نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الأحد، 19 أكتوبر 2025

التوبة والرجوع إلى الله ( ١٢)

التوبة والرجوع إلى الله ( ١٢)


أولاً: معنى التوبة وابعادها في الكتاب المقدس

+ الكلمة اليونانية "مطانيا" (μετάνοια) تعني تغيير الفكر والاتجاه، أي عودة الإنسان من طريق الخطية إلى أحضان الله. السيد المسيح بدأ كرازته بعبارة: { توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات} (مت 4: 17). ليبين اهمية التوبة والايمان { قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ.} (مر ١: ١٥). التوبة ليست مجرد ندم عاطفي، بل قرار وجودي لتغيير الفكر والسلوك، والرجوع لحياة الشركة مع الله. وهي تحول داخلي عميق يشمل الفكر والقلب والإرادة. والتوبة ليس خوف من العقاب، بل هي اشتياق لله وندم للبعد وقطع العلاقة بالخطية وكراهيتها، وسير في طريق الله تحت قيادة الروح القدس { اِرْجِعُوا إِلَيَّ فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ}(مل 3: 7). ويؤكد السيد المسيح أن غاية رسالته هي دعوة الخطاة إلى التوبة: { لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ} (لو 5: 32).التوبة هي استجابة لدعوة إلهية للرجوع إلى حضن الآب، وهي عطية إلهية تُمنح للإنسان عندما يفتح قلبه للنعمة.

ثانيا: التوبة عند آباء الكنيسة

+ التوبة في الفكر الكنسي هي مسيرة حياة متجددة، وعودة دائمة إلى حضن الله الآب، وتوبة القلب قبل الشفاه. يراها الآباء كقيامة جديدة للنفس، وولادة ثانية تعيد للإنسان صورة الله ومثاله التي تشوهت بالخطية. فالتوبة ليست مجرد ندم على الماضي، بل هي انطلاقة نحو المستقبل، وانفتاح على نعمة المسيح التي تشفي، وتجدّد وتقدّس. ويؤكد القديس أغسطينوس أن التوبة هي "رجوع النفس إلى بيتها الأول". لان الله هو الوطن الحقيقي للنفس. وكما عاد الابن الضال إلى أبيه، هكذا يدعو الآباء كل نفس أن تعود بالتوبة إلى أحضان الله حيث الفرح والحرية. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "مهما عظمت خطاياك، لا تيأس، فإن باب التوبة مفتوح، والآب يخرج مسرعًا ليعانقك". إذن التوبة ليست عبئًا، بل هي حركة حب متبادلة بين الله الذي ينتظر، والإنسان الذي ينهض من سقوطه.

+ التوبة جهاد داخلي وشفاء للنفس فيصف القديس باسيليوس الكبير التوبة بأنها "دواء يقدمه الطبيب السماوي"، فكما يتألم الجسد بالمرض، تتألم النفس بالخطية. ولا شفاء لها إلا بالاعتراف بالضعف، والطلب المستمر لنعمة الروح القدس. ويربط القديس إيريناوس التوبة بعمل المسيح الفدائي، فيقول: "بالتوبة يشترك الإنسان في موت وقيامة المسيح، فيموت عن خطاياه ويقوم إنسانًا جديدًا". ويري القديس أثناسيوس الرسولي أن التوبة ليست مجرد تخلٍّ عن الشر، بل هي لبس للمسيح: ". يخلع الإنسان العتيق بالأعمال الشريرة، ويلبس المسيح فيجدّد طبيعته". أما القديس مار إسحق السرياني فيرى أن التوبة هي "باب الرحمة المفتوح أمام الخطاة"، ويقول أيضًا: "ليس خطية بلا مغفرة الأ التي هي بلا توبة، لأن رحمة الله أعظم من كل خطية".

ويربط الآباء بين التوبة والدموع. فالدموع عند القديس إفراهات الحكيم الفارسي هي "معمودية ثانية"، تطهر القلب وتعيد إليه نقاءه. ويقول القديس يوحنا السلمي:

"كما أن النار تحرق القش، كذلك دموع التوبة تحرق خطايا النفس". لكن دموع التوبة ليست يأسًا أو حزنًا قاتمًا، بل هي دموع محبة، دموع نفس تذوقت حلاوة الله فبكت على غربتها عنه. إن التوبة ليست حدث لحظة معينة في بداية الحياة الروحية، بل هي مسيرة دائمة. فيقول القديس أمبروسيوس: "كل يوم لنا توبة، لأن كل يوم لنا ضعف". والقديس غريغوريوس النزينزي يشجع المؤمن أن يعيش دائمًا بروح التوبة قائلاً:

"طوبى لمن يغتسل بدموعه كل يوم، فيجدّد نفسه أمام الله". التوبة في فكر آباء الكنيسة هي طريق الخلاص، ووسيلة استعادة الشركة مع الله، ومصدر فرح وسلام داخلي. إنها ليست دينونة للنفس، بل تحرير لها، وليست مجرد ندم على خطايا ماضية، بل انطلاق إلى حياة جديدة في المسيح. فالإنسان التائب يختبر حب الله ورحمته، ويصير إنسانًا جديدًا، يعيش "كخليقة جديدة" (2كو 5: 17)، ثابتًا في الرجاء، ناميًا في القداسة، متوقعًا الميراث الأبدي.

+ للتوبة في الكتاب المقدس بعد قلبي داخلي لانها تبدأ من الداخل: { مزقوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ، وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ} (يوئيل 2: 13). فالله ينظر إلى قلب الإنسان المنسحق، لا إلى طقوس شكلية فقط. وبعد عملي سلوكي فالتوبة الحقيقية تُترجم إلى تغيير في الحياة: { اصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ} (مت 3: 8). أي أن التوبة تظهر في السلوك الجديد، وقطع علاقات الشر، ورد المظالم، والبدء في حياة البر. كما ان للتوبة بعد جماعي كنسي فالكتاب المقدس يبرز أن التوبة ليست فردية فقط، بل أحيانًا جماعية. فشعب نينوى تابوا معًا بالصوم والمسوح، فرفع الله غضبه عنهم (يو 3).

ثالثاً : مراحل التوبة 

+ اليقظة والشعور بالخطية مثل الابن الضال الذي "رجع إلى نفسه" (لو 15: 17). كبداية التوبة فيفتح الإنسان عينيه على حقيقة خطيئته وحاجته إلى الله. ثم يعترف بالخطأ أمام الله فداود النبي يقدم نموذجًا رائعًا للتوبة { لَكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ} (مز 51: 4). والأعتراف امام الكاهن كما اعترف داود امام ناثان النبي { فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ. }(٢صم ١٢: ١٣). يقول القديس باسليوس" إن الاعتراف بالخطية هو بداية الطريق نحو الشفاء". ثم الرجوع العملي إلى الله وتغيير الاتجاه من الخطية إلى الله، وبدء حياة جديدة بالنعمة والتناول من الاسرار المقدسة بانسحاق قلب. مثلما قال بولس الرسول عن أهل تسالونيكي: { رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ}(1 تس 1: 9). والفرح بالخلاص فالتوبة ليست حزنًا بلا نهاية، بل التوبة فرح اهل السماء : { يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ} (لو 15: 10).

رابعاً: نماذج كتابية للتوبة

* داود النبي: بعد سقوطه اعترف بخطيته وتاب وقبل الله توبته وكتب المزمور 51 كصلاة توبة خالدة.

* الابن الضال: رمز للرجوع إلى حضن الآب بعد حياة بعيدة (لو 15).

* بطرس الرسول: بعد إنكاره بكى بكاءً مرًا، فتحول إلى كارز عظيم بالمسيح.

* المرأة الخاطئة: التي سكبت الطيب عند قدمي يسوع، فسمعت منه: "مغفورة لك خطاياك" (لو7: 48). وتاريخ الكنيسة يمتلي في كل جيل بقديسى التوبة كالقديس اغسطينوس والقديس القوى الانبا موسي والقديسة مريم المصرية والقديسة بلاجيا والكثيرين الذين تابوا وعاشوا حياة القداسة واستحقوا الدخول الي العرس السمائي.

خامساً : ثمار التوبة في حياة المؤمن

* مغفرة الخطايا وعودة السلام الداخلي (أعمال 3: 19).

* تجديد القلب بالتوبة بعمل الروح القدس (حزقيال 36: 26).

* شركة أعمق مع الله.

* فرح سماوي وسلام لا ينزع (رومية 5: 1).

التوبة في الكتاب المقدس ليست حدثًا عابرًا، بل مسيرة مستمرة يعيشها المؤمن كل يوم. هي حركة رجوع دائم من الإنسان نحو الله، ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة. والرب يفتح أحضانه باستمرار ليقبل كل تائب قائلاً:     { ومَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا.} (يو ٦: ٣٧). نحن في حاجة للتوبة كحياة مستمرة وحرص دائم امام اعداء غير منظورين ويقول القديس مار إسحق السرياني: "التوبة هي السفينة، والخوف هو قائدها، والمحبة هي ميناؤها الإلهي." لذلك، كل مؤمن مدعو أن يحيا يوميًا في تجديد القلب والفكر والتحرر الداخلي من عبودية وثقل الخطية مما يمنح سلام داخلي عميق ويشفي من الشعور بالذنب ويجعل القلب منفتح لمحبة الله والآخرين. التوبة هي عطية إلهية وفرصة مستمرة للرجوع إلى حضن الآب. إنها قيامة جديدة للإنسان من موت الخطية، وهي التي تجعل المؤمن خليقة جديدة في المسيح  (2 كو 5: 17). لنردد مع داود النبي: { ارحمني يا الله كعظيم رحمتك… قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في داخلي}، أمين.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

ليست هناك تعليقات: