نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الخميس، 30 أكتوبر 2025

الأفخّاري الأعظم وتشكّل النفس - ١٧

 الأفخّاري الأعظم وتشكّل النفس - ١٧

+ الله هو الفخّاري الأعظم الذي يشكّل الإنسان، كما يشكّل الخزّاف الطين بيديه ليصنع منه إناءً للكرامة (إر 18: 6). هذه الصورة الرمزية العميقة تكشف عن علاقة شخصية وحية بين الخالق والمخلوق، حيث لا يترك الله النفس البشرية للصدفة أو الفوضى، بل يعتني بتشكيلها وتكميلها ويلتقي هذا المفهوم مع البُعد النفسي في عملية التكوين والنمو الشخصي، حيث تمر النفس بخبرات الألم، والانكسار، وإعادة البناء كجزء من رحلتها نحو النضج الروحي والإنساني.


+  إن الخزاف لا يمد يده للطين ولا يحرك عجلته إلا بعد ان يكون قد وضع في فكره وتخيله ما يريد أن يصنعه من الطين كخطة مسبقه في ارادته. إن الله يمتلئ بمشاعر الرحمة والحب تجاه كل واحد وواحدة منا ولديه صورة رائعة لما يريدنا عليه وما يريد أن نحققه، فلا ننساق وراء إبليس او اراء الناس او الظروف فليس اعتباطاً خلقك الله علي صورته وفي المكان الذي أنت فيه الان وفي هذه الاسرة او هذه البلد بالذات، بل ذلك في علم الله السابق: { وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ} (أع ١٧: ٢٦). نحن مخلوقين لاعمال صالحة سبق الله فاعدها لنسلك فيها. هذا المفهوم كان موضع تأمل الآباء القديسين الذين رأوا فيه إعلاناً عن محبة الله التربوية ورعايته المستمرة للإنسان. أن الله صنع الكل حسنا جداً وصالح ومستقيم ولكن عصيان وتمرد البعض المستمر  يقودهم الي الموت والهلاك. وحتى أن فسد الوعاء لكن رجع وأطاع الله فانه يعيد تشكيله وعاء للمجد والكرامة كما يحسن في عيني صانع الخيرات الرحيم.

 اولاً: الله كفخاري في الكتاب المقدس..

+ في سفر إرميا سمع النبي صوت الرب قائلاً: { قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي».  فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ، وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلاً عَلَى الدُّولاَبِ.  فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. } (إر ١٨: ٢-٤). كان الفخاري يصنع إناءً من الطين، وإذ فسد الإناء أعاد تشكيله كما حسن في عينيه. هنا يُعلن الله أنه لا ييأس من الإنسان مهما فسدت حياته، بل يعيد تشكيله وعلينا أن نكون كالطينة الطيعة في يد الله، الفخاري الأعظم ولا نقسى قلوبنا بل نطيع صوته ووصاياه.

+ وفي إشعياء النبي نراه يصرخ قائلاً: { والآن يا رب أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا، وكلنا عمل يديك} (إش 64: 8). فيعترف النبي بالخضوع الكامل لله، وأن الكرامة ليست من الطين نفسه بل من يد الخالق. 

+ عندما يدرك الإنسان أنه كالطين بين يدي الله فان ذلك يجب أن يولّد فينا الاتضاع ويبعدنا عن الكبرياء. فعندما نتكبر ونقاوم ضغطات يد الفخاري أو نكتم ذنوبنا فاننا نعاني أما المتواضع والمعترف بخطاياه فينال التبرير والراحة ويستجيب لعمل نعمة الله { لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ نَهَارًا وَلَيْلاً. تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ الْقَيْظِ. سِلاَهْ.  أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي» وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي.} (مز ٣٢: ٣-٥). نحن نحتاج الي التجديد المستمر والتعلم لان الله لا يترك الإناء إذا انكسر، بل يعيد تشكيله في مسيرة توبة دائمة وقصد الله ان يحررنا من خطايانا ونتعلم من أخطائنا ويحررنا من أنانيتنا لنتعلم حياة التسليم والطاعة الكاملة لله حتى التجارب والضيقات والأمراض فانها وسيلة لتنقية المؤمن في أتون الاتضاع الذي يجعل الإناء أقوى وأصلب، ويصلح لحمل نعمة الله والعمل مع الله فان غاية الله في تشكيلنا ليس مجرد الجمال الخارجي، بل أن يكون الإناء مستعداً ليُملأ من الروح القدس ويصير أداة بركة للعالم.

+ لقد استخدم السيد المسيح الطين لشفاء الأعمى منذ ولادته وخلق له عيون ( يو ٦:٩- ٧). في لمسه روحية لاعادة تشكيل وخلق عيون جسدية كخالق للإنسان والقديس بولس الرسول يشير إلى أن الله يصنع من الطين أواني للكرامة وأخرى للهوان، مؤكدًا علي حرية الله في التشكيل وواجبنا في الطاعة والعمل(رو 9: 21).

ثانياً: الفخارى الأعظم في منظور آباء الكنيسة

+ يرى القديس إيرينيؤس أن الله لم يكتفِ بخلق الإنسان، بل يستمر في تشكيله يومًا فيومًا، حتى يبلغ "قامة ملء المسيح". ويشبه القديس أثناسيوس الرسولي عمل الخلاص الذي قام به السيد المسيح كالفخّاري الذي يصلح ما تشقق من الإناء البشري نتيجة الخطية. أما فيؤكد القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله يستخدم الألم والتجارب كأدوات تشكيل، مثل النار التي تنقّي الذهب أو المطرقة التي تشكّل الحديد. ويري القديس غريغوريوس النيسي أن النفس تنمو تدريجيًا نحو الكمال، وأن الله يقودها خلال مراحل متتالية كما يقود الفخاري عجلة تشكيل الطين.

ثالثاً: الرؤية النفسية لعملية التشكيل

علم النفس الحديث يؤكد أن النفس البشرية تتشكل عبر خبرات الحياة: فيرى إريكسون في نظرية النمو النفسي الاجتماعي أن الإنسان يمر بمراحل متتابعة، وكل مرحلة تحمل صراعًا يُشكّل هويته. الفشل في مواجهة هذه الصراعات قد يشوّه النمو، بينما النجاح يقود إلى النضج.

ويرى فيكتور فرانكل في العلاج بالمعنى أن الألم والضيقات يمكن أن تكون أدوات لإعادة تشكيل الشخصية واكتشاف المعنى الأسمى للحياة. هذا يوازي الفكر الآبائي الذي يرى أن الله يستخدم الضيقات كأداة للتطهير. ويركز علم النفس الإيجابي على المرونة النفسية بوصفها قدرة الإنسان على إعادة التشكّل بعد الانكسار، وهو ما يشبه إعادة الفخاري تشكيل الإناء إذا انكسر.

رابعاً: ابعاد التشكيل الإلهي وتطبيقاته..

+ الألم كأداة تشكيل: كما تُدخل النار الطين في مرحلة النضج ليصبح صلبًا، يستخدم الله الألم لتقوية النفس وتطهيرها.

+ الحرية الإنسانية: بالرغم من يد الله الفعّالة، يبقى الإنسان شريكًا بالحرية والإرادة في الاستجابة لعمل التشكيل.

+ الهوية الجديدة: كما يضع الفخاري ختمه على الإناء، يضع الله صورته في النفس البشرية لتكون على شبه المسيح (رو 8: 29).

اما التطبيقات العملية

+ قبول الضيقات كجزء من عمل التشكيل الإلهي.

+ ممارسة الصمت والصلاة والاستجابة لنداءات روح الله فينا كوسيلة لتسليم الذات بين يدي الفخاري.

+ الاستفادة من العلاج الروحي والنفسي معًا لإعادة البناء الداخلي.

+ التمسك بالرجاء في أن كل تجربة تُستخدم للخير (رو 8: 28).

 الله خالق للنفس البشرية، و كفخّاري أعظم يستمر في تشكيلها حتى تصير "إناءً للكرامة" مهيأًة لكل عمل صالح. هذا التشكيل الإلهي يتكامل مع الرؤية النفسية التي ترى في الألم والخبرة الإنسانية أدوات للنمو وإعادة البناء. ومن ثم، فإن الصورة الكتابية للفخاري ليست مجرد استعارة شعرية، بل حقيقة لاهوتية ونفسية تعكس عمل الله المستمر في الإنسان.

القمص أفرايم الأنبا بيشوى

المراجع

* الكتاب المقدس

* القديس إيرينيؤس، ضد الهرطقات.

* القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة.

* يوحنا ذهبي الفم، عظات على رومية.

* غريغوريوس النيسي، حياة موسى.

* Erikson, E. H. (1968). Identity: Youth and Crisis.

* Frankl, V. (2006). Man’s Search for Meaning.

* Peterson, C., & Seligman, M. E. P. (2004). Character Strengths and Virtues.

ليست هناك تعليقات: