للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
عيد الصعود وعمل المسيح الخلاصى
+ عيد الصعود المجيد يمثل
تتويج للعمل الخلاصى الذى قام به السيد المسيح
من أجلنا فى رحلة تجسده ليردنا الي الفردوس ويصعد طبيعتنا البشرية، بطبيعة روحانية نورانية، ممجدة للسماء كسابق لأجلنا.
فلقد صعد الرب الى أعلى السموات بالجسد البشرى الذى اخذه من العذراء مريم بجسد القيامة
الروحاني ، وأصعد طبيعتنا البشرية معه الى السماء، وانتهت مرحلة اخلاء الذات التدبيرى من اجل خلاص جنس البشر وبصعود المخلص تمجد الابن الكلمة واستحقت
البشرية نعم ومواهب وثمار الروح القدس { قال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به
وانا بعد معكم انه لا بد ان يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والانبياء
والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان
ينبغي ان المسيح يتالم ويقوم من الاموات في
اليوم الثالث. وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتدا من اورشليم. وانتم شهود لذلك. وها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي. واخرجهم خارجا الى
بيت عنيا ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم واصعد الى السماء.
فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون
الله امين} (لو44:24-52).
+ السيد المسيح الملك
الظافر الممجد في السماء وعلي الأرض في أحد الشعانين دخل الي اورشليم كملك وديع
وعادل ومتواضع ، وفى عيد الصعود يدخل غالبا الي أورشليم السمائية، كان
في أحد الشعانين راكبا على جحش واليوم راكبا على السحاب، دخل أولا وسط تسابيح
الشعب وفي عيد الصعود تستقبله الملائكة بالتسابيح، لقد استقبله أطفال القدس قائلين
خلصنا يا ابن داود واليوم يهتف الاباء والانبياء الذين ماتوا على رجاء ومعهم
نحن ونشكر الله الذى خلصنا وادخل طبيعتنا الى السماء، ونحن نصلى لصاحب العيد ليصعدنا
من الضعف والخوف والمرض والخطية وينقذنا من أعدائنا الخفيين والظاهرين .
+ ان الاحتفال بعيد
الصعود المجيد هو عيد سيدي كبير وتقليد
رسولي كما جاء فى الدسقولية التي هي تعاليم الاباء
الرسل (من أول اليوم من الجمعة الاولى احصوا
أربعين يوما إلى خامس السبوت ثم أصنعوا عيد لصعود الرب الذى اكمل
فيه كل التدبيرات وكل الترتيب وصعد إلي الاب الذى أرسله وجلس عن يمين القوة (دسق 31). لقد استقبلت الملائكة وكل قوات السماء المخلص بما يليق به من
إكرام وسجود كما تنباء بذلك داود النبي{ ارفعن ايتها الارتاج رؤوسكن وارتفعن ايتها الابواب
الدهريات فيدخل ملك المجد.من هو هذا ملك المجد الرب القدير الجبار الرب الجبار في
القتال. ارفعن ايتها الارتاج رؤوسكن وارفعنها ايتها الابواب الدهريات
فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد } (مز 4:24-10).
ونحن نتمثل بالملائكة ونفرح مع الاباء الرسل بصعود الرب الى السموات كسابق من أجلنا مترنمين كأمر داود النبي { يا
جميع الامم صفقوا بالايادي اهتفوا لله بصوت الابتهاج. لان
الرب ملك كبير على كل الارض. صعد الله بهتاف الرب بصوت البوق. رنموا لله رنموا
رنموا لملكنا رنموا. ملك الله على الامم الله جلس على كرسي قدسه}( مز1:47).
+ يذكرنا القديس ساويرس الأنطاكي (459-536م ) ، بهذا العيد كأَجل الأعياد إذ يقول:
"إني احتفل بتقاليد الرسل القديسين التي سلمها لنا أعمدة الكنيسة كميراث أبدي
لا يفنى بعد أن تسلموها كل واحد بدوره كما يتسلم الابن من أبيه، وهذه تمت على
أيديهم وأزهرت في الكنيسة، ومن بين هذه التقاليد التي استلمناها ما تنادي به
الكنيسة اليوم لتعلمنا به أن المسيح لأجلنا صعد إلى السموات" صعد السيد
المسيح الى السموات بالجسد الممجد اذ انه بلاهوته حال فى كل
مكان ولا يحويه مكان وكما نستقبل ارسال القنوات الفضائية ونراها صوت وصورة دون ان
نحدها فى الجهاز التلفزيوني الخاص بنا هكذا التجسد الإلهي لم يحد اللاهوت ولنا منه
الوعد الذى يعطي ثقة وإيمان وسلام للمؤمنين { وها انا معكم كل الايام الى
انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20). ونحن نثق ان الله كائن معنا { لانه
حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم} (مت 18 : 20) .
+ لقد صعد السيد المسيح
للسماء بجسد القيامة الممجد وهو بلاهوته حال فى كل مكان ومعنا فى كل زمان وباستحقاقات
الفداء والقيامة أرسل الروح القدس ليعزي المؤمنين ويرشدهم ويقودهم {لكِنِّي أَقُولُ
لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ
لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ.} (يو١٦:
٧). ووعدنا بان نكون معه فى السماء {فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ
فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا وَإِنْ
مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ
أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا} (يو١٤: ٢، ٣). كما أنه وعدنا بانه سيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات
{ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ،
وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.} (مت١٦: ٢٧).
{وَحِينَئِذٍ
تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ
قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ
بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ
مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.}
(مت٢٤: ٣٠، ٣١)
عيد الصعود في حياتنا
الروحية
+ جبل الزيتون لا يمثل الألم
والمعاناة فى حياة المخلص الصالح فقط حيث فيه قُبض عليه وسيق كشاة حتى الى
الصليب بل هو ايضا جبل السلام والفرح والارتفاع والصعود الى السماء، ونحن لكي ما
نتمجد مع المسيح ونصعد معه الى الفردوس وملكوت السموات فاننا نحمل بفخر صليبنا {
فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17). ونحن اذا نتبع خطي
التلاميذ والاباء الرسل نفرح بالصعود ونواظب على الصلاة بروح الوحدة والرجاء. وكل
من يود أن يرتفع قلبه إلى السماء يلزمه أن يحتمل مع المسيح ويشاركه الآلم ويحمل
الصليب. وان تكون له سمة الطاعة التي للابن نحو أبيه. يمكننا أن نقول بأنه من أجل
عصياننا نزل الأبن الكلمة من السماء، وبطاعته رفعنا إلى سماواته. لقد رفع يديه
الحاملتين لآثار الجراح ببركة صليبه، مقدّمًا دمه المبذول ثمنا لرفعنا
معه. وكما ان التلاميذ لم يحزنوا على صعود الرب ومفارقته لهم حسب الجسد، إنما
رجعوا إلى أورشليم بفرحٍ عظيمٍ، فلقد أدركوا أنه
حيث يوجد الرأس تكون الأعضاء، وما تمتع به السيد المسيح إنما هو باسم الكنيسة كلها
ولحسابها هكذا نحن ايضا ترتفع قلوبنا حيث المسيح جالس عن يمين العظمة فى الأعالي.
+ رجع التلاميذ الى
العلية يواظبوا على الصلاة بنفس واحدة طالبين مواهب وثمار وعطية الروح القدس
المعزي { حينئذ رجعوا الى اورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب
من اورشليم على سفر سبت. ولما دخلوا صعدوا الى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس
ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا اخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس
واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته} (أع 12:1-14). ونحن ايضا علينا ان نواظب على الصلاة بوحدانية القلب
والمحبة ونصلى ليحل علينا الروح القدس وثماره ومواهبه ويقودنا الله فى موكب نصرته.
+ عيد الصعود المجيد يرفع
قلوبنا وأفكارنا وأرواحنا الى السماء حيث المسيح جالس عن يمين الاب. فنحن نشكر
الله الذى أقام طبيعتنا واصعدها الى السماء. ونصلي ان يقيمنا من الكسل والتعلق
بالأرضيات الي سمو الفكر وارتفاعه عن كل فكر غريب عن محبة الله { هادمين ظنونا وكل
علو يرتفع ضد معرفة الله ومستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح
}(2كو 10 : 5). ان السيد المسيح الذى نزل لأجل خلاصنا هو
الذى صعد ايضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 9:4، 10). فنحن مدعوين الى
الصعود بحياتنا مع من صعد ليقيمنا ويرفعنا الى مرتبة البنوة والحياة السمائية. يرى القديس أغسطينوس أن حياتنا على الأرض
يمثلها الرقم اربعين، حيث نلتزم بتنفيذ الوصايا العشرة كل أيام حياتنا فنبلغ كمال
التطويبات، ونعمل على طاعة وصايا الله في كل أركان المسكونة وجهاتها الأربع، فالرقم
أربعين يشير الى حياتنا التي نعمل فيها فى العالم للثبات في المسيح لنرتفع معه ولا
نخجل منه فى مجيئه الثاني { والان ايها الاولاد اثبتوا فيه حتى اذا اظهر يكون
لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه} (1يو 2 : 28).
+ أن
يسوع المسيح الذى ارتفع عنا إلى السماء سيأتي هكذا ليدين العالم وياخذ
الابرار للحياة الدائمة معه ونحيا معه كملائكة باجساد نورانية روحية ممجده {ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون واخذته سحابة عن اعينهم. وفيما كانوا
يشخصون الى السماء وهو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض. و قالا ايها
الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء ان يسوع هذا
الذي ارتفع عنكم الى السماء سياتي هكذا كما رايتموه منطلقا الى السماء} (أع 1: 9-11) سيأتي السيد المسيح فى مجده للدينونة ومكأفاة الابرار ومعاقبة الاشرار {فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع
ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} (مت 16: 27). ولهذا فنحن نعد أنفسنا
بالتوبة الدائمة وثمار الأعمال الصالحة منتظرين سرعة مجئ ربنا يسوع المسيح.
أجذبنا اليك ..
+ اليك ايها المسيح
القائم منتصر على الضعف البشري والشيطان وكل قواته والموت وسلطانه نرفع قلوبنا وارواحنا
ونفوسنا ونصلى لتجعلنا بروحك القدوس ابناء قيامة وفرح وسلام ورجاء متجدد. فنحن
ابناء القيامة {فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن
يمين الله} (كو 3 : 1). نطلب ما فوق حيث انت جالس عن يمين الله الآب. فنحن غرباء
على الأرض كسفراء عنك نطلب من الناس المصالحة مع السماء بالتوبة والإيمان ووطنا
الحقيقي هو السماء بامجادها واليها نشتاق وبجمالها تنجذب قلوبنا وبمحبة الله المشبعة
نريد ان ننمو يوما فيوم.
+ ربنا والهنا يا من صعدت
الى السماء بمجد عظيم وانت القادر ان تجذبنا اليك وانت القدوس القائل {وانا ان
ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع }(يو 12 : 32). فكما تنجذب الاجسام المادية الي
الارض بحكم قانون الجاذبية، ندعوك ونحن كابناء وبنات روحيين لك ان تجذبنا اليك
بالروح وترفع أعين قلوبنا الى السماء حيث أنت جالس عن يمين العظمة فى الأعالى،
وحين تكون قلوبنا فوق فى السماء لن يجذبها العالم بحبال الباطل ولا الشيطان
باغراءات الشهوات الجسدية ولا تعظم المعيشة أو شهوة العيون ولا ننظر الى ماهو زائل
بل اليك تكون شهوة النفس والروح وتشبع عواطفنا وقلوبنا بروحك القدوس.
+ ايها الرب الهنا الذى
أتم وعده لرسله القديسين بحلول الروح القدس عليهم ووهبهم القوة والحكمة والنعمة
{لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في اورشليم وفي كل
اليهودية والسامرة والى اقصى الارض} (اع 1 : 8). فبقوة الروح
القدس جالوا باسمك كارزين وللتوبة والإيمان مبشرين وردوا الى الإيمان الكثيرين
وكان الروح القدس هو العامل والمتكلم فيهم {لان الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة
ما يجب ان تقولوه }(لو 12 : 12). نصلى اليك فى ثقة ورجاء ان تهبنا روح القوة
والحكمة والنعمة ليعمل فينا وبنا من أجل بناء ملكوتك السمائي داخل نفوسنا
وليستخدما روحك القدوس لنعلن محبتك لكل احد ولنزداد فى الرجاء بقوة الروح القدس
{ وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح
القدس} (رو 15 : 13). نصلى لكي نثمر فى الروح ونثبت فيك ويدوم ثمرنا. {واما انتم
ايها الاحباء فابنوا انفسكم على ايمانكم الاقدس مصلين في الروح القدس} (يه 1 : 20). ربى لتكون قلوبنا منجذبة اليك يا الله في السماء، لنصلى فى الروح وتقبل صلواتنا
وتستجيب لطلباتنا من أجل خلاص ونجاة كل أحد، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق