء ليست في وسعنا، وعلي قدر طاقتنا يجب أن نسالم جميع الناس ونصلى من اجل أن يعطينا الله النعمة والقوة لنغفر للمسيئين إلينا ونقبل من الله نعمة الغفران لنا ونمحنها للآخرين { اقبلوا بعضكم بعضاً كما قبلكم المسيح أيضا لمجد الله} (رو 5 : 7 (. المسيحية فى جوهرها هي ديانه الحب والقبول للجميع بدون تمييز عنصري او ديني او طبقي او عرقي او سياسي ، وهذا ما جاء الرب يسوع ليعلمه لنا، ويعملهُ معنا. ان نحب الاعداء ونصلي من اجل المسيئين ونبارك علي المضطهدين لتغير المحبة قلوبهم وتشفى أمراض نفوسهم وأجسادهم وأرواحهم.
قبول الذات...
نحن نعيش في مجتمع لا يعترف إلا بالانجازات والانتصارات ويرفض الفشل ، حتى الآباء ينقلون لأبنائهم هذا المفهوم فان حصلوا على درجات ممتازة كانوا مقبولين . لكن الوضع السليم أن نأخذ بيد الضعيف ليقوى والمريض ليشفى والذي يفشل في مرحلة من مراحل حياته نساعده كبوته فرصةُ له للتعلم والنجاح في المراحل المقبلة. لقد شجعت أم توماس أديسون ابنها الذي اتهم بالبلادة والغباء فكان ذالك فرصة لتخلق منه عالم مخترع ندين له باكتشاف الكهرباء وما يزيد من ألف اختراع .الله يحبنا حب غير مشروط ويريد منا ان نكون مستقبلين لمحبته لا ينبغي أن تكون قديس لتأتي إليه ويحبك ويقبلك. بل يجب أن ناتى اليه كما نحن، إذ ونحن خطاة مات المسيح من اجلنا وهو يريد أن تأتي إليه بضعفنا ونتجاوب مع محبته وهو سيحررنا من كل ضعف ويجعلنا أقوياء به ومن أجل مجد اسمه.
+ اقبل ذاتك بما أعطاك الله من وزنات ومواهب وملامح وما فيك من عيوب ربما في الشكل (قصير – غير جميل – معوق) أو عيوب نفسية وشخصية (تردد – تسرع – انطواء ). ان ما فيك حتى من عيوب وضعفات هذا ما يجعلك متميز ومتفرد على الآخرين . أما ما تستطيع علاجه من ضعفات فأنت قادر بالجهاد والصبر والعمل علي معالجته .
+ أعمل على تطوير نفسك روحياً واجتماعياً ونفسياً وفكرياً واعلم إن الله يحبك ويقبلك ويريد خيرك وفيه تستطيع كل شئ فهو يقويك { لأنه إن كان النشاط موجود فهو مقبول على حسب ما للإنسان لا على حسب ما ليس له }(2 كو 8 : 12 . (وثق في نفسك وأقبلها مهما كانت إمكانياتك وكن متواضع غير ساعي للمديح وان مدحك للآخرين اشكر لهم تقديرهم لك مبينا نعمة الله وفضل الأخرين الذين ساعدوك فلا تكن ناكراً للجميع.
+ علينا إن نقبل الرأي الأخر ونسمتع الي النقد الموجة لنا برحابة صدر فان كان النقد صحيح وبناء نقبله ونجعله فرصة لتفهم ذواتنا وإصلاحها ، فالأخرين يرون ذاتك أكثر مما ترى نفسك لا سيما في العلاقات الأسرية والشخصية واليومية أما إن كان النقد هدام فلا تغضب واقبل الرأي الأخر عالما دوافع الناس السلوكية واعترف انه ليس إنسان كامل والتمس الأعزار للناس، وأفسح في قلبك وفكرك مجالاً متسعاً لقبول المختلفين في الرأي عالماً قيمتك الإنسانية.
+ أسعى في تواضع ومحبة ووداعة للتعامل حتى مع المرضى أو الحالات السلوكية الشاذة .
إننا عندما نتفهم ذواتنا بما فيه من ضعفات ومواجهتها إيجابيا نستطيع أن نتعامل مع الآخرين واحتمال أخطائهم وقبولهم كما هم وليس كما نريد أن يكونوا. وفي جو المحبة والاحترام نساعدهم على تخطي ضعفاتهم أو حتى فشلهم .
+ اقبل ذاتك شاكرا الله على ما لديك من وزنات ومواهب ونمي ما منحك الله من مواهب وهي كثيرة . فهل تبيع يديك أو نظرك وبأي مبلغ ؟ حتى ما فيك من ضعف تستطيع أن تعالجه ليصبح موضع قوة وفخر وليس موضع كبرياء أو افتخار مرضي . الله ينظر إلى قلبك وما فيه من محبة وعلى مقدار ما أحبنا الله واشترانا بدمه الثمين فنحن مقبولين لديه، وهو ينظر إلى نوايانا ودوافع سلوكنا، فقد مدح فلسي الأرملة وعطائها القليل واعتبره أثمن من الذين أعطوا الكثير لأنها أعطت من أعوزاها وهو يُقدر ما تقدمه من خير ويشجعك على ما لديك من عطايا تستخدمها لمجد اسمه.
+ اجعل كل يوم فرصة للتعلم والنجاح { هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونتهلل فيه. يا رب خلصنا، يا رب سهل سبلنا، مبارك الأتي باسم الرب}. ابدأ كل يوم في حياتك بأفكار ايجابية وأسعى للنجاح {اله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني}. افحص في أخر اليوم مدى تقدمك وما تحرزه من تقدم وصحح أخطائك مع المرونة في التكيف مع المتغيرات الطارئة تبعاً للظروف والإمكانيات المتاحة مع الاحتفاظ بالمثابرة والثقة بالنفس .وتعلم أن تحيا حياة متوازنة محافظاً على نموك الروحي من خلال القراءة والصلاة وممارسة الوسائط الروحية ، لتكن لك علاقة شخصية وثيقة بالله فهذه العلاقه تحافظ على سلامتك النفسية وانسجامك بدون عقد نفسية وإقراء كتب نفسية تكتشف فيها وبها ذاتك وتطورها.
+ أهتم بعلاقاتك الاجتماعية سواء في الأسرة أو العمل أو الوسط المحيط وليكن هدفك تطوير وأثراء ذاتك وشخصيتك لمجد الله ولتصل إلى حياة سعيدة ولا تحاول أن تكون صورة من غيرك فأنت فريد في شخصك لكن عليك أن تقتدي بالصفات الحسنة في معلمك الصالح والقديسين وكن كالنحلة التي تأخذ من رحيق مختلف الأزهار لتصنع عسلا حلو المذاق وكن منفتحا على أراء وثقافات وفضائل الآخرين فان هذا ينميك ويجعل منك بركة لنفسك وللآخرين .
قبول الأخر....
إننا مدعوون لقبول الأخرين واحترامهم مهما كان شخصياتهم. علينا قبولهم بايجابياتهم وسلبياتهم، فهم خلقوا على صورة الله ولا تنتظر أن يكون أحد صورة منك. الأخر قد يكون زميلك في الدراسة أو العمل أو جار لك في السكن أو المجتمع، وقد يكون الأخر مختلف عنك في الدين أو العرق أو الجنس أو الرأي أو العقيدة. وقد تتعامل معهم سواء وجها لوجه أو كما الأن نتعامل الان معا عن طريق الإعلام والكلمة المقرؤة . اقبل الغير كما هم دون أن تتنازل عن المبادئ أوالأخلاقيات التي عندك .
+ أن قابلت معاملة سيئة من الغير فلا تعاملهم بنفس المعاملة السيئة وتدعهم يقودك إلي رد فعل سلبي . فالنار لا تطفئها النار بل الماء . وان أراد الأخر أن ينفيك أو يضرك فدافع عن نفسك بأسلوب سليم وبالمنطق وترد الأذى دون أن تدمر الأخر بل تُصلح من أمره وتبين خطاء موقفه تجاهك .وكلما كانت قضيتك عادلة وتدافع عنها بالحق ستصل إلى هدفك ولو بعد حين فلا تيأس ولا تفشل في عمل الخير. لا تعتبر الأخر مزاحم لك يريد أن يأخذ مكانك ذلك التفكير الطفولي الذي يدمر علاقتنا بالأخر. ولا تعتبر الأخر وسيلة للوصول إلى هدفك وتكون بذلك أنانيا بل في تعاون وتفاهم تشجع الآخرين وان اختلفوا عنك في الرأي أو العرق أو الدين او اللون تلك الاختلافات يمكنها أن تثري شخصيتك وثقافتك .
+ لقد سأل البعض الأنبا باخوميوس أب الشركة الرهبانية في أن يقص عليهم احد الرؤى فقال لهم الخاطئ مثلي لا يطلب من الله أن تكون له رؤى مع هذا أقول لكم إذا رأيتم أنسانا طاهرا متواضعا فهذه أجمل المناظر والرؤى لأنكم تروا فيه الله غير المنظور من خلال الإنسان المنظور الذي هو هيكل لله علينا إن نكتشف الايجابيات التي في الأخر وليس سلبياته وأحترم وتقبل ما فيه من اختلاف ولا نرى فيه سببا لإعاقتنا عن بلوغ أهدافنا في الحياة .
+ إن عالم اليوم في ظل الاختلاف الحضاري والديني والعرقي يحتاج إلى جو ديمقراطي يقوم على التعددية والتسامح والتعاون والتكامل وان نخلق فيه جسورا للانفتاح الفكري والثقافي والديني ، نحن ننمو في أيماننا وننتمي لمجتمعنا وكنيستنا مع الانفتاح علي الأخرين دون تعصب او تطرف أو أنغلاق.أننا نحتاج ألي التعرف على وجهات النظر المغايرة لنتجاوز التمركز حول الذات الذي يوقف النمو السليم للمواطن الصالح. ويجب أن نؤمن بحق الأخر في الحياة والحرية والنمو دون إلغاء أو تهميش أو تعصب أعمى يقود إلى تخلف الأفراد والمجتمعات والدول. وكلنا أمل لكي نعمل معا لا سيما قادة الفكر والدين والدول من اجل خلق أجواء صالحة للاحترام وقبول الأخر والتعاون من اجل بناء عالم أفضل ومستقبل مزدهر للبشرية .فلنتقدم إذا إلى الله طالبين شفاء جراحنا وإطلاقا لمواهبنا ونمو لشخصيتنا ونقبل منه بالغفران والقبول { لأنه ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. فلنتقدم إذا إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة وعوناً في حينه } (عب 4 : 15 ، 16 ).
أجعلنى مقبول لديك ..
لقد خلقتني يا الله على صورتك، ووهبتني وزنات ومواهب وحرية خلاقة، لأعمل وأبدع في مجتمعي. لقد قبلتني وأنا خاطئ ، وحررتني من الخطية والضعف والخوف والرياء .وأنت تقودني في موكب نصرتك .ربي علمني أن اقبل نفسي وأطورها .اقبل ذاتي فيما لا اقدر أن أغيره، وانمي ما لدي من وزنات ومواهب، واقبل الآخرين واحترمهم كما هم، وأعاونهم لاكتشاف أفضل ما عندهم، مقدرا إسهامهم ومشاركتهم في البناء .لنتعاون معا لخلق مجتمع فاضل، علمني يارب أن أعرف قدر نفسي وابذل وأكون نور وملح يعطي طعم طيب للمحيطين بي. اجعلني احبك وأحب نفسي والغير، محبة روحية تبني وتطور وتهدي، ربي اجعل حياتي مقبولة أمامك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق