{ لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ} (مت 12 : 37)
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ واللسان هو وسيلتنا للإفصاح عما بداخل الإنسان وما في قلبه من عواطف وما في عقله من أفكار، لذلك فإن أخطاء اللسان ليست خاصة به، بل هي أخطاء فكر الإنسان وقلبه وطبيعته الداخلية. فاللسان هو الآلة التي يوقع عليها الإنسان أفكاره ومشاعره. فلو كان المرء حكيما وطاهرا، نطق لسانه بكلمات طاهرة، وحين يكون القلب فاسدا ينطق اللسان بالأخطاء ويوقع في الشر. وفي عالم الطب عندما يريد الطبيب ان يفحص مريض، فمن الدلائل على المرض شكل ولون اللسان وبه يستدل على العديد من الأمراض ومن الضرورة الروحية أن لا نسمح للسان أن يعمل بوحي الإنسان العتيق واخطائه بل ان نجعله تحت سلطان الروح القدس ونضبطه لكي يكون عضوا جديدا في الجسد الذي للمسيح ويُستعمل استعمالا صالحا يرضي الله والناس. ولهذا يؤكد الكتاب على خطورة اللسان كموجه للإنسان {هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضاً، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدّاً إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضاً، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّماً. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.}(يع 3:3-6). وكما ان السفن مع ضخامتها يديرها الربان بدفة صغيرة، ولكن متى أساء الربان استخدام دفة السفينة تغرق وكل ما عليها هكذا اللسان متى أحسن يقود الي التوفيق والنجاح والعكس، لقد أساء نبوخذ نَصَّر الدفة، أي استخدام لسانه ونطث بكرياء قلب متعظمًا { هذه بابل العظيمة التي بنيتها... بقوة اقتداري ولجلال مجدي} (دا 30:4). وذاق المر سنينً وطرد من مملكته وهيرودس بسبب لسانه ضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله وصار الدود يأكله، وبطرس من أجل كلامه بكى بمرارة ، وكم من حروب نشبت وعلاقات تحطمت بسبب أخطاء الكلام ومن هنا تظهر أهمية إخضاع القلب والفكر والعواطف لله والصلاة ليقودنا الروح القدوس و نضبط ألسنتنا ونفكر جيدا قبل الحديث فلكل شئ زمانه ووقته { لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السماء وقت.. للسكوت وقت وللتكلم وقت} (جا3: 1-7). كما علينا إن نتخير كلماتنا والوقت المناسب للكلام { تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها}(أم 25 : 11).
+ إن لغة الإنسان تظهره وقديماً قال أحد الفلاسفة ( تكلم لأعرفك ). فالذي نقوله يعبر عن إنساننا الداخلي واهتماماتنا وقديما قالوا لبطرس الرسول ان لغتك تظهرك (متى 73:26). فلغتنا وما نقوله وننطق به، ينبغي أن يظهر أننا من أتباع المخلص العظيم. المؤمن لغته تعبر عن محبته لله والناس ويتحلى بالتواضع والحكمة { ليكن كلامكم كل حين بنعمة مصلحا بملح لتعلموا كيف يجب ان تجاوبوا كل واحد} (كو 4 : 6) . علينا أن نتحلي بالحكمة { مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُون السَّلاَمَ.} (يع 13:3- 18). المؤمن يتحلى دائما في كلامه بالصدق والوداعة { لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه. لأننا بعضنا أعضاء بعض} (اف 4 : 25)
الكلام المفيد والكلام الهدام ..
+ ومتى تكلم الإنسان فعليه أن يتخير كلامه بدون تطويل ممل ولا إيجاز مخل، فكلمات قليله خير من كلام كثير لا يبني { كثرة الكلام لا تخلو من معصية اما الضابط شفتيه فعاقل} (ام 10 : 19). وليكن لنا إيمان بما نقول ولنبتعد عن التحدث بعلو الصوت و نعبر عن احترامنا للذين تحدثهم بعيدا عن المكر والخبث ولا نقاطع غيرنا فى الكلام ولا نرد على سؤال لم يوجه الينا فى تطفل ومن الاتضاع أن نقدم غيرنا عن أنفسنا ولا نبتدئ بالاجابة فى مجلس وجه فيه سؤال للجميع. ونراعي وقت الغير استعدادهم للأستماع. ونتجنب المناقشات المعثرة { وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِماً أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِالْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى الْمَشَقَّاتِ، مُؤَدِّباً بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ،عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ.} ( 2تي 23:2-26). إن الغرض من النقاش ليس هزيمة من نحدثه وإنما نربحهم للحق دون جرح مشاعرهم ولنعلم أن أقصر الطرق الى كسب الجدال هو أن لا نجادل وليس من آداب النقاش مقاطعة الغير بل يجب أن نمنحهم الفرصة ليعبروا عن ارائهم. ويجب أن ينتهي النقاش مهما تباعدت الآراء فى محبة وإحترام وقد تقاربت القلوب وتصالحت العقول
بعض أخطاء اللسان ..
+ أخطاء اللسان هي خطايا مركبة تدل على ما في داخل الإنسان فالقلب الصالح يخرج الصالحات والعكس كما أن الشجرة الجيدة تخرج ثمراً صالحاً، فعلينا مراقبة وضبط حواسنا وأفكارنا وعواطفنا لكي يكون لساننا نقي وكلامنا بحكمة. الكلمات القاسية تدل على قلب قاس والكلمات المتكبرة تدل على قلب متكبر والكلام المستهتر يدل على قلب مستهتر، والألفاظ الحاقدة تدل على قلب حاقد وهكذا. فالذي يريد أن يصلح ألفاظه، عليه أن يصلح قلبه وإلا فإنه سوف يقع في خطية أخري منها الإدانة والنميمة أو الرياء.
+ خطايا الكبرياء... مثل الافتخار، وتبرير الذات، ويدخل فيها العناد، والكذب، والمبالغة، وأنصاف الحقائق، والغش، والخداع، والتضليل، والتلفيق، وشهادة الزور، والمغالطة والمكر. ومنها الكلام الجارح الموجع الذي لا يبالي فيه قائله بمشاعر من يتحدث إليه. وكذلك ألفاظ التهديد والتخويف، وما إلى ذلك. وهناك كلام يعبر عن الكراهية وعدم المحبة مثل كلام الشتيمة، والنرفزة، والسب واللعن، وإدانة الآخرين، وتحقيرهم. والتهكم عليهم، ومسك سيرتهم، والغيبة، والنميمة، والدسيسة. كذلك ألفاظ التهديد، والتعيير وإفشاء أسرار الناس، والتشهير بهم، والهروب من المسؤولية وإلقائها على الغير ونشر الشائعات. وكلام النفاق والتملق، والمديح الزائف، ومجاراة المخطئين في أخطائهم. والسلوك بلسانين، وكثرة الشكوى والتذمر.
+ ومن خطايا اللسان ما يقود للنجاسة. مثل القصص البطالة، والفكاهات الماجنة، والأغاني العابثة، وكل كلام الأغراء، والأسلوب غير المهذب.
+ أخطاء اللسان في الإيمان. مثل كلام التجديف ونشر الشكوك في الدين والعقيدة، ونشر البدع والهرطقات وإعثار غير العارفين بها، واستخدم اسم الله باطلًا، وتشويه الفكر بالخرافات.
+ اليك ايها الرب الاله الحكيم وواهب الحكمة نصلى ونطلب ان تهبنا منك حكمة وفهم قلب، طهر قلوبنا بنعمة روحك القدوس وأكتب شريعتك داخلنا ولتسكن نعمتك بغنى فينا. لتكون ألسنتنا قلم كاتب ماهر يكتب لك اجمل الالحان و يسبحك على محبتك ورحمتك المتجددة كل وقت. اجذبنا اليك بربط المحبة لكي ننشد الحان الفرح شاكرين عظيم عملك ورعايتك كل حين.
+ يارب ما أحوجنا فى الحزن الي كلمات العزاء، وفي الضيق الى الصديق الذي ينتشلنا بكلمات الرجاء، وفى وقت الشك نحتاج إلى من يثبت فينا الإيمان ويغذي فينا المحبة عديمة الرياء. وفى الشعور بالوحدة نحتاج الى من يأخذ بأيدينا و يشجعنا لئلا نخور فى الطريق ويملأ علينا الحياة والبسمة الصادقة والكلمة الطيبة والمشاعر الأخوية.
+ نصلى اليك ان تهبنا حكمة لنعرف متى نتكلم، ومتى نصمت؟. ومتى تكلمنا فلتكن انت المتحدث على ألسنتنا والعامل فينا. علمنا أن نستمد من الصمت نعمة الحديث اليك والاصغاء لصوتك ومعرفة أرادتك المقدسة فى حياتنا بما يبنى النفس والغير فى وداعة وحكمة لكي نسلك كما يليق باناس الله القديسين، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق