نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الخميس، 30 أكتوبر 2025

الألم والنضج الروحي للنفس - ١٨

 الألم والنضج الروحي للنفس - ١٨

يُشكّل الألم إحدى أكثر الخبرات الوجودية التي تواجه الإنسان. ورغم ما يحمله الألم من معاناة، إلا أن الكتاب المقدس وفكر الآباء يكشفان عن عمق سرّي للألم، فقد يكون وسيلة للتطهير والتأديب والتنقية كما انه قد يكون شركة مع المسيح في الآمه وطريقًا للنضج الروحي والنفسي والمجد الأبدي.


أولاً: الألم في الكتاب المقدس

+ الألم كتأديب أبوي من الله لفائدة النفس وتهذيبها 

{ كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ.} (٢ تيم ٣: ١٦). كما يقول الرسول بولس: {  لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟  وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ. }(عب ١٢: ٦-١١). الألم إذن ليس عقوبة انتقامية، بل تربية وتهذيب لصالح المؤمن وتقويمه وتنميته.

+ الألم شركة مع الآم المسيح ومجده

لقد تألم المسيح بالجسد من اجلنا وأحتمل الموت ليحمل عقاب خطايانا ويهبنا حياة ابدية فلنتسلح نحن ايضاً بهذه النية { فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهذِهِ النِّيَّةِ. فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ،  لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضًا الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ اللهِ. }(١ بط ٤: ١، ٢). كما يؤكد بولس الرسول: { لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته} (في 3: 10). هنا الألم مشاركة في صليب والآم المسيح، ووسيلة للدخول إلى سرّ قيامته فالألم طريق للمجد كما يكتب القديس بطرس: { لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني الممتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح} (1 بط 1: 7). الألم يقوي المؤمن ويفتح الطريق نحو المجد الأبدي.

+ الألم علامة الرجاء

الرسول بولس يربط الضيق بالرجاء: { الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.} (رو ٥: ٢-٥)

ثانياً: الألم في فكر الآباء

+ يؤكد القديس أثناسيوس الرسولي (ت 373م) في كتابه تجسد الكلمة، أن المسيح بآلامه دخل في ضعف الإنسان ليحوّل الألم من لعنة إلى طريق خلاص. فالألم في المسيح صار اتحادًا بالحياة الجديدة.

+ اما القديس باسيليوس الكبير (ت 379م) في رسائله فشبه الألم بالنار التي تنقي المؤمن "كما تُصفّى المعادن في الأتون، هكذا تتنقّى النفس بالآلام وتستعد لمجد السماء".

+ ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم (ت 407م)

في عظاته على رسالة القديس بولس الي اهل رومية أن الشدائد ليست علامة رفض من الله بل دليل على محبته، إذ "من يحتمل الضيق بصبر يلبس إكليلًا سماويًا".

+ والقديس مقاريوس الكبير (ت 390م)

في عظاته  الروحية، يوضح أن الألم يكشف ضعف الإنسان ويقوده إلى الاعتماد على عمل الروح القدس، فيصير القلب مستعدًا لسكناه.

+ اما القديس إيريناوس أسقف ليون (ت 202م)

في كتابه ضد الهرطقات فيرى أن الألم جزء من تربية الله لأولاده: "كما يُربى الأب ابنه، هكذا يسمح الله بالآلام ليقود الإنسان إلى الكمال". إن النضج الروحي يتحقق في كيفية مواجهة الألم، لا في تجنبه. فالألم يقود إلى التشَبه والاقتداء بالمسيح، الذي أكمل رسالته عبر الصليب (عب 2: 10). والنضح الروحي للمؤمن يحوّل الألم إلى شهادة رجاء، كما يعلن بولس: { حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تُظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا}(2 كو 4: 10). فالألم تجربة إنسانية مشتركة لا يمكن للإنسان أن يتجنبها، سواء كان جسدياً أو نفسياً أو روحياً. غير أنّ الألم ليس مجرد معاناة، بل يمكن أن يكون طريقاً للنمو الداخلي للنفس.

ثالثاً: الألم والنضج في علم النفس

في علم النفس الحديث، يُنظر إلى الألم النفسي كعامل أساسي في تكوين الشخصية ونموها: فيرى فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى (Logotherapy)، أن الإنسان يستطيع أن يجد معنى عميقاً حتى في الألم، وهذا المعنى هو ما يقوده للنمو والنضج.

ويؤكد كارل يونغ أن الألم والظلال الداخلية من أهم محفزات نمو النفس، إذ يدفع الإنسان إلى مواجهة ذاته بصدق.

أما إريك إريكسون في نظريته عن المراحل النفسية-الاجتماعية، فيرى أن تجاوز الأزمات التي غالباً ما ترتبط بالألم يقود لتكوين قوى داخلية مثل الإرادة والحكمة. الألم هنا ليس مجرد معاناة نفسية، بل هو خبرة بنّاءة تعيد تشكيل الهوية، وتُنمّي المرونة النفسية.

رابعاً: التكامل بين البُعد الروحي والنفسي

يجتمع المنظور الروحي والنفسي على أن الألم يمكن أن يكون وسيلة:

* لتنمية الصبر والاحتمال.

* لتعميق معنى الحياة وفهم الذات.

* لتكوين شخصية أكثر نضجاً وحكمة.

* لتعزيز العلاقات الإنسانية عبر التعاطف مع الآخرين.

فالنضج النفسي لا يتحقق بالراحة المطلقة، بل عبر اجتياز الألم بوعي وإيمان ومعنى. إن علم النفس الحديث يعتبر الألم محفزاً للنمو النفسي. وهكذا، يصبح الألم سرّاً من أسرار النضج الإنساني، حين يُعاش بإيمان ومعنى 

+ إن الالم في ضوء الكتاب المقدس والآباء، ليس مجرد معاناة، بل مدرسة إلهية لتطهير النفس وتهيئتها لمجد الأبدية. إنه طريق النضج الروحي الذي يجعل المؤمن أكثر شبهًا بمسيح الصليب والقيامة الذي شابهنا في كل شئ لكي يكون رحيماً بنا وفيما هو تألم مجرباً يحس بنا ويعيننا في تجاربنا ويقودنا للمجد الأبدي { لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ. }(عب ٢: ١٠، ١٧، ١٨). فالذي يتقبّل الألم بايمان، يدخل إلى عمق سرّ الشركة مع الله، ويختبر في ضعفه كمال قوة النعمة.

القمص أفرايم الانبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس

الآباء:

* أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة، ترجمة القمص مرقس داود، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.

* باسيليوس الكبير: الرسائل، Letter 261.

* يوحنا ذهبي الفم: Homilies on Romans, Homily VIII.

* مقاريوس الكبير: Homilies, Homily 26.

* إيريناوس: Against Heresies, Book V.

* Frankl, V. (2006). Man's Search for Meaning. Beacon Press.

* Jung, C.G. (1964). Man and His Symbols. Anchor Press.

* Erikson, E. H. (1993). Childhood and Society. W.W. Norton & Company.

* Masten, A. S. (2001). "Ordinary Magic: Resilience Processes in Development." American Psychologist, 56(3), 227–238.

ليست هناك تعليقات: