للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
التجارب في حياتنا ... التجارب والضيقات تأتي علي كل الناس فكل الخليقة تئن وتتمخض فلا يوجد إنسان لا يواجه المشكلات والمصاعب التي ينبغي مواجهتها والتغلب عليها. ونحن نسمع صوت الرب يسوع المسيح يقول لنا في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا اني قد غلبت العالم، السيد المسيح رئيس ايماننا قد جُرب وخرج منتصراً وهو قادر ان يعين المجربيين .
الجهاد طبيعة كل إنسان يريد أن يحصل على شيء ثمين. الحروب الروحية تعلم وتقوى المؤمنين وتنقيهم وتكللهم وبواستطتها ننمو روحيا ونتعلم الثبات في الرب. نصرتنا فى الحروب الروحية أكيدة أن تمسكنا بايماننا بالسيد المسيح الذى أنتصر وعلمنا كيف نقاوم إبليس فيهرب منا. لقد حارب الشيطان ربنا يسوع المسيح بالأكل لكن الرب هزمه بالصوم ، وحاربه بالكبرياء قائلاً له ان يلقى بنفسه عن جناح الهيكل فى أبهار للناس بالمعجزات ولكن الرب جاء متواضعا ووديعا أنتصر بالتواضع وأنكار الذات. وأخيراً حاربه بترك الصليب ونهج الطريق السهل قائلاً: أعطيك ممالك الأرض كلها إن خررت وسجدت لي بدل أن تملك على قلوب البشر بالصليب. فانتصر الرب لنا وعلمنا ان لا نشتهي غرور وكبرياء وملك العالم بل نتطلع الي امجاد السماء مقدمين السجود والشكر لله.
المؤمن في حالة حرب روحية ... ولهذا ندرك أهمية الصلاة والصوم {هذا الجنس لا يخرج إلاَّ بالصلاة والصوم}. أن الشيطان يعمل جاها إن يدخل طرق العالم حتى فى الكنيسة، ولدى مؤمنيها بمحبة المال، ويدخل المكر والدهاء لعقول البعض تحت اسم الحكمة، أوالغاية تبرر الوسيلة، أوالكذب الأبيض. الشيطان يطل علينا عن طريق التلفزيون والدش والنت فبدل أن يسمع الطفل صوت الترتيل والعبادة يسمع ويرى المناظر الخليعة. واصبحنا محاصرين باغراءات العالم. ونسمع في كل مكان عن مغامرات الشر. والحق يقال أن شبابنا يحيوا وكانهم في جب الأسود. فلابد ان يتحصنوا بالايمان وبالصوم والصلاة فدانيال سد أفواه الأسود بالصوم والصلاة. فالحرب الروحية يجدها المؤمن من الشيطان وأعوانه في كل مكان. وأولادنا في المدارس والجامعات يواجهوا حرب الإلحاد والانحراف الخلقي ودعوات ترك الإيمان المستقيم ومن كثرة الإثم تفتر محبة الكنيسة. لكن فى ثقتنا بالله لا نخاف فأسلحتنا قادرة بالمسيح يسوع على هدم حصون، وإخضاع كل فكر لطاعة المسيح.
التجربة على الجبل وتجارب المؤمنين؟
نتعرض فى حياتنا الي تجربة وحرب الشك في أبوة الله لنا {إن كنت ابن الله لماذا يتركك جائعاً؟ ولماذا يسمح الله بالمرض وبالفشل وبموت أحبائنا؟. ولماذا يتعرض المسيحيين للظلم والاضطهاد؟. لكن علينا ان نعي أن الطريق الي السماء ليس مزين بالورود، ولم يدعونا الرب الي الطريق الرحب والسهل بل الي الطريق الضيق والكرب.{ بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت الله} (اع 14 : 22). الله الأمين وعدنا أنه رغم الطريق الضيق فان الله مهده لنا بل صار لنا السيد نفسه هو الطريق والحق والحياة ووعدنا أنه سيكون معنا كل الأيام والي أنقضاء الدهر.
لقد صام المسيح عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة وقد سمح للشيطان أن يجربه وأنتصر، وقد أورد الإنجيليون عينات من هذه التجارب تجربة الخبز وتجربة مجد العالم وتجربة إلقاء المسيح نفسه من على جناح الهيكل وقد أنتصر الرب في كل التجارب وكسر شوكة الشيطان عنا واستخلص لنا بصومه المقدس نصرة على جميع سهام الشرير الملتهبة نارًا.أن للتجارب الروحية مداخلها ومنها مدخل الجسد واحتياجاته وعلينا ان نتحصن بالشبع بكلمة الله. والله فى محبته لنا لن يهمل أحتياجاتنا بل يشبعها بطريقة روحية ويقدس الجسد والنفس والروح. وقد يأتى الينا الشيطان بحروب الذات والكبرياء ولكن ننتصر بالتواضع والأنسحاق وطلب العون من السماء وأنكار الذات ليختفى المؤمن فى المسيح يسوع. أما مدخل المادة والممتلكات وبريق العالم الخادع فيحتاج منا الى حياة الغربة والتجرد والتطلع الي غني ملكوت الله. السيد المسيح الذى صام عنا ومن أجلنا والذى خرج منتصرًا على كل تجارب العدو قادر أن ينتصر بنا أيضا مادمنا ثابتين فيه.
الانقياد بروح الله...
التجربة على الجبل كانت بعد المعمودية مباشرة حين جاء صوت الآب من السماء شاهدًا {هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت} بعدما حل الروح علي الرب يسوع المسيح بهيئة جسمية بشكل حمامة. كما أننا بعد المعمودية نصير أبناء لله بالتبني. ويجب أن ننقاد لروح الله لنصير أبناء لله حين نقبل نعمة البنوة ونتحد مع المسيح بشبه موته وننال نعمة الروح المعزي الحال ونجاهد بالصلاة والصوم يتسلم الروح القدس قيادتنا. والذي ينقاد بروح الله فقد ختم أن الله أبوه وهو ابن الله. الروح القدس هو الذي يرشد إلى جميع الحق، يعلم وينصح ويعزي ويشفع فينا بأنات لا ينطق بها ويأخذ مما للمسيح ويعطينا ويذكرنا بكل ما قاله السيدالمسيح. فإن كان الإنسان ينقاد بالروح في العمل والكلام ويسلك بالروح ولا يطفئ الروح ولا يحزن الروح، ويكون مراضيًا للروح مادام في طريق الحياة يسير يستطيع أن ينجو من حيل إبليس وينتصر فى التجارب ويعبر الضيقات لان الله معه.
التجارب في حياة أولاد الله حتمية ولا مفر لأن لنا عدو يتربص بنا. وأذ ننحاز إلى المسيح فاننا نعلن الحرب علي إبليس ومنذ معموديتنا وجحدنا الشيطان وكل قواته الشريرة وكل نجاساته وكل حيله الردية والمضلة فان الشيطان يحاربنا، فبعد أن خرج الشعب مع موسى من أرض العبودية واعتمدوا جميعهم في البحر الأحمر صارت الحرب مع عماليق. وبعد أن استعلن المسيح ابن الله بصوت الآب وحلول الروح القدس فقد شن إبليس الحرب الحرب عليه حتى على الصليب قال له { ان كنت أبن الله خلص نفسك} إذن التجربة نتيجة طبيعية لالتصاقنا بالمسيح واتحادنا معه ودخولنا إلى شركة معه وفيه بالروح القدس. ولم تخل حياة أحد من القديسين على مر العصور من التجارب. { جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يضطهدون}. والرسل الأطهار كم قاسوا من التجارب والتشريد والحبس والسجون الاضطهادات والضيقات والأحزان. ولكن في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. وهكذا الشهداء والأبرار الصديقين والنساء سكان البراري ورجال الإيمان والآباء، كم قاسوا وحملوا الصليب وتجربوا وطافوا معتازين مذلين مكروهين من العالم مجربين.
ولكن الذي يحلو لنا أن نتفكر فيه أن النصرة في المسيح وبالمسيح شيء أكيد .فالمسيح سحق الشيطان وبالصليب أشهرهم جهارا ظافرا بهم. رجع الشيطان مكسورًا مهانًا مذلولاً خائبًا. فالتمسك بالمسيح والحياة فيه، يزكي فينا الشعور بالنصرة ووعد المسيح قائم أنه أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو الشرير. وهكذا ندرك أنه مهما طالت التجارب وتنوعت فان الغلبة النهائية هي لحساب المسيح. ومايبنيه الشيطان في سنين فان السيد المسيح يهدمه بكلمة، لأن ابن الله قد جاء لكي ينقض أعمال إبليس. وهكذا يدخل أبناء الله التجارب وهم حاملون للنصرة في داخلهم كتلميذ يدخل الامتحان مستعد للأمتحان فلا يخاف {ثقوا أنا قد غلبت العالم}. لقد أدرك القديسين أن النصرة ليست بقوتهم ولا بذراع البشر، ولا اعتمدوا على عملهم ولا على قدرتهم بل على الله وحده. فكانت لهم الغلبة والنصرة على الشيطان وكانوا يزدادون اتضاعًا وإنكارًا لذواتهم ويزدادون ثقة في الله الذي يقويهم {أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني}. ومهما حدث للمؤمن فلا يجب ان يستسلم بل عليه ان يتمسك بالرجاء وأن سقط عليه إن يقوم سريعا مقدما توبة صادقة لله الذى يقبل التائب ويقول من يقبل اليّ لا أخرجه خارجا.
التجارب وفوائدها فى حياة المؤمن..
+ على المؤمن أن ينظر إلى التجارب كنعمة من الله وليس كنقمة لأن لها بركاتها الكثيرة ومنها إحساس المؤمن بوجود يد الله معه فى تجاربه وشعوره بالأكثر بالفرح، بعد أنقضائِها فعلاً ، وشكره لله عليها. التجربة تذيد المعونة والتعزية للنفس المتألمة ظلماً ، كما قال القديس بولس الرسول .{ كلما كثرت آلامنا ، كثُرت ( بنفس النسبة ) تعزياتنا أيضاً } ( 2 كو 1 : 5 ) . {عند كثرة همومى فى داخلى تعزياتك تلذذ نفسى } ( مز 94 : 19 ) . التجارب تُعلم المؤمن الصابر فضائل كثيرة ، وتُشعر المؤمن بضعفه ، فلا يفتخر بعمله، أو بجهاده الروحى {إن خفة ضيقتنا الوقتية ، تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقَل مجد أبدياً } ( 2 كو 4 : 17 ) . وكما قال القديس مار إسحق السريانى : " إن التجارب أبواب للمواهب " .
+ وللتجارب بركاتها فى الأبدية ( رو 8 : 17 ) ، ( أع 14 : 22 ) فمقدار المكافأة يكون حسب صبر الإنسان على احتمالها ، وعدم تذمره عليها . وعلينا أن نتمسك بوعود الله بإنقاذ الأتقياء من تجارب الشياطين ونصلى بروح التواضع محاربين بكل اسلحة الحرب الروحية ومنها الإيمان وكلمة الله والصلاة والصوم والتواضع { سأحفظك فى ساعة التجربة } ( رؤ 3 : 10 )
+ التجارب تقود للخير ( يوسف فى السجن + القاء موسى فى النهر + الفتية فى أتون النار + حرب شاول لداود + دانيال فى جب الأسود + أكاليل للشهداء والمعترفين بالإيمان ). فىتُظهر لنا أكل التجارب التى يتعرض لها ابناء الله تظهر لنا إمانة الله ، وبُطلان التعزيات الأرضية، وتُعلمنا أهميته التوبة والسهر الروحي والجدية، وعدم التعلق بالعالم وشهواته وحياة الغربة والتطلع الي السماء وأمجادها.
+ يقول القديس مارإسحق السريانى : " إن كنا أشراراً ، بالأحزان نؤدب وإن كنا أبراراً بالأحزان نُختبر " . فتذكر هذا الفارق الواضح . وقال أب قديس آخر : " عندما تأتينا التجربة ، يكون لنا شعوران : شعور بالفرح ، لأننا نسيرفى طريق الله الضيق ( المؤدى للملكوت ) ، أو شعور بالحزن ، لئلا تكون التجربة بسبب غلاظة القلب فينا " . وبدلاً من أن نفكر، ونحزن، ونتعب من التجربة ، نسأل انفسنا ، لماذا سمح الله بتلك الضيقة ؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق